أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سامر سليمان - أوهام التحديث بالاستبداد















المزيد.....

أوهام التحديث بالاستبداد


سامر سليمان

الحوار المتمدن-العدد: 1138 - 2005 / 3 / 15 - 10:38
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


النخبة السياسية والثقافية المصرية لا زالت مترددة أمام مسألة الديمقراطية. هناك شبه إجماع على أن هناك أزمة اقتصادية واجتماعية وسياسية حادة تضرب البلاد. ولكن هناك خلاف على تفسير الأزمة وعلى مسالك الخروج منها. وأهم الخلافات تتعلق الآن بمدى الديمقراطية التي يجب أن يحصل المجتمع عليها من الدولة. هناك تيار يطالب بمنح المجتمع المصري مقدار من الحرية لا يقل عن ذلك المقدار الذي حصلت عليه دول مثل جنوب أفريقيا. هذا التيار يعلو صوته ويكتسب أنصار جدد. ولكن على الجانب الأخر، هناك تيار يرى أن المجتمع المصري بأزماته لا يستطيع أن يتحمل مثل هذا القدر من الديمقراطية، وأن الأولوية الآن لإنجاز مرحلة ضرورية من التصنيع والتحديث. إنها نظرية الاقتصاد أولاً التي لا يزال البعض يؤمن بها. هاذين الموقفين النقيضين لا يمثلوا إلا أطراف المواقف، فجزء كبير من النخبة لم يحسم خياره بعد، ولازال يتأرجح بين الاختيارين. فهو قد يفكر في الصباح أن مصر لن تنصلح إلا بالديمقراطية، ولكنه يعود أخر النهار باعتقاد أنه لا بديل عن الاستبداد في هذا البلد. يبدو أن النقاش لم يتطور بعد إلى المستوى الذي يبلور المواقف المتذبذبة.

أحد أهم المشاكل التي تعوق تطور النقاش يكمن في أن أحد طرفيه لا يريد، بل لا يستطيع، أن يطرح موقفه بصراحة. فجناح الاقتصاد أولاً يعلن موقفه في معظم الأحيان بشكل غير مباشر ومقتضب، في حين أن جناح إصلاح السياسة قبل كل شيء قد قال ما عنده، وكرره، ولا يزال يكرره. فهو يطالب بفتح المجال السياسي أمام مشاركة أكبر، وهو المطلب الذي يسهل طرحه والدفاع عنه، لأنه يساير الأيديولوجية السياسية المهيمنة في العالم كله.. الإيديولوجية الديمقراطية. صحيح أن دولاً كثيرة لا تطبقها، أو تطبقها بشكل انتقائي وجزئي. ولكن الكل يدافع عن الديمقراطية ويعلن ولائه لها، حتى أعتى الاستبداديين. لم يعد هناك كثيرون في العالم يستطيعون الدفاع علناً عن فكرة الاستبداد، بالضبط كما أن قليلين يستطيعون الدفاع عن العنصرية. الكل مضطر لأن يساير الفكرة الديمقراطية ويتبناها، هذا بالطبع مع احتفاظه " بحقه " في أن يفرغها من محتواها. يختلف هذا كل الاختلاف عن الوضع في أوروبا قبل أن تترسخ بها النظم الديمقراطية. لقد كان هناك قوى تدافع علناً عن الاستبداد وتكتب فيه الشعر. لهذا وجدنا على الجانب الأخر قصائد بديعة في هجاء الاستبداد وفي التغني بفضائل الديمقراطية. وهو الأمر الذي لا نجد له مثيلاً اليوم. ليس لأن الناس أقل قدرة على الهجاء، ولكن لأن التيار الذي يدافع عن الديمقراطية لا يستطيع أن يمسك بخصمه لكي يكيل له النقد. فهو أمام خصم مراوغ.

أهم ما يميز فكرة الاستبداد اليوم هو لجوئها إلى الاقتصاد. العنصرية لجأت إلى الثقافة لكي تتخفى ورائها. لا أحد يجرؤ اليوم على وصم الجنس الأسود بالتخلف. ولكن البعض له أن يفسر تخلف مجتمع بثقافته الأفريقية. وبالمثل فإن لا أحد يجرؤ على وصم العرب بالدونية، ولكن البعض له أن يفسر تخلف مجتمعات بثقافتها العربية. وبالمثل، لا أحد يمكن أن يدافع عن الاستبداد، ولكن له أن يقول أن ضرورات الاقتصاد تحتم قدراً محسوباً ومتدرجاً من الديمقراطية. لماذا؟ لأن البلد منهار اقتصادياً واجتماعياً.. البطالة منتشرة، الفقر مهيمن، الإنتاجية متداعية، الأخلاق في الحضيض واليأس قابض على القلوب. ولكن إجراءات الإصلاح لن تحظى بشعبية.. لأنها مؤلمة. الدواء المر يجب إذن أن يعطيه طبيب قوي الشكيمة يستطيع أن يفرض العلاج على مريض يفضل الموت ببطء على تجرع الدواء.

مشكلة نظرية الاقتصاد أولاً، أو التصنيع السريع والتحديث بدون مشاركة سياسية واسعة، تكمن في أنها تحتاج لتطبيقها قدراً عالياً من عنف الدولة. هذا ما حدث في كل الدول التي انتهجت هذا الطريق، من أندونيسيا سوهارتو شرقا إلى بينوشيه شيلي غرباً. وهذا العنف لازم لكي ينفتح الطريق أمام القوى الاقتصادية حتى تنجز عملية التراكم الرأسمالي. بعبارة صريحة، لكي نمشي على خطى النمور الآسيوية سيكون على الدولة أن ترتفع بمستوى العنف الذي تمارسه إلى درجة غير مسبوقة في تاريخ مصر الحديث.

ولكن العنف وحده لن يأتي بنتيجة. فالأمر يحتاج أيضاً لجماعة، ولو قليلة، تحمل المشروع التحديثي على أكتفاها. هذه الجماعة غير موجودة في مصر. تظل كل الأحزاب التي حكمت البلاد ضعيفة، من الاتحاد الاشتراكي مروراً بحزب مصر العربي الاشتراكي ووصولاً إلى الحزب الوطني. لقد ظهر في مصر الزعيم القوي. ولكن هذا الزعيم لم ينجح أبداً في تأسيس جماعة مترابطة قادرة على تحقيق مشروعاته. أنظر على سبيل المثال إلى حالة عبد الناصر.. لقد كان يحظى بشعبية كبيرة. ولكن هذه الشعبية لم تعوض له غياب التنظيم السياسي القوي. والحقيقة أن عبد الناصر كان واعياً بذلك، حتى قيل أنه فكر في الاستقالة من رئاسة الجمهورية لكي يتفرغ لبناء هذا التنظيم. لكنه لم يفعل. وعندما وافته المنية، ترك تنظيماً هشاً استطاع السادات أن يحيله للتقاعد بدون إطلاق رصاصة واحدة. والسادات، هو الأخر، فشل في إقامة تنظيم سياسي قوى. فحزبه الوطني الذي أسسه لم يقل ضعفاً عن الاتحاد الاشتراكي، بل أن هذا الحزب قام أساساً على عناصر مهاجرة من هذا الاتحاد. هذا الفشل حدث بالرغم من أن السادات كان وحشاً سياسياً. والحقيقة أنه من الصعب خلق حزب سياسي من أعلى. كل الأحزاب المصرية التي خرجت من رحم السلطة فشلت.

من حق البعض أن يحلم بأن يكرر في مصر ما يحدث الآن في الصين من تحديث وتصنيع سريع في ظل الاستبداد. ولكن عليه أن يقول لنا كيف له أن يخلق مؤسسة سياسية في قوة الحزب الشيوعي الصيني، مؤسسة قادرة على تخطى المصالح الفردية وعلى قيادة وتنفيذ الانطلاقة الرأسمالية. وإذا استطاع أن يؤسس ذلك الحزب كيف له أن يضمن مساندة دولية لمشروع لن يكتفي بالقدر الحالي من الاستبداد، ولكن سيزيد منه إلى درجة غير مسبوقة. صحيح أن الدول الكبرى برجماتية، وهي مستعدة في كثير من الأحيان للتعاون مع نظم استبدادية إذا كان ذلك فيه منفعة. ولكن هي على الأقل ترفع شعارات مساندة للديمقراطية في العالم الثالث، ولو تعاونت مع مثل تلك النظم سيكون ذلك التعاون على استحياء وغالباً في الخفاء. لقد كان الحصول على المساندة للمشروعات التحديثية الاستبدادية أسهل بكثير في ظل الحرب الباردة، حينما كانت الدول الكبرى تفتح خزائنها وأسواقها بكرم شديد أمام بعض النظم الاستبدادية لكي تضمن ولائها في ظل استقطاب عالمي شديد بين الشرق والغرب. ولكن لا يخفى على أحد أن الأمر الآن مختلف. بانقضاء الثمانينات، انتهت الظروف المثالية لإقامة تحديث استبدادي عنيف. لقد ضيع أصحاب نظرية الاقتصاد أولاً فرصتهم التاريخية في الثمانينات، بل وفي أوائل التسعينات. ولكن الغريب أنهم يعتقدون بإمكانية اللحاق بالقطار الآن. فهل لنا أن نعرف كيف؟



#سامر_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الرابطة بين القضية القومية والقضية الطبقية
- في تشريح الصراع الاجتماعي والسياسي في مصر
- دعوة للحوار
- نحو رؤية يسارية للمسألة الديمقراطية


المزيد.....




- ضابط فرنسي سابق: قيادات كييف مرتبكة بسبب تقدم القوات المسلحة ...
- شولتس يحذر من هجوم واسع على رفح وغانتس يطالب بخطة من ست نقاط ...
- مسيرة في لندن تنديدا بالحرب على غزة
- الأمطار الغزيرة والسيول تخلف ما لا يقل عن 68 ضحية في أفغانست ...
- LG تعلن عن سماعات لاسلكية بمواصفات مميزة
- مشعل: المقاومة في غزة ما زالت بخير
- حميميم: -جبهة النصرة- الإرهابية تخطط لمهاجمة مواقع عسكرية رو ...
- المعارضة المولدوفية تعلن إطلاق حملة -لا لعضوية الاتحاد الأور ...
- -ديلفري-.. ضبط شخص يوزع المخدرات في مدينة بنغازي الليبية (صو ...
- تونس.. ضبط 6 -عناصر تكفيرية- مطلوبين لدى الجهات الأمنية والق ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - سامر سليمان - أوهام التحديث بالاستبداد