هشام صالح
الحوار المتمدن-العدد: 3743 - 2012 / 5 / 30 - 20:30
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
(( لقد عاد ماركس إلى الحياة و زار الأتحاد السوفييتي . رأى المصانع , المستشفيات , المدن , و القرى ألخ .. و بعد هذا أخيراً طلب اذا كان يستطيع أن يلقي خطاباً على التلفاز , فتردد المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي خوفاً أن يقول ماركس شيئاً يخالف قواعد السوفييت , و بهذا , وعدهم ماركس أن يقول جملة واحدة فقط , و تحت هذا الشرط حصل ماركس الموافقة من المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفييتي أن يلقي خطاباً على التلفاز , فحين كان مستعداً أن يقول جملته قال : (( يا عمال العالم .. سامحوني ! )) )) . ( نكتة سوفييتية )
كنت اواجه صراعاً بيني و بين نفسي حيال عنوان هذا الموضوع , ففي الأساس كنت أريد تسمية هذا المقال " الستالينية " و لكن رأيت في هذا العنوان شيئاً من الجفاف , فالعنوان نفسه لا يعطي القارئ موجز الموضوع نفسه , و بهذا , رأيت أن تقديم موجز بسيط خلال العنوان سيكون أكثر جذباً للقارئ , حيث , الستالينية هي المشكلة الأساسية للماركسية .
ماذا نعني حين نقول الستالينية هي المشكلة الأساسية للماركسية ؟
الستالينية هي جزء من المعسكر الفكري للماركسية , حيث توابعها يتبعون الخط الفكري و الثوري لدى ستالين , الستالينية أيضاً قد تشير إلى الفترة التي حكم فيها ستالين , أيّ , ممارسة ستالين السياسية في الاتحاد السوفييتي .
ففي الفترة التي حكم فيها ستالين شهد العالم طعنة في ظهر الاشتراكية , فحجم القتل و سفك الدماء الذي حصل في هذه الفترة يعتبر خيانة في حق الاشتراكية , فوطن الاشتراكية وطن الأحرار – كما كان مذكوراً في النشيد – يجب أن يكون حقاً وطناً للأحرار , ليس وطناً لقتل الأحرار , فدكتاتورية الحزب الواحد الذي وضعها لينين , إستبدلها ستالين بدكتاتورية الفرد , حيث , حتى أصدقاء ستالين لم يسلموا من جنونه . فالذين ماتوا لم يكونوا فقط أعداء الشيوعية – بالرغم من رفضي لموت أي إنسان بغض النظر مما يعتقد أو يؤمن – فمن مات كانوا رفاقه – رفاق دربه ! , بخارين , و زينوفييف , و تروتسكي , و كامينيف , كل هؤلاء بلاشفة رفاق درب لينين و ستالين , فبخارين كان الفتى الذهبي للحزب , و تروتسكي القائد الميداني لثورة أكتوبر , و زينوفييف و كامينيف وقفوا مع ستالين دفاعاً عنه ضد تروتسكي , كل هذا لم يكن في حسبان أو في ذاكرة ستالين , مثل مصاص الدماء , حين يعطش لا يعرف صديق و لا عدو يمص دم أي شخص يراه .
في الحقيقة , لم أريد أن أقدم ما هي الستالينية – أو موجزاً حول الستالينية – و أفعال ستالين , و لكن رأيت الكثير من التعليقات في الميدان الفكري - جعلتني أقدم الستالينية - فأحد التعليقات التي جذبت ناظري تأتي على هذا النحو : (( لماذا تهاجمون الستالينية فقط ؟ )) و ربما هذا السؤال ظاهرياً ينبع من عاطفة حب تجاه ستالين , و لكن هذا السؤال في الحقيقة جوهري , لماذا نهاجم الستالينية ؟ – و نحذف هنا كلمة فقط – الهجوم على الستالينية يعني الهجوم على أساس الدغمائية في الماركسية , فالستالينية لم تعطي مجالاً إلى أي شخص سواء كان شيوعياً أو غير شيوعي أن يعبر عن رأيه , و الستالينيون إلى اليوم جامدين في الفكر , لا تستطيع أن تقول أي شيء عن ستالين , لا تستطيع أن تقرأ أي شيء يعادي ستالين , لا تستطيع أن تقتبس أقوالاً مخالفة للستالينية أو ناقده لها , هذا الأساس الذي وضعه ستالين في عصره و استمر هذا الجمود و عبادة ستالين إلى اليوم , فالستاليني مثل الرجل الطاعن في السن الذي شارك في الحرب العالمية الثانية , ماسك سلاحه القديم المغبر , و يقول" لا أعترف بالرشاشات الحديثة أنها لا تصلح , رشاشات غير فتاكة فيها شيء من الميوعة , سلاحي أفضل سلاح و سيبقى أفضل سلاح . " , فالستالينيين لا يريدون أن يتعرفوا على الجديد , على العصر الجديد , فهم عالقون ما بين عام 1917 و 1953 , ذهاباً و أياباً في حفر التاريخ و سب تروتسكي و الأممية الرابعة و بخارين و خروتشوف ألخ .
الستالينية حصرت الماركسية تحت قوانين جامدة و مانعة و جاهزة للحياة , مثل اللوحة الخماسية للتاريخ التي صيغت في عهد ستالين :
المشاعية
العبودية
الاقطاعية
الرأسمالية
الاشتراكية = الشيوعية
فهذه النظرة إلى التاريخ , نظرة عامة جداً , و أحياناً نستطيع أعتبارها غير صحيحة , فالمرحلة الاشتراكية ولت , و استبدلت تلك المحطات الاشتراكية بمحطات رأسمالية , فالتاريخ لا يسري حسب القوانين اللوحة الخماسية التي تأتي بنظرة عامة للتاريخ .
و بالإضافة , قد حصرت الستالينية المادية الديالكتيكية في زاوية جامدة , و تحولت هذه الفرضيات التي وضعها ماركس إلى قوانين الحياة و الحقيقة المطلقة ! , و يجب علينا أن نعترف و نبوح أن المادية الديالكتيكية لم تتأسس بشكلها الكامل عند ماركس , فماركس لم يكمل مشروعة , فوهم أن المادية الديالكتيكية أنجزت بالشكل الكامل يجب أن يعاد النظر فيه , فلا يمكننا أن نؤمن أن المادية الديالكتيكية هي الحقيقة المطلقة للوجود , لأنها أساس لم تكن ناجزة , لم ينجزها ماركس أو أنجلز . و إزاء ذلك أقتبس مقولة نيتشة ( بتصرف ) :" الحقيقة معي , و لكنها فظيعة " , فالحقيقة هي أن لا توجد حقيقة مطلقة , فالموجود فقط تأويلات و فرضيات , و الستالينية حولت تلك الفرضيات إلى قوانين جامدة , خصوصاً في كراس ستالين حول المادية الديالكتيكية و المادية التاريخية , فالجهد المزعوم الذي أبذله ستالين في كتابة هذا الكراس, جهد أدى إلى تجميد الماركسية من محتواها الحيوي .
و من خلال مروري إلى المقالات الفكرية , رأيت بعض تعليقات الستالينية تأتي على هذا النحو : (( لا يجب عليكم نقد ستالين , فهو من أنقذ البشرية من الجحافل الهتلرية )) , لماذا نقمع أنفسنا من النقد بسبب إنقاذنا من جيوش هتلر , فهذا إبتزاز ما بعده إبتزاز , إبتزاز نفسي و فكري , مثل الذي ينقذ شخص آخر من الموت و يطلب منه أن يكون عبداً له . فمسألة ذكر إنتصار ستالين على هتلر في كل مجادلة فكرية , بالنسبة لي تعبر عن الفقر الفكري لدى الستالينية و أتباعها , فهم بكل بساطه لا يريدون مناقشتك لا يريدونك أن تنتقد ستالين , لماذا ؟ , لأنه أنقذ البشرية ! , فهذا القمع أو منع إنتقاد ستالين يعني أن ستالين أرتكب أخطاءاً لا يستطيعون تبريرها , و لهذا هذه الحجة تظهر من جحرها في غرض منع إنتقاد ستالين .
المطلوب هو ليس التخلي عن الستالينية , لا يمكننا و لا يمكن لأي شخص أن يطلب من شخصاً آخر أن يتخلى عن فكره , و لكن المطلوب هو الحوار الديمقراطي قبول النقد و حرية الرأي , فقبول النقد و حرية الرأي لا ينبع من ميوعة الفكر بل ينبع من حيوية الفكر . المطالبة بالحوار الديمقراطي لا تتعلق بالصهيونية أو الإمبريالية , المطالبة بالحوار الديمقراطي تتعلق بثقافة و تفتح المرء , فالذي يرفض الحوار الديمقراطي هو خائف و خجول جداً من التعرض إلى الأفكار الأخرى في الحديقة الفكرية , و الخجل ليس من خصائص الماركسية .
#هشام_صالح (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟