أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جمال عبد الفتاح - الثوره والصراع الطبقى العالمى















المزيد.....


الثوره والصراع الطبقى العالمى


جمال عبد الفتاح

الحوار المتمدن-العدد: 3910 - 2012 / 11 / 13 - 15:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الثورة والصراع الطبقي العالمي

ان فهم طبيعة الثورة الشعبية المصرية والتحديات والمخاطر التي تواجهها لا يعود فقط لمعرفة وفهم السياق التاريخي والشروط والاوضاع الفعلية للصراع الطبقي والسياسي المحلي الراهن في بلادنا ، وانما يؤثر فيه وبنفس الاهمية الصراع الطبقي العالمي .
منذ 25 يناير كنا قد تناولنا بالدراسة والتحليل الكثير من قضايا الثورة على المستوى المحلي ، ولم نتعرض للأوضاع العالمية المحيطة إلا في إشارات او احالات محدودة تتعلق بالأعداء التاريخيين لثورتنا كالاستعمار الامريكي واسرائيل ، ودورهم وتأثيرهم على الثورة وحلفائهم المحليين .
وبات من الضروري تقديم قراءة أولية لوضع الصراع الطبقي العالمي الذي جاءت فيه ثورتنا والتأثير المتبادل فيما بينهما ، لنتمكن من تقديم رؤية صحيحة لعلاقات القوى بين قوى الثورة واعدائها محلياً وعالمياً . ومن ثم مناقشة اوسع للاستراتيجية والتكتيك الثوري في اللحظة الراهنة من تطور الصراع لحل مشكلات الحركة الثورية في وعيها المنظم وبناء تنظيمها الثوري كضرورة .
كان أهم نتائج الحرب العالمية الثانية انتصار الحلفاء – الاتحاد السوفيتي وامريكا والكثير من بلدان اوروبا – على النازية لصالح تقدم الجنس البشري ، وظهور نظام عالمي جديد قام على بروز قوتين عظميين ، الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي . وقد حلتا محل قوى الاستعمار القديم في مناطق نفوذها في المستعمرات . بل وفرضتا نفوذهما على بلدان اوروبا نفسها .
ونشأ تبعاً لذلك حلفي الناتو ووارسو ، واسواق اقتصادية ترتبط بكل منهما . واصبحت كل بلدان اوروبا ، الشرقية منها والغربية تعتمد في امنها ومصالحها وتطورها بكل من القوتين العظميين طبقاً لاتفاقية يالطا . .
وبذلك استمرت اوروبا مركزاً للصراع الطبقي العالمي رغم صعود قوى استعمارية جديدة من خارج القارة ولكن بشروط جديدة لهذا الصراع حتى وان كان في بلدان تحيط بمركز الصراع .
وقد انعكست هذه الاوضاع الجديدة من الاستقطاب على بلدنا آسيا وافريقيا وامريكا الجنوبية . فاندفعت بقوة حركات وثورات التحرر الوطني – بعد الحرب العالمية الثانية – باتجاه الاستقلال والتحرر من الاستعمار القديم .
فحققت العديد من الانتصارات كان ابرزها الثورة الصينية ، وهناك بلدان منها حققت استقلال سياسي محدود .
ومع نهاية السبعينات تعافت الرأسمالية الامريكية والاوروبية من أزماتها مؤقتاً ، وتطورت قوى الانتاج كثيراً مع ثورة المعلومات في وقت بدأت الازمة الاقتصادية والاجتماعية تتزايد داخل الاتحاد السوفيتي وبلدان اوروبا الشرقية ، وبدأ تساقط العديد من بلدان التحرر الوطني في اسر الاستعمار الامريكي معلنة تراجع حركة الثورة العالمية ، ثم انهيار الاتحاد السوفيتي كقوى عظمى وتساقط بلدان اوروبا الشرقية .
تلك كانت لحظة جديدة في تاريخ الامبراطورية الامريكية والعالم اكدتها نتائج حرب الخليج الثانية على العراق عام 1991 . لتصبح معها امريكا القوة العظمى الوحيدة في عالم ما بعد الحرب الباردة . فخططت ليصبح القرن الحادي والعشرين قرناً امريكياً بإمتياز ..
وما ان وقعت احداث 11 سبتمبر 2001 حتى اعلنت الامبراطورية الامريكية حربها الاستعمارية المقدسة على افغانستان اكتوبر 2001 ثم العراق في مارس 2003 تحت راية مشروع الشرق الاوسط الكبير لتحقيق السيطرة الكاملة على منطقة وسط آسيا والعالم العربي جملة لضمان استمرار دوران الآلة الاقتصادية الامريكية وآلة حلفائها الاوروبيين اعتماداً على اكبر مخزن للطاقة في العالم في منطقة الخليج العربي وبحر قزوين .
ولقد اندفعت امريكا في حربها الاستعمارية على افغانستان تحت زعم الحرب على الارهاب ، وفي مقدمة اهدافها الكبرى فرض قيود على تطور وصعود الصين كقوى عظمى منافسة ، ووقف تعافي روسيا من ازمتها والدمار الذي حل بها مع انهيار الاتحاد السوفيتي ، بإحكام هيمنتها على وسط آسيا وبحر قزوين .. ولكن نتائج هذه الحرب المستمرة حتى الآن تبرهن على فشل مخططاتها الاستعمارية .
فمازال صعود الصين يتعاظم اقتصادياً وعسكرياً .. بل وتجاوزت اليابان لتحتل المركز الثاني في اقتصاديات العالم ، واصبحت اكبر دائن للولايات المتحدة بأكثر من تريليون دولار في ظل ازمة اقتصادية تعصف بالاقتصاد الامريكي والاوروبي منذ عام 2008 حتى الآن . يفاقم منها انفاق الحملة العسكرية على افغانستان الذي تجاوز 2 تريليون دولار وقبلها اكثر من اربعة تريليون في الحرب المدمرة على العراق بهدف اخضاع المنطقة العربية برمتها، ثرواتها وشعوبها ، وممراتها المائية الاهم في العالم لحركة التجارة العالمية والهيمنة الاستعمارية , وتحقق مشروع " الشرق الاوسط الكبير " وهذا يؤكد أن التناقض الحاكم للصراع الطبقي العالمي الآن بين الرأسمالية العالمية بقيادة الامبريالية الامريكية وبين الطبقات العاملة وكل الكادحين وشعوب العالم. وقد تراجعت التناقضات بين الامبرياليات والرأسماليات الصاعدة الجديدة مثل الصين والهند وبعضها البعض ، والبرازيل وروسيا إلى المرتبة التالية . وكفت عن ان تكون تناحرية في هذه اللحظة من تطور الرأسمالية كما كانت ابان الحرب العالمية الاولى والثانية قبل استعمال القنابل الذرية في هيروشيما وناجازاكي التي وضعت قواعد ونهايات جديدة لاي حروب عالمية قد تفكر فيها القوى الاستعمارية ..
ونتيجة لهذه التغيرات العاصفة انتقل مركز الصراع الطبقي العالمي من القارة الاوروبية إلى منطقتنا العربية ومحيطها الحيوي في وسط آسيا وافريقيا للأسباب السابقة ، وخاصة بعد دخول الصين ومن بعدها روسيا بكثافة في مجال استخراج البترول والبنية التحتية وتجارة السلاح والسلع في السودان وليبيا والجزائر وايران وسوريا وافغانستان والعديد من البلدان الافريقية والاسيوية .
ولم تكن الارض منبسطة امام الهيمنة الامريكية في منطقتنا العربية ، وسط آسيا . فالانتفاضة الفلسطينية في اواخر عام 2000 ، والتفاف قطاعات واسعه من الشعوب العربية حولها ضد حروب الابادة الاسرائيلية وراعيها الرئيسي الاستعمار الامريكي ، وتواطؤ الانظمة العربية التابعه قد فجر مزيد من الاحتجاجات الشعبية والوعي لدى الشعوب العربية ضد اعدائها التاريخيين الاستعمارين الامريكي والصهيوني والانظمة الاستبدادية العربية ، واضافت المقاومة العراقية للاحتلال البربري الامريكي مزيد من الزخم منذ مارس 2003 ، وكذلك المقاومة اللبنانية ضد العدوان الهمجي الاسرائيلي صيف عام 2006 ، ثم دعم المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاجرام " الاسرائيلي " المستمر خاصة عدوانها الواسع على غزة عام 2008 ، وفي نفس الوقت ، كانت الشعوب العربية في اغلبها تعيش واقعاً اقتصادياً واجتماعياً مأساوياً ومريراً انتجته أنظمة حكم وراثية وقمعية ترعى مصالحها ومصالح امريكا واسرائيل على حساب مصالح شعوبها واستقلال بلادنا .
كل ذلك اجج مخزون الغضب لدى الشعب المصري والشعوب العربية في ارض كانت حبلى بالثورة منذ زمن .. ثم أتت في هذه اللحظه الثورة التونسية لتشعل حريقاً ثورياً عربياً يهدد أحلام الامبراطورية الامريكي واسرائيل ، كما يهدد وجود الانظمة الاستبدادية التابعه لها ..
من هنا ادركت السياسة الامريكية اكثر من اي طرف آخر خطورة الثورة المصرية والثورات العربية لطبيعتها الاجتماعية والسياسية المعادية للاستعمار والصهيونية ، وكونها شرارة الثورة العالمية ضد العولمة الرأسمالية في الحقبة الراهنة من تطور الصراع الطبقي العالمي .
فبادرت بحركة سريعه عن طريق حلف الاطلنطي وبمباركة الشرعية الاستعمارية – الامم المتحدة – بوضع يدها على الثورة الليبية .
وجاءت بقوى سياسية معارضة لحكم القذافي كانت على علاقة بها قبل الثورة . ووضعتها على رأس سلطة ليبية تأتمر بأمرها ، وتضمن لها خزان النفط الليبي .
ولكنها حتى الآن لم تستطع أن تفرض سيطرتها على الاراضي الليبية الواسعه ، ومازال العديد من ثوار المدن والقبائل لديهم اسلحة كثيرة ومتنوعة ، مما يضفي مزيد من التعقيد على استقرار الاوضاع لصالح النظام الجديد ..
وفي مصر عملت السياسة الامريكية بدأب على تمكين سلطة العسكر ثم الاخوان المسلمين في لحظة أخرى كما في تونس كقوى موثوق في عدائها للثورة بهدف الاجهاز عليها والاستمرار بالنظام الرأسمالي القديم وسياساته وتحالفاته القديمة المرتبطة بأمريكا وإسرائيل .
ولكن الثورة المصرية قد تجذرت في الطبقات الشعبية وزاد وعيها اكثر ، واتسع انخراط الطبقة العاملة والعاملين بأجر عموماً في الاضرابات المتتالية والاحتجاجات الاجتماعية ، واتسع نطاق مقاومة سلطة الاخوان والدعوة لاسقاطها ، فأصبحت الثورة عصية على العسكر والاخوان والادارة الامريكية معاً ..
وقد تمكنت الادارة الامريكية بمشاركة " السعودية " من ادخال الثورة اليمنية في حلقة مفرغة من الانقسامات وتثبيت نائب الرئيس في السلطة بعد إزاحة الطاغية لاعادة انتاج النظام القديم ، والالتفاف على الثورة بإضرام النيران في الصراعات القبلية والمذهبية ( الحوثيين ) ، وما بين الجنوب والشمال وارهاب القاعدة .. إلخ . لافراغ الثورة من مضمونها السياسي الثوري لتكريس المصالح الامريكية والسعودية ، واستمرار سيطرة القوى الرجعية على اليمن .
أما الثورة السورية فقد تم حصارها بقوى الرجعية من الداخل والخارج ، وفرض حرب غير متكافئة لانهاك كل القوى الثورية وقوى النظام ، وخلق اوضاع جديدة تقوم على حطام وطن وكانتونات طائفية وقومية – الاكراد والعلويين – كما حدث في العراق على يد الاحتلال الامريكي فتتمكن السياسة الاستعمارية الامريكية من فرض سيطرتها ، وتتيح لاسرائيل مشاركتها الهيمنة على المنطقة العربية وتصفية القضية الفلسطينية بعد هزيمة الثورات العربية ..
ولكن الثورات العربية وفي القلب منها الثورة المصرية مازالت حية وقادرة على المقاومة ، ومازال الصراع مفتوحاً بينها وبين اعدائها المحليين والعالميين ، والاحداث اليومية في مصر وتونس وسوريا وليبيا واليمن والاردن والبحرين تقول ان نضالات الشعوب حاضرة وبقوة ومفتوحة على كل الاحتمالات ، والنصر اكثر من الهزيمة مهما كانت المنعرجات بوصول تيار الاسلام السياسي كقوى رجعية إلى السلطة .
ومهما يكن من امر ، فمن الواضح أن صراع الاستعمار الامريكي والعالمي وقوى الرجعية ضد الثورات العربية ممتد لسنوات قادمة . ويحكمه الآن عصر هبوط الامبراطورية الامريكية لا صعودها ، حيث تتفاقم أزمتها المجتمعية كنتيجة وسبب للأزمة الاقتصادية العالمية منذ عام 2008 – وهذا ينطبق على بلدان اوروبا أيضاً – اذ يعيش 18 % من الشعب الامريكي تحت حد الفقر – ما يقرب من 50 مليون – والبطالة تصل إلى 11% من قوة العمل الامريكية . وقد تراجعت وتدهورت الطبقة الوسطى الامريكية بشكل غير مسبوق كما تظهره الدراسات وحملات انتخابات الرئاسة الاخيرة ، وتزايد حجم الدين الخاجي للولايات المتحدة إلى 16 تريليون دولار وبذلك تجاوز اجمالي الدخل القومي الامريكي في العام الاخير . وهذه معدلات خطرة لاكبر قوة اقتصادية في العالم . واذا قارنا وضع الاقتصاد الامريكي بالنسبة لاقتصاد العالم بين عامي 1950 إلى 2011 نرى التراجع الكبير في حجم الانتاج السنوي الامريكي بالنسبة لحجم الانتاج العالمي من 52 % عام 1950 إلى 22% عام 2011 . وفي نفس الوقت تصعد قوى رأسمالية جديدة كالصين والهند والبرازيل وروسيا مما يزيد من حدة المنافسة الرأسمالية على مستوى العالم فيتراجع دور الامبراطورية الامريكية شيئاً فشيئاً .
ودائماً عبر التاريخ تبدأ الامبراطوريات الاستعمارية في التراجع ثم الانهيار عندما يتمدد نفوذها العسكرى والسياسي إلى حد يصبح عبئاً على امكانياتها الاقتصادية والاجتماعية . فأمريكا تنشر قواعدها العسكرية في أكثر120 من دولة من دول العالم . وقد انهكتها حروبها العدوانية الاخيرة على يوغوسلافيا والعراق وافغانستان ، وانتشار اساطيلها في كل البحار والمحيطات ، فأصبحت اكبر دولة مدينة في العالم ، مما يهددها بمخاطر اقتصادية واجتماعية شديدة .. وهو ما يؤكده العالم الامريكي " تشومسكي " في محاضرته الاخيرة في الجامعة الامريكية بالقاهرة أن " امريكا تنهار وتتحلل الآن ، بعد أن خسرت خططها في اخضاع الصين لسطوتها ، في حين بدأ العالم يعتمد على امريكا وشمال اوروبا واليابان وآسيا . إن انفاق الجيش الامريكي يساوي ما تنفقه كل جيوش العالم . ومبيعات الأسلحة في الولايات المتحده جعلها تمتلك ثلاثة ارباع سوق السلاح الدولية . "
والمتابع لتطور اوضاع امريكا الجنوبية – الفناء الخلفي للولايات المتحده – يرى الخروج الواسع على السيطرة الامريكية ، إذ تتجه العديد من دولها " فنزويلا وبوليفيا ، وجواتيمالا والاكوادور وكوبا والارجنتين وشيلي في تعاملاتها الاقتصادية والعسكرية ناحية الصين ثم روسيا . بالاضافة إلى بروز دور البرازيل الاقتصادي والسياسي القوي داخل القارة وخارجها ، فيتأكد تراجع الامبراطورية الامريكية في مناطق نفوذها التقليدية القديمة وانغماسها اكثر فأكثر في المنطقة العربية ووسط آسيا حيث مركز الصراع الطبقي العالمي الجديد بعد انتقاله من اوروبا كما اسلفنا . وزاد من هذا الاهتمام ضرورة وقف تقدم الثورة المصرية والثورات العربية خلال العامين الماضيين بعد أن اطاحت بحكامها ووجهت ضربات مزلزلة لأنظمة الاستبداد العربية حامية المصالح الاستعمارية في المنطقة . إن هذه التغيرات العنيفة والمتلاحقة وانغماس الادارة الامريكية فيها اضعفت قبضة الهيمنة الامريكية على بلدان امريكا اللاتينية وخلق شروط جديدة للصراع تتراجع فيها الاحلام الامبراطورية للولايات المتحده .
ومن الواضح ان الرأسماليات الامريكية والاوروبية لا تتعرض لأزمة اقتصادية واجتماعية عميقة فحسب بل تتعرض ومنذ زمن لأزمات حكم متتالية تظهر في السقوط السريع للحكومات وحل البرلمانات قبل انتهاء مدتها كما في اليونان وايطاليا واسبانيا والنمسا وغيرها من البلدان الاوروبية ، وتزايد نفوذ القوى اليمينية الفاشية ، وتصاعد العنف في المدن الاوروبية ضد قوى اليسار والمهاجرين ، وظهور العديد من المليشيات العسكرية التي انتشرت كالفطر تضم آلاف الشباب في امريكا والبلدان الاوروبية ، تقوم باستعراضات للقوة في المدن المختلفة ، وفيها ما هو مجمع من اكثر من بلد اوروبي في مدينة واحدة . وعلى الجانب الآخر تنمو حركة فقراء المدن والعاطلين عن العمل بعد تراجع الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في السكن والتعليم والتأمين الصحي والاجتماعي التي انتزعتها الطبقات الكادحة بنضالها في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي ، كما تتراجع القيمة الحقيقية لاجور العمال وصغار الموظفين والمهنيين عموماً لصالح تركز الثروة بيد القلة الغنية .
وبذلك انفضح نفاق الديموقراطيات الاوروبية والامريكية حول حقوق الانسان والمساواة وعدم التمييز بين البشر لصالح عنصرية مقيته داخل بلدانها . فما بالنا وهي تخوض حرب استعمارية تقتل اكثر من مليون في العراق وحدها والمزيد في فلسطين وافغانستان وباكستان والعديد من الدول الافريقية ، فأي حقوق انسان هذة , والحقيقة المرة أنه نمو للنزعات البربرية لدى الرأسمالية العالمية تحت زعم محاربة الارهاب ..
ومن اعراض ازمة الحكم هذه ، انصراف اكثر من نصف الشعوب الاوروبية والشعب الامريكي عن المشاركة في التصويت في الانتخابات البرلمانية والرئاسية منذ سنوات طويلة لاحساسها ووعيها بأن تلك البرلمانات المنتخبة ليست اكثر من " نوادي للثرثرة " . ولاضفاء الشرعية على الحكم القائم ،تستدعي الطبقات الكادحة بشكل دوري لاختيار اعضائها ليس اكثر ، ولكن الحكومات الفعلية التي تحدد السياسات وتتخذ القرارات هي الشركات الاحتكارية الكبرى متعددة الجنسيات ، التي اصبحت تمتلك أجهزة مخابراتها وامنها الخاصة ، ومراكز للتخطيط والسياسة وخبراء لتنفيذ قراراتها عبر العالم . وأمست أجهزة الدولة والبرلمان والحكومة ادوات لتنفيذ سياسات هذه الحكومات الخفية ، ان قيام الادارة الامريكية وحلفائها الاوروبيين بالحرب على العراق برغم رفض شعوبهم وشعوب العالم , وخروجهم بعشرات الملايين في الشوارع والميادين ضد هذة الحرب لهو اكبر دليل على دور البرلمان والحكومة الفعلية في اتخاذ القرارات . وقد تحولت الانتخابات البرلمانية والرئاسية والادارات المحلية بأشكالها الكرنفالية والاعلانية سلعة غالية الثمن – تكلفة حملة اوباما الحالية تجاوزت المليار دولار – للهيمنة السياسية والثقافية والاجتماعية من قبل الطبقة الرأسمالية على مجمل طبقات المجتمع .
ويكفي أن تسأل ما هو الفارق بين سياسات الادارة الامريكية في عهد اوباما وما كانت عليه في عهد بوش الابن من الحرب الاستعمارية على العراق وافغانستان والشرق الاوسط ، والازمة الاقتصادية والبطالة ودعم الشركات الصناعية والمالية المعرضة للانهيار من حساب صناديق الائتمان الاجتماعي والصحي وعلى حساب الطبقة العاملة والمتوسطة وفقراء المدن واصحاب المعاشات ؟والاجابة المرة أنه لا فرق يُذكر .. وينطبق نفس الامر على فرنسا وانجلترا والمانيا وغيرها من البلدان الرأسمالية ..
لذلك انصرفت قطاعات واسعه من الشعوب الاوروبية والشعب الامريكي عن العملية الانتخابية برمتها وأضحى العمل السياسي الذي يأخذ شكل الاحتجاجات الواسعه للطبقات الكادحة والعاطلين عن العمل والمهاجرين ضد سياسات الراسمالية المتوحشة يحدث خارج الاحزاب الرسمية والنقابات سواء اليمينية منها او اليسارية ، وبقيت البرلمانات خارج الصلاحية وقد انتهى عمرها الافتراضي في ادارة بلدان " الرأسمالية المتقدمة".
واذا كانت الرأسماليات " المتقدمة " قد نجحت ابان فترة ما يسمى " بدولة الرفاه " في تحويل قيادات الطبقة العاملة الاوروبية في النقابات والاتحادات والروابط إلى بيروقراطية عمالية تنعم بإمتيازات اجتماعية وتمكنت من ادخال نضال العمال السياسي إلى قفص المطالب الاقتصادية التي تحقق منها الكثير على حساب شعوب العالم الثالث . كانت النتيجة إنصراف ملايين العمال خارج التنظيمات النقابية ، وانتشار روح الانانية والمصالح الخاصة على حساب التضامن ووحدة الطبقة العاملة ونضالها المشترك فيما بينها ناهيك عن المستوى الاممي كما كان في النصف الاول من القرن الماضي ..
ولكن ازمة الحكم فى الانظمة الراسمالية والحروب الاستعمارية وتركز الثورة في يد القلة من الرأسماليين , ثم تفاقم الازمة الاقتصادية ادى لانخراط أجيال جديدة من الشباب الاوروبي والامركي في النضال ضد الرأسمالية فى بلدانها ,وضد حروبها العدوانية , وتضامناً مع نضال الشعب الفلسطيني ضد الاستعمار والعنصرية الاسرائيلية , وتضامناً مع الثورات العربية .
وفي مواجهة الحركات الثورية الجديدة تعتمد الانظمة الرأسمالية في البلدان الاوروبية للسيطرة على مجتمعاتها والعالم على تغذية النزعات اليمينية الفاشية ومعاداة المهاجرين وتحميلهم ازمات المجتمع في البطالة والسكن والتعليم والصحة ، كما تدعم التيارات والقوى الاسلامية الرجعية في الوصول للسلطة في بلدان الثورات العربية حلفائهم الجدد ، اما الحديث عن الديموقراطية والحريات لديها اصبحت لا تعني غير الحق في الصراخ . المهم أن يبقى الحكم والهيمنه على البشرية للسلعه والربح إله الشركات الاحتكارية العملاقة متعددة الجنسيات وفوهات البنادق والبربرية لحمايتها .
وفي هذه اللحظة الجديدة من الصراع الطبقي العالمي انتقلت مبادرة الفعل الثوري إلى الطبقات الكادحة والشعوب في مصر وتونس وسوريا وغيرها من البلدان العربية ، وينتقل تأثيرها والهامها عبر المتوسط إلى اليونان واسبانيا وايطاليا وبلدان اوروبية أخرى ، وعبر الاطلنطي إلى الاراضي الامريكية . ودعماً لنضالات شعوب امريكا الجنوبية على طريق الثورة العالمية .
واعتقد ان ازمة القوى الثورية الاوروبية قريبة الشبه بأزمة قوى الثورة المصرية ، تعكس غياب النضال السياسي الثوري للطبقة العاملة لسنوات طويلة ، وغياب الرؤية الثورية النقدية لعالم الرأسمالية اليوم بشقيه المتقدم والمتخلف وغياب الاستراتيجية الثورية والتنظيم الثوري ..
ولقد استطاعت المعده القوية للعولمة الرأسمالية هضم حركة مناهضة العولمة الرأسمالية التي ظهرت في التسعينيات في سنوات قليلة لغياب الفكرة الثورية الاشتراكية وسيطرة الافكار الاصلاحية عليها ..
خلاصة :
ان مركز الصراع الطبقي العالمي في هذه اللحظة من الثورة العالمية هو البلدان البلدان العربية وبؤرتها مصر . وان الثورات العربية وفي مقدمتها الثورة المصرية هي الآن قاطرة حركة الثورة العالمية ، وأن نصلها الحاد موجه ضد الرأسمالية العالمية والمحلية التابعه .
وان الامبريالية الامريكية قائدة حركة الثورة المضادة عالمياً تمر بمرحلة من الضعف والتحلل والازمة والتراجع الامبراطوري عبر العالم . لذلك هي اكثر بشراسة وبربرية واصرارا على هزيمة الثورات العربية وبأقل تكلفة ممكنة . وهي تمثل مع اسرائيل والرأسمالية المصرية بقيادة الاخوان المسلمين الاعداء التاريخيين للثورة الشعبية المصرية .
ان الثورة المصرية والثورات العربية تلعب دور الملهم للثورات الاوروبية في اللحظة الراهنة كما فعلت الثورة الروسية 1917 بالنسبة لاوروبا والعالم .
وتصبح المهمة الملحة فى اللحظة الراهنة بناء اممية الطبقة العاملة العالمية ,اممية الشعوب ضد العولمة الراسمالية المتوحشة على اساس من النظرية الاشتراكية الثورية .



#جمال_عبد_الفتاح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا لدستور الثوره المضاده
- الثوره ، العسكر والأخوان الآن والى اين؟
- مقتله الجنود المصريين وأتفاقيه كامب ديفيد
- رئيس الوزراء الجديد مباركى أخوانى / وصفعه على وجه - الانتهاز ...
- مغزى زياره كلينتون الأخيره لمصر
- الثورة وسلطة الديموقراطية الشعبية
- وطنيه الجيش على محك الثوره
- انتخاب رئيس قبل اسقاط النظام خيانة للثورة
- هل كل ما ينقص الشعب الفلسطينى دويلة بشرعية استعمارية ؟
- صفقه الاسرى ومأزق النضال الفلسطينى
- أنتخابات مجلس الشعب عار وخيانه للثوره
- المجد للشهداء
- الأخوان المسلمون والثوره
- عصر الأنحطاط ما بين أضمحلال الدوله والطبقات


المزيد.....




- قائد الجيش الأمريكي في أوروبا: مناورات -الناتو- موجهة عمليا ...
- أوكرانيا منطقة منزوعة السلاح.. مستشار سابق في البنتاغون يتوق ...
- الولايات المتحدة تنفي إصابة أي سفن جراء هجوم الحوثيين في خلي ...
- موقع عبري: سجن عسكري إسرائيلي أرسل صورا للقبة الحديدية ومواق ...
- الرئاسة الفلسطينية تحمل الإدارة الأمريكية مسؤولية أي اقتحام ...
- السفير الروسي لدى واشنطن: وعود كييف بعدم استخدام صواريخ ATAC ...
- بعد جولة على الكورنيش.. ملك مصر السابق فؤاد الثاني يزور مقهى ...
- كوريا الشمالية: العقوبات الأمريكية تحولت إلى حبل المشنقة حول ...
- واشنطن تطالب إسرائيل بـ-إجابات- بشأن -المقابر الجماعية- في غ ...
- البيت الأبيض: يجب على الصين السماح ببيع تطبيق تيك توك


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جمال عبد الفتاح - الثوره والصراع الطبقى العالمى