أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجية جنة - الواقعية والأدب الحي في - أسلاك شائكة - لمصطفى لغتيري















المزيد.....

الواقعية والأدب الحي في - أسلاك شائكة - لمصطفى لغتيري


نجية جنة

الحوار المتمدن-العدد: 3931 - 2012 / 12 / 5 - 02:14
المحور: الادب والفن
    


لعل المتفحص لرواية أسلاك شائكة -التي صدرت عن دار النايا بسوريا ودار الوطن بالمغرب ودار.... بالجزائر سنة 2012- ينبهر وتتملكه الدهشة كلما استمر في القراءة وغاص في أحداث الرواية، ليجد نفسه وسط عالم فريد يزينه الأسلوب الشعري والإيحاء و التضمين إضافة إلى الصورة المتمردة الخلابة و المؤثرة التي تتغذى من تراجيديا الواقع بخلفياته التاريخية وما يزخر به من تأثيرات ومخلفات سياسية واقتصادية واجتماعية ونفسية على حد سواء.
لأول مرة في تاريخ الرواية المغربية يتطرق كاتب إلى موضوع إغلاق الحدود بين المغرب و الجزائر وما نتج عنه من مخلفات سلبية ، وخصوصا في الجانب الإنساني ، بحيث خلفت عملية التهجير مآسي انسانية و مشاكل اقتصادية وسياسية لا تزال نتائجها إلى الآن.
تبتدئ الرواية بصورة لحياة سعيدة لأسرة تتكون من زوج مغربي "احميدة" وزوجته الجزائرية " الزاهية" يقطنان بالجزائر في ص 5 " ألقى نظرة مبتهجة على وجه الزاهية ...تملى من صفحة وجهها الجميل... كل ذلك يبعث في نفسه شعورا بالانتشاء، ويلقي في ذهنه وقلبه إحساسا لا يخبو توهجه...إنه استطاع أن يغنم من الحياة أفضل ما فيها" وصف جميل لحياة هنيئة سعيدة يملؤها الحب والاحترام ، لقد جعله حب الزاهية يغير من عاداته ، جعلته يحب الاستقرار ويغادر حياة التجارة و التنقل ويمتهن الفلاحة التي كان بعيدا كل البعد عنها ، عاش معها رفقة أمها فطوم الطيبة في بيتها التي ورثته عن أبيها ، ص 7 " ما أن تقاطعت طريقه بطريق الزاهية حتى انقلب رأسا على عقب...حياته تغيرت بشكل جذري، فلم يندم على شيء، حين قرن مصيره بمصيرها ، لقد سلبت لبه ، فكان لزاما أن ينخرط في حياتها بكل تعقيداتها" يسرد لنا الكاتب تقديم مريح باستعماله ضمير الغائب فهو يملك زمام شخوصه وسيصيرها لمصير رسمه لها مسبقا " إن استعمال ضمير الغائب يتيح للكاتب الروائي أن يعرف عن شخصياته ، وأحداث عمله السردي كل شيء، وذلك على أساس أنه كان ....يزدجي الأحداث وشخصياتها نحو الأمام ، فيكون وضعه السردي قائما على اتخاذ موقع خلف الأحداث التي يسردها" 1 ثم يعرفنا بالظروف التي كانت متاحة في التنقل بين المغرب و الجزائر ومدى التشابه الملحوظ بين سكان البلدين الجارين ص 8 تفاجأ كثيرا حين التقى بالكثيرين منهم، بدوا له مثله ومثل باقي الناس الذين يعيش بين ظهرانيهم...لا يختلفون عنهم في شيء...سحناتهم متشابهة...ملابسهم..." يبين الكاتب مدى التشابه الفيزيزلوجي بين سكان المغرب والجزائر وكيف كانت النقطة الحدودية تزدهر فيها الحركة والتجارة بين كلا الطرفين ، هذا التمهيد الواعي ما هو إلا لعبة سردية من الكاتب حتى يظهر للقارئ فيما بعد الهوة السحيقة التي ستصبح بين الشعبين الذين كانا شعبا واحدا في فترة معينة من التاريخ، وحتى يبين مدى تأثير المستعمر ومخططاته على تفرقة الشعوب العربية، وخلق دويلات يسهل استغلالها وكسر شوكتها .
إن السارد له حمولة أيديولوجية مشروطة بأهداف معينة، فالرواية ليست ذاتية ولكنها تعبر عن واقع وأشخاص حقيقيين لهم امتداد تاريخي إنساني ولكن الكاتب أراد أن يوصلها فنيا ، وهذا ما يصطلح عليه بالأدب الحي ، بالإضافة إلى البعد السيكولوجي الذي يصف تفاعلات ومشاعر محبطة في واقع يجعل الفرد يعلق طموحاته وآماله على هدف معين ألا وهو فتح الحدود ، لتظل كل الشخصيات خاضعة لتجربة الجماعة ، ويظل ضمير الغائب يوثق الأحداث التاريخية بشخوص واقعية تمثل مركز الاهتمام فضمير الغائب هو بؤرة جميع الأصوات و الناقل لتجربة كل الشخصيات فهو "الوسيلة التي يتوارى وراءها السارد فيمرر ما يشاء من أفكار ، وأيديولوجيات ، وتعليمات ، وتوجيهات ، وآراء ، دون أن يبدو تدخله صارخا ولا مباشرا...إن السارد يغتدي أجنبيا عن العمل السردي ، وكأنه مجرد راو له ، بفضل هذا الهو العجيب " 2
في ص 8 يقول "انتقل إلى هناك بيسر لم يتوقعه ، و تدريجيا اعتاد الأجواء في مستقره الجديد" إن السارد يتنقل ببراعة من ضمير الغائب إلى الحوار المباشر بين الشخصيات ، كما يصور الحيز المكاني و الزماني الذي يتطلبه الموقف في ص 9 "التفت احميدة نحو باب الغرفة ، الذي انفتح فجأة ...رأى الزاهية تعلن عن نفسها ببذخ...زادها انتفاخ بطنها أنوثة...دنت منه ثم حييته قائلة: صباح الخير...صباح الخير يا أم المهدي...لا أبدا بل أم المهدية" هذا الحوار يصور الحياة السعيدة التي يسودها الحب والوئام في بداية الرواية والتي أتى بها السارد ليعمق من أزمة القارئ فيما بعد ، إنها إشارات تلميحية وإيحاءات
لبداية الأزمة في الحوار بين احميدة وجاره لخضر في ص16 "- ما بك ، آلحاج لخضر، ماذا حدث؟ لم أنت غاضب مني ... هل بدر مني –لا سامح الله- تجاهك أي أمر مشين؟
الا تعرف ماذا حدث؟ أنتم غادرون...
- وما دخلي أنا بالأمر، احميدة لا يعير أي اهتمام لموضوع الحرب، فهو أمر لا يصدق ، بل من المستحيل ، كيف وهو الشعب الواحد مند أمد بعيد والتاريخ يشهد على هذا ، فهو لا يعتبر نفسه غريب في الجزائر ،إنها سخرية الموقف التي يوظفها السارد حتى يظهر مدى الأزمة النفسية ومدى خيبة أمله فيما بعد .
- في ص 17 لم يعثر في أعماقه على الطاقة اللازمة التي تسعفه للاستمرار في عمله، ...الأحداث الطارئة تنيخ بثقلها على نفسه ...حتما ستنغرس العداوة عميقا في قلوب الناس ، وسيؤدي الأبرياء الثمن ، حتى جاره خاطبه بطريقة لم تكن تخطر على بال ، ماذا سيكون رد فعل الآخرين خاصة السفهاء من الناس الذين لا يفقهون عمق الأمور ..."
إن رواية أسلاك شائكة لا تقدم أطروحة بقدر ما تسرد حقائق واقعية لها بعد تاريخي ، إذن فهي رواية سوسيوتاريخية تنقل أحداث مركزية ومحيط مأساوي تصب في مجرى التاريخ في محاولة واعية من التخييل الواقعي ، في البداية نواجه مشكل أسري يحكي عن ظروف وضع الزاهية لمولودها الأول ومصادفته لبداية الحرب بين الدولتين في ص 22 " تفو ...اللعنة...من أين خرجت لنا هذه الحرب القذرة؟
في ص 23 " لم يترك أحميدة نفسه تستسلم للحزن أو الغضب ، فقط انشغل بالوافد الجديد...الطفل يداعب خياله ...المهدي ...و حتما حين يصبح شابا ورجلا ...سيكون هو عائلته..."
مع بداية السرد الروائي يوظف السارد الإيحاء لرسم مسارات شخوصه وتحديد مصيرها ، يعيد حبك أوضاع لها جذور واقعية لطرحها على مستوى التخييل ، وهذه محاولة واعية من التخييل الواقعي.
فكل الشخصيات الرئيسية تعيش اشكالية تحديد المصير ، ينطلق السارد من الواقع التاريخي إلى الحالات النفسية التي تأثرت به، لقد انشغلت الرواية بقضية واحدة وهي قضية إغلاق الحدود ولكن لغتيري دفعها لتكون أبعد وأعمق دون أن يحدد لها أي مسار سياسي ودون أن يحسم لصالح أي جهة ، لقد ظل محايدا ، أما فضاء الرواية فقد التقى الماضي بالحاضر و المستقبل ، همه الوحيد هو مصير الإنسان رغم أنه حدده التاريخ بوضوح في إطار زماني ومكاني ، فالسارد رغم ذلك اتخذ منحى السرد الاجتماعي النفسي لشخوصه، " كل أدب يتعرض لمشكلات عصره بطريقة إيجابية هو أدب واقعي ، تقوم واقعيته على جوهر الوظيفة التي يختارها كموقف إزاء المجموع" 3 فالكاتب يرصد الواقع مباشرة وكأنه يصوره ، فهو يمسك بالحدث ويتدرج به إلى أن يصل إلى قمة توثره وتأزمه ، وهذه براعة تقنية مضبوطة قلما نجدها في الروايات الحديثة. فالبطل احميدة ظل يحس بالاغتراب داخل وطنه الأصلي ، وهذا اغتراب نفسي محض ، تفتح الرواية بحياة سعيدة هنيئة يغمرها الحب و الوئام فتتحول إلى بؤس وشقاء بسبب التهجير الذي طال الزوج لتظل الزوجة رهينة الشقاء والألم والانتظار ، إنها سياسة الجينيرالات الجزائر الذين تفتقت عبقرياتهم عن تفرقة شمل الأسر البسيطة من عموم الشعب لإرضاء نزواتهم الطاغية ، فتعرض كلا الشعبين لنفس المصير ، حتى وإن اعترضوا كان مصيرهم التهميش والانتظار الذي لا يزال رهين آمالهم الواهية ، وتظل كل شخوص الرواية يتتحرك في دنيا من السلبية و الحزن والحلم والوهم ، مسكونة بفتح الحدود ، التيمة الأساسيةوالتي لها وحدة دلالية أساسية – إلى متى سيظل الانتظار؟؟
في الواقع هناك شعبين متقابلين والتيمة الرئيسية هي إغلاق الحدود وحولها يتمحور السرد ، ويمكن أن نتخطى النص الواقعي إلى المرموز ، لنتكلم عن شمولية التيمة أي التفرقة التي بثها المستعمر في الشعوب العربية، والبطل يتخذ شكلا دراميا لتتحول الرواية إلى تراجيديا ، فلا حل للعقدة في خضم واقع مأزوم، لقد توصل السارد إلى استبطان مشاعر الشخصيات وإظهار حياتها وصولا إلى أصغر جزئية ، لكن هذه الشخوص ظلت في وضعية تبعية تامة للسارد إلى درجة تخطي الكاتب لوظائفه ، فهو يقوم بدور التمثيل ودور المراقبة ، فهو يتحكم في أدوات التمثيل الروائي ، وخاصة نظرته للفارق الضروري بين التخييل و الواقع ، كما تعبر الشخصيات عن موقفها الذاتي حيال الأحداث المسرودة.
أما الوصف فهو يسهم بفعالية في الكتابة الواقعية ، بحيث يخلف إيهامات أو مظاهر من الواقع ، فوصف الحدود و الناس المتجمهرة وحركاتهم حيث يحتشدون ، تظهر مدي تأزم حالتهم النفسية ، فالصور تؤدي دور التركيز على المأساة, في ص 40-41 " ظلت الزاهية تحمل بين جوانحها الهم الثقيل ، كانت تستطلع الأخبار ، عرفت أن الكثير من الأسر شتتها هذا الترحيل ،...في جل الوقت تغلق على نفسها الغرفة وتنخرط في البكاء ...ابنتها تكبر بين يديها دون أن تعرف لها أبا ...اشتد بها الشوق هذا الصباح ، شعرت بغصة قوية ، أحست بأنها لم تعد تقوى على العيش بعيدا عن زوجها . حينها فكرت أن تفعل شيئا ، على الأقل تراه ، وتطمئن إلى وجوده هناك قريبا على الحدود ... ركبت الحافلة ...لأن العساكر كانوا يوقفون الحافلة في محطات عدة...يأمرون الركاب بإشهار بطائق هويتهم...وحين يثبت لهما شخص ما ...يحمل بطاقة مغربية يطلبان منه الترجل....كان المشهد بئيسا ...أمسكه العسكري بخناقه ، ودفعه بشكل مهين، رد الرجل المسن: أنا جزائري أكثر منك ، أنا شاركت في حرب تحرير الجزائر..."
صورة قاتمة ينقلها السارد عن وضعية المغربة أنذاك في الجزائر ، إهانة وعنف نفسي وجسدي ، ثم تهجير تعسفي
في ص 43" لا تدري أي سبل تنهج في طريقها...توجهت عند شاب ...وأخبرته أنها ترغب في الذهاب إلى المنطقة الحدودية "جوج بغال" – هل فقدت عقلك يامرأة؟ إن الحدود مغلقة ، وتلك منطقة عسكرية ممنوعة ...لا يمكن للمدنيين الوصول إليها ...أشار إليها بمكان السيارة ....ركبتها فوجدت بداخلها أناسا يعيشون نفس مأساتها . نساء فقدن أزواجهن ، ورجالا فقدوا نساءهم . تبادلوا الحديث عن المأساة على طول الطريق الذي قطعته السيارة ..." تظهر هنا المفارقة بين بداية الرواية حيث سهولة التنقل ورواج التجارة بين البلدين وبين تأزم الوضع بسبب الحرب وإغلاق الحدود ، ص14 "آخرما يمكن تصديقه أن يشتبك المغاربة و الجزائر في حرب ، فإلى وقت قريب كانت أصداء التعاون بينهما ضد المستعمر الفرنسي على كل لسان والجميع تداول بفخر رفض المغرب ترسيم الحدود بينه وبين الجزائر بطلب من فرنسا المستعمرة" فقرة مبطنة موحية ، لقد نجحت قوى خارجية في تفرقة الشعوب العربية ، فكل بلدين مجاورين تنشب بينهما حرب وخلافات حدودية واهية ، والعصبية العربية الجاهلية تكرست من الشرق إلى الغرب ، لقد نجح الاستعمار في بث البلبلة و التفرقة و الحروب بين كل الشعوب العربية .في ص 14 " أشار المذيع إلى أن هناك تدخلا دوليا وعربيا في الحرب ، بعض القوات تنتمي إلى الجيش المصري مشاركة في الحرب إلى جانب الجزائر وتستخدم أسلحة روسية يشرف عليها تقنيون روس ، فيما كانت أيادي الأمريكان والفرنسيين الخفية توجه المغربة عن بعد ..." هذه الإشارة الطفيفة لها تأثير قوي على القارئ فالمعطيات التاريخية والاجتماعية المساهمة في صنع رؤية ذات مرتكزات أيديولوجية محددة تصارع قوى الشرق وقوى الغرب، والشعوب العربية تؤدي الثمن.
إن أسلاك شائكة تعد ضمن الروايات الحديثة ، تتوفر على حكاية شبه آلية ، تفاصيلها منسجمة تتوزع على شخصيات محددة تفي بالغرض السردي كل حسب الأحداث المتنوعة التي عاشتها ، فالحقبة المصورة لها دلالة تاريخية ، و بالتالي فالشخصيات المتخيلة ليست سوى شخصيات واقعية ممثلة داخل الوصف المكثف للأحداث وانشغال الكاتب في هذه الرواية يتمحور حول فتح الحدود ، ويتخذ شكلا مزدوجا مع الحقبة الموصوفة ، وطبيعة الصراع الذي يتواجه فيه شعبان و هو يعتبر عماد العقدة الروائية التي تتحرك في مدار بسيط يتكون من 79 صفحة ، ولكن حمولته شاملة ، هادفة ، ذات حبكة ذكية وذات بعد انساني واقعي تاريخي.
إن شخصيات الرواية الرئيسية هما احميدة و الزاهية تتحلق بهما شخصيات ثانوية فقط لإبراز مدى الهوة التي سيخلفها تهجير احميدة نحو وطنه الأصلي ، فالصراع سيبدأ في قلب الرواية والتاريخ معا بحيث سيرمز صراع الشخصيات إلى الصراع القائم بين البلدين ، وسيكشف الهوة السحيقة بين البلدين خلال نصف قرن (تصادم مستمر) ، إن السارد يهدف من وراء تركيزه على هذه الثنائية إلى طرح مشكل الحدود وضياع المصالح المادية الموجودة في قلب الرهان والتي سيتم تعويضها بعمليات التهريب .
والصورة الوحيدة المتبادلة بين الشعبين تتجلى في وقوف الناس في الحدود المواجهة لبعضهم وتهافتهم لتبادل الكلام والمعلومات والأخبار من خلال الإشارات و الرسائل ، هنا يكرس فكرة الشعب الواحد .
في ص 52 و53 "ذهبت الزاهية إلى حيث تشعر بأن زوجها قريب منها ، قطعت تلك المسافة مرات عدة .... بمرور الأيام و الشهور ارتخت قبضة السلطات العسكرية على المنطقة وسمحوا للناس تدريجيا بالاقتراب. كانت الزاهية في الموعد، هرولت نحو المنطقة القريبة من الممر الحدودي ،حملت منديلا كان يستهوي احميدة... بدأت تلوح به كالمجنونة ، وكثير من الدموع تغسل وجهها .... حين يقترب المساء ، تعود الزاهية إلى البيت حاملة معها خيبتها ، بعض الانكسار يظهر على ملامحها..." إنه التمزق النفسي والإحباط اللذين يتعبان قلب الزاهية حتى أن صحتها تدهورت لتنتهي حياتها وتترك ابنتها وحيدة رفقة جدتها ، والتي سوف تكمل مشوار أمها في رحلتها للبحث عن أبيها في الحدود ، ص 66 " حين يحين وقت تقديم الأخبار ، كانت الفتاة الصغيرة تتلقف صور معاناة الفلسطينيين مع الحدود ، التي برع الجيش الإسرائيلي في تحصينها بالأسلاك الشائكة ..كانت الصور تنقل فلسطينيين يحاولون اقتحام هذه الحواجز ، وفي المقابل كان أفراد من الجيش يشهرون أسلحتهم النارية على صدور المتظاهرين ...ركزت الكاميرا على طفلة صغيرة ينحدر دمعها مدرارا، تقول ببراءة إنها اشتاقت لصديقاتها على الجانب الآخر من الحدود. هذه الصور كانت كافية لتذكر المهدية الفتاة التي تجاوزت التعليم الابتدائي بقليل بمأساتها الخاصة ...جدتي يجب أن أزور أبي " هذه الفقرة لها وجهين مبطنين ، الأول مقارنة حالة الحدود مع الحالة التي بين اليهود وفلسطين ، وهنا الصورة قاتمة ومؤثرة ، يريد الكانب أن ينقل من خلالها مدى المعاناة التي يعيشها الناس نتيجة إغلاق الحدود وخصوصا المهجرين في ص70 " شعرت الفتاة برهبة من تلك الأسلاك ...تدفق الناس نحو الممر الحدودي....كان الامر متشابها في الجهة الموالية...ألا يمكن صاحب اللباس الأزرق هو أبي ؟...هو الآخر يلوح بيده ...ربما يفعل ذلك ليوهم نفسه بأنه قد عثر على أقاربه ، حتى يخرج من حالة نفسية تكبس عليه مند مدة ..."الحالة النفسية المتأزمة انتقلت من الآباء إلى الأبناء ، لقد استمرت الأزمة مدة نصف قرن .
بخصوص احميدة كانت أزمته أكبر و أمر ، عاش بقرب النقطة الحدودية في انتظار فتح الحدود ، في ص 47 " يتطلع إلى الأطفال حاملي المحافظ المتجهين بفتور صباحي ظاهر إلى المدرسة...كان يخفف ما في نفسه من هم ويجدد الأمل في أعماقه بأنه سيرى يوما ابنه المهدي " فهو لا يعرف حتى أن له أبنة ، صورة تجسد قمة المعاناة النفسية التي يعاني منها احميدة ، لقد اتخذ كلبا صديقا ليؤنس وحدته و استمر وفيا لحب زوجته ، رغم أنه كان يجسد اشتياقه بملاحقة أحدى النسوة التي تشبه زوجته، ص 48 "كان يختلق الأعذار لفسه ليمر من أمام العمارة...اكتفى احميدة بهذه الابتسامة التي أصبحت تدريجيا تزين حياته الفارغة من حنان أنثوي " هي الأخرى تعاني من التهجير ، طردت لتترك ابنتها وزوجها ، وتظل بدون معيل فتلجأ للدعارة في ص 78-79 " التفتت نحوه فإذا المفاجأة تصعقه ، إنها راضية بلحمها ودمها . بهت أمام هول المشهد ، الذي لم يتوقعه أبدا...أحست راضية بالخجل ...مدت يدها نحو رداء لتستر به نفسها ثم قالت ، لابد للمرء أن يعيش ، لم يكن لدي خيار "
ص 79 " لم يرد على كلامها ، وإنما واصل طريقه نحو الخارج ، بينما انتصب سؤال كبير في ذهنه أرهقه إلى حد لا يمكن تصوره " ترى هل تكون الزاهية قد تعرضت لنفس المصير ؟؟" إن حالة لحبيب النفسية ازدادت تأزما وتعقيدا والسارد جعل نهاية روايته مقتوحة ليزداد تماهي المتلقي وتزداد حيرته وتساؤلاته وهذا أيضا من خصائص الأدب الروائي الحديث والذي يتميز بالحياة والديناميكية .



#نجية_جنة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عفوا ومعذرة
- حنين إلى عيش الجبل
- الوعي الاجتماعي والسخرية اللاذعة في - الربيع حلم شتوي- للقاص ...
- صمت الطبول
- after your departure
- البعد الإنساني في رواية - أسلاك شائكة - للروائي مضطفى لغتيري
- الحس الاجتماعي في المجموعة القصصية وقع امتداده و رحل للأستاذ ...
- على شفاه اللوعة بكى القمر
- التكثيف الدلالي للرموز الطبيعية في قصيدة - ريح الفلوات تعانق ...
- الأسلوب الرومانسي للكشف عن خبايا الذات في -وحي ذاكرة الليل- ...
- الآلام والآمال في قصيدة -عاشقة الثريا - لنعيمة خليفي
- الانزياح الدلالي و البعد الرمزي في شعر رشيدة بورزيكي قصيدة - ...


المزيد.....




- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...
- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...
- الفيلم اليمني -المرهقون- يفوز بالجائزة الخاصة لمهرجان مالمو ...
- الغاوون,قصيدة عامية مصرية بعنوان (بُكى البنفسج) الشاعرة روض ...
- الغاوون,قصيدة عارفة للشاعر:علاء شعبان الخطيب تغنيها الفنانة( ...
- شغال مجاني.. رابط موقع ايجي بست EgyBest الأصلي 2024 لتحميل و ...
- في وداعها الأخير
- ماريو فارغاس يوسا وفردوسهُ الإيروسيُّ المفقود
- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نجية جنة - الواقعية والأدب الحي في - أسلاك شائكة - لمصطفى لغتيري