ميشيل نجيب
كاتب نقدى
(Michael Nagib)
الحوار المتمدن-العدد: 3862 - 2012 / 9 / 26 - 00:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
عندما ذكرت فى نهاية مقالى الأخير عن الهوس الدينى المتجدد قلت" هل سيتعلم رجال الدين والسياسة والفكر ويصنعوا منهجاً جديداً يقود المجتمعات والأفراد إلى طريق المحبة والسلام بدلاً من العنف والتطرف والهوس الدينى؟ "، واضح من ثنايا التساؤل أن أسباب الهوس الدينى المرضى محصور فى أيدى رجال الدين والفكر والسياسة، وأنهم وحدهم القادرون على صنع منهج جديد أى بتغيير خطابهم القديم المتوارث الذى يقود الشعوب إلى البغض والكراهية والغضب والتطرف والهوس فى مشاعر بدائية ضد الآخر، وتغيير هذا المنهج بآخر تتعلم فيه الشعوب طريق المحبة والسلام فى تعاملاتها مع الآخر وتفكيرها الإيجابى نحوه، كانت هذه خلاصة مقالى الذى وضع مسئولية ذلك الهوس الدينى المتجدد على عاتق رجال الدين والفكر والسياسة ولا دخل للشعوب فيه إلا تنفيذ ما يتم شحنهم به من حتمية إظهار وممارسة الغضب والبغض مادياً وليس معنوياً فقط، وهذا ما رأيناه فى شوارع وطرقات أغلب الدول العربية والإسلامية.
كان هذا تفسيرى البسيط والمباشر دون اللف والدوران حول مسئولية قادة المجتمع الدينى والسياسى والفكرى فى خلق طوفان الغضب والبغض الذى وصل إلى درجة الهوس، هذا التفسير توصل إليه وكتب عنه بالتفصيل الأستاذ/ طاهر مرزوق فى مقال بعنوان شيوخ الإسلام وإخفاء الحقيقة على الرابط الآتى: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=325433 ، عبر فيه من وجهة نظره حيث قال " أن شيوخ الفضائيات وأئمة المساجد هم الذين دفعوا بمئات الآلاف من المسلمين إلى الخروج فى تظاهرات دفاعاً عن رسول الإسلام قبل أن يشاهدوا النسخة القصيرة من الفيلم "، لكنى قرأت مقالاً للأستاذ الدكتور/ طارق حجى بعنوان: طوفان الغضب والغل والحنق الإسلامي - محاولة للتفسير على الرابط الآتى: http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=325596 ، حيث يلخص وجهة نظره قائلاً" وفى إعتقادي أن مصدر هذا المخزون الرهيب من الغضب والحنق المدمر هو كالتالي : منذ ألف سنة ، توقف المسلمون عن المشاركة فى مسيرة العلم وتوقفوا عن إضافة أي جديد لمسيرة الإنجازات العلمية. هذا "التوقف" نجم عن إنتصار مدرسة النقل والنص والتقليد وتقديس السلف (وأبرز من يمثلها هو الفقيه الحنبلي إبن تيمية) على مدرسة العقل والإجتهاد والتجديد (وأبرز من يمثلها إبن رشد) . ولا شك عندي أن فى داخل معظم المسلمين شعور (ناتج عن هذا التوقف) بالفشل. وبدلا من إنتقاد الذات ، فقد كان الأسهل هو إنتقاد الآخرين ! فآخرون هم المتسببون فى وصولنا لحالتنا الراهنة ، حالة التوقف عن المشاركة فى مسيرة التقدم العلمي ، وآخرون (وليس "نحن") هم من يجب توجيه اللوم لهم ... فإذا جاء واحد من هؤلاء "الآخرين" وإنتقد واحدة من "مقدساتنا" ، إنفتح البركان وخرجت حمم الغضب المختزن والغل المكبوت !"، محاولة التفسير هذه من الدكتور طارق حجى تحتاج مع تقديرى وإحترامى الشديد لشخصه وفكره إلى شرح وتفسير مباشر شجاع يضع فيها يده على مصدر هذا { المخزون الرهيب من الغضب والحنق المدمر}، لأن غالبية الذين خرجوا فى تلك التظاهرات كان المحرك الحقيقى وراء خروجهم خطابات الشحن والإثارة من رجال الدين عبر أماكن العبادة ووسائل الأتصال والإعلام المختلفة خاصة الفضائيات والتى تحمل فى جوهرها محاولات مخلصة لنصرة رسول الإسلام الذين يؤمنون به، لذلك نجد يومياً أن رجال الدين هم الذين يوجهون المؤمنين إلى الذود عن الرسول وردع هؤلاء الحاقدين أعداء الدين والدفاع عن كرامة الرسول الذين يستهزئون به حسب قولهم، مما يعمل على أرتفاع أمواج العواطف ليصل طوفان الغضب والغل والحنق الإسلامى إلى ما وصل إليه من غليان عاطفى يعبر عن رجال الدين وأتباعهم من المؤمنين، ومحاولة الدكتور طارق التفسيرية لمصدر هذا المخزون ما هى إلا جزئية ليس فى متناول جميع المؤمنين بل فى متناول الفقهاء ورجال الدين العلماء المختصين، أى أننا نعود إلى المصدر الذى فى يده زرع الغضب والبغض والحنق المدمر أو زرع الحب والسلام والأخوة بين جميع البشر وليس بين المؤمنين فقط، والمقصود هم رجال الأديان عامة الذين بأستطاعتهم تحريك وتجييش المؤمنين ليتفاعلوا معهم لينفذوا وصاياهم بالدفاع عن الرسول دون أن يكونوا قد شاهدوا أو قرأوا شيئاً يعطيهم فكرة عن طبيعة الإساءات، المهم لديهم هو إظهار الغضب الذى يعتبرونه واجب حتمى عليهم القيام به وإلا غضب الله عليهم.
هذه مجرد تفسير لتفسير الدكتور طارق حجى مضيفاً ومؤكداً على إجابتى فى مقالى السابق أن رجال الدين والسياسة والفكر هم وراء كل تقدم أو تأخر وتخلف للشعوب، إن التراث الدينى وما يقوم به رجال الدين من إجتهادات وتفاسير تطبق وصايا وتفاسير تراثية لعصور ماضية لا علاقة لها بواقع اليوم، هو الذى يجعلنا نعيش اليوم بفكر الأمس الذى يتحكم فى عقولنا وعواطفنا سائرين على دربهم حيث يستغل ذلك رجال السياسة ليوظفوها لخدمة أهدافهم، وفى النهاية نجد أن الأفراد هم مجرد محركات ومنافذ لمخزون الغضب الذى يتزايد يوماً بعد يوم عن طريق أدوات تواصل الأمس مع اليوم أى رجال الدين، لتستمر دائرة البغض والعداوة للآخر إلى ما لانهاية، لأن رجال الدين ربطوا عقولهم بعقول تراث الماضى العتيق وصل إلى درجة التقديس كما قال الدكتور طارق حجى، ليتواصل المؤمن معهم وبواسطتهم بالعالم الغيبى التراثى وكأنه واقع.
هذا الكلام ينطبق على كل الأديان الغيبية وأختم مقالى وأتمنى أن تكون فكرتى ومحاولتى لتفسير ما فسره الدكتور طارق حجى مع كل الأحترام والتقدير لتفسيره الذى أتفق مع جزئية المصدر لكن المصدر الحقيقى للذين يقفون وراء هذه الأعداد الكبيرة وتحفزهم وتدعوهم للتعبير عن طوفان غضبهم هم رجال الدين بكل بساطة، لأن إنعكاسات الفكر التراثى تحدث أثرها على المختصين والمثقفين الذين يلعبون دوراً قيادياً فى المجتمعات، ومقالى هذا هو محاولة ثانية لتوضيح وجهة نظرى لتحديد المسئولية حتى لا ننسى المسئول الحقيقى ودوره الرئيسى فى وقوع كل تلك الأحداث الدموية التى ينبغى توثيقها لتكون أداة إدانة إذا إردنا حقاً نهضة شعوبنا وبلادنا وتقدمها.
#ميشيل_نجيب (هاشتاغ)
Michael_Nagib#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟