|
في ذكرى الامتحانات الثانوية ، والقمع السنوي لحكومة حماس
سونيا ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 3785 - 2012 / 7 / 11 - 17:06
المحور:
حقوق الانسان
صيفُ (2007) ، و امتحاناتٌ ثانوية ، تنتهي حول قوة الدراجاتِ النارية
تقولُ المشرفةُ بصوتٍ متوترٍ : " هيّا , سلمنّ أوراق الاجابة ، نحن تركنا أولادنا ، وغامرنا تحت اطلاق النار ، من أجل حضراتكنّ ، ولا يهمنا اذا نجحتنّ " بذلك الصوتِ المتوترِ ، تُنهي رحمةُ إجابة الأسئلة ، وتراجُعها سريعًا ، قبلَ أن تقررَ تغيير إجابة السؤالِ الأخير ، وهي تسمعُ صوتَ إطلاق النار ، في الشارعِ القريبِ من المدرسةِ ، و صدى إطلاق الرصاصِ يُدوّي بين أنينِ الحاراِت الحزينةِ ، والمنازلُ المزدحمةُ لا تُطلق أي صوتٍ ، ثم يأتي بعدَ ذلكَ صوتَ تصفير من بعضِ الشبابِ المنزعجين : "حماس شيعة .. حماس شيعة " ، فيأتي صوت رصاصةٍ أخرى ، تنزعجُ له رحمة ؛ ليردً على تصفيرِ شبابٍ سلّموا عصاباتَ حماس أسلحًتهم تحتَ قوةِ السلاح . تنظرُ المشرفةُ إليها بقرفٍ : " هل انتهيتي ، ضعي الورقةَ في الملفِ ، ولا تعودي ، لا تنسي أخذَ أغراضَكِ من على البابِ " رحمةٌ والطريق ، الذي يملُؤُه الذعر ، في حالة من الاستنفارِ الصامتِ ، وكأنه فيلم مركّب من كل شئٍ ، إلا من صوتِ الأنينِ الذي كان يصرخ بصوتٍ : " كفوا عن اغتصابي " .. يمتزجُ العرق في فصلِ الصيفِ الحارِ ، الذي يتميزُ بإمتحاناتٍ تسبب الأرقَ لمدةِ ثلاثة أسابيعٍ ، وأحاديثًاً على الهاتفِ ، لمراجعةِ المادة الدراسية ، دونَ التأكيدِ على إجابةٍ واحدةٍ ، إلا بشكٍ فظيع ، بينَ زميلتينِ تُخفيانِ نوايا سيئة للأخرى . تراقبُ رحمة الطريق ، وهي تنظرُ إلى جهةِ الشارعِ المقابلِ ، ولكن ألا يوجد أي سياراتِ تاكسي ، هل ستنتظر طويلًا ، وهي تُحاول أن تبتعدَ عن فظاعةِ المشهد ، الذي تُقدمُ فيه امتحاناتِ الثانوية العامة ، ثم تُفاجأ بمجموعةِ ملثمين ، أقنعةٌ خضراءٌ وسوداءٌ على وجوهِهم ، ويمشونَ في صفٍ عريضٍ ، يحملونَ أسلحةً ثقيلةً ، كادت أن تقع على الأرضِ ، وهي تُحاول أن تتلاشى أمامهم ، وصوتٌ داخلَها ، لا يريد أن يتضح بالدموعِ والعرقِ ، وكلاهما واحدٌ في عينيها : يا الهي ، ماذا جرى ، لمَ كل هذا الكره ؟؟ أخيرًا ، جاءت سيارةُ تاكسي ، تلوحُ بأملِ الوصولِ الأسرعِ لمنزلِها ، ووجدتْ ركابَها بذيئين برائحةٍ كريهةٍ تملأُ المكانَ ، الصيفُ مزعجٌ في كل شئٍ ، ويلوّحُ أحدُ الركابِ بيديه خارجَ نافذةِ السيارةِ ، من سيحكم غزة الآن ؟؟ ويتحدثُ إلى كلِ سيارةٍ تمُر بالطريقِ ، وبعضُها كان مغطى بأعلامٍ خضراءٍ ، والآخر بأعلامِ فلسطين .. " سوف نختصرُ من هذه الطريقِ الملتويةِ "، يصرخُ السائقُ على أحدِ الشبانِ المعترضينِ ، " الطريقُ الرئيسيةُ مغلقةٌ ، كل كتائبِ القسامِ ، تحملُ أسلحَتَها في انتظارِ من يزعجها " . لمْ تستطع رحمة أن تسأل من كان في السيارةِ ، من ركابٍ مزعجين ، أو السائق بنبرتِه العصبيةِ ، التي تمارسُ نزقَ الصيف بخوفٍ - وهي تعلم أن أحدًا لن يجرؤ على إجابتها .. في الحارةِ الضيقةِ ، تصلُ رحمةٌ ، وهي تمشي بسرعةٍ ، ويحتكُ معطفُها الأسود ، بأطرافِ قدمها ، ليُصعّبَ عليها المشي بسرعةٍ ، لتصلَ البيت ، وتصرخ من شدةِ الخوفِ ، يا ترى ما الذي كان يمنعها من البكاءِ في الطريقِ ؟ ألأنها لا تريد منهم أن يسخروا منها وكأن وضعَ الطرقِ التي تحاصرها عصاباتٍ مسلحةٍ ، في أولِ أيام الانقساماتِ الداخليةِ ، هو صحيٌ ولا يدعو إلى القلقِ ، رغم شذوذِ كلَ المشهدِ عن عينِ الرائي . و دخلت إلى غرفتِها ، وهي لا تحاول أن تتركَ أي انطباعٍ عما قدّمته في امتحانِها ، ألا يكفِ أنها قدّمت الامتحانَ في ذلك الجوِ المرعبِ ، دون أن يراعي أحدًا أهميةَ هذه الفترةِ للطلبةِ الذينَ انتظروا هذا الصيفِ ليُقدِموا امتحاناتٍ ، تحددُ مستقبلَهم ، المنزوعَ الألوان ، إلا من أخضرِ ، أو أسودِ الجوِ ، تحدُده لهم ، عصاباتُ السلاح . كانت والدتُها سعيدةً بطريقةٍ غير منطقية ، وهي تهددُ ابنَها بأنَهُ اذا خرجَ عن طوعِها ، بأنها سوفَ ترسلُ لهذه العصاباتِ ليُلقّنوه درسًا في "بر الوالدين " ! فيضحك ابنُها خوفاً وتحدياً : " لا يستطيع أي أحدٍ أن يقترب مني "، ثم خرج من البابِ إلى الشارعِ وهو يصرخ : " حماس شيعة ، حماس شيعة " تسأله رحمة : " لماذا تقولون عنهم شيعة ؟؟ ما علاقة حماس بالشيعة ؟؟ " يصرخُ أخيها من غيظِه وهوَ متحدياً : " يعني كل الشيعة ( بدهم ) حرق " الوالدة تصرخ عليه : " ادخل إلى غرفتك ، يا كذاب حماس ما لها علاقة بالشيعة ، هذه افتراءاتُ من يكرههم من أتباع السلطة " تقررُ رحمةُ أن تدخلَ غرفتًها ، وترتاحُ من هذا الصراخِ ، هل يحرق أحدُهم الاطاراتِ ، كما اعتادوا أن يفعلوا عندَ بدءِ الانتفاضةِ الثانية ؟؟ وعندَ استشهادِ كلِ شهيدٍ ؟؟ حتى أنها لا تستطيع أن تخرجَ إلى شرفتِها ، فالهواءُ مسموم .. والسخرية تملأُ الجو الخائف ، وتتساءل بأسفٍ : من جعلنا نستعدُ لهذه الفوضى الخائفة ، سنواتٌ طويلةٌ من الفسادِ ، والفلتانُ الأمني ، و من ساعد وحوشَ الغابةِ على الانقضاضِ علينا .. انتشرت اللحى ، والذقونِ ، والأسلحةَ ، والحيواناتِ المنويةِ ؛ لتساعدَهم على نشرِ الخوفِ في فوضى المكانِ ، وأصبحت المدينةُ (غيتو) حمساوي ، و(غيتو ) فتحاوي ، وبعدَ قليلٍ انقسم كلُ (غيتو ) ، إلى بيتٍ مُؤيدٍ لا يتحدث عن انتمائِه ، وهم في العادةِ لا يَحقُ لهم التعبير عن أرائِهم لأنه " حرام " وهم " مؤمنين " ، والآخر هو بيتٌ قد تعرضَ فيه الأخُ ، أو الأبُ للضربِ ، وخاصًة إذا كان من المعارضينَ الصاخبينَ ؛ ليسمحَ لمن هم أقلَ رتبةً منهُ ، أن يشمتوا وهم يقولون : " الدنيا لا تترك أحداً من شرها !! " تنادي الوالدةُ رحمة ، بعد انقضاءِ شهر ونصف على الامتحاناتِ :" أعدي العصائر ، سيأتين صديقاتُ الجامع ؛ ليهنئوكي على النجاح " ، وتعد رحمة العصائر لصديقاتِ والدتِها ، ولا واحدةً منهنَ تعلمُ شيئًا عن توجيهي وعن الدراسة ، ولكنهنّ يحفظنّ القرءان ، وهنّ يرتدينَ النقابَ الأبيض أو السكري اللون ، وكفوفاً سوداءًا ، تغطي أيديهنّ ، ويسمح لهنّ الجامعُ بالاختلاط بنساءِ المنطقةِ ، والحديثِ عن الشريعةِ ، وعن الدعوةِ الاسلامية ، ويختلطُ الأمرُ فيصبح للجميعِ أصدقاءٌ من نساءِ جامعِ المنطقة . تخرجُ رحمةٌ - وهي تحملُ مشروباتِ النجاح - إلى والدتِها ، ثم تنظرُ إلى ساعتِها ، لقد تأخر أخوها ، فهو عادةً يعودُ بعد ليلتينِ من حراسةِ أرضِهم الصغيرةِ في المواصي ، ولكنَه لم يَعُد للآن ، والوالدةُ مشغولةٌ بجمعِ الهدايا ، التي جاءت على اسمِ مناسبةِ " النجاح في توجيهي " ، وتصلُها رسالةٌ على هاتفها الخليوي ، تُبلغُها أنّ أخيها سوفِ يصلُ في بدايةِ الاسبوعٍ القادمِ ، وتخرجُ لتُبلغَ والدتَها ، التي تحدثت إلى كل من يعرفوا ابنها ، أو خرجوا معه آخرَ مرةٍ كان متواجدًا في المنزل .. يُخبرُها جارُها ، والذي كان قد خرجَ من المشتلِ ، مُطَمئِنًا إياها : " لقد رسموا لي دائرةً على الرمل ، وأنا أقضي طيلة فترة الظهيرة الحارقة في تنظيف الشوارع ، عقابًا لي على طول لساني ، وقالوا لي ، وهو يشيرُ بأصابِعه بحركةٍ دائريةٍ : هيا اركب على الدراجة النارية ، ودُر فيها كما تشاء ، العلم الأخضر يزينها ، وجملة " لا اله الا الله " ، إلى أين تريد أن تأخذنا ؟؟ قال لهم : هيا .. اصعدوا معي .. ولكن في الواقع قد فضّلَ الشرطيُ الحمساويُ ، وذقنَه المركبة حولَ و أسفلَ وجهِه ، أن يترك المقعدَ الخلفي لكلِ الشعبِ الغزي ؛ ليَدُوروا على الدراجةِ الناريةِ ، تحتَ الشمسِ الحارقةِ ، ولمدةِ أكثر من خمس سنوات ..
#سونيا_ابراهيم (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
غزة , والكبت الحصاري الذي تفرضه ثقافة حماس هو -انحصاري-
-
عرض من القضبان المغتصبة .. و لا خيار للحب
-
أذكروا محاسن موتاكم
-
من حق المراة في الامتناع : معا ضد ختان الذكور
المزيد.....
-
معاناة الصحفيين في فلسطين ولبنان.. في اليوم العالمي لحرية ال
...
-
مؤسسات الأسرى: 180 حالة اعتقال واحتجاز سُجلت بين صفوف الصحفي
...
-
بسبب المجاعة: وفاة طفلة في مدينة غزة
-
المقررة الأممية المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية:
...
-
منظمة التعاون الإسلامي تقدم مرافعة أمام محكمة العدل الدولية
...
-
المجلس النرويجي للاجئين: إسرائيل تقضي على فرص الفلسطينيين في
...
-
وفاة طفلة في مدينة غزة بسبب المجاعة والجفاف
-
حماس تطالب بالإفراج الفوري عن جميع الصحفيين المعتقلين في سجو
...
-
سفير باكستان لدى الامم المتحدة: شعبا كشمير وفلسطين حرما من ح
...
-
بمناسبة اليوم العالمي للصحافة: دولة الاحتلال العدو رقم واحد
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|