أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ابتسام يحيى الأسعد - العولمة في الفكر الفلسفي و السياسي الأمريكي















المزيد.....


العولمة في الفكر الفلسفي و السياسي الأمريكي


ابتسام يحيى الأسعد

الحوار المتمدن-العدد: 3024 - 2010 / 6 / 4 - 13:57
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


العولمة في الفكر الفلسفي و السياسي الأمريكي

د. ابتسام يحيى الأسعد


تتسم إشكالية "العولمة الأمريكية" بازدواجية مثيرة بالنسبة للعلم الفلسفي والسياسي على حد سواء. إذ أننا نعثر على محاولات عدد من ممثلي العلم الفلسفي والتاريخي والسياسي والثقافي في تصوير "العولمة الأمريكية" كصيغة نموذجية للعولمة المعاصرة، بمعنى إضفاء النموذج الأمريكي على المسار العالمي للعولمة، أو جعلهما كلا واحدا، أو رديفا لبعضهما البعض. وهي رؤية يتشاطرها المؤيدون لها والمعارضون. غير أن التعمق في إشكاليات العولمة بشكل عام والأمريكية بشكل خاص، يكشف عن أن القضية أكثر تعقيدا مما تبدو في الظاهر. فالإشكالية ليست في تقديم النموذج القومي النابع من تجارب الأُمم الخاصة، على إنه "مثال أرقى" للمعاصرة، والذي عادة ما يجري نقضه من جانب الآخرين، بل ولما فيه من جزئية محدودة نظرا لطبيعة التطور التاريخي للأمم، ومن ثم تحديد مشاركتها الفعلية والواقعية في المسار العام للتقدم، وفي الحالة المعنية للعولمة.
العولمة هي نتاج معقد و متشابك من تداخل التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والتكنولوجيا. وهي مرتبطة بشكل وثيق بالقومية ووعيها الذاتي. و"العولمة" الأمريكية تحتوي في ذاتها على قومية "نموذجية"، لكنها في مظاهرها تبدو أقرب إلى مجمع أثني كوني. كما أن تاريخها السياسي والثقافي يمثل صيغة نموذجية حديثة لكيفية استقطاب النخب وعامة الناس من مختلف الشعوب والثقافات والأديان. وهي ظاهرة تحتوي بحد ذاتها على جنين العولمة الثقافية، لكنها غير مقصورة عليها. و يظهر هذا بوضوح في تاريخ المواجهة التي ميزت أمريكا - على الأقل في مجرى القرن العشرين - مع جميع الأمم التي شكلت من الناحية التاريخية مصدر تراكمها البشري والثقافي. ذلك يعني أن " العولمة الأمريكية" ظاهرة لها خصوصيتها، وأثرها في مسار العولمة المعاصرة. و إذا كان تأثيرها السياسي الكبير على مختلف اتجاهات العولمة المعاصرة وثيق الارتباط بقدرتها الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية، فأن تاريخها الثقافي لا يقل أثرا عنها. وهو تاريخ متناقض، شأن كل تاريخ الإمبراطوريات الكبرى، لكنه يتمتع بخصوصية يشكل دراسته والبحث فيه أهمية نظرية وعملية بالنسبة للعلم الفلسفي والسياسي.
وسوف نتناول المراحل التاريخية لتطور العولمة في الفكر الأمريكي المعاصر، بمعنى آخر الأبعاد الموضوعية التي أسهمت في تبلور" العولمة الأمريكية". ودور تلك الأبعاد في المواقف الفعلية من مسار العولمة من كافة النواحي، بما في ذلك الثقافية.
ترتبط الأبعاد الموضوعية التي أدت لبلورة "العولمة الأمريكية" في معرفة المكونات التي اجتمعت وانصهرت لتتكون منها نواتها ، ثم تتبع مساراتها، والعوامل التي أسهمت في تطورها، وانتقالها إلى عدد من المراحل لتصل في النهاية إلى مرحلة تحول أمريكا باتجاه إمبراطورية جديدة. إذ تمظهر هذا الاتجاه ليس فقط في محاولات أمريكا للسيطرة على الإنجازات الحضارية للعولمة، التي ساهمت بها جميع الأمم، والاستفراد بهذه الانجازات، بل أيضا في إلغاءها لحق الأمم الأخرى بمشاركتها، والعمل على تدمير أي قوة يمكن ان تنافسها، أو تعرقل مساراتها، وهنا تكمن إحدى إشكاليات "العولمة الأمريكية".
فقد ارتبط تاريخ نشوء الولايات المتحدة، بالاستكشافات الجغرافية التي قام بها عدد من المغامرين بحثا عن أرض جديدة و ثروات. وتنامت هذه المغامرات لتصبح حملات، كان لها مظهر التوسع في المعرفة الجغرافية لليابسة على الأرض، ألا أنها حملت في باطنها أهدافا اقتصادية- استعمارية. واتضح ذلك في البحث عن المواد الأولية لتنمية صناعاتها، وعن طرق بحرية جديدة، لتسهيل انتقال بضائعها. كذلك شكلت الدوافع الدينية، من خلال الحملات التبشيرية لنشر الديانة المسيحية، في فرض الثقافة "الأرقى" التي رافقت الحملات الاستكشافية. ومن البديهي أن ترتبط الأهداف الاقتصادية بأهداف سياسية، تمكن من انتزاع الأرض والسيطرة عليها، واستغلال ثرواتها، والسيطرة على منافذها. ولكون القارة الأمريكية البكر تحتوي على ثروات لم تستغل بعد، لذلك كانت مطمعا للعديد من الأقوام والجماعات، التي لجأت للعديد من الأساليب لتحقيق غاياتها. تراوحت هذه الأساليب من فرض الثقافة " الأرقى" وصولا إلى استخدام القوة. وابتدأ الصراع يأخذ مداه في القارة الجديدة، وكان ذا شقين؛ الأول فيما بين أقوام المهاجرين، والثاني بين المهاجرين والسكان الأصليين(الهنود الحمر). وتمظهر الصراع بمعارك دامية بين الأطراف المتنازعة. وكان من نتائج حملات الاستكشاف الجغرافية تأسيس مراكز تجارية ساحلية واستيطانها، ترافق والتوسع في مناطق أخرى من القارة، وحرب الإبادة ضد السكان الأصليين. ومن هنا تبلورت نواة التوسع الاستعماري لأمريكا، وتشكلت لبنة النزوع لتكوين إمبراطورية استعمارية، حيث أسهمت في تطوير الاقتصاد الأوربي، وظهور الرأسمالية التجارية. كما وتشكل هذه المرحلة من تاريخ أمريكا، مرحلة تأسيسية للمراحل التالية التي أعقبتها، والتي قادت إلى هيمنة أمريكا، وتحولها باتجاه إمبراطوري. وهذا ما يؤكده (إدوارد سعيد) فهو يرى بأن توجهات أمريكا ومنذ البداية إمبريالية، إذ كان لها مطالب بأمريكا الشمالية لتسيطر عليها بالقوة، وتخضع شعوبها الأصليين ،وتبيدهم ،وتشردهم من أراضيهم . وبعد نمو الجمهورية، كانت هناك مصالح حيوية لأمريكا في الفلبين، المنطقة الكاريبية، وأمريكا الوسطى، وأجزاء من أوربا، والشرق الأوسط، وفيتنام، وكوريا ، وبدأت تخوض الحروب من أجل السيطرة عليها .
استطاعت أمريكا لاحقا، و بعد أن حسمت صراعاتها الداخلية، من خلق نظامها الخاص داخليا. وتمكنت من لعب دور ديناميكي فاعل، قاطعة مراحل أخرى لتسير باتجاه التحول بتراكمات المنجزات الإنسانية واستلابها ، عبر محاولة إعطاء العولمة صبغة أمريكية، تحمل أهدافا اقتصادية، وسياسية، بما يحقق الإستراتيجية الإمبريالية العظمى لها. من هنا تنبع ضرورة معرفة أبعاد هذا الدور، والكيفية التي تبلور بها، والعوامل المساعدة على هيمنتها، وبالتالي تحولها باتجاه إمبراطورية من نمط جديد.
فعندما تناول الباحث الأمريكي (جيمس كورث)هذه القضية فإنه أنطلق من دراسته لما يدعوه بالمراحل الثلاث الكبرى في التاريخ الأمريكي، فهو يعتقد بأن أمريكا قد مرت في تاريخها الحديث بثلاث مراحل هي: مرحلة التوسع في أمريكا الشمالية، والثانية: مرحلة الهيمنة الإقليمية على المحيط القريب من نصف الكرة الغربي، والثالثة: هي حكمها للنظام العالمي بحكم الأمر الواقع، والمستمرة منذ قرابة مائة عام. وذلك بعد أن تمكنت أمريكا من تعزيز قوتها البحرية كما فعلت سابقا بريطانيا، والبرية كألمانيا فيما مضى، ثم تمكنت أمريكا من فرض قوتها الجوية والفضائية. وهكذا تكاملت ترسانتها التي بنيت تدريجيا على أسس اقتصادية، وتكنولوجية متميزة. مما قاد إلى تحول سريع في إستراتيجيتها هي إستراتيجية كبرى "نيو- إمبراطورية" . ذلك يعني ان التطور التاريخي للولايات المتحدة في اتجاه بناء إمبراطوريتها يتميز بنفس الصفات العامة التي ميزت تاريخ الإمبراطوريات القديمة. وهي الظاهرة التي أثارت، شأن كل مظاهر الإمبراطورية، محاولات إدراك خصوصيتها التاريخية. والمفارقة هنا تتلخص في أن تمييز الولايات المتحدة، ووجودها كقوة كبيرة لم يبرز نتيجة انتصاراتها وحدها بين الدول التي شاركت في الحرب العالمية الثانية، إنما جاء نتيجة انحلال القوى الاستعمارية الأخرى أولا، ومن ثم النمو الاقتصادي الكبير الذي تمتعت به أمريكا في ذلك الوقت. مما أتاح لها من التحضير للدور العالمي الجديد كونها قوة رئيسية في النظام الرأسمالي والقوة المحركة للنظام العالمي، من خلال إعلانها عن فكرة التجارة الحرة المفتوحة.
في حين ينطلق الكاتب الأمريكي (بيتر بريستون) في معرض تناوله قضية التاريخ الأمريكي وأثره على تبلور فكرة العولمة من إبرازه لأثر الحرب العالمية الثانية بوصفها المرحلة التاريخية الحاسمة لصعود أمريكا العالمي الجديد. فهو يربط هذا الصعود الجديد بما يسميه بضمور القوى الأوربية العظمى، وانحلال الكتل الاقتصادية الكولونيالية الكبرى، ومن ذلك الوقت أخذت الولايات المتحدة في قيادة الغرب. ويتوصل (بريستون) إلى استنتاج يقول بأن أمريكا أعدت نفسها لدور عالمي ، بوصفها قوة أساسية في النظام الرأسمالي الليبرالي، ومحركة لنماذج الأنظمة الاقتصادية العالمية، وذلك بإعلانها عن فكرة التجارة الحرة المفتوحة. ويضيف الباحث الأمريكي أنه في الفترة من 1945-1989 ، حيث تزامن نمو القوة الأمريكية مع نمو الإتحاد السوفيتي، رتبت القوتين العظيمتين الفضاءات الأوربية، وبنيتا أجهزة متقنة شرعية بشكل مؤسسات في الحرب الباردة. وضمن خطة أمريكية لوقف المد الشيوعي، ركزت أمريكا في البداية على أوربا، ثم توسع اهتمامها ليشمل العالم الثالث. كما يرى (بريستون) أنه في عام 1950 بدأ التركيز على فرضية فحواها أن متطلبات الصناعة، ستؤدي إلى التقارب بين الأنظمة الاقتصادية، مما سيقود بالضرورة إلى الرخاء وانتهاء الأيديولوجيات. وبذلك عرضت الحداثة كبديل للاشتراكية. وهكذا حُدد النموذج الحداثي بنشر صورة لأمريكا، بما يتناسب ومتطلبات "القضية الوطنية"، بحيث تعبر الايدولوجيا عن المصالح الأمريكية، وتوظف اقتصادات السوق الحرة، ومقاومة الشيوعية، التي ستقود في نهاية المطاف إلى الازدهار المستقبلي للعالم. كانت هذه سمة التفكير الأمريكي، والأيديولوجيا الرسمية في وصفها ل"العالم الحر"، كما يقول بريستون. وهي السمة التي طبعت الموقف الأمريكي من الدول الأوربية في مجرى الخمسين سنة التالية . واستنادا إلى الاستنتاج السابق للباحث (بريستون) تبرز طبيعية الإستراتيجية الأمريكية في توجيه العولمة. إذ أن البديل الذي اقترحته أمريكا للقضاء على الفكرة الاشتراكية، والذي تجسد في مفهوم الحداثة، لم يكن مبنيا على تطور فكرة فلسفية قائمة على التطور التاريخي للأمم. بل كانت العناية الفائقة لأمريكا بتمثل الشكل الأمريكي في النموذج الحداثي، أو النموذج الأمريكي بالشكل الحداثي، وبما ينسجم ومصلحتها الوطنية. في محاولة لافتراض أن الايديولوجيا الأمريكية وبرامجها الاقتصادية والقضاء على الشيوعية ستؤدي إلى الرخاء الاقتصادي وبالتالي الازدهار العالمي. وهنا تظهر بوضوح دوافع الولايات المتحدة الحقيقية الكامنة في فرض قوتها، وبالتالي إنفرادها في السيطرة كإمبراطورية مهيمنة على العالم.
نلاحظ مما سبق أن حصيلة افكار بريستون تتمثل في أن الأزمة الاقتصادية التي تعرضت لها أوربا، وفرت للولايات المتحدة أمكانية لتطبيق سياستها العملية والتي ستؤدي إلى وضع أسس المنظومة الاقتصادية الناتجة عن التقارب بين الأنظمة الاقتصادية. هذه المنظومة التي ستقود في نهاية المطاف إلى نهاية الأيديولوجيات. وهي ذات المنظومة التي فرضت على أوربا مزيدا من الاقتراب من أمريكا والبقاء في محورها. وهي الفكرة التي وضعها الكاتب الأمريكي( أيون كلارك) في منهج تحليله للسياسة الأمريكية وأثرها اللاحق على بلورة الموقف من العولمة، حيث تتبع كلارك بصورة دقيقة ومفصلة الخطط التي نفذتها الولايات المتحدة في أوربا. إذ يرى أنه في عام1947 حيث تزامن عجز أوربا عن تسديد مستحقات المستوردات الأمريكية مع تفكير أمريكا بتهديدات تتعرض لها مصالحها الواسعة، وأدى إلى قناعة أمريكا في أنها من خلال الاقتصاد وحده يمكن أن تنجز النظام الاقتصادي العالمي الجديد. كما يرى (كلارك) أن إمكانية استقلال أوربا في ترتيب علاقاتها الاقتصادية يمثل خطرا على أمريكا. إذ أن المخاوف الأمريكية لم يكن سببها التدخل العسكري السوفيتي المباشر، بل إمكانية سيادة أوربا التامة، او اندفاعها باتجاه المدار السوفيتي. مما أدى إلى إطلاق أمريكا لبرنامج (مارشال) الذي يحمل أهدافا سياسية واقتصادية؛ إذ إنه يشجع التكامل الأوربي، والذي سيقود إلى إبعاد أوربا عن القطبية الثنائية، ويمثل ردا فاعلا على التأثيرات السوفيتية في الوقت ذاته. يبين (كلارك) أن تعزيز إنتاجية وفعالية الدول الأوربية لها أهميتها في تحقيق هذا البرنامج كي تتمكن هذه الدول من المنافسة بفاعلية في الأسواق العالمية، والتي تشكل مصدرا لدعم العالم الغربي. لذلك وبين الأعوام 1948 و 1952 تم تحويل اكثر من 13 بليون دولار إلى أوربا الغربية. ويرى (كلارك) بإن تشكيل مؤسسة التعاون الاقتصادي الأوربي OEECهو مؤشرا على عزم أمريكا في تكوين أوربا اقتصاديا وسياسيا. كما برز أيضا الهدف الأمريكي في تشجيع التكامل الأوربي من خلال تحرير تدفق البضائع والخدمات ورأس المال، ووضع منظومة التجارة الأوربية على قواعد متعددة لتأمينها من إخفاق السوق، ثم تكوين مؤسسات سياسية تساند العملة القومية الأوربية، و إلغاء الحواجز فيما بين الدول الأوربية، وأخيرا تزويد الإطار السياسي لأوربا بفاعلية اقتصادية تتجاوز الحدود القومية transnation، وهكذا تكوَن جنين الاقتصاد العالمي الجديد.
و يضيف (كلارك) أن المساهمة الاقتصادية لليابان وألمانيا في خطة (مارشال) بعد تكاملهما، سهلت من تبني النظام الاقتصادي الجديد. وهي الخطة التي تهدف من وجهة نظر (كلارك) إلى تخفيف الضغوطات التي تتعرض لها الولايات المتحدة على أثر توسع واشتداد مظاهر الحرب الباردة. فقد كانت السياسة الأمريكية تهدف إلى تطويع ضغوطات الحرب الباردة بما يخدم مصالحها. كما يرى (كلارك) بأن الغاية القائمة من السياسة الأمريكية في تكييف ضغوطات الحرب الباردة، وحصر التكامل بين ألمانيا واليابان في ميدان الاقتصاد، هي سياسة تعكس المبادئ الأمريكية في توفيرها الفرص لتنمية اقتصادها الخاص، ومن ثم جعله منظومة اقتصادية مفتوحة تستقطب عبرها أوربا الغربية وآسيا الباسيفيكية. ويرى (كلارك) أن تنفيذ أمريكا لمشروع (مارشال) حقق لأمريكا ما افترضته لاقتصاد ما بعد الحرب، ومن ثم تكون وضعت أساس العولمة. كما يرى (كلارك) أن خطة (مارشال) ومشاريع التكامل الأوربي لعبت دورا بارزا في تشكيل مزيجا من الاهتمامات الأوربية - الأمريكية المتعلقة بشكل أساسي بالحلول للمشاكل الاقتصادية والأمنية والهويات السياسية الأوربية المستقبلية وعموم المشاكل في العالم. وهكذا فقد نشأ التكامل الأوربي بالصيغة الأمريكية في سياق العداء الأمريكي-السوفيتي. . ويخلص (كلارك) إلى نتيجة مؤداها؛ أن النظام العالمي الجديد كان مشروع تجربة إقليمية خاصة بالولايات المتحدة. كان هدفها مؤسسا على شبكات مشتركة وموحدة، بحيث تتمكن من تقديم النظام الرأسمالي الجديد عالميا، وبالتماثل مع ما هو موجود في الولايات المتحدة .
ويرى(كلارك( أن ثلاث عوامل أسهمت في نشوء العولمة وتسارع بلورتها وسيطرة أمريكا على مساراتها بتنفيذ خططتها التي خدمت أهدافها:
-العامل الأول يتعلق بالطبيعة الثنائية للحرب الباردة، إذ يعتبر كلارك بأن العولمة وبالارتباط مع الحرب الباردة هي التي أسست شكل الحداثة الرأسمالية ومن ثم حققت التكامل الأوربي. ويرى بأن أمريكا ومنذ عام 1948 بدأت بالتركيز على نظامها الخاص بدون العالم السوفيتي، حيث أن ظروف الحرب الباردة ساعدت أمريكا على تقوية تحالفاتها. كما أن انقسامات الحرب الباردة أدت إلى تكامل تنظيمي في مناطق النفوذ الأمريكية. وشكل التكامل التنظيمي ضرورة لأمريكا لتسير باتجاه الغرب.
-والعامل الثاني من وجهة نظر (كلارك) هو الطابع الكوني لأهداف والأفكار الأمريكية، وأرتباط العولمة بالبرامج والايديولوجيا الأمريكية؛ هنا يوضح كلارك طبيعة التفكير الأمريكي المبني على أن امريكا هي الوحيدة بين الأمم التي تحمل المبادئ الكونية . وهو يرى بأن التجربة الوطنية الأمريكية في الجمع بين "الاقتصاد و دينامية الثقافة" مكنتها من تثوير المجتمعات وكل الأوضاع العالمية، وهي التجربة ذاتها التي أرادت أمريكا تكرارها في مكان آخر من العالم. ويرجع كلارك سبب ذلك إلى الاقتران بين نجاح بذرة الاقتصاد الأمريكي وسيطرة أمريكا على سياسة التكييف داخليا. إذ قامت أمريكا بعمل برامج وكيَفتها ثم نقلتها إلى العالم لتطبيقها. وهذا ما يؤشر على التوجهات الكونية للرؤية الأمريكية والتي اعتبرها الباحث (ليفلار) تغييرا في تفكير أمريكا في فترة الحرب الباردة. إذ يرى ليفلار أن أمريكا حولت السياسة الجغرافية والاقتصاد والإيديولوجية والاعتبارات الإستراتيجية إلى عمليات سياسية. ويضرب ليفلار مثلا في تحول الأهداف السياسية التقليدية الخارجية إلى جزء من الأمن القومي، وتحول القيم الكونية إلى ضمان سياسة الأمن القومي.
وأخيرا يرى كلارك أن بروز القيادة الأمريكية كقوة مهيمنة كان بعد 1945: ويفسر ذلك بأن إرتباط أمريكا بالعولمة ساعد على العمل بشكل مباشر لتفعيل نظريات الهيمنة القيادية لأمريكا. كما أن قوتها السياسية مكنتها من تأسيس إطار النشاط الاقتصادي .
ويكشف (كلارك) عن الخطة الأمريكية في إظهار النظام الذي صنعته كما لو أنه تطور بشكل طبيعي، في الوقت الذي يرى فيه أن هذا النظام في كنهه عمل سياسي مخطط له، بدليل ظهور نتائجه بطريقة مختلف عما كان سائدا. حيث كان نظام الاقتصاد العالمي مستقل ومعزول عن السياسة في أعماله ونشاطاته. ويستطرد كلارك في تحليله بأن أمريكا وكي تحقق النظام العالمي الذي صنعته، كان عليها أن تظهر النظام الاقتصادي العالمي استنادا الى التطور المنظومة العالمية المرافق للحرب الباردة، وانسجاما مع قيمها وتجاربها الخاصة في قيادتها للعالم. وكما أشار الباحث (جون ريجي) بأن "الهيمنات ليست متشابهه"، والعولمة هي انعكاس للقناعات السياسية والاقتصادية المميزة للدولة الأمريكية. هذا يوضح- كما يرى (كلارك)- أهمية حفاظ أمريكا على شروط ثنائية القطب و ظروف الحرب الباردة، لأن أي تغييرات في هذه الظروف يمكن أن تحد من العولمة، و من التكامل الأوربي الذي اعتبر ضرورة أمريكية. ويرجع كلارك سبب التفكير الأمريكي في انفتاح النظام العالمي المتعدد إلى الأيديولوجيا الكونية الأمريكية التي عبرت عن قيمها وأولوياتها السياسية ومتطلبات أمنها القومي. وفي نهاية المطاف يصل كلارك إلى نتيجة مؤداها إنه لو كانت القيادة المهيمنة الأمريكية هي من أسس النظام العالمي، فأن أي تراجع لقدرتها على مساندة دورها القيادي، سيؤدي إلى إفساد نظامها الرفيع، كما حدث لبريطانيا عندما زالت قوتها . وهذا يؤكد حسب رؤية (كلاك) على ارتباط انفتاح النظام العالمي المتعدد بالايديولوجيا الأمريكية، التي انطلقت من الاعتبارات المتعلقة بالأمن القومي والتغييرات التي حدثت لاحقا في إستراتيجيتها وايديولوجيتها الكونية.



#ابتسام_يحيى_الأسعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- نيابة مصر تكشف تفاصيل -صادمة-عن قضية -طفل شبرا-: -نقل عملية ...
- شاهد: القبض على أهم شبكة تزوير عملات معدنية في إسبانيا
- دول -بريكس- تبحث الوضع في غزة وضرورة وقف إطلاق النار
- نيويورك تايمز: الولايات المتحدة تسحب العشرات من قواتها الخاص ...
- اليونان: لن نسلم -باتريوت- و-إس 300- لأوكرانيا
- رئيس أركان الجيش الجزائري: القوة العسكرية ستبقى الخيار الرئي ...
- الجيش الإسرائيلي: حدث صعب في الشمال.. وحزب الله يعلن إيقاع ق ...
- شاهد.. باريس تفقد أحد رموزها الأسطورية إثر حادث ليلي
- ماكرون يحذر.. أوروبا قد تموت ويجب ألا تكون تابعة لواشنطن
- وزن كل منها 340 طنا.. -روساتوم- ترسل 3 مولدات بخار لمحطة -أك ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - ابتسام يحيى الأسعد - العولمة في الفكر الفلسفي و السياسي الأمريكي