أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محسن إشحا - مشروع متكامل لإصلاح المنظومة التربوية مداخلة -محمد الدريج- في يوم دراسي حول الأسرة والمدرسة بوادي لو















المزيد.....


مشروع متكامل لإصلاح المنظومة التربوية مداخلة -محمد الدريج- في يوم دراسي حول الأسرة والمدرسة بوادي لو


محسن إشحا

الحوار المتمدن-العدد: 3916 - 2012 / 11 / 19 - 21:07
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


في يوم دراسي حولموضوع الأسرة والمدرسة نحو تعاقد جديد من أجل الإصلاح وفي مداخلته "أستاذ باحث في علوم التربية – الرباط" قدم الدكتور"محمد الدريج" أمام الحاضرين في هذا اليوم الدراسي، مداخلة استعرض فيها مشروعا متكاملا للإصلاح السيكولوجي/الأخلاقي في منظومة التعليم، عبر التربية الوالدية والتحصين النفسي للتلاميذ، وجاء في مطلعها إشارة الى مختلف الآراء والمقترحات التي انتهت اليها بعض الدراسات العلمية أو التي عبرت عنها بعض الجمعيات و النقابات و برامج الأحزاب، فهناك من يقول بعدم توفرنا على فلسفة تربوية واجتماعية واضحة التوجهات والأهداف، ونحن في حاجة إلى سياسة أو فلسفة وطنية جديدة، كما نجد من يتحدث عن ضرورة إيجاد مشروع وطني مجتمعي شامل يهم مختلف القضايا الوطنية، وفي مقدمتها ما يخص الشأن التربوي، فلا يمكن عزل إصلاح التعليم عن إصلاح البناء الاجتماعي المغربي، وكثر من يدعو إلى إعادة الثقة في المدرسة المغربية، ورد الاعتبار للمدرسة الوطنية... لأن أزمة التعليم في المغرب، أزمة منظومية نسقية، إنها أزمة مجتمع بأكمله وتتحمل مسؤوليتها كل الأطراف... وأول خطوة ينبغي تحقيقها قبل الحديث عن إصلاح التعليم، هي تخليق الحياة العامة لإعادة الثقة في الدولة والإدارة، والقضاء على كل مظاهر الفساد. ونجد أيضا من يتحدث عن تعبئة داخلية عامة لإنقاذ التعليم، فتفعيل الإصلاح التربوي رهين بتغيير ثقافتنا التربوية وممارساتنا المهنية المقاومة للتغيير و رهين أيضا بتدبيرنا لهذا الإصلاح من حيث تسطير أولوياته... كما نقرأ أن كل مشروع إصلاحي يجب أن يتسم ضرورة، بسمات الواقعية والموضوعية والمرونة والقابلية للتطبيق والإنجاز. وهناك في الطرف الآخر مواقع/مواقف ذات توجهات تقنية (تقنوقراطية) تنظر إلى الإصلاح في حد ذاته كمعطى له أهدافه المضبوطة ومحدد في الزمان والمكان(البرنامج الاستعجالي على سبيل المثال) في حين أن محمد الدريج في دراسته، ينطلق من القول بأننا في حاجة، قبل هذا وذاك، إلى طاقة روحية (نفسية –أخلاقية) وإلى قوة في الشخصية والشعور بالأمن النفسي وبقدر من معرفة الذات وإعادة الثقة في أنفسنا وتحصينها بالإيمان وترسيخ المبادئ الأخلاقية وقيم المواطنة، ضد مختلف أشكال الاضطراب والانحراف، إننا في حاجة إلى "إصلاح سيكولوجي/أخلاقي".

أولا: قراءة نقدية في الواقع التربوي
في سياق عرضه لمظاهر اضطراب السلوك داخل المنظومة التربوية وقف محمد الدريج على انتشار حالة من التدهور النفسي /التربوي/الأخلاقي العام ويظهر ذلك في كثرة الغياب في صفوف التلاميذ و المدرسين على حد سواء بسبب الملل و القلق من المستقبل، أو بسبب فقدان الثقة. والغش في الامتحان والعنف والعدوانية و التمرد على القوانين ثم الفشل الدراسي ومختلف مظاهر الهدر المدرسي، واللامبالاة بالآخر وبحقوقه وبثقافته وحاجاته ورفض للحوار والاختلاف و احترامه وتقبلُه... واختلاط المفاهيم والقيم وتضاربها، وغياب فهم موحد للحقوق والواجبات داخل فضاء المؤسسة التربوية، إضافة إلى ضعف في القيم الإيجابية وقيم المواطنة.
ففي مختلف اللقاءات العلمية وغيرها حول مشكلات المجتمع، تتم التوصية بضرورة تضمين المناهج الدراسية إجراءات تربوية للوقاية والتحصين النفسي/التربوي للتلاميذ وعموم الأطفال والشباب، الأمر الذي يتزامن مع ازدياد الإلحاح على ضرورة تغيير العقليات في جميع المجالات مع التأكيد على ضرورة ترسيخ قيم المواطنة، فنجد في برامج الفيدرالية الوطنية لجمعيات آباء وأمهات وأولياء التلاميذ بالمغرب منذ إنشائها مثال يتمحور حول مشروع ترسيخ قيم المواطنة والدعوة لإرساء ميثاق العلاقة بين الأسرة والمدرسة وتفعيله. وعلاقة بالجهات المسؤولية عن الإصلاح يصف مصطفى محسن منظومة التعليم ب"المريضة " والساهرين على العلاج، هم كذلك في حاجة إلى العلاج، ويتناول الأستاذ سعيد بحير في كتابه:"التحليل السيكولوجي للذات السياسية" التشخيص السيكولوجي لمشاكل الذات السياسية واضطراباتها، ويطرح سبل إعادة بنائها "فالسياسيون إدا فضلوا الاهتمام بمصالحهم الشخصية، ظهر الاضطراب في العمل السياسي ووقع شرخ كبير بين الجماهير وبين الفاعلين السياسيين".
أمام هذا الوضع يلاحظ عدم حضور المقاربة السيكلوجية في منظومة التعليم وغياب علم النفس وانحصاره في مجتمعنا وضعف الوعي بأهميته في مختلف مناحي الحياة وخاصة في التربية المدرسية... و تغييبا شبه كامل للعناية بموضوع التحصين النفسي والتربية الوالدية. ويوازيه غياب آخر ليس أقل خطورة وهو غياب العناية الجدية والمنظمة و الإجرائية، بالجانب الوجداني/القيمي و الأخلاقي من شخصية الطفل.

ثانيا: أرضية للإصلاح السيكلوجي/الأخلاقي التربية
قدم الأستاذ محمد الدريج بعض مكونات الإصلاح السيكولوجي/الأخلاقي وبرامج التحصين النفسي، وقد سجل غياب برنامج متكامل أو إستراتيجية واضحة المعالم للتحصين النفسي للشباب في المغرب وعموما في الدول العربية. وكل ما هناك جملة من الأدبيات قد تكون مصحوبة بإجراءات وتدابير عملية مشتتة، في حين أن التحصين النفسي كبرنامج ينبغي ان يشكل محورا لتمنيع الشخصية وتحصينها ولكل وقاية ممكنة من ظواهر السلوك المضطرب والمنحرف. ووضع في هذا السياق تعريفا لمفهوم التحصين النفسي وهو كالتالي: "تربية الناشئة وتكوين شخصيتهم و توجيه أفكارهم بطريقة إيجابية ليكونوا قادرين على الاندماج السليم في متطلبات الحياة و مواكبين في ذات الوقت، لكل جديد مثمر مع الاحتفاظ بروح الأصالة والثبات على المبادئ وقيم المواطنة". كما يراد بالتحصين من حيث برامج العمل، مجموعة الإجراءات والترتيبات التي يُعدّها المسؤولون والتربويون ويوجهونها إلى الناشئة لتعزيز ثباتهم أمام التيارات والظواهر التي قد تزعزع قيمهم ومبادئهم وتفقدهم ثقتهم في أنفسهم و أقوياء ضد مسالك الانحراف.
أ - التحصين النفسي
وهكذا يتضمن مصطلح التحصين النفسي الإجراءات والترتيبات التي تستهدف تقوية شخصية الفرد، الذي أصبح يعيش زخما من المؤثرات السلبية، والذي بات انحرافه خطرا يهدده ويهدد المجتمع بفعل تلك المؤثرات، وتزدادُ زاويةُ الانحراف اتِّساعًا حين تجدُ شخصية بلا حصانةٍ وفكرًا ضعيفا. ويمكن اختصار مقاصد التحصين النفسي وهي في مجملها مستمدة من أهداف التوجيه والإرشاد النفسي، في الفقرات التالية :
• تحقيق التوافق، أي تناول السلوك والبيئة الطبيعية والاجتماعية بالتغيير حتى يحدث توازن بين الفرد ومجتمعه، وهذا التوازن يتضمن إشباع حاجات الفرد في انسجام مع متطلبات المجتمع .
• التوافق الشخصي: أي تحقيق السعادة مع النفس والرضا عنها وإشباع الحاجات العضوية الفطرية والثانوية المكتسبة.
• التوافق الاجتماعي : ويتضمن السعادة مع الآخرين والالتزام بأخلاقيات المجتمع ومسايرة المعايير الاجتماعية وقواعد الضبط الاجتماعي والتفاعل والاندماج السليم والعمل لمصلحة الجماعة.
• معرفة النفس : أي أن يعرف الفرد قدراته وإمكاناته وجوانب القوة والضعف في نفسه، فهذا يجعله يحدد مستوى طموحه وفق حقائق واقعية.
• الثقة بالنفس، وهي الإحساس بشعور إيجابي نحو الذات وتقديرها واحترامها. والثقة بالنفس تجعل الإنسان يتصرف بشكل طبيعي دون قلق أو رهبة، وتخلو حياته النفسية من التوترات والصراعات الداخلية التي تقترن بمشاعر الذنب والقلق.
• ضبط النفس أو ما يسمى بالاتزان الانفعالي ، وهو اكتساب الفرد القدرة على التحكم في التقلبات المزاجية التي يتعرض لها.

وتفعيلا لهذه المبادئ يقترح الأستاذ محمد الدريج خطط وإجراءات للتحصين النفسي أو كيف يمكن أن نغير ما بأنفسنا وقد لخص التدابير الأساسية للتحصين النفسي في النقاط التالية:
α- تقوية الشخصية بترسيخ مفهوم موجب للذات
لقد أثبتت معظم الدراسات ان من أهم الأسباب وراء العديد من المشكلات التي تعاني منها المنظومة التربوية في بلادنا ومنها تدني المستوى العلمي والمعرفي لدى التلاميذ وتدني التحصيل الدراسي والفشل الدراسي ... هو تدني مستوى مفهومهم لذاتهم ومستوى تقديرهم لها، وأن هذا التدني وراء العديد من المشكلات النفسية والسلوكية لدى الصغار والكبار. والشخص الذي يؤمن بقدرته على الأداء يستطيع أن ينجح، فإحساس الشخص بالقصور عن أداء العمل ينتهي به إلى التخاذل، ومن ثم فإنه لا يستطيع أن يبذل الجهد المطلوب لإنجاز العمل وحتى إذا هو بذل جهداً أكبر فإنه لا يكون جهداً مشوباً بالتصويب السديد، بل يأتي جهده مشتتاً.
والثقة بالنفس تحمي الشخص من التصرفات العدوانية، والإنسان الواثق بنفسه قادر على اكتساب الخبرات الحياتية ،وتعلم المهارات، فالذكاء وحده لا يكفي في هذه الحالة إذا لم يتواكب مع الثقة بالنفس .
-1 من الضروري أن يتدرب الوالدان وكذلك المعلمون، على كيفية التعامل مع سلوك الأطفال وتوجيهه الوجهة المناسبة بما يؤدي إلى توافقهم الشخصي والاجتماعي. وأن يتدربوا على ملاحظة سلوك الطفل أثناء ممارسته للنشاط بجوانبه المختلفة من حيث نظرته لنفسه وكيف يتفاعل مع الآخرين..وقد يكون هذا النشاط داخل أسرته وفي منزله ..أو يكون في مدرسته. حيث يتمكنون من تعزيز السلوك الايجابي لدى الطفل، سواء في الجانب ألتحصيلي او التربوي وتحفيزه ماديا ومعنويا.
-2أن يعملوا، على تقوية علاقات الطفل بإخوته في المنزل وبأبناء جيرانه وكذلك بزملائه في المدرسة بما يعزز روح المشاركة الايجابية لديه وعلى تعويده على الاندماج والتفاعل مع الآخرين ومساعدته على تقبل الآخرين دون الميل إلى نقدهم أو التهكم عليهم.
- 3 تعزيز هوية النجاح لدى الطفل، بما تتسم به من صبر وجد وبذل الجهد وهي تعد من مقومات تقدير الذات المرتفع أو الايجابي .. وتجنب هوية الفشل التي تؤدي إلى نشوء تقدير ذاتي منخفض أو سلبي يؤدي فيما بعد إلى تعثره في حياته الحالية والمستقبلية .
-4 إعطاء الحرية للطفل في اختيار الأنشطة التي يمارسها و‌إعطائه الحرية في إبداء رأيه في الموضوعات المتعلقة به، والبيئة المحيطة من حوله لممارسة جو من التشارك في اتخاذ القرار. وإعطاء الفرصة للأطفال للتحدث والتعبير عن مشاعرهم وذاتهم بحرية ودون خوف في مختلف المواقف لتنمية قدرتهم على التعبير الحر عن رأيهم . ‌و السماح للأطفال بسرد ما قاموا به من إنجاز، وذلك في نهاية كل نشاط على أن يحتفظوا بتلك الأعمال في ملف بورتفوليو Portfolios (المحفظة التربوية ) خاص بكل طفل، حتى تكون أداة مساعدة في تقييم مفهوم الذات لكل طفل. مما يساهم في ‌تقوية إحساس الطفل بأهمية ما ينتجه من عمل سواء بمفرده أو مع جماعة حتى يشعر بإمكاناته.
-5 حمايته من تعديات الآخرين، والوقوف بجانبه إذا تعرض لشئ من ذلك، ومن المهم أن يطلب منه التسامح في مقابلة أخطاء الآخرين، مع تذكيره بفضل العفو عن الناس، والصبر على ما يكره،. منحه الحب قولاً: بأن يسمع كلمات الحب منك، وفعلاً: بأن يُمازح ويُضم ويُقبل ليشعر بأنه محبوب ومقبول ومُقدر بقيمة عالية .
-6 أن تبحث عن الأمور التي تتوقع أنه يستطيع إنجازها بنجاح، فتعمل على تكليفه بها، ثم تمدحه عليها.
-7 أن تُسمع الزوار والأقرباء الثناء عليه بحضوره، مع الحذر من توبيخه أو لومه أمامهم.
β- تقوية الشخصية بالتربية على القيم
القيم هي مكونات نفسية مكتسبة لتوجيه التفكير والسلوك لدى الفرد، وهي تنبع من التجربة الاجتماعية وتتوحد بها الشخصية، وهي عنصر مشترك في تكوين البناء الاجتماعي والشخصية الفردية يعمل على توجيه رغباته واتجاهاته ، وتحدد له السلوك المقبول والمرفوض.
إن التربية في جوهرها عملية قيمية و إن أهم ناتج التربية هو أن تتخذ لها مجموعة من القيم البناءة الدائمة التي تخضع لها الجماعة وتنتظم حولها حياتها، فالشخص المتعلم الذي لا توجه معارفه و قدراته نحو أهداف قيمية يتخذها لنفسه، يصبح خطرا على نفسه وعلى المجتمع على حد سواء. ومن الملاحظ إن عملية البناء القيمي ليست مسؤولية مؤسسة اجتماعية بعينها أو منهج دراسي بعينه ولكنها مسؤولية كل من له علاقة بعملية التربية.
إذن لا بد في إطار برنامجنا التحصيني من إعادة الاعتبار للتربية الأخلاقية وضرورة صياغة ثقافة ترتكز أولوياتها على القيم ، هذه التربية القيمية يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
• الحرص على إكساب الأطفال والمراهقين سمات و عادات شخصية مرغوب فيها ، مثل : الصدق والأمانة و التعاون و مساعدة الآخرين.
• الحرص على الارتباط بالقيم المتصلة بالمجتمع وبالوطن وتاريخه ومقدساته، مثل الانتماء والالتزام والتضحية وتقدير العمل والإخلاص فيه ومعرفة الخصائص المميزة لثقافة المجتمع وتراثه.
• ترسيخ القيم الكونية، مثل : احترام حقوق الإنسان و رفض فكرة الاحتلال وترسيخ التعاون و الحوار و التسامح و تقدير أهمية الشرعية الدولية و المبادئ و المواثيق التي صادقت عليها الأمم .
ب - ضرورة الاهتمام بالتربية الوالدية
حدد الأستاذ محمد الدريج مفهوم التربية الوالدية في مختلف البرامج التي تسعى إلى تكوين الوالدين و الأسرة على أساليب وتقنيات العناية السليمة بالأطفال وطرق تربيتهم وتحصينهم النفسي. ويتمثل الهدف العام من برامج التربية الوالدية في تشجيع تطور الطفل الصحي وذلك من خلال تغيير مواقف الوالدين ومعلوماتهما و/أو سلوكهما. و منع الإساءة إلى الطفل وإهماله وتحسين حياة الوالدين عن طريق توفير المساعدة في مجال الحصول على وظيفة والتشجيع على استكمال الدراسة أو تأخير الحمل. و تمكين الوالدين بتوفير المهارات والموارد المطلوبة من أجل تربية المراهقين وفي نفس الوقت تمكين الشباب حتى يتسنى لهم التعامل والتأقلم مع مشاكل الأسرة والأقران والمدرسة والحي السكني. وتغيير الأنماط غير القادرة على التأقلم أو الفاشلة والمتعلقة بالتفاعل والتواصل داخل الأسرة بما في ذلك السلوك السلبي في تربية الأبناء والذي يعد من أهم عوامل الخطر المسببة لعنف الشباب.
وفي هذا الصدد وجه الاستاذ المحاضر دعوة للجمعية المنظمة لليوم الدراسي إلى تبني برنامجا من هذا القبيل نظرا لأهيته التربوية البليغة. الوالدية والتحصين النفسي للتلاميذ
ثالثا: الأسرة والمدرسة ودورهما في التحصين النفسي
أ‌- الأسرة:
التنشئة الاجتماعية والتي تشكل مجالا نفسيا - اجتماعيا هاما في مقترحنا لبرنامج للتحصين النفسي للأطفال وللشباب، هي مسؤولية مشتركة للعديد من المؤسسات. لان الفرد في أي مجتمع له عدة من العلاقات والتفاعلات، فهو أحد أعضاء أسرة وهو تلميذ في مدرسة وعضو في نادي أو جمعية وعامل لمصنع ومشاهد للتلفزيون... ومن الطبيعي أن يتأثر ويتعلم نتيجة انتمائه لهذه المؤسسات وارتيادها.
والأسرة هي أول و أهم وأقوى الجماعات تأثيرا في التنشئة الاجتماعية للطفل، والتي تعمل على تشكيل سلوكه الاجتماعي وبناء شخصيته. فالأسرة هي التي تهذبه وتجعل سلوكه مقبولا اجتماعيا، وهي التي تغرس في نفسه القيم والاتجاهات التي يرتضيها المجتمع ويتقبلها.
وعادة ما تنشط الأسرة من خلال متغيرات تؤثر في تربية الطفل ، كنوع العلاقة بين الوالدين واتجاهاتهما نحو الطفل وأسلوبهما في العناية به وتربيته والعلاقة بين الإخوة والمكانة الاجتماعية للأسرة ومستواها التعليمي والثقافي … وتؤكد ملاحظاتنا ما يتفق عليه كل الباحثين في هذا المجال ، بأن بنية الأسرة وطبيعة العلاقات السائدة داخلها ، عامل أساسي في تحديد نمط التنشئة الاجتماعية، كعلاقة الأب والأم ( انسجام ، طلاق ، تفاوت ...) علاقة الوالدين بالأبناء (مستبدة ، قاسية، متفتحة، مرنة ...) علاقة الإخوة فيما بينهم (ودية، عدوانية ، نفور، كراهية ...) . كما أن علاقة الأسرة بالعالم الخارجي لها أثرها الكبير في التنشئة ، وكذلك الأنماط الثقافية والمعرفية و التقاليد والطقوس السائدة داخل الأسرة.
ونحن نعتقد أن أساليب التنشئة السائدة مبدئيا في الأسر"السليمة"، والتي يجب إيلاؤها العناية الكافية في أي برنامج تحصيني ، تقوم على العديد من الأساليب التربوية ، من أهمها :
-الملاحظة والتقليد والمشاركة ؛
- القدوة ؛
- الثواب والعقاب ؛
-الاستجابة لتساؤلات الطفل ؛
- الوضعيات المربية .
إن الأسرة بإمكانها أن تحصن المجتمع ضد التدهور النفسي /التربوي و السلوك المنحرف. لكن ذلك لا يستقيم دون دعم مادي ومعنوي من جميع الجهات الرسمية (وزارة التربية الوطنية والوزارات المعنية بشؤون الأسرة ...) والجمعوية... دعم يساهم في الرفع من مستواها الاقتصادي والتعليمي وتمكينها من آليات أداء مهام التكوين والتحصين. فلا يمكن التوقع من أسرة غير مطمئنة على قوتها اليومي وسكنها والمفتقرة للحد الأدنى من التأهيل التعليمي والثقافي، أسرة جاهلة بأمور التربية وأساسياتها ، نقول لا يمكن لهذه الأسرة أن تقدم نموذج المواطن الأمثل لأبنائها.
ب‌- المدرسة:
المدرسة إلى جانب الأسرة ، إحدى أهم مؤسسات التنشئة الاجتماعية، حيث تعمل على تلقين المعرفة ونقل الثقافة من جيل إلى جيل وتسعى إلى تحقيق نمو التلميذ جسميا وعقليا ووجدانيا واجتماعيا، و إعداده بشكل يؤهله ليندمج وتربيته على الكفايات والمعايير والاتجاهات والقيم ، التي يرتضيها المجتمع.
مهمة المدرسة إذن، مكمّلة لوظيفة الأسرة، بعملها على تنمية الاتجاهات والقيم المرغوبة التي تكونت أصلاً في البيت. فمن خلال الدروس والواجبات ومن خلال حصص التعليم وبرامجه وما يوازيها من أنشطة تربوية، والانخراط في العمل الجماعي سواء في الأقسام أو داخل الأندية التربوية وحصص التربية البدنية والتدبير الذاتي لجماعة التلاميذ... يتعلم التلميذ احترام القوانين والحق والواجب والمسؤولية… ثم إن المدرسة بانفتاحها على محيطها الاجتماعي وبتوفيرها الإمكانيات والوسائل التربوية والمادية والتجهيزية الضرورية (أطر مؤهلة، مكتبات، أندية، وسائل تعليمية ، ملاعب…)؛ تساهم بقدر وفير في إشباع حاجيات المتعلم النفسية والاجتماعية والمعرفية.
لذلك يكون من الضروري أن توفر الدولة جميع احتياجات المدرسة من مباني ملائمة وربطها بشبكة الماء والكهرباء وبشبكة الانترنيت وتجهيزها بالكتب والأدوات التعليمية والحواسب... وتوفير البيئة المدرسية الآمنة والبناءة والخالية من أسباب الاحتقان والصراع وتأهيل الإدارة الكفيلة بالرفع من الدفاعية لدى المدرسين وعموم العاملين بالمدرسة وتوظيف التكنولوجيا في التدبير الإداري، وتشجيع العمل الجماعي واستثمار كل المبادرات واستخدام كل الأدوات المتاحة لتحسين أدائها مما ينعكس إيجابا على تعلم روادها.
وتحتاج العملية التربوية – التعليمية في المدارس وداخل الأقسام (الفصول)، إلى تحسين قائم على تحقيق جو نفسي صحي و احترام التلميذ كفرد وكعضو في جماعة القسم؛ بما يتيح فرص نمو شخصيته من كافة جوانبها بشكل سليم ويحقق جودة العملية التعليمية. ولتحقيق كل ذلك نقترح توجيه الاهتمام إلى ما يلي:
* إثارة الدافعية وتشجيع الرغبة في التحصيل واستخدام الثواب والتعزيز بدل العقاب والتأنيب ، وجعل من الخبرة التربوية التي يعيشها التلاميذ في وضعيات حياتهم اليومية وضعيات/إشكالية تصلح كنماذج لترسيخ التعلمات لديهم.. مما يمكن أكبر عدد منهم من التفوق ويجنبهم الرسوب الدراسي وما يصاحبه من مشاعر الفشل ومن تكرار للأقسام والانقطاع المبكر عن الدراسة (الهدر المدرسي)، والذي عادة ما يرتبط كما أسلفنا بظواهر الانحراف.
* العناية بالفروق الفردية وأهمية التعرف على المتفوقين وعلى المتوسطين والضعاف ومساعدتهم على النمو التربوي في ضوء قدراتهم و وتيرتهم في التعلم.
* إعطاء كم مناسب من المعلومات الأكاديمية والمهنية والاجتماعية ، تفيد في معرفة التلميذ لذاته ولبيئته وفي تحقيق التوافق النفسي والصحة النفسية وتلقي الضوء على مشكلاته وتدريبه على كيفية حلها.
* توجيه التلاميذ إلى طريقة الاستذكار والتحصيل السليم والمراجعة بأفضل التقنيات والأساليب ، حتى يحققوا أكبر درجة ممكنة من النجاح .
جملة من التوصيات نورد أهمها فيما يلي :
1 - تبني أساليب متطورة في التعليم النشط للنشء بالمدارس، ابتداء من المراحل العمرية المبكرة، وتضمينها الأساليب الصحية للحياة ومواجهة المشاكل الحياتية المختلفة بالإضافة إلى أساليب الاتصال والإقناع .
2- تطبيق إستراتيجية من نظير إلى نظير. و إنشاء الجماعات الطلابية داخل المدارس وتدريبها لتلعب دورا إيجابيا في توعية الأقران.
3- أهمية تدريب المدرسين والأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين على التعامل مع الأسر.
4- صياغة قوانين ولوائح تنفيذية تساعد إدارات المدارس على التعامل مع مشكلات التلاميذ وحالات الاكتشاف المبكر للسلوك المنحرف . إنشاء مراكز للنصح والإصغاء والمشورة للتلاميذ مع تفعيل دور الموجهين و الأخصائيين الاجتماعيين والنفسيين داخل المدارس.
5- تشجيع الأفكار الإبتكارية ورعاية التلاميذ من خلال نشاطات مفيدة في كافة المجالات .
6- الاهتمام بدور نوادي التلاميذ واتحادات الطلاب وتشجيعهم وإشراكهم في كافة القرارات المدرسية وتنمية انتمائهم لأوطانهم .
7- إنشاء إدارة متخصصة للتربية الوالدية في وزارة التربية الوطنية ..
8-التواصل ليس فقط بين المدرسة والأسرة بل بينهما ومؤسسات المجتمع المحلي كالجمعيات والأندية الرياضية ودور الشباب ومراكز الثقافة والمكتبات العمومية والمساجد والمراكز الصحية ... بما يكفل تنسيق جهود التحصين النفسي لجميع هذه المؤسسات.
9-إعداد أدلة للتوعية تستهدف المعلم والأخصائي النفسي -الاجتماعي والتلاميذ وأولياء الأمور.

لعل أهم ما يمكن استنتاجه من هذه الدراسة ،هو أن السياسات الوقائية وحملات الصحة النفسية وبرامج التحصين النفسي لا ينبغي أن تركّز اهتمامها على اضطرابات الصحة النفسية فحسب، بل ينبغي لها الاهتمام أيضا وربما بالدرجة الأولى ، بالقضايا الواسعة النطاق المتعلقة بتحصين المجتمع ككل في جميع الجوانب وضد مختلف التحديات وحتي يكون في مستوى الانخراط الفعلي في مختلف برامج الإصلاح وفي مقدمتها إصلاح التعليم. ثم تعزيز بموازاة ذلك، الصحة النفسية ونشر برامج التحصين النفسي، والعمل على تبسيطها وتقريبها من مدارك الأسر (في إطار التربية الوالدية) وربطها باهتماماتهم وانشغالاتهم اليومية.
إذن الاهتمام وبشكل مواز، بالقضايا والعوامل الاجتماعية والاقتصادية والتربوية، فضلاً عن قضايا السلوكيات. الأمر الذي يتطلب دمج مسألة تعزيز الصحة النفسية في السياسات والبرامج على مستوى الحكومة والقطاعات الأخرى، بما في ذلك التعليم وأجهزة الأمن والعدالة والبيئة والإسكان والرعاية الاجتماعية وكذلك قطاع الصحة وبطبيعة الحال في مجالات التكوين المهني والشغل.
كما نستنتج أن الجهات التي ينبغي أن تتحمل مسؤولياتها في الوقاية والتمنيع بالإضافة إلى مؤسسات التنشئة الاجتماعية والتي فصلنا الحديث عنها ، الجهات المعنية بالتشريع وبوضع القوانين( الحكومة والبرلمان ) وبالتخطيط واتخاذ القرارات على المستويين المحلي والوطني، والتي ينبغي أن تؤثّر في تحصين المجتمع برمته ونشر الصحة النفسية بين جميع أفراده ونشر التربية الوالدية ،على مختلف المستويات وبمختلف الأساليب. مع ضرورة العمل على تضافر جهود تلك الجهات الرسمية وبقية مكونات المجتمع التي تتحمل بشكل مباشر أو غير مباشر، مسؤولية وقاية الأفراد والمجتمع من مختلف أشكال الاضطراب و الانحراف . لذلك لابد من الإلحاح في أي مشروع للتحصين النفسي ، على الحديث عن برنامج متكامل وشامل لتحصين الأطفال والشباب وحمايتهم .



#محسن_إشحا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية التعليم والتنمية بالمغرب
- المجتمع المدني المغربي والتحول من ثقافة الوصاية إلى ثقافة ال ...


المزيد.....




- من أجل صورة -سيلفي-.. فيديو يظهر تصرفا خطيرا لأشخاص قرب مجمو ...
- من بينها الإمارات ومصر والأردن.. بيانات من 4 دول عربية وتركي ...
- لافروف: روسيا والصين تعملان على إنشاء طائرات حديثة
- بيسكوف حول هجوم إسرائيل على إيران: ندعو الجميع إلى ضبط النفس ...
- بوتين يمنح يلينا غاغارينا وسام الاستحقاق من الدرجة الثالثة
- ماذا نعرف عن هجوم أصفهان المنسوب لإسرائيل؟
- إزالة الحواجز.. الاتحاد الأوروبي يقترح اتفاقية لتنقل الشباب ...
- الرد والرد المضاد ـ كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟
- -بيلد-: إسرائيل نسقت هجومها على إيران مع الولايات المتحدة
- لحظة تحطم طائرة -تو-22- الحربية في إقليم ستافروبول الروسي


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - محسن إشحا - مشروع متكامل لإصلاح المنظومة التربوية مداخلة -محمد الدريج- في يوم دراسي حول الأسرة والمدرسة بوادي لو