احمد التهامي سليمان
الحوار المتمدن-العدد: 3795 - 2012 / 7 / 21 - 00:10
المحور:
الادب والفن
اشعة الشمس الحمراء تتسلل برفق عبر قطاطي حي الكرنقو في رحلتها اليومية من الشروق الي الغروب .. صبية الكرنقو بملابسهم البالية يمارسون الدافوري في نشاط عجيب بينما النسوة بثيابهن الملونة يقبعن في منازلهن في انتظار العائدون من (البلدات )…
حليمة بثوبها الاخضر وشفاهها الضخمة تنقل العرقي في نشاط معهود بمساعدة ابنتها (عشة ) .. فاليوم سيكثر الزبائن لانه اول خميس في الشهر…
اقترب موعد حضور الزبائن.. العرقي بانواعه المختلفة يتوزع في الجركانات امام بنبر حليمة البالي ..
عشة وضعت البنابر بشكل دائري وحرصت علي ان يكون الزير ممتلئا وبجانبه كوز الطلس الابيض ..
لم يمر وقت طويل حتي دخل فتح الله بطاقيته ام قنبور ساترا بها شعره المزعمط ..( فتح الله ) بشلاليفه الضخمة وجلبابه السمني المتسخ يعتبر من زبائن حليمة المستديمين .. جلس علي اقرب بنبر وبصق سفته المصحوبة بلعابه الكثيف ومن ثم تناول كوب الطلس ودلق ما فيه من ماء في جوفه وهو يقول لحليمة :( انتي يا حلوم العيش دا ما رخص ... ما ترخصي البوري دا شوية ..!!!
حليمة وهي تنفخ في نار كانونها ترد عليه قائلة ) بطل حركاتك دي .. انت عارف العرقي بتاعي مافي شبهو .. ويا اخوي الغالي بي غلاتو ......
وبينما الحوار يدور في تناغم بينهما يدلف بابكر سواق المدير ودون ان يلقي السلام يخاطب حليمة قائلا
:( عرقي المدير جاهز !
جاهز .. افتح الصبارة بس ، وصبت له العرقي ليختلط بكرات الثلج محدثا صوتا تلذذ له فتح الله ..
وقام بابكر بتسليم حليمة لفافة نقدية و خرج في هدوء تتابعه انظار فتح الله وهو يتناول رشفة من الجركانة الصغيرة ويمص محتواها بتلذذ جحظت له عيناه الغائرتان وقال لحليمة ) المدير دا ما يجي يشرب معانا هنا بدل التلتلة دي !)
ردت حليمة ( المدير زيكم ! دا بشربوا بالتلج ولحم الضان والسجوك )
يدخل التوم الي المنزل وهو يحمل كيسا فيه ( راس خروف ) سيصبح بعد قليل طعاما لسكاري ياكلون كل شئ .. كل شئ ...
الشمس دلفت الي الغياب .. ( عابدين ) يرفع النداء لصلاة المغرب في الجامع الوحيد في المنطقة ..وحوار يدور في الاثناء بين فتح الله وحليمة عن عابدين
فيقول فتح الله ( تذكري يا حليمة عابدين زمان وكت كان بجي يسكر معانا وياكل النيفة كلها !!)
وترد حليمة وهي تطحن في الثوم لتجهيز راس الحمل ( انساهو كيييف .. يوم شرب الكبايتين وطرش طراشو العفن دااك .. اظنوا يا فتح الله كان ماكل ام بلقصات .. ولا حاجة !!!)
الحوار يتواصل والزبائن يدخلون ويخرجون .. وعشة بفستانها المزركش توزع العرقي عليهم ولا تسلم من اياديهم الطويلة التي تتلقف ما برز من جسدها المكتنز ..
حليمة وبعرقيها الكارب جمعت بينهم جميعا ... يسكرون ويثرثرون ويخرجون مترنحين ومتبولين علي ملابسهم في بعض الاحيان وتصحبهم الفاظهم البذئية ..
اقترب موعد اذان العشاء .. اخر الزبائن يخرج مترنحا .. حليمة تغلق باب بيتها وهو في الاساس باب عربة لاندروفر قديم تصلي العشاء ركعتين فقط كما تعودت دائما ومن ثم تتمدد علي عنقريبها المهتوك وتنام في هدوء بعد يوم حافل بالعمل .. بينما عشة تقضي وقتا جنسيا ممتعا مع ( اب جاكومة ) في قطية عم تيه الخالية ....
امدرمان ابريل 2004م
رحيــــــــــــــــــــــــل
مساء بارد يلف الانحاءوصوت الريح وهي تعبث بالنوافذ يزيد من رعبي فاقترب اكثر واكثر من امي التي ترقد وهي تئن من مرض طال كثيرا ,,,,خوفي وحزني يزدادان وكذلك انين امي ,, اتساءل في خوف اسيستمر الحال هكذا !!! ام ستعود العافية لامي وتصفو الطبيعة كذلك !!!
حاولت ان اغفو دون جدوي ,,, اصابتني رعشة وانا اتخيل مصيري غدا في المدرسة فانا لم احل تمرين الحساب بعد، فقد شغلني لعب الدافوري عن حل التمرين ,,,كانت صورة استاذ محمد رجب المرعبة تمثل هاجسا لي انساني كل شئ حتي انين امي الذي ارتفع قليلا.
صوت الريح بدا مخيفا وهو يرتطم بالباب الخشبي العتيق تاركا ضوء الفانوس يتأرجح ويضطرب وتزداد هواجسي ومخاوفي ,,, انين امي ازداد بصورة واضحة ,,(فاطمة) اختي الوحيدة سمعتها تسال امي ان كانت تريد الدواء ,,,,
لا اجابات تصدر من امي سوي همهمات يقتطعها الانين المتواصل ,,
انزويت متكوما خلف ارجل امي مستمتعا برائحة الحناء المنبعثة من قدميها ,, كنت ابحث عن الدف والامان في ليلة تجمعت فيها كل الهموم ,,,
غفوت قليلا ,, صوت المؤذن ايقظني ,,,,نهضت في تكاسل واضح ,,,ارتديت ملابسي علي عجل ,, لم اجد شاي الصباح فلا احد يعده لي ,,, خرجت في تكاسل اجرجر ارجلي جرا تاركا انين امي ورائحة حناءها خلفي ,,, سرت بلا هدي مارا بشارع المدرسة ,,, رايت (نهي) وهي تبصبص لي بثوبها المدرسي الانيق لم اعرها اهتماما ,,,وصلت المدرسة بتكاسل واضح ثمة تلاميذ يمارسون المرح كل بطريقته ,,,انزويت في ركن المزيرة ,,, جرس الطابور يقرع اقتربت حصة الحساب قلبي يخفق بقوة تمنيت حينها ان تقوم القيامة او ليذهب الجميع الي الجحيم ,,,,
مر الزمن ببطء غريب ,,, انتهي اليوم الدراسي خرجت عائدا الي المنزل حاملا في مؤخرتي اثرا لثلاث سياط ,,, اقتربت من المنزل ثمة عويل يتناهي الي مسامعي اقتربت اكثر رايت نسوة بثياب ملونة ورجال بجلابيب بيض يحيطون بمنزلنا الطيني ,,, اتري ماذا حدث لمنزلنا !!!!
اقتربت اكثر العويل يزداد ,,,رايت فاطمة تكيل التراب علي راسها والنسوة حولها يولولن ,,,خفق قلبي بشدة ،،،، تسللت الي الداخل ,,, احدي النسوة ضمتني اليها وهي تصرخ كانت رائحتها النتنة تصيبني بالغثيان فرائحتها لم تكن كرائحة امي ,,,,نظرت بهلع لتلك الوجوه الواجمة اصابني القلق كذلك ,,,,فقد كان نفس المشهد حين سافر ابي الي السماء كما كانت تقول لي امي,,,,لم تطل دهشتي وقلقي كثيرا فقد رايت رجال يحملون عنقريبا يرقد فيه جسد امي وهي مغطاة بثوب ابيض ورائحتها الانيقة تتبعها ,,,,
الي اين يذهبون بامي !!!!
نظرت نحوها وقررت حينها ان استنشق رائحة حناءها فقفزت سريعا نحو العنقريب احد الرجال قذف بي بعيدا وواصل عنقريب امي رحلته نحو الخارج وحينها ادركت ان المشهد قد تكرر وان احزاني في هذا اليوم لا تضاهيها احزان .......
امدرمان ابريل 2006
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟