أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابتسام يحيى الأسعد - -الحضيض-.. عسل غوركي المر














المزيد.....

-الحضيض-.. عسل غوركي المر


ابتسام يحيى الأسعد

الحوار المتمدن-العدد: 3928 - 2012 / 12 / 1 - 06:46
المحور: الادب والفن
    


الأفكار الخالدة تنتج أعمالا عظيمة.. ففي الانتاجات الفنية أو الأدبية عموما، نرى ان الأعمال العظيمة هي التي تتناول القضايا الكبرى التي تشغل البشر وتتطرق الى معاناتهم وهمومهم. لذلك كان النجاح على مدى تاريخ المسرحي الروسي حليفا لجميع العروض التي قدمت لمسرحية (الحضيض) للكاتب الروسي (مكسيم غوركي)، وأخذت منزلة واحدة في المسرح العالمي مع الأعمال العظيمة لـ(انطون تشيخوف). فقد ارتبطت المسرحية بفكرة وجودية لطالما شغلت الفلاسفة والفنانين والكتاب والشعراء، تتلخص تلك الفكرة ببحث الإنسان عن مغزى الحياة، وهي فكرة وان تطرق إليها الكثيرون، إلا أن غرائبية تناول (غوركي) لها في هذه المسرحية، نشأت من أن الفكرة نبعت من وسط القذارة والفقر والمجاعة... هذه الفكرة قادت إلى تساؤلات وان بدت بديهية، لكنها شكلت جوهر الوجود الإنساني، فانطلق المؤلف بها على لسان شخصياته، ما جعل منها كونية، تخاطب الوعي الجمعي لكل المجتمعات، خاصة في مراحل الانحطاط الفكري والثقافي الذي يهيمن على الأمم، بعد التغييرات السياسية والاقتصادية، التي ترتبط بالضرورة بانهيار القيم الأخلاقية في المجتمعات، نتيجة لفقدان التوازن، خاصة إذا كانت وتيرة التغييرات متسارعة، ما يقود إلى عدم السيطرة على مجريات الأمور، وتنقلب بالتالي كل الموازين، منتهية بفوضى، تتمظهر بحالات لا عقلانية متباينة، تغور في أعماق النسيج المجتمعي وتبدأ بنهشه وتشويهه. في هذه الحالة تظهر شرائح من تلك المجتمعات، هي عينها ما تناولها الكاتب الروسي (غوركي) بذكاء، دللت على قضايا أساسية بحوارات، وان بدت معقدة، يتخوف منها بعض الشيء المخرجون، إلا أنها تعرض نوازع النفس الإنسانية داخل هذه الشخصيات التي كانت لنا عسلا مرا استفزت ذائقتنا الجمالية للعرض، وجعلتنا نستشعر كل نبضة نزف بها العرض المسرحي.
طرح المؤلف في نصه موضوع السعادة، متسائلا عن وجودها، وأكد أنها هناك، حيثما وجد الإنسان، لأنه هو من يصنعها، لكن أين هي السعادة؟. هذا السؤال قدمه المخرج الروسي (فاليري رومانوفيج بلياكوفيج) في عرضه على مسرح موسكو الفني (مخات-غوركي)، جاعلا من البحث عن السعادة القضية المحورية لهذا العرض، داعيا إلى التفكير الجماعي في إيجاد أجوبة لهذه التساؤلات، عبر المعايشة بين بني البشر، واستنباط المعرفة الراسخة من خلال الخبرة الإنسانية التي فضلها (غوركي) على المراجع المكتبية، على الرغم من ان هذا النوع من المعارف، بحسب رأي المؤلف يتطلب مرارة في الوصول إلى عسلها. حاكى المخرج الروسي في عرضه حياة (غوركي) بجعله العرض المسرحي خلية نحل تتحرك داخله شخصياته بعسلها المر؛ فقد قدم نماذج إنسانية متناقضة، يتنازعها الخير والشر معا، وجمعهم في شريحتين؛ الأولى تحولت إلى وحوش بشرية، بميلهم الى الإجرام، وعدم إيمانهم بالأخلاق، وبالتالي استحالة دمجهم في المجتمع. أما الأخرى، فنماذجها الحالمون، الذين فقدوا القدرة على تحقيق أحلامهم، ولجأوا لوسائل مختلفة للنسيان، من بينها الإدمان على الكحول، ما قادهم إلى التشرد، كما في شخصية الممثل الذي دفعه هذا الوضع إلى الانتحار. هذه النماذج لم يتخذ موقفا منها، لكنه عرضها كما هي أمام المتلقي، مانحا له الفرصة للتأمل والتفكير، وهو الهدف الذي أراده المؤلف، لكن المخرج تمكن من خلال المنولوجات الداخلية من التأثير على المتفرج عبر أداء ممثلين محترفين ابهرونا في جودته، وبالتالي تمكنوا من كسب التعاطف، الذي حل محل نبذهم ورفضهم لتلك الشخصيات التي سقطت في الحضيض. وبالنتيجة كان سعي المخرج إلى تعزيز وجهة نظر المؤلف التي تفيد بان هذه الشرائح الاجتماعية، الطبقة الوضيعة في المجتمع الروسي نشأت نتيجة لفساد القيصر وأتباعه، الذين دمروا البنية التحتية للمجتمع ومنظومتها الأخلاقية، وأصبحت قيمها ضبابية تستعصي على الفهم والإدراك، فاختلط الخير والشر والفضيلة والرذيلة والحب والكراهية والقبح والجمال، وهي قيم متناقضة ركز عليها المخرج واستعرضها عارية، كاشفا عن الضرورة الحتمية للتغيير في محاولة لاعادة التوازن للمجتمع والأفراد. وقد ترجم المخرج رؤيته بشفرات لم يصعب على المتلقي حلها، وهي سمة تتصف بها عروض المسرحيات الطبيعية، إذ جعل المخرج سينوغرافيا العرض المسرحي براقا منذ اللحظة الأولى بإطلاق دخان ابيض واسقط عليه إضاءة زرقاء شفافة، محققا العصرنة لنص العرض. استخدم المخرج مفردات العرض كي تخدم فكرته الأساسية، فالأسرة الحديدية لها هيئة سكة، وهي دلالة رمزية لمشوار الحياة وقاطراتها، وجعلها من طابقين مرتبطة بسلم، ما سمح للممثلين بحرية الحركة عموديا وأفقيا، واقفين أو جالسين أو متأرجحين، مطلقين إمكانياتهم الجسدية التعبيرية، لتدعم النص أثناء لعبهم لأدوارهم. وقدم المخرج تضادا لونيا في سينوغرافيا عرضه تمثل بخلفية المسرح السوداء، فيما جعل جميع الممثلين يرتدون الأبيض الناصع، في إشارة إلى التناقضات التي تعيش فيها شخصياته مع محيطها، فكيف لمن يعيش في الحضيض أن يرى السعادة!. أما الموسيقى فقد كسر صخبها شفافية الكلمات في النص، وكأنما هي استفزاز لوعي المشاهد لإدراك الحضيض الذي تعيشه الشخصيات، ساهمت جميع هذه العناصر البصرية في تعزيز الإمكانيات الإبداعية في أداء الممثلين المحترفين، تمكن من خلالها المخرج من خلق بيئة عرض مسرحي ملأت بطنينها ذائقتنا الجمالية وأمتعنا بحلاوة العرض رغم مرارته.



#ابتسام_يحيى_الأسعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نماذج من المسرح الروسي- رابعا: المسرح التراجيدي: صراع الحق و ...
- نماذج من المسرح الروسي : المسرح التجريبي
- نماذج من المسرح الروسي - المسرح الكوميدي- روسيا تلبس بخيل مو ...
- نماذج من المسرح الروسي - (بيرغونت) إبسن على مسرح (لينكوم) ال ...
- المسرح البيئي.. وجماليات التلقي
- العولمة في الفكر الفلسفي و السياسي الأمريكي


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابتسام يحيى الأسعد - -الحضيض-.. عسل غوركي المر