أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد عبد المجيد - أشلاء مَنْ هذه: ابنتك أم ابنك؟














المزيد.....

أشلاء مَنْ هذه: ابنتك أم ابنك؟


محمد عبد المجيد
صحفي/كاتب

(Mohammad Abdelmaguid)


الحوار المتمدن-العدد: 3914 - 2012 / 11 / 17 - 13:33
المحور: حقوق الانسان
    



هذا حذاء ابني ما يزال في قدمه اليسرى المنفصلة عن جسده.
وهذا رأس ابنة جاري ملقاة على الرصيف .
أرى أم محمد تولول، وتمزق وجهها بأظافرها الطويلة فقد جمعت أشلاء شقيقه أحمد البالغ من العمر أربعة عشر عاما، ثم اكتشفت أن عليها البحث عن ذراعه الأيمن فالأشلاء متناثرة على مسافة كيلو متر أو أكثر.
أم جرجس تجلس على الرصيف لا تستطيع أن تنهض لتتفحص أيدٍ وأرجلاً ورؤوساً وأمعاءً خرجت من البطون لعلها تعيد جمع أشلاء الجسد الغض لابنها الوحيد، قرة عينها ونورها وروحها.
رجل طيب سمح الوجه يلعن الزمن، ماضيه وحاضره، ويقول بصوت مرتفع: لقد حذرت بنفسي نفس السائق وطلبت منه رفض قيادة حافلة المدرسة إذا زاد العدد عن أربعين تلميذا.
في مصرنا الخمسون مثل الخمسمئة وهو يعادل الخمسة أو الخمسة آلاف، فالضحية مصرية، أما العدد فستعرفه يوم القيامة.
هناك تفاصيل يدخل منها الشيطان، وهناك تفاصيل تحيط بها اللعنة من كل مكان، والأخيرة هي الضمير الغائب في يوميات المصريين: المزلقان، عامل التحويلة، سائق الحافلة، مراقب عدد التلاميذ في كل منها قبل أن يعطي إشارة التحرك، مدير المدرسة، سائق القطار، نظام نقل متهالك لم يحدّثنا مسؤول في حكومة تـُـصلـّـي الفجر جماعة عن الحادث القادم.
مبارك يضحك في فراشه الوثير ويهمس في أذن ابنه الذي زاره باكراً: أنا صاحب قطار الصعيد ومسرح بني سويف وحريق الأوبرا وضحايا جبل المقطم، أما الآن فسيشاهد المصريون في عهد التحرش الجنسي الجماعي حوادث من نوع آخر فيها استاد بور سعيد، وأتوبيس تلاميذ منفلوط.
خمسون سندويتشاً بالجبن والعسل والمربى كانت ستستقر في بطون صغيرة لأطفال احتفل أكبرهم بربيعه السادس عشر.
شاهدت رجلا يهرول، ثم يخلع جاكتته الشتوية الفضفاضة ويضعها فوق كومة من اللحم الطري بجانب الرصيف. تجري نحوه امرأة شابة وترجوه أن يرفع الغطاء مرة أخرى فقد لمحت من بعيد النصف العلوي لجسد طفل يعلوه رأس لعله هاني ابن أختها، الذي احتفل أمس بعيد ميلاده الخامس عشر.
التاسعة صباحا والتلفزيون المصري يبث حلقة تفسير للشيخ علي جمعة، ولم يتشح أحد بالسواد بعد، أو يعلن الحداد الوطني في البلاد.
أريد أن أصرخ في وجه كل ملعون يظن أن هناك فارقا بين المسلم والقبطي وأطلب منه أن يقوم بتوزيع أشلاء أطفالنا وفقا للهلال والصليب، وأن يتعرف على العين التي خرجت من الوجه الطيب واستقرت في وسط الطريق قبل أن تسوي بها سيارة أخرى الأرض: هل هي عين لمسلم أم لقبطي؟
خمسون تلميذا لخمسين أسرة في خمسين عائلة مقسمة على خمسين منزلاً للجيران ومثلها للمعارف والأحباب: المجموع نصف مليون حالة حزن وغم وكمد وبكاء وعويل.
المسؤولون في بلدي يستعدون ليكفكفوا دموعهم أمام الناس، ويُقسم كل منهم أن طعام الافطار رفض الدخول في جوفه، ثم يتصل بسكرتيره ليسأله عن وصول العلاوة الشهرية وبدل السفر لهذا الشهر.
في كل كوارث الإنسانية يظل الجرحى في نهاية صف الاهتمامات: قدم انفصلت، أنف انجذع، فروة رأس تمزقت، شلل في اليدين، ولكن هناك أفراح في بعض المستشفيات الخاصة فالطبيب الجراح يستقطع من لحم أو جيب أو حساب أو رهان البيت مئة ألف جنيه لاجراء العملية، وإلا فلتُعدّ الأسرة جنازة ابنها قبل الموت بوقت طويل.
شاهدت عجوزا وقد أصابه الجنون وبدأ يُحصي أشلاء الأطفال من المزلقان إلى نهاية الطريق. اليوم سيكون هناك مكان خال على مائدة العشاء المتواضعة، أين شيرين وفاطمة ومريم وأمال ونبيل وهاني وفؤاد ورشا وسعيد ومنى ومها وزينب وحبيب ومرقص ومصطفي و ...؟
اقتربت من امرأة اختلط صراخها بحشرجة لا تدري إن كانت حشرجة الموت أم الرغبة فيه. تقدمت منها وطلبت منها أن أحمل لها الشوال الأسود الذي جمعت فيه أشلاء ابنتها سلوى فرفضت وقالت لي بأنها ستبحث مرة أخرى فهي لم تجد ذراعها اليسرى بعد.
مصر ترتدي الأسّود على ماذا؟ أطفال المدرسة، ضحايا غزة، ضياع سيناء، براءة جمال وعلاء مبارك، سقوط لوحة العدالة التي كانت معلقة فوق رأس المستشار،
لا يهم، فاللون الأسود ليس للضحايا ولكن للزمن الأسود.
والزمن الأسود في ثلاثين عاما، ثم عاما ونصف العام، ثم يأتي وقت عجاف ينظر رئيس الدولة لملفات لو وضعها فوق بعضها لوصلت للسماء السادسة وهي كوارث وفواجع ومصائب مصرنا الحبية.
الرئيس يتأمل فيها، ثم يراجع حساباته: أيهما أكثر ثوابا عند الله: مصالح الشعب أم موكب الصلاة؟ ويختار رئيسنا ومستشاروه ما يظن أنه عبادة الله، فإذا هي عبادة شيء آخر.
رؤساء الأحزاب يطالبون بمحاسبة المسؤولين، وربما يذرفون دموعا على أطفالنا، لكن أعينهم المليئة بالدموع التماسيحية تتثبت على صناديق اقتراع لم تصل بعد.
شاهدت مسؤولا يتحدث لمجموعة من الميكرفونات التي تحجب وجهه عن ضرورة عقوبة المتسببين في الحادث وأن الرئيس أعطى توجيهات بالاهتمام بالحادث. . تقدمت منه وأعطيته رأساً صغيرة وأصابع قدمين وأحشاء بطن وعينين كانتا تبرقان بهجة وحبا في الحياة وسألته: أهذه لابنتك أم لابنك؟ لم يردّ، فبصقت عليه وانصرفت!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 17 نوفمبر 2012



#محمد_عبد_المجيد (هاشتاغ)       Mohammad_Abdelmaguid#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار بين مستشار و .. ابنه!
- فرانكفورت .. حيث ينعي الكتابُ العربَ!
- كلمات في الحماقة!
- رؤيتي الجديدة للرئيس محمد مرسي!
- هل النار مشتعلة في البيت؟
- حوار بين الرئيس مرسي و.. مواطن مصري!
- هذه أفكاري لمليونية الخروج من الجحيم!
- الديمقراطية العرجاء!
- رسالة من الرئيس مرسي إلى المصريين
- حديث عن هيكل وكشك والجمل و.. طائر الشمال!
- ورسالة جديدة إلى روح عبد الناصر
- الختم على القفا!
- الجزيرة مباشر .. علامات استفهام!
- أخاف على سوريا من النصر والهزيمة معاً!
- تغطية وجه المرأة حرام.. حرام.. حرام!
- كلهم يرقصون، فمن سينصت؟
- بول بوت السوري!
- بعض صور الظلم بعد ثورة 25 يناير
- لسان هذا الرجل أعجمي وليس عربياً!
- معذرة، ففي صدري بركان!


المزيد.....




- منسقة الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية تؤكد مسئولية المجتمع ال ...
- ارتفاع حصيلة عدد المعتقلين الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ ...
- العفو الدولية: المقابر الجماعية بغزة تستدعي ضمان الحفاظ على ...
- إسرائيل تشن حربا على وكالة الأونروا
- العفو الدولية: الكشف عن مقابر جماعية في غزة يؤكد الحاجة لمحق ...
- -سين وجيم الجنسانية-.. كتاب يثير ضجة في تونس بسبب أسئلة عن ا ...
- المقررة الأممية لحقوق الإنسان تدعو إلى فرض عقوبات على إسرائي ...
- العفو الدولية: استمرار العنصرية الممنهجة والتمييز الديني بفر ...
- عائلات الأسرى المحتجزين لدى حماس تحتشد أمام مقر القيادة العس ...
- استئجار طائرات وتدريب مرافقين.. بريطانيا تستعد لطرد المهاجري ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - محمد عبد المجيد - أشلاء مَنْ هذه: ابنتك أم ابنك؟