|
الكم والكيف في الثورات العربية
جورج حزبون
الحوار المتمدن-العدد: 3792 - 2012 / 7 / 18 - 12:27
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
التراكم الكمي يتحول إلى تغير نوعي ، هذا قانون الديالكتيك وشرعية الحياة ، إسقاط هذا القانون على ما هو جار في الوطن العربي ،فانه يؤكد بالنتيجة الحتمية ، لا بل بالضرورة ، ان الأمور تسير نحو تغير نوعي لا تتوقف الحركة به عند حدود ما هو ظاهر حتى ألان ، وهنا يجيء السؤال ؟ ما هي طبيعة هذا التغير ، وهل عملية التراكم ستطول ، وهل طبيعة التراكم تؤثر على صيرورة المتغير النوعي ؟! وفي اي اتجاه . لا شك فان قرأت الإحداث ، تبين ان الحراك ليس موحد في البلدان العربية وان كان الإسلام السياسي له فيه مكانة متقدمة ، لكن الطموحات الشعبية لا تقف عند تلك النتائج الانتخابية التي تحققت بفعل واقع حضور تنظيم واسع، وغياب آليات مجتمعية طبقية أخرى لم تتبلور بعد ، وأنظمة أنفقت ميزانيات ضخمة على استخدام الدين كأداة لإطاعة ولي الأمر ، وتنافس مع الحركات الإسلامية أيهما أكثر ( اسلاموية )، ويمكن مشاهدة ذلك واضحاً اليوم في الخلاف بين حركتي فتح وحماس في فلسطين فالطرفين يتباريان في أمر الالتزام و الإلزام بالدين لدرجة لم يعد يشعر المواطن بالفرق بين تلك الحركتين ، سوى بالتحزب والتعصب لهذا الطرف او ذاك . فالقضية الاجتماعية هي الأكثر أهمية ، في بلاد تعاني من الفقر والبطالة والاضطهاد ، فقد استخدمت الأنظمة العربية منذ سنوات الاستقلال او سنوات الموافقة على تقسيم الوطن ، عاملين لقمع شعبها الأولى كان الدين ، والثاني القضية الفلسطينية ، باعتبارها قضية العرب الأولى ، الدين كحالة إطاعة وضمان لعدم الخروج على ولي الأمر ، وعزاء للمظلومين ، فهم يرثون الأرض ، وينكلون الجنة والنساء!! ، فلسطين قضية تحتاج تحتاج إلى وحدة موقف وتقديمها على كل المطالب والأمنيات وتوفير الإمكانيات للوصول الى تحريرها عبر التوازن الاستراتجي الذي لم يتحقق ، وخلال سنوات الخمسينات والستينات كان في الأردن مثلاً قانون يدعى قانون / مكافحة الشيوعية / مثل مكافحة المخدرات !! ، ومصطفى الزهاوي قال يوما " إن أردت لقاء المثقفين العرب فابحث عنهم في السجون العربية " ، ومقابل هذا التعسف كان لا بد ان تطرح الأنظمة عقيدتها ، وهنا قدمت الإسلام بصيغة تلائمها عبر وعاظ مؤولين ، لدرجة ان وقعت خلافات تفسيرية بين البلدان العربية حول الأكثر التزاماً بالدين من الأنظمة والزعماء ، وابسط الأمثلة انه لم يكن يتصادف ان كان رمضان موحداً مطلقاً ، فليبيا في كل الحالات كان القذافي يختلف مع الآخرين وله تفسير ديني خاص به ، والأردن والمغرب من ال البيت ، والسعودية سدنه الكعبة ، ومصر منارة الأزهر ، وهكذا أصبح الإسلام ايديلوجية الأنظمة وحليفها ، تمردت على ذلك فرق تعددت حتى وصلت حد الإرهاب ، وحين جاء ربيع العرب لم يكن موجوداً حينها بشكل منظم غير الإسلام السياسي بفرقه ومكوناته وخطاباته المتعددة . وفي السياق السياسي ، تم تقديم القضية الفلسطينية ، كحالة تحتاج الى كل القوى وان لا صوت يعلو فوقها ، بما في ذلك الوحدة العربية !! وتم تقديم القضية على أنها خيار عسكري فقط ، وان المهمة محصورة في استردادها ، في حين كانت الأنظمة تفاوض حول حل سياسي معين سواء عبر بريطانيا او أميركا او حتى بشكل مباشر!! ، وهو ما خلق حالة أزمة ي مواجهة سبل حل هذه القضية المركزية ، حتى ان منظمة التحرير عند انطلاقتها سجلت مطالبها في دولة ديمقراطية موحدة على كافة فلسطين ، ومع تطور الإحداث المعروفة ومحطتها الرئيسية كامب ديفيد ، وصلت الى شعار دولتين لشعبين ، ثم القرار المستقل ، حتى أصبحت فلسطين مثل دارفور وقد تصل مثل لواء الاسكندرون . وبالعودة الى ما هو قائم في العالم العربي ، ربيعاً ، ام ثورة ، فانه لا يمكن ان يكون قد خرج عن تفاعلات المرحلة السابقة ، حتى وصل الأمر الى انفجار شعبي عارم ، تقدم لاحتوائه الإسلام السياسي ، من حيث هو موجود ، بالتربية وبالتعصب الديني ، وبالتنظيمات الإرهابية ، والسلفية وحتى الحضور الشعبي المتدين ، رغم انتماءاته الاجتماعية المختلفة الغير منظمة ، وغيرها من الصيغ التي كان لها حضور طارئ في السبعينات ، من جهيمان ، الى مصطفى شكري ، إلى التكفير والهجرة حتى ابن لادن ، ولكن الوضع تغير ألان وان لا زال جنينيا ، والأطروحات التي قدمتها مجموعات الإسلام السياسي ، لم تعد صالحة للقادم بعد ان تسلم السلطة وأصبح نظاماً ، فالمعارضة شيء والسلطة شيء أخر ، وقد بدأت بوادر ذلك مبكراً في تونس ، وتصريحات الغنوشي والمرزوقي ، حول الحرية الفردية والسياحة وغيرها ، وأيضا لدى مرسي من طبيعة ما تسرب من لقاءات له مع لكينتون إلى موقفه من حصار غزة ، الى تصريحات قيادات اخوانية عن السياحة ودخل مصر القومي وأمنها والالتزام بالمعاهدات الدولية وغيرها ، وتقدم السياسي العام والعلاقات الدولية على المطالب الاجتماعية التي هي أصل الثورة ومحركها ، والتي لن تقبل جماهيرها بان تكون شاهد زور، فيتحول التراكم هنا الى كيف ، وتستمر الثورات ، وقد تنتكس أحيانا ، لكنها ستحقق واقع أخر ينطلق نحو أفق أرحب إمام مجتمعاتنا العربية التي بثورتها ستعيد صياغة عقيدتها ، وتولد بهذا التفاعل الطليعة القادرة على المواصلة الطريق ويمكن قرأت استشرافية لذلك من ما نتجت عنه انتخابات ليبيا ، وأيضا من تلك التفاعلات بين إطراف المجلس الوطني السوري ، فلم يعد ممكناً تسير الناس بالمواعظ وبالخطب ، وما لم يتحقق شيء ملموس على الأرض لصالح الفقراء وكرامتهم ، فلن يستقر نظام وان توعد بالبطش ليعيد تجربة الآخرين ، فقد انطلق المارد من الزجاجة ، ولن يعود إليها فقد عرف انه وحده يستطيع أنزاع حقه في وطنه وبيته ، والاهم ان الفئات الاجتماعية المختلفة انتبهت بالتجربة لأهمية ان تنتظم ، وان الخطاب الديني ليس وصيا على علاقاتها بالسماء بقدر ما هو معني بالولاء والولاية على الأرض . وهكذا يتم تدوير معادلة الدين وفلسطين لفهم واضح لطريق غير ملتوية ، فالدين ليس خصم الناس ولا أداة قمعها ولا وصاية لأحد عليها ، والتحرر الوطني وإقامة الدولة الفلسطينية وهي خيار استراتيجي لإنهاء هيمنة قوى الاستعمار والفساد والتخريب والانقسام ستنتهي ، فقد بقيت هذه المنطقة غير محسوم الصراع فيها مع الامبريالية استراتجياً، وبقيت تسعى لمزيد من احتوائها ، وما انتصار القضية الفلسطينية الا حسم لذلك الصراع والسير نحو مستقبل آمن وسعيد .
#جورج_حزبون (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الدولة الدينية بدعة
-
اغتيال ابو عمار
-
الاممية والقومية الروسية
-
الاسلام السياسي الى اين ؟!
-
حول الخلافة الاسلامية
-
وجوه فلسطينية قلقة
-
الديمقراطية هي الحل !!
-
مصر ..اين السبيل ؟
-
اليد الخفية في الثورة العربية
-
نحو عولمة اسلامية
-
شرق اوسط برعاية تركية
-
على درب ايار
-
الدين والثورة والواقع
-
مسيحيو الشرق والمواطنة
-
ماذا بعد اوسلو الان ؟
-
الامن القومي العربي
-
قراءة تاريخية لواقع معاصر
-
قمة بغداد
-
الاممية الاسلامية
-
ربيع الشعوب ام اعدائها
المزيد.....
-
لبنان يواجه -مماطلة- إسرائيلية بعد انقضاء مهلة الستين يوماً،
...
-
مسؤول أممي يدعو للاستثمار بسوريا ورفع العقوبات عنها
-
ماكرون يدعو لاحترام التزامات اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان
...
-
سوريا.. مصدر ينفي العثور على جثة دكتورة جامعية مخطوفة
-
تصريح قوي لرئيس اللجنة العسكرية للاتحاد الأوروبي عن غرينلاند
...
-
أميركا: استمرار تنفيذ وقف إطلاق النار بغزة أمر بالغ الأهمية
...
-
بإشراف الزعيم كيم.. كوريا الشمالية تختبر صواريخ استراتيجية
-
هل تتجاوز التطورات على الأرض في السودان حسابات الإدارة الأمر
...
-
ترامب يبحث مع العاهل الأردني حفظ السلام في الشرق الأوسط
-
كوريا الشمالية تختبر بنجاح صواريخ كروز استراتيجية
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|