الحُب حاكِمٌ وجلاد

محمد الزقزوق

الحوار المتمدن-العدد: 3887 - 2012 / 10 / 21 - 14:08
المحور: الادب والفن
    

عما قَريب سَيَدخُلُ الحُبُ عامَهُ السَبعون وسَيُصيِحُ عَجوزاً بِحاجةٍ إلى الاهتمامِ وسَيقِلُ سُلطانهُ على العاشِقين , أحسنوا إليه وتَجاوزا عن سَيئاتهِ ولا تُدخِلوه دارَ المُسنين .

هكذا قالت زائرةِ الحُلم وكَأنها تَتلو بَياناً مرً عن هَزيمةٍ ما . كم هو مُزعجٌ أن ترى ذاك الطائش اللاهي العابث يَكبرُ ويَشيخ ويَقلُ سُلطانه على العاشقين فَتفترَ حميميةِ العشق وتَبلدُ لوعَته , ماذا سَيحدثُ لِلأحلامِ التي عُلِقت على أطرافِ السُحب بانتظار أن أيَهطلَ بها المَطرُ على جَفافه , وكيفَ سَتتوقفُ طاقة القُبلات عن رسمِ لوحاتِ الحياة في الصَحاري القاحلة , من سَيؤنسُ القمرَ في وَحشةِ اللَيل غير عِواء الذئاب إلا سَهر العاشقين وتأوه المُعذبين .

كانَ الحُبُ حاكِماً مُستَبداً واثقاً بِسطوتهِ معتَزاً بِجبَروتهِ وكانَ عقب استيقاظه منَ النوم يَتمطى كَحصانٍ ويَفتلُ شاربَهُ مَزهواً ثمَ يَرمق إلى المرآة ويَبتسم بانتشاء ثمَ يُصدرُ أحكامَهُ بصرامة وعنف فَتَستجيب القلوب بِخُتوعٍ وضعف , هو طاغوت يَقمعُ ويَبطش رَعيتهُ إلا أنها تَستَجيب له بِهُدوء ولا تُبدي أى انزعاج أو رفض .
كأنها مُرتاحةٌ لِحكمهِ الصارم ومُستَسلِمةٌ لِقانونه العارم أو كَأمها تَستمتعُ بِما يُسَببه لها من جراح وتَتَلَذَذُ بِعذاباتهِ وآلامه , مَثلها في ذلكَ مثل الحشرات التي تُلقي بِنفسها في الضوء فَتحترق وتموت .

انظروا إلى سُلوكِ الفراشة مثلاً كيفَ تُهرولُ نحوَ الضوء ولا يَصدها حائلٌ من قَذفِ نَفسها فيه فَتموت الفراشات تباعاً لِأجلِ الضوء قانِعةً بِموتِها راضيةً بِمصيرها وعلى ذات الطريقة يَقذفُ العاشقونَ أنفسهم في جَهنم الحب غيرَ آبهين بِمصيرهم مُستسلمينَ له.

الحبُ حاكمٌ مُلحد لا يَكلمهُ منهج ولا يَحده كِتابٌ سماويٌّ أو قانونٌ وضعيّ وكيفَ لِجيشانِ العَواطفِ أن تَصمدَ أمامَ سطوةِ العشق ولِرقيقِ المشاعر أن يُقاومَ جبروتِ الحب وبِذلك لا نَلم ذاك المَجنون الذي تَقطعت به السُبل وأرخى عليه الحُب لِجام ناره ووشَحهُ بِأطيافِ العذاب فمات ولم تمت ليلى ولا نَلم الأجساد التي تَنحل والعيون التي تأفل
والقلوب التي تُقفل فالعُشاقُ مُنكَسري القلوب خفيفي الأرواح خاشعي العيون مثملي الرؤوس .
ولوموا الحُب ذاك الجبارُ القادر الذي يأمرُ وينهى ويبقى ولا يَفني , يأمرُ القلوب فتنصاع له طائعةً ويَكوي العيون فتَنسكبُ الدموع حارقة .

أن صدقَ ما قالتهُ زائرةُ الحُلم أنه قد كَبُرَ وشاخ وضؤلت كَلمتهُ بشأنِ العاشقين , سأهينه أعظم الإهانة وسأذلهُ كل الذل ففي القلب منه جَلدٌ وصلبٌ وحروق وبيني وبينهُ دمٌ سانحٌ وثأرٌ ونار , وأظنُ أن ما قاتله غيرَ دقيق فأن كان ما تقول فما هذا الذي يُسمونهُ حنين وكيفَ تمر الليالي طوالٌ على العاشقين وهذا ما يجعلني أقول أنه بخيرٍ وعافية

يا حب كن موتنا الجميلُ ورحيلنا المدوي بالزنابقِ والنخيل لن نَلمكَ ولن نلبس ثياب الحداد أن نالنا عزمكَ فأنت الحاكمُ والجلاد


محمد الزقزوق
20/10/2012

#محمد_الزقزوق (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل