أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جصاص لبنى - المتغير الأمني و آثاره على المنظمات الدولية لفترة ما بعد الحرب الباردة















المزيد.....



المتغير الأمني و آثاره على المنظمات الدولية لفترة ما بعد الحرب الباردة


جصاص لبنى

الحوار المتمدن-العدد: 3827 - 2012 / 8 / 22 - 18:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أدت نهاية الحرب الباردة إلى حدوث تغيرات بالجملة على مختلف المستويات، و في عدة مجالات، فعلى مستوى النظام الدولي أدت إلى تغير البنية الهيكلية لهذا الأخير بتحوله من نظام الثنائية القطبية، بقيادة كل من الولايات المتحدة الأمريكية، الراعي الرسمي للمعسكر الغربي، و الكتلة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي، إلى نظام أحادي القطبية بقيادة منفردة للولايات المتحدة الأمريكية بعد سقوط ضفة الميزان الأخرى الممثلة في الاتحاد السوفيتي.
أفرز الوضع الدولي بعد الحرب الباردة تحولات هامة واقعيا و نظريا، ساهمت في بلورة مفاهيم ورؤى جديدة لظواهر العلاقات الدولية، فلم تعد هذه الأخيرة تقتصر على دراسة و تحليل سلوكيات الوحدات السياسية و حسب، و إنما امتدت لتشمل دراسة فواعل من غير الدول، كنتيجة لحجم التأثير في ظواهر و قضايا العلاقات الدولية.
من بين المفاهيم التي طرأت عليها تحولات هامة بعد الحرب الباردة، نجد مفهوم الأمن، إذ بلور المنظرين أطر نظرية و مفاهيم أمنية جديدة، خاصة بعد بروز ما يعرف بالتهديدات الأمنية الجديدة التي تتميز بامتدادها عبر القارات و سرعة انتشارها و صعوبة التحكم في أطرافها أو فواعلها.
سابقا حصر التهديد الأمني في الخطر الذي تتسبب فيه الدول المجاورة و المجسد غالبا في الخطر العسكري، إلا أنه بعد الحرب الباردة توسعت دائرة التهديدات الأمنية و لم تعد تقتصر على بعده العسكري فقط، و إنما امتد ليشمل باقي الأبعاد الاقتصادية و الاجتماعية و حتى الثقافية الحضارية، و بذا برزت تهديدات أمنية عابرة للحدود يصعب على الدولة بمفردها مقاومتها، و هو ما أدى لضرورة تكثيف جهود التعاون الدولي لمواجهتها.
ساهم هذا التوجه في بلورت أدوار جديدة للمنظمات الدولية، إذ صار السلم و الأمن الدوليين، و كذا فض النزاعات، من أهم أدوار المنظمات، سواء تعلق الأمر بمنظمة الأمم المتحدة، التي تطلع بالأمن و السلم الدوليين، أو ما تعلق بدور المنظمات الدولية الإقليمية المطلعة بالأمن و الاستقرار الإقليمي.
من خلال هذه الدراسة سنحاول بحث طبيعة العلاقة التي تربط بين التغيرات التي عرفها مفهوم الأمن بعد الحرب الباردة، و كيف أثر ذلك على تطور دور المنظمات الدولية ؟
لمعالجة هذه العلاقة تم تقسيم الموضوع إلى محورين :
*المحور الأول : البيئة الأمنية في فترة ما بعد الحرب الباردة .
1- تحولات ما بعد الحرب الباردة .
2- المقاربات النظرية الجديدة لمفهوم الأمن .
*المحور الثاني : المنظمات الدولية في فترة ما بعد الحرب الباردة .
1- الطرح النظري لدور المنظمات الدولية .
2- البعد الأمني في دور المنظمات الدولية في فترة ما بعد الحرب الباردة .

*المحور الأول : البيئة الأمنية في فترة ما بعد الحرب الباردة .
1- تحولات ما بعد الحرب الباردة .
لقد خلّفت نهاية الحرب الباردة ردود أفعال كبيرة لدى صناع القرار من جهة و منظري العلاقات الدولية من جهة أخرى، فقد شكل الصراع الدائر بين الشرق والغرب العامل المركزي في الشؤون الدولية طيلة الفترة الممتدة بين سنتي 1945 -1990، و ما نتج عنه من استراتيجيات التسابق نحو التسلح، و نظريات همها الوحيد تحقيق السلوك أو القرار العقلاني في ظل الانتشار النووي .
أدت هذه الرؤية إلى انحسار مجال البحث في العلاقات الدولية في تلك الفترة على الدراسات الاستراتيجية، و إهمال باقي المتغيرات خاصة منها الجوانب الاقتصادية و الاجتماعية ،و هو ما تم تداركه في نهاية الحرب الباردة بعد النجاح المعتبر الذي حققته بعض التكاملات الاقتصادية خاصة التجربة الأوروبية .
نهاية الحرب الباردة تسببت في حدوث تحولات هامة تتمثل فيمايلي :
*تزايد الفواعل الدولية : و يقصد بالفاعل أي كيان يقوم بدور محدد في العلاقات الدولية، كما أن استعماله يتضمن الإشارة إلى الشخصيات والمنظمات والمؤسسات التي تقوم بدور في الوقت الراهن، فالبابا والأمين العام للأمم المتحدة وشركة بريتيش بتروليوم وصندوق النقد الدولي كل هؤلاء فاعلون¹، تؤكد أغلب الدراسات تراجع مكانة الدولة من خلال مزاحمتها من قبل عدد جديد و متزايد من الوحدات، فالدولة في العالم المعاصر تواجه حالة ضغط من الأعلى ممثلة في المنظمات الدولية، أما من الأسفل فان الضغط يتمثل بالثقافات الفرعية و الجماعات الهوياتية الضيقة ².
تعدد الفواعل في عالم ما بعد الحرب الباردة ساهم في تفعيل النقاش النظري حول مركزية الدولة كفاعل وحيد في العلاقات الدولية، كما اعتبرته الواقعية طيلة عقود من التنظير، و مدى إمكانية إشراك فواعل أخرى من غير الدول، كالمؤسسات و المنظمات الدولية التي صارت تؤدي أدوارا فاعلة على المستوى الدولي خاصة في قضايا حفظ السلم و إدارة المفاوضات، و كذا قضايا حقوق الإنسان و الديمقراطية و الحكم الراشد، و هذا ما دفع بمنظري العلاقات الدولية لإعادة النظر في وحدوية الدولة، فمثلا Held و Keohane و Nye أكدوا على الدور المتصاعد لبعض المنظمات و الهيئات الدولية مثل الأمم المتحدة، كما أكدوا على ضرورة دراسة العلاقات القائمة بين مختلف المنظمات³، و هذا ما تجسد من خلال الأطر النظرية لكل من نظرية الاعتماد المتبادل و نظرية الليبرالية المؤسساتية.
في حين رأى هولستي Holsty بضرورة التفرقة بين نوعين من العلاقات الدولية، بحيث يشمل النوع الأول السياسة العليا المقتصرة على الدول فقط و تتناول قضايا السلم و الحرب ،في حين يضم النوع الثاني السياسة الكلية، التي تشمل كل المجالات ما عدا قضايا السلم و الحرب، و يشرك فيها كل الفواعل من دون الدولة4، و في هذا إهمال لدور المنظمات الدولية في قضايا تصنف ضمن السياسة العليا، خاصة تلك المتعلقة بقضايا النزاع و السيادة الحدودية .
*موضوعات العلاقات الدولية : التحول الذي حدث في طبيعة الفواعل على المستوى العالمي، أثر بشكل كبير في طبيعة موضوعات العلاقات الدولية بعد الحرب الباردة، فلم تعد الدراسات مقترنة فقط بالجوانب الأمنية العسكرية، و إنما امتدت لتشمل المتغيرات الاقتصادية و كذا الاجتماعية،و هو ما تبلور بصورة واضحة مع مسلمات المنظور البنائي .
كما أنه في إطار العولمة أصبح من الصعب الفصل بين القضايا الداخلية و الخارجية فالقضايا المتعلقة بارتفاع درجة حرارة الجو ،و ثقب الأوزون ،تلوث البيئة ،الأمراض، التدفقات الخاصة بالهجرة و الجريمة المنظمة و المخدرات، و كذا الفقر أصبحت كلها قضايا لا يمكن معالجتها إلا في إطار عالمي و ليس في إطار محلي5.
*بنية النظام الدولي : بعد الحرب الباردة حدث تحول في بنية النظام الدولي، إذ تحول من نظام ثنائي القطبية إلى نظام القطبية الأحادية،و هو ما تم التعبير عنه بمصطلح النظام الدولي الجديد كما جاء في خطاب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب في نهاية سنة 1989، أثناء دعوته لإقامة نظام عالمي جديد يحل محل نظام الاستقطاب الثنائي السوفيتي-الأمريكي، إلا أن مفهوم النظام الدولي الجديد عرف نوع من التضارب حول معناه الحقيقي، و في هذا الإطار رأى المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي أن النظام الدولي الجديد يقوم على أساس سيطرة ثلاث قوى على الاقتصاد العالمي، و سيطرة قوة أحادية في المجال العسكري على العالم6 .
احتفظ النظام الدولي في فترة ما بعد الحرب الباردة بخاصية الفوضى Anarchy، و التي تشير إلى عدم وجود سلطة مركزية، و يرى البعض أن الفوضى تعني ضمنياً غياب أية مؤسسات ذات سلطة أو قواعد أو معايير فوق الدولة ذات السيادة، وهذا الرأي يقود إلى الافتراض بأن العلاقات الدولية هي بشكل دائم في "الحالة الطبيعية" وهي بحد ذاتها "حالة حرب الجميع ضد الجميع"، و هو ما يعكس الرؤية الواقعية لتوماس هوبز Thomas Hobbes (1588-1679) ،و هو ما يجعل مخاطر المعضلة الأمنية مستمرة7، حيث يرى Raymond Anon أن طبيعة العلاقات الدولية هي التي تعطي للدول الحق الشرعي في استعمال القوة، فقديما كانت أعظم الحضارات تعتبر علاقات القوة و العنف هي العلاقات الطبيعية الوحيدة ضمن العلاقات الاجتماعية التي كانت سائدة8، و في هذا الإطار يقول والتز Waltz إن "الأمن في حالة الفوضى هو الهدف الأسمى"، فالدول لا يمكن أن تفكر في التنمية الاقتصادية أو الاجتماعية، و هي تشعر أنها مهددة و أمنها غير مستقر، خاصة في ظل نظام فوضوي، و لذا نجد الدول في بحث دائم عن القوة و طرق زيادتها و هو ما يجعل حالة اللاأمن قائمة بصورة دائمة .
إلا أن التنامي الوظيفي و العددي للمؤسسات و المنظمات الدولية ساهم في التقليص من حدة هذه المعضلة، من خلال خلق أطر التشاور و الحوار و بناء الثقة، و صار البحث يدور حول إيجاد القواعد و الأطر التي من خلالها يمكن تحقيق التعاون الدولي بدلا من الصراع.
2- المقاربات النظرية الجديدة لمفهوم الأمن .
تعتبر الدراسات الأمنية مجالا أساسيا للبحث في حقل العلاقات الدولية، و خلال الحرب الباردة سيطرة النظرة الواقعية، أين اعتبر المنظرون الواقعيون أن أهم اللاعبين في النظام الدولي ليسوا الأفراد بحد ذاتهم، ولكن الدول التي تحمل هما أساسيا و هو حماية سيادتها ،و بذا يكون الأمن هو همها الأول، بيد أن تحقيقه ليس بالأمر الهين خاصة في ظل نظام دولي يتميز بالفوضى، أين يصعب الاعتماد على الآخر لحفظ الأمن الخاص، بل أكثر من ذلك فالخطر يبقى قائما بصفة دائمة و هو ما يعكس مفهوم المعضلة الأمنية .
مع نهاية الحرب الباردة، وقع نوع من الثورة في مجال الدراسات الأمنية، حينما اخذ الباحثون و صناع القرار يبتعدون عن المقاربة التقليدية و محورها الدولة إلى فهم أكثر اتساعا لمفهوم الأمن، أين تم تبني وجهة نظر أكثر جذرية، تشير إلى أن الأمن يجب أن ينظر إليه بطريقة تضم مختلف مستويات العلاقات الدولية انطلاقا من الفرد وصولا إلى النظام الدولي، و يجب التركيز على جميع مصادر الخطر و عدم الاقتصار على التهديدات العسكرية الموجهة ضد الدول .
هذه النقلة في الدراسات الأمنية يمكن إرجاعها لسببين رئيسيين هما :
1- الحرب بين الدول مازالت ممكنة، إلا أن الحروب في داخل الدول هي الأكثر عنفا اليوم، و ليس المصلحة القومية هي الهم في العديد من هذه النزاعات بل هوية الجماعة و ثقافتها .
2- إن قدرة دولة ما على توفير الأمن لمواطنيها قد أصابتها عوامل التعرية من جانب عدد من التهديدات غير العسكرية كالمشكلات البيئية و النمو السكاني و الأمراض و مشكلات اللاجئين و شح الموارد الطبيعية خاصة الموارد المائية و الطاقوية9.
هناك ارتباط بين التصاعد المتزايد لعدد و دور المنظمات الدولية و مفهوم الأمن، فقد صاغ باري بوزان مفهوم المركب الأمني، و هو مصطلح استخدمه سنة 1991 لتسهيل التحليل الأمني و يشير مفهوم المركب الأمني إلى "مجموعة من الدول ترتبط اهتماماتها الأمنية الأساسية بشكل وثيق لدرجة أن أمنها الوطني لا يمكن بحثه بشكل واقعي في معزل عن بعضها البعض".
هذا الارتباط الوثيق بين أمن الدول راجع إلى طبيعة التهديدات بعد الحرب الباردة، فهذه الأخيرة لم تعد تقتصر على المجال العسكري من دول الجوار،و إنما اتسعت دائرتها لتشمل التهديدات الغير عسكرية و العابرة للقارات، مما صعب من مهمة الدولة في الحفاظ على أمنها بمنأى عن دول الجوار،بل و أكثر من ذلك بمنأى عن دول العالم ككل، فظواهر مثل الإرهاب و تجارة المخدرات و الهجرة الغير شرعية و الجريمة المنظمة و التلوث البيئي...الخ، كلها قضايا يصعب على الدولة مواجهتها بمفردها، حتى و لو صنفت ضمن سلم القوى العظمى .
مثل هذه القضايا و الظواهر أدت بمنظري العلاقات الدولية إلى بلورة مفاهيم و مقاربات جديدة في الأمن من بينها مفهوم الأمن الإنساني و الأمن الشامل و الأمن المجتمعي، هذا إلى جانب استمرار مفهوم الأمن القومي و الأمن الجماعي المجسد في منظمة الأمم المتحدة .
1*الأمن الإنساني: ظهر مفهوم الأمن الإنساني كجزء من مصطلحات النموذج الكلي للتنمية الذي تبلور في إطار UN من قبل محبوبة الحق وزير المالية الباكستاني الأسبق، و بدعم من الاقتصادي أماريتا صون، يركز مفهوم الأمن الإنساني بالأساس على الفرد كوحدة للتحليل وليس الدولة كما كان سائدا في المفهوم التقليدي للأمن، أين اقتصر على أمن حدود الوطن من العدوان الخارجي، وحماية المصالح القومية في السياسة الخارجية ،أما الآن فالتهديد صار داخل حدود الدولة القومية في حد ذاتها ولم يقتصر على مصادر التهديد العسكري الخارجي فقط.
بداية الطرح الأكاديمي لمفهوم الأمن الإنساني لم تكن في التسعينيات 90، ففي سنة 1966طرحW.E.Blatz رؤيته حول الأمن الفردي Individual Securityوذلك في كتاب له بعنوان الأمن الإنساني : بعض التأملاتHuman Security :Some Reflections ، أكد أن الدولة الآمنة لا تعني بالضرورة أن الأفراد آمنين، كما برز المفهوم في السبعينيات 70 في تقارير من لجان، مثل جماعة نادي روما و اللجنة المستقلة للتنمية الدولية و اللجنة المستقلة لنزع السلاح و القضايا الأمنية، أين أكدت على حقوق الفرد في الأمن، كما نجد جذور المفهوم في اتفاقيات حقوق الإنسان مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة1948 ،و كذا اتفاقيات الحقوق المدنية و السياسية و الاقتصادية لسنتي 1967 ،1969 .
برز المعنى الحقيقي للمفهوم من خلال تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة في 1994 و جوهره هو الفرد، إذ يعني التخلص من كافة ما يهدد أمن الأفراد السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي من خلال التركيز على الإصلاح المؤسسي و ذلك بإصلاح المؤسسات الأمنية القائمة، و إنشاء مؤسسات تأمينية جديدة على المستويات المحلية و الإقليمية و العالمية، مع البحث عن سبل تنفيذها، فالأمن الإنساني قائم من تعهدات دولية تهدف لتحقيق أمن الأفراد و بالتالي لا يمكن تحقيقه بمعزل عن أمن الدولة10.
يأخذ مفهوم الأمن الإنساني بعدين أساسيين :
1- التحرر من الخوف.
2- التحرر من الحاجة .
و مفهوم الخوف يختلف من دولة لأخرى، كما أن مستوياته تتباين من إقليم لآخر.
صدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي سنة 1999 تقرير بعنوان "عولمة ذات وجه أنساني "حدد فيه 7 تحديات تهدد الأمن الإنساني :
1/عدم الاستقرار المالي و خير مثال على ذلك الأزمة المالية الآسيوية سنة 1997.
2/غياب الأمان الوظيفي و عدم استقرار الدخل .
3/غياب الأمان الصحي خاصة مع انتشار الأمراض ثم رصد 33 مليون فرد مصاب بفيروس السيدا سنة 1998 و العدد في ارتفاع.
4/ غياب الأمان الثقافي.
5/ غياب الأمان الشخصي.
6/ غياب الأمان البيئي.
7/ غياب الأمان السياسي و المجتمعي11.
تكمن خصائص الأمن الإنساني فيمايلي:
1/الأمن الإنساني له بعد عالمي نتيجة لعالمية تهديداته .
2/تحقيقه عن طريق الوقاية بدلا من التدخل اللاحق.
3/أساسه الفرد ،فهذا الأخير هو محور تركيز أي سياسة تنموية أو أمنية .
4/لا يحل محل الأمن القومي فهو مكمل له.
5/يرتكز إلى جانب حماية أمن الأفراد ، التمكين و وسيلته هي التعليم ،لخلق أجيال قادرة على مواجهة التحديات المستقبلية .
6/يرتكز على التنمية لتحقيقه ،إلا أنه يختلف عن مفهوم التنمية البشرية و حقوق الإنسان و لا يعني بالضرورة التدخل الإنساني12.
2*الأمن الشامل : مع تصاعد حدة التهديدات بعد الحرب الباردة ،تطلب إيجاد مفهوم آخر يعبر عنها بصورة جماعية فكان مفهوم الأمن الشامل الذي يشير إلى كل الأبعاد الأمنية ،إذ لابد من التصدي لكل التهديدات التي من شأنها أن تؤثر على تحرر الإنسان و إنعتاقه، فهو ذو طبيعة تعاضدية وقد برز مفهوم الأمن الشامل بعد صدور العديد من الدراسات من بينها :
* تقرير لجنة بالم Commission Palme سنة 1982، ركز مبدئيا على معايير نزع السلاح.
* لجنة برند Brandt La Commission حول التنمية الدولية بينت في سنة 1983، العلاقة الموجودة بين الأمن والتنمية، و اعتبرت أن الاختلافات بين الدول الفقيرة والدول الغنية المتنامي، من شأنه أن يؤدي إلى تهديدات كاللاعدالة و المجاعات الخطيرة .
* لجنة برندتلند Brundtland La Commission حول البيئة والتنمية، سنة 1987 يدور هدا التقرير حول التنمية المستدامة، و التهديدات البيئية المؤثرة على الأمن البيئي ، الاقتصادي ،و الاجتماعي.
* تقرير PNUD لسنة 1994 أهم التقارير التي بلورت هذا المفهوم، من خلال التطرق لمجمل التحديات الاقتصادية ،الاجتماعية،البيئية،...الخ .
* لجنة رمفال Ramphal حول "الحكم العالمي" سنة 1995 بينت العلاقة بين الديمقراطية والأمن على مستوى الُسلم العالمي.
حسب ريتشارد ألمان Richard Ullman "يكون الأمن عرضة للتهديد عندما يؤدي حادث ما إلى خلق الأخطار خلال مدة زمنية قصيرة، بمعنى حدوث انخفاض في مستوى نوعية معيشة سكان دولة ما، ويكون هذا الانخفاض بشكل يعكس مجمل الخيارات المطروحة وهامش القيادة لدى الحكومات والهيئات غير الحكومية، من الأفراد، الجماعات والمؤسسات داخل الدولة ذاتها"13 ، من خلال هذا المفهوم تتضح النظرة التوسعية لمضمون الأمن، فهي تأخذ بعين الاعتبار المخاطر الأخرى غير العسكرية التي تواجه الأمن الوطني، كما أنها تدرج فواعل أخرى بخلاف الدول .
*المحور الثاني : المنظمات الدولية في فترة ما بعد الحرب الباردة .
1- الطرح النظري لدور المنظمات الدولية .
بدأ التنظيم الدولي في فترات زمنية مبكرة، فقد وجدت تنظيمات فنية، مثل اللجان النهرية والمؤتمرات المتوالية التي كانت تعقد في أوروبا، كما برزت نخبة من المفكرين الذين نادوا لإقامة 1615و غيرهم منSully1256-1320و سالي Pierre De Boi مثل هذه التجمعات أمثال بيار دوبوا
المفكرين الغربيين و العرب 14.
مع تنامي المجتمع الدولي وتزايد عدد وحداته تجسدت العديد من المنظمات، خاصة منها الدولية مجسدة في عصبة الأمم و بعدها منظمة الأمم المتحدة، إلى جانب العديد من المنظمات الدولية الإقليمية خاصة بعد الحرب العالمية الثانية، و بعد النجاحات التي حققتها هذه الأخيرة في مجالات عديدة خاصة منها الجوانب الاقتصادية و الأمنية، دفع هذا مفكري العلاقات الدولية إلى الاهتمام بهذا المجال من حقل العلاقات الدولية، خاصة في فترة الستينيات التي شهدت تطور الدراسات النظمية و بالضبط الدراسات المتعلقة بالأقاليم، إضافة إلى المسلمات التي أتت بها كل من الليبرالية الجديدة و نظرية الاعتماد المتبادل المركب اللتان برزتا في بداية السبعينيات مع كل من جوزيف ناي و روبرت كيوهان، و كذا نظريات التكامل و الاندماج.
يشير مفهوم المنظمة الدولية إلى تجمع عدد معين من الدول، تمارس اختصاصات معينة، تتميز بالديمومة و بناء مؤسساتي تراتبي، وكل منظمة تمارس اختصاصاتها تبعا للمعاهدة المنشأة، إذ يتم وفق هذه الأخيرة إدراج أهداف المنظمة و كذا مبادئها، إضافة إلى تنظيمها الهيكلي.
تعمل المنظمات الدولية على تقوية التعاون الدولي في مجالات مثل الأمن والقانون والمسائل الاقتصادية والاجتماعية والدبلوماسية.
يمكن التمييز بين نوعين من المنظمات الدولية، إذ توجد المنظمات الدولية الحكومية، التي تنشئ من طرف الدول و مثال ذلك هيئة الأمم المتحدة، و توجد أيضا المنظمات الدولية الغير حكومية، المشكلة بصورة أولية من قبل الأفراد، من بين هذه المنظمات نجد منظمة العفو الدولية، وكذا الصليب الأحمر الدولي، و قد تزايد عدد و دور مثل هذه المنظمات بعد الحرب الباردة، و في مختلف النشاطات، و هذا بحكم تزايد الحديث عن قضايا حقوق الإنسان بمختلف أبعادها.
هناك نقاش نظري حول مدى استقلالية المنظمات الدولية، فالواقعيين يميلون إلى إنكار أي استقلالية لتلك المنظمات، إذ يرون أن المنظمة لا تزيد كثيراً عن مجموع أجزائها المكونة لها، وأنها معرضة بشكل خاص للسيطرة من قبل أقوى الدول الأعضاء وأكثرها نفوذاً، وهكذا تصبح هذه المنظمة تعبيراً وامتداداً للسياسة الخارجية للدولة أو للتآلف المسيطر، خاصة في ظل اعتمادهم على مسلمة المكاسب النسبية، في حين يشكك الليبراليين في هذا الرأي المحدود عن المنظمات الحكومية الدولية، إذ يجادلون بأن مجرد وجود هذه المنظمات يمكن أن يؤثر في سياسات الدول الأعضاء، ثم إن كون الدول هي في آن واحد أعضاء في عدد من تلك المنظمات قد يعني أنه سيتم توليد أثر تراكمي مع الوقت، و ما يزيد من شدة الترابط بين الدول الأعضاء هو فكرة المكاسب المطلقة التي تحققها مثل هذه المنظمات .
يمكن النظر إلى مسألة الاستقلال من زاويتين، أحداهما مؤسسية، والأخرى ذات توجه نحو القضايا، فمن الناحية المؤسسية إذا أنشأت منظمة حكومية دولية سكرتارية تستطيع التصرف بمعزل عن الحكومات، فإن هذا قد يؤدي إلى مزيد من الاستقلال، ويظهر الاستقلال الحقيقي في السكرتارية، في المنظمات الحكومية الدولية الإقليمية مثل الاتحاد الأوروبي، أكثر مما هو عليه الوضع في المنظمات الدولية كالأمم المتحدة.
قد تحظى المنظمات الحكومية الدولية بالاستقلال لأنه توجد قضايا في السياسة العالمية لا يمكن معالجتها إلا على أساس تعدد الأطراف، وتميل هذه القضايا إلى أن تكون حالات تشبه "معضلة السجين" حيث توجد دوافع جماعية قوية للتعاون، مثل التلوث وانتشار أسلحة الدمار الشامل...الخ، فإذا كان للدول أن تتصرف جماعياً في هذه المجالات ويكون لها أي احتمال للنجاح، فلابد أن تؤسس نظاماً لعلاقات تحكمها القواعد، بما في ذلك نظام للجزاءات يمكن تطبيقه من قبل المنظمات، و هو ما يتيح مقدار من الاستقلالية للمنظمات الدولية15.
دعمت هذه الرؤية نظريا من خلال نظرية الاعتماد المتبادل و النظرية الليبرالية المؤسساتية :
1- النظرية الليبرالية المؤسساتية : أو الليبرالية الجديدة، و صفت بالمؤسساتية لتمييزها عن الأنواع السابقة لليبرالية، مثل المثالية سابقا و الليبرالية التجارية التي تربط التجارة الحرة بالسلام، والليبرالية السوسيولوجية الممثلة في نظريات التكامل الدولي.
الليبرالية الجديدة هي نتيجة للحوار النظري التقليدي القائم بين المنظور الليبرالي و المنظور الواقعي فهذا الأخير انشغل كثيرا بثنائية الحرب/ السلم، و كذا البعدين العسكري/ الدبلوماسي للعلاقات الدولية وتركيزه على الدولة بوصفها الفاعل الأساسي.
اتفق الليبراليون الجدد مع الواقعيين في اعتبار الدولة هي الفاعل الأساسي في العلاقات الدولية، لكن ليس الوحيد، فإلى جانبها نجد المنظمات و المؤسسات الدولية، كما أنهم لم ينكروا الطابع الفوضوي للنظام الدولي، إلا أن هذا لا يمنع من إقامة علاقات تعاونية تقلل من حدة الفوضى الدولية، من خلال زيادة الترابط بين مصالح الدول وفق شبكة تبادلات قائمة بالأساس على مبدأ المكاسب المطلقة.
رغم استمرار الإجماع حول أهمية الدول كفاعل في العلاقات الدولية، إلا أن هذا لا يمنع من الاعتراف بتقلص قدرتها على تحقيق النتائج، لاسيما مع التزايد المفرط للقضايا التي تتجاوز الحدود السياسية بعد نهاية الحرب الباردة، و لذا فبدلاً من أداة واحدة يفضل الليبراليون الجدد نموذج الفاعل المختلط الذي يشمل المنظمات الدولية والمنظمات عبر الوطنية والمنظمات غير الحكومية والشركات متعددة الجنسيات، وغيرها من اللاعبين من غير الدول، فديناميكيات العلاقات الدولية تنشأ من مصادر متعددة تنطوي على خليط من التفاعلات .
أشار كل من كيوهان Keohane وناي Nye سنة 1977إلى هذه العملية بوصفها ترابطاً معقداً و رأى أن الواقعية الجديدة فشلت في رصد تعقيدات السلوك الدولي من جراء تجاهل المؤسسات والعمليات والقواعد والمعايير التي توفر قدراً من الحُكْم في بيئة فوضوية، خاصة في ظل توسع أجندة العلاقات الدولية في القرن العشرين16، لا سيما في المجالات غير العسكرية المتعلقة بالثروة والرفاه، العلاقات الاجتماعية و الثقافية، البيئة، الأمراض و الجرائم بأنواعها...الخ.
من خلال ما سبق يمكن استخلاص أهم أسس هذه النظرية فيمايلي:
- التركيز على المؤسسات الدولية، باعتبارها أهم عامل لتحقيق المصالح المطلقة absolute Gains بالنسبة للدول.
- يعتبر مبدأ التبادلية الذي جاء به أكسلور Axelord من أهم مبادئ النظرية التي تؤكد على أن التعاون يمكن تحققه ما بين الدول ذات النزعة الأنانية، و ذلك لعدم قدرتها على تحقيق مصالحها بمعزل عن الآخرين17، و قد عزز هذا المبدأ من أهمية الاتفاقيات التجارية.
- طورت النظرية من مفهوم المجتمع المدني العالمي Global civil society ، و الذي يعني مجموع الشركات المتعددة الجنسيات و المنظمات الدولية غير الحكومية، و اعتبره جون كين John Ken أداة هامة لنشر السلام18.
2- نظرية الاعتماد المتبادل المركب: يشير مفهوم الاعتماد المتبادل إلى العلاقة الوثيقة القائمة بين فاعلين لدرجة يصعب فيها على كل فاعل التخلي عن الآخر، نتيجة لقوة ترابط مصلحتهما، و ذلك وفقا لمفهومي الإنجراحيةvulnerability و الحساسية sensibility اللذان تقدما بهما كل من جوزيف ناي وروبرت كيوهان.
يقصد بالإنجراحية قدرة الدولة –ب- على مقاومة تأثير الدولة –أ- أما الحساسية فيقصد بها قدرة الدولة-أ-على التأثير العميق و السريع على الدولة-ب- و الهدف من المفهومين هو معرفة ما إذا كان جميع الفاعلين في نظام ما يتأثرون على نحو متساو، و هنا نكون أمام اعتمادا متماثلاSymmetric أما إذا كان أحد الفاعلين في نظام ما غير مكترث نسبياً بتغيير ما في العلاقات، في حين أن فاعلاً آخر يتأثر كثيراً من جراء ذلك التغيير، فعندئذ يكون الترابط غير متماثل asymmetric، وهذا يمكن أن يؤدي إلى مجموعة علاقات تخضع لدرجة عالية من التأثير، يكون فيها فاعل واحد أو مجموعة من الفاعلين معتمدين كلياً على فاعل ما أو مجموعة من الفاعلين19.
إن وجود درجة عالية من الاعتماد تؤدي إلى تعاون أكبر بين الدول، و هو ما يدعم الاستقرار في النظام الدولي وفقا للمعادلة التالية، كلما ازداد التماثل كلما ازداد احتمال التعاون والاستقرار، خاصة في ظل عالم ما بعد الحرب الباردة الذي تميز بتعدد الأقطاب الاقتصادية، و هو ما يفتح المجال أمام زيادة الاعتماد المتماثل، و بذا تحل العلاقات ذات الأساس الاقتصادي محل العلاقات ذات الأساس العسكري.
للتعبير عن وجود قنوات متعددة للاتصال بين المجتمعات، وعدم وجود بنية هرمية بين القضايا و التقليل من استخدام القوة، أطلق ناي و كيوهان مصطلح الاعتماد المتبادل المركب Complex interdependence و الذي يشير إلى درجة عالية و معقدة من الاعتماد المتبادل، لدرجة يصبح فيها كلفة انسحاب أحد الأطراف من العلاقة التبادلية كبيرة و لا يمكن تجنبها.
2- البعد الأمني في دور المنظمات الدولية في فترة ما بعد الحرب الباردة .
إن التحولات التي طرأت بعد نهاية الحرب الباردة كان لها الأثر البالغ في طبيعة الأدوار التي تضطلع بها المنظمات الدولية، فبعدما كانت توصف بالمنظمات الفنية، التي سيطر أعضائها على قراراتها، صارت بعد نهاية الحرب الباردة أحد فواعل العلاقات الدولية المضطلعة ليس فقط بالقضايا الدنيا، بل أكثر من ذلك احتضنت قضايا السياسة العليا على حد تصنيف المنظور الواقعي، هذا التصنيف الذي لم يعد قائما بسبب تداخل القضايا و صعوبة فصل الدنيا منها عن العليا.
ما زاد من أهمية دور المنظمات الدولية في المجال الأمني هو بروز التهديدات الأمنية الجديدة التي تتميز باختراق الحدود الوطنية و القارية، و سهولة انتشارها، و صعوبة السيطرة عليها دونما تكاثف الجهود الدولية و العالمية، و هذا لا يكون إلا من خلال المنظمات الدولية.
هناك خلاف بين الباحثين حول الأهداف التي تضطلع بها المنظمات، إذ ذهب بعضهم إلى التأكيد على أولوية الأهداف السياسية التي ترتبط أساسا بمسائل الأمن و الدفاع و التسوية السلمية للنزاعات، في حين أكد آخرون على أهمية الأهداف المتصلة بقضايا التنمية الاقتصادية و الرفاهية الاجتماعية من خلال تدعيم التكامل الوظيفي بين مجموعة دول، و مرد ذلك أن النزاعات التي تثور بين الدول يمكن إرجاعها في الأصل إلى الإخفاق في التعامل الايجابي مع المشكلات الاقتصادية و الاجتماعية، كما أنه واقعيا لا يمكن الفصل بين الدوافع الأمنية و دوافع الرفاهية .
إن تحقيق السلم و الأمن الدوليين يتطلب توفر الدبلوماسية الوقائية٭، صنع السلام، حفظ السلام، بناء السلام٭٭، و لتحقيق هذه الرؤية لابد من توافر حد أدنى من التعاون الدولي لا في مجال ردع العدوان أو قمعه فقط، و هو ما ركز عليه نظام الأمن الجماعي الذي جاءت به منظمة الأمم المتحدة، و الذي يرى العالم كله كوحدة واحدة يتعين الدفاع عن أي خطر يهدد أي جزء فيها استنادا إلى قواعد مقبولة و متفق عليها و من خلال جهد مشترك و آليات موحدة، و إنما أيضا على وجه الخصوص في المجالات الاقتصادية الاجتماعية و البيئية …الخ20و هذا ما يتحقق من خلال عمل المنظمات الدولية خاصة منها الإقليمية .
إن تقارب التنمية و الأمور الأمنية أصبح الشغل الشاغل للمنظمات ذات الهيمنة العالمية، و هذا الانشغال ليس نابعا فقط من ازدياد اهتمام قيادات المنظمات ذات الهيمنة العالمية، بل أيضا من تأثر الإنسانية بشكل مباشر بالتنمية و ارتباطها بالنواحي الأمنية و الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية.
الدليل على تنامي البعد الأمني في أدوار المنظمات الدولية هو تزايد وظائف الأمم المتحدة في هذا المجال و في مختلف أبعاده، فالهيئة تعمل على فض النزاعات الدولية و جمع أطراف النزاع حول دائرة المفاوضات، إضافة إلى حرصها المستمر لتدعيم عمليات صنع، حفظ، بناء السلم، و كذا إجراء دراسات عديدة فيما يتعلق بموضوع الأمن الإنساني و المواضيع المتعلقة بالتنمية و البيئة و كذا الأمراض، و دراسات خاصة حول الهجرة الغير شرعية، و عملها الدائم على إيجاد الحلول العملية لمواجهة مثل هذه التهديدات التي لا يمكن مقاومتها إلا من خلال التعاون الدولي و تبادل الخبرات، كما أن سعي الاتحاد الأوروبي باعتباره منظمة دولية إقليمية إلى تكوين هوية أمنية مشتركة، بعدما ارتبط وجوده بالأهداف الاقتصادية هو دليل آخر على أهمية أداء المنظمات في المجال الأمني .

















خاتمة
تميزت الحروب على مر السنين بنتائجها الجذرية، و الحرب الباردة رغم نعتها بالبرودة إلا أن نتائجها كانت جد ساخنة، إذ فرضت نهاية الحرب الباردة واقعا مغايرا تماما لما كان عليه الحال في فترة الحرب الباردة، و الدليل على ذلك التحول الذي حدث في النظام الدولي، و كذا بروز فواعل كثيرة ذات فاعلية كبيرة، تباينت بين أفراد، شركات، جماعات، شبكات، هيئات، منظمات دولية حكومية و أخرى غير حكومية ...الخ، إضافة إلى التحول الذي عرفته موضوعات العلاقات الدولية، خاصة فيما تعلق بموضوع الأمن، فالتحول كان من الدراسات الأمنية الاستراتيجية المتعلقة بالجانب العسكري، إلى الدراسات الأمنية المتعددة الأبعاد .
نظريا المنظور التقليدي لم يعد كافيا لتفسير طبيعة القضايا الأمنية و مصادر التهديد في فترة ما بعد الحرب الباردة، ما أدى بالعديد من المفكرين إلى الدعوة لتوسيع الدراسات الأمنية، بحيث تحوي كل التهديدات الأمنية العسكرية و الغير عسكرية، و هو ما تجسد مع بلورت مفاهيم أمنية جديدة، كالأمن الإنساني و الأمن الشامل و الأمن المجتمعي، إضافة إلى الدراسات الأمنية التي تقدم بها منظري مدرسة كوبنهاغن أمثال باري بوزان و مقاربته حول الأمن المجتمعي،ومفهوم المركب الأمني.
عمليا الدول لم تعد لها القدرة على مواجهة كل هذه التحديات و الأخطار بمفردها، و هو ما شكل دافعا قويا لإشراك فواعل أخرى لتحقيق الأمن على المستوى المحلي و العالمي، خاصة المنظمات الدولية باعتبارها الفاعل الرسمي الثاني بعد الدول، و أيضا امتلاكها لخاصية جد هامة تتمثل في التنظيم الهيراركي و الديمومة، و هو ما يسمح باتخاذ القرارات و تنفيذها و تسهيل عملية التنسيق بين مختلف الوحدات السياسية و في مختلف الأقاليم .
من خلال تحليل أسباب النزاعات بين الدول تبين لدى أغلبية المفكرين أن أسبابها أو على الأقل تطورها يعود إلى انعدام أو انخفاض عامل الاتصال بين أطراف النزاع، ما يجعل عدم الثقة المولدة للأحقاد تبقى قائمة، فالمنظمات الدولية تعد أطر جد فعالة لتوفير جو من الثقة بين الأطراف من خلال فتح باب التشاور و النقاش و تسوية نقاط الخلاف.
أما فيما يتعلق بالتهديدات الأمنية الجديدة التي تبلورت بشكل بارز بعد نهاية الحرب الباردة، فإن معظم الآليات المعتمدة لاحتوائها تقوم بالأساس على نجاح الاتصال و التنسيق بين كل دول العالم، و مرد ذلك سرعة انتشار هذه التهديدات، و أيضا ارتباطها ببعضها البعض، فالفقر و المجاعة و الأمراض دفعت إلى الهجرة الغير شرعية باتجاه دول الشمال المتقدمة، و هو ما أدى لمعاناة هذه الأخيرة من تبعات هذه الأخطار، ما جعلها تلجأ لإقامة علاقات شراكة و إقامة منظمات مشتركة من خلالها يتم تنسيق الجهود.
كما أن بعض التهديدات تتطلب تدخل دولي سريع، و هذا ما قد تعتبره الدول تدخل في الشؤون الداخلية و مساس بالسيادة الوطنية، إن كان من طرف دولة أخرى، في حين أن العمل من خلال المنظمات الدولية يخفف من حدة و حساسية التدخل .
الهوامش:
1- غراهام ايفانز و جيفري نوينهام: قاموس بنغوين للعلاقات الدولية، (ترجمة مركز الخليج للأبحاث، دبي، 1997 )، ص9.
2- وليد عبد الحي و آخرون: آفاق التحولات الدولية المعاصرة، (دار الشروق، عمان، ط1، 2002)، ص 16.
3- مصطفى بخوش: مستقبل الدبلوماسية في ظل التحولات الدولية الراهنة، مجلة المفكر، الجزائر، بسكرة، كلية الحقوق و العلوم السياسية، العدد الثالث، فيفري2008، ص88.
4- المرجع السابق، ص87.
5- أحمد الراشيدي، ناصيف حتي: الأمم المتحدة ضرورات الإصلاح بعد نصف قرن، (لبنان، مركز الدراسات للوحدة العربية، 1999)، ص122.
6- عبد القادر رزيق المخادمي: النظام الدولي الجديد الثابت.....و المتغير، (الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، ط3، 2006)، ص26.
7- غراهام ايفانز و جيفري نوينهام، مرجع سابق، ص23.
8- Jean-Jacques Roches : Théories des relations internationales , Paris , 5eme édition Montchrestien, 2004, P23.
9- مارتن غريفيش و تري أوكالاهان: المفاهيم الأساسية في العلاقات الدولية ، (ترجمة مركز الخليج للأبحاث، دبي، ط1، 2008)، ص79.
10- خديجة عرفة محمد : مفهوم الأمن الإنساني و الاستخدامات المتناقضة للمفاهيم
.org/16/01/08 WWW.arabremewal http://
11- تحولات مفهوم الأمن... الإنسان أولا
http://www.islamonline.net/servlet/satellite?h section=acacs8pagename=zone-arabic-art cutur.
12- - نيللي كمال الأمير و هدى ميتيكس :التغيرات في السياسة الخارجية اليابانية ،(مصر ،مركز الدراسات الآسيوية ،ط1، 2005)،ص.ص263-266.
13- Charles Philippe David et Jean Jacques Roche : Théories de la sécurité, Paris, Montchrestien, 2002, p 116-117.
14- لمزيد من المعلومات حول أفكار التنظيم الدولي في الفكر الغربي و العربي اطلع على كتاب محمد المجذوب: التنظيم الدولي، (مصر، الدار الجامعية، ط1، 1998).
15- غراهام ايفانز و جيفري نوينهام، مرجع سابق، ص237.
16- المرجع السابق، ص351.
Jean-Jacques Roches ,Op.Cit,p92.-17
18- جهاد عودة: النظام الدولي، (مصر، دار الهدى، ط1، 2005)، ص59.
19- غراهام ايفانز و جيفري نوينهام، مرجع سابق، ص253.
٭مفهوم الدبلوماسية الوقائية يشير إلى مجمل الإجراءات و الترتيبات التي يمكن اتخاذها لتحقيق واحد أو أكثر من الأهداف الثلاثة الآتية الذكر:
-منع نشوب النزاعات أصلا.
-الحيلولة دون تصاعدها أو تحولها لصراعات مسلحة.
-حصر الصراعات و احتوائها في حال قيامها، و العمل على وقف انتشارها لأطراف أخرى خاصة دول الجوار. ٭٭صنع السلام، حفظ السلام بناء السلام هي مفاهيم طرحها بطرس بطرس غالي سكرتير عام الأمم المتحدة استجابة لتكليف مجلس الأمن له في اجتماعه المنعقد على مستوى القمة في 31/1/1992 بكتابة تقرير قدم فيه تحليلاته و توصياته بشأن سبل تعزيز و زيادة قدرة الأمم المتحدة في إطار الميثاق و أحكامه على الاضطلاع بمهام الدبلوماسية الوقائية و صنع، حفظ، بناء السلام.
20- أحمد الراشيدي، ناصيف حتي، مرجع سابق، ص125.



#جصاص_لبنى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتغير الأمني و آثاره على المنظمات الدولية لفترة ما بعد الح ...


المزيد.....




- تحطيم الرقم القياسي العالمي لأكبر تجمع عدد من راقصي الباليه ...
- قطر: نعمل حاليا على إعادة تقييم دورنا في وقف النار بغزة وأطر ...
- -تصعيد نوعي في جنوب لبنان-.. حزب الله ينشر ملخص عملياته ضد إ ...
- البحرية الأمريكية تكشف لـCNN ملابسات اندلاع حريق في سفينة كا ...
- اليأس يطغى على مخيم غوما للنازحين في جمهورية الكونغو الديمقر ...
- -النواب الأمريكي- يصوّت السبت على مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- الرئيس الإماراتي يصدر أوامر بعد الفيضانات
- شاهد بالفيديو.. العاهل الأردني يستقبل ملك البحرين في العقبة ...
- بايدن يتهم الصين بـ-الغش- بشأن أسعار الصلب
- الاتحاد الأوروبي يتفق على ضرورة توريد أنظمة دفاع جوي لأوكران ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جصاص لبنى - المتغير الأمني و آثاره على المنظمات الدولية لفترة ما بعد الحرب الباردة