أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هشام صالح - الكتابة على أنغام شوستاكوفتش















المزيد.....

الكتابة على أنغام شوستاكوفتش


هشام صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3883 - 2012 / 10 / 17 - 00:24
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


(( إذا قطعوا يدي , سأؤلف الموسيقى بالقلم في فمي ))
دميتري شوستاكوفتش , من رسالة إلى اسحاق جليكمان

لا أدري إذا الكتبة الآخرون يستمعون إلى الموسيقى أثناء كتابتهم لمقالة أو كتاب ما , و لكنني أعتبر الإستماع إلى الموسيقى اثناء الكتابة أهم قانون من دستور الكتابة .
و يجب علي أن أعترف أن الموسيقى لم و لن تدخل إلى مجال أختصاصي , حيث لا يوجد كاتب يكتب عن كل شيء , ليس هناك – على حد علمي – هذا الإله المتخصص و العالم في الفن و السياسية و الفلسفة و الفيزياء و الكيمياء . هناك دائماً حدود للكتابة , أحب أن أسميها إحترام الكاتب لنفسه , يحترم تخصصه و معدل فهمه للأمور.

و لكن للأسف , للقمر جانب مظلم , و هناك العديد من الكتبة يحبون الكتابة عن كل شيء , و الحق يقال , أن هذا النوع من الكتابة رائجة في أيامنا هذه , حيث يفضل بعض كتبتنا الكتابة عن كل شيء , و حقاً هذا مرض المثقفين أو مدعيّ الثقافة و العلم , مرض يجعلهم يؤمنون أنهم يعرفون كل شيء , و بهذا يستطيعون الكتابة عن كل شيء .

و يدخل مفهوم العقل المأدلج هنا ( مرة أخرى ؟ , لا تستغربوا ! ) حيث هذا العقل يظن أنه يعرف في كل الامور . و المعرفة المطلقة دائماً تأتي من الفكرة المطلقة و العامة و السطحية و الغير منطقية , فالأديان على سبيل المثال , شاملة كاملة – خصوصاً الدين الإسلامي – على كل جوانب الحياة , فالمسلم " الملتزم " يعرف ماذا يقول بشأن الموسيقى و الشعر و الخمر , لأن الفكرة المطلقة تلزم عليه تلك المفاهيم . و يبدو أن عدوى الأديان أنتقلت إلى مثقفينا و كتبتنا , حيث لهم المعرفة الشاملة الكاملة , بغض النظر عن أي إيديولوجية نتحدث عنها .

و بهذا , شوستاكوفتش هو النموذج للمثقف الذي تعرض إلى النقد الشديد من قبل هؤلاء الذين يدعّون المعرفة الكاملة , الزمرة التي تدعيّ المعرفة في كل جوانب الحياة , و من خلال هذا الظن ( الوهمي ) تستطيع هذه الزمرة أن تنتقد أي شخص , و تسجن أي شخص , و تتهم أي شخص بالتحريفية و الردة , بسبب مرض المعرفة الشاملة .
شوستاكوفتش – قبل قدوم ستالين – كان يتلقى الدعم و المراعاة من قبل تروتسكي , و تروتسكي كان معروفاً بإهتمامه بالفن و الأدب , ولم يهتم في شوستاكوفتش فقط بل ايضاً على سبيل المثال ماياكوفسكي . و هنا تروتسكي رمز للمثقف و الكاتب الذي يحترم حدوده و تخصصه , و لهذا أبدى أهتماماً كبيراً لهؤلاء الفنانين و الأدباء مؤمناً أنهم يعرفون عملهم و يجيدونه أيضاً و ليس من حقه أن يمنعهم, و لكن حين أستولت الزمرة الجامدة فكرياً على السلطة , مارست أسلوب المعرفة الشاملة الكاملة , برفض الأدب الشكلاني برفض الموسيقى الغير بروليتارية , ناهيك عن الأتهامات التي تنزل مثل المطر و تقصف مثل الرعد .

هذه العقلية التي تعرف كل شيء , لا تسمح لمجال الإبداع للظهور , تغلق و تقفل عليه الباب بإحكام , لنتصور إذ لم يتلق هؤلاء الفنانون و الأدباء هذا الإضطهاد و هذا الضغط كيف كان سيكون الاتحاد السوفييتي , من الناحية الفنية , روسيا منبع الأدباء و الموسقيين, ماذا لو أستفاد الحزب الشيوعي السوفييتي من قدرات كتلك , ألن تكون أول دولة شيوعية مصدر إلهام لجميع الأمم و الدول الأخرى ؟ , ألن تكون أنموذجاً للدولة الاشتراكية التي تسمح بشتى أنواع الأدب و الفن ؟

و لكن هنا نواجه صراعاً , ما بين حب السلطة و حب الإنسانية , الاشتراكية بشكلها الطوباوي أو العلمي كانت دائماً تحمل جوهر الإنسانية , و الإنسانية لا تكمن فقط في الأرض و الخبز و السلام , بل أيضاً بالأدب و الفن و الجمال , البشرية بدأت بالفن , و لا يمكن أن تعيش من دون فن , و كما يقول نيتشة : (( الحياة من دون الموسيقى ستصبح غلطة )) .

أن العقول المغلقة و المقفلة لا مكان لها في زماننا هذا, حان الوقت لتلك العقول الخروج , إلى أين ؟ لا أدري , و لكن وجودها في هذه الأزمة الفكرية السوداء ( التي صعقت فكرنا ) غير نافع اطلاقاً , ما لم تتفتح هذه العقول كزهور الربيع و تقبل الرأي و الرأي الآخر لن يكون مخرجاً من هذه الأزمة , سنبقى في هذه الحفرة السوداء نلعن و نشتم بعضنا البعض و نتعارك فوق الجثث الهامدة نقنع بعضنا بأنهم لا زالوا أحياء .

مرض المعرفة الشاملة, كانت تنفع سابقاً حين كان العالم في صفنا – بالرغم أنني لا اؤيدها - حين كنا واثقين – بشكل غريب جداً – بالإنتصار الحتمي , و لكن , اليوم ؟ الآن ؟ من ينتبه إلى الصراع بين الواقعية الاشتراكية و الشكلانية ؟ ستالين و تروتسكي ؟ الماوية و الستالينية ؟ من يهتم ؟ . أهم نقطة يجب أن نركز عليها هي تنظيم الأولويات , ماركس أنجلز لينين نحتفظ بكتبهم و نحترم تاريخهم و فكرهم الذي يلهمنا , و لكن هذا لا يعني أنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة , و لا يعني أن كلامهم لا يزال فعالاً في عصرنا هذا . هذا الزمن يجب أن نعيد ترتيب أنفسنا مثل الذي تأخرت طائرته , أيبكي على مقعد الدرجة الأولى الذي لم يحظى به ؟ و يذكر الجميع أن – كان يا مكان – حجز مقعد الدرجة الأولى ؟ أم يحاول أن يحصل على المال و يشتري تذكرة في الدرجة السياحية و يصل إلى وجهته ؟

أن الزمن لا يسعفنا على الذكريات و البكائيات , تلك الأيام الجميلة ولت , لن تعود إذ كنا جالسين نضرب رؤوسنا و صدورنا " يا ماركس , يا أنجلز , يا لينين " , هؤلاء مهدوا الطريق و نحن نمهد الطريق للأجيال القادمة .

في نهاية المطاف , شوستاكوفتش علم هذه الحقيقة و واصل في المشي على درب الإبداع و العبقرية فوق جبل الشتائم واللعنات , عالماً ما يجري في وطن العمال وطن الشعب من جرائم بشعة قائلاً : (( أنا أشعر بألم أبدي على ضحايا هتلر , و لكن هذا الشعور لا يقل عندما نتحدث عن جرائم ستالين . أشعر بالعذاب لمن تعذبوا , و أعدموا , و جاعوا حتى الموت )) .

الكتابة على أنغام شوستاكوفتش تعتبر أجمل كتابة ( بالنسبة لي ) , خصوصاً مؤلفاته أثناء الحرب العالمية الثانية و سقوط برلين الحماسية , بالرغم أنني لا أفهم في الموسيقى – أيّ النوتات و ما شابه ذلك – و لكن أشعر أن موسيقاه تبعدنا عن أمراض التعصب و الخوف من الأفكار الأخرى , حيث حينما أسمع موسيقاه دائماً أتذكره و ذكراه تذكرني بإضطهاد العبقري الفنان من قبل زمرة تدعي الإنسانية و التفتح و هذا ما يبعدني دائماً – بعد الكتابة على أنغام شوستاكوفتش – من التعصب و الجمود...

ملحوظة : ألا يريد أتباع هذه الزمرة الإستماع إلى شوستاكوفتش ؟ .



#هشام_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا يحدث ؟
- الحضارة و الدجاج
- الماركسية : أزمة أم موت ؟
- ما الخيارات التي يتركها لنا الربيع العربي ؟
- كيف نفهم الأدب ؟ ( نقد النظرة اللينينية نحو الأدب )
- موضوعات حول الدوغمائية :الجذور الفكرية للدوغمائية في الماركس ...
- موضوعات حول الدوغمائية : لا تتوقف عن التساؤل
- موضوعات حول الدوغمائية : الستالينية - المشكلة الأساسية للمار ...
- موضوعات حول الدوغمائية : في نقد التصنيفات الدوغمائية
- موضوعات حول الدوغمائية : المقدمة


المزيد.....




- تهنئة تنسيقيات التيار الديمقراطي العراقي في الخارج بالذكرى 9 ...
- الحرب على الاونروا لا تقل عدوانية عن حرب الابادة التي يتعرض ...
- محكمة تونسية تقضي بإعدام أشخاص أدينوا باغتيال شكري بلعيد
- القذافي يحول -العدم- إلى-جمال عبد الناصر-!
- شاهد: غرافيتي جريء يصوّر زعيم المعارضة الروسي أليكسي نافالني ...
- هل تلاحق لعنة كليجدار أوغلو حزب الشعب الجمهوري؟
- مقترح برلماني لإحياء فرنسا ذكرى مجزرة المتظاهرين الجزائريين ...
- بوتين: الصراع الحالي بين روسيا وأوكرانيا سببه تجاهل مصالح رو ...
- بلجيكا تدعو المتظاهرين الأتراك والأكراد إلى الهدوء
- المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي: مع الجماهير ضد قرارا ...


المزيد.....

- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي
- بصدد الفهم الماركسي للدين / مالك ابوعليا
- دفاعا عن بوب أفاكيان و الشيوعيّين الثوريّين / شادي الشماوي
- الولايات المتّحدة تستخدم الفيتو ضد قرار الأمم المتّحدة المطا ... / شادي الشماوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - هشام صالح - الكتابة على أنغام شوستاكوفتش