أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي أحماد - نص قصصي : طلسم الفحولة















المزيد.....

نص قصصي : طلسم الفحولة


علي أحماد

الحوار المتمدن-العدد: 3781 - 2012 / 7 / 7 - 16:41
المحور: الادب والفن
    


أرافقه لأشبع فضولا يسكنني رغم أني أكره أن ألقى الفقيه ، جارنا القديم ، قبل أن يجود عليه الزمان وتزدهر حرفته ويتخذ له سكنا فخما بدل غرفتين من الطين، سقفهما أعواد وقش تحت هضبة صخرية تحاذي الغابة،لاماء . لاكهرباء ولاكنيف أيضا . تراه يتأبط محفظة جلدية قديمة..كثير الأسفار والتنقل عرف بين الناس ببوالزيت ، غطت سيرته كل الآفاق. اتهمه البعض بالدجل والشعوذة ، واعترف له آخرون بالقدرة على استحضار الشياطين، لهذا استعانوا به علي قضاء مآرب مختلفة. وجاؤوه من كل فج عميق.لاأقوى على مجاراته في خطواته الحثيثة ولسانه في فمه لايكف عن الثرثرة..أوهكذا بدا لي أنا الصامت.أحس ساقاي واهنتين، أسير بخطى متثاقلة ومتعثرة..لعل الهم الذي يجثم على صدره هو ما جعله متوترا وعلى عجل. أوقعنا طرقا خفيفا على الباب ورجعنا القهقرى خجلا واحتراما.تفتحه، بعد برهة، غادة لاتخطىء العين حلاوتها. تعلو وجهها ابتسامة يفتح لها الثغر المدور عن أسنان بيضاء ناصعة كحبات الأرز.رشيقة القوام ، بيضاء البشرة يخالطها احمرار الشقراوات..عيون خضراء تستفز الرائي.بادلتنا التحية في خفر العذراء ثم نادت على أبيها تستأذنه في دخولنا عليه كأنها حاجب على الباب . اختلست النظر إليها ونبض قلبي بين تجاويف القفص الصدري كمنبه الساعة ، أما هي فقابلت نظراتي بلامبالاة زادت من تأجج النار بداخلي.. وما نفع النظر مادام لن يشفي الغليل! تأخرت قليلا وغلقت الباب وراءنا. يصلنا صوت الفقيه مدويا كأنه هدير الرعد يحثنا على الدخول وعدم الاستحياء.نزعنا أحذيتنا في ركن من فناء الدار المزين بالفسيفساء.
وجدناه يجلس بغرفة مفروشة بزرابي حمراء من صنع محلي.. يفترش جلد خروف بيضاء صوفه كندف الثلج. أمامه ،على طبق مزركش، مخطوط قديم تناثرت أوراقه الصفراء..قلم.. دواة بها صمغ وسبحة زرقاء تتلألأ حباتها وهجا من شدة صفائها ونقاوتها. يضع على رأسه طاقية ناصعة البياض وعليه جبة بهت لونها الأزرق..علامات التردد والحيرة بادية على وجوهنا .. الجو كئيب ومهيب يزيده الصمت المطبق حولنا حدة، لعله تعمد الصمت ليطلع على خفايا قلوبنا ونوايانا الدفينة ويترك لنا فرصة لعلنا نبوح بمقصودنا وما يدفعنا لزيارته وطلب معونته..وتنحل عقدة من لساننا يفقه قولنا. بدأ بكلمات كالهمس يلامس أطراف الموضوع ويلملم شذراته المتناثرة ، فقال إنهن صواحبات يوسف ، وسجن الجدران أهون مما أنت فيه وهل للرجل إلا فحولته....كأني به قد اطلع على الغيب !أضاف وعينه لاتفارق الكتاب الأصفر لاتقلق فلن تبرح المكان حتى تتحسس المتلاشي بين ساقيك وقد دب فيه دفق الحياة .أخذ القلم وحركه بين أنامله ثم غمسه في الصمغ ورجه رجا بعد أن أخرجه من الدواة،وعلى ورقة صغيرة الحجم مربعة الشكل، بمهارة وخفة،خط خطوطا تتلاشى وتتنافر لتلتقي أخيرا حروفا بارزة عربية الشكل، ولكن لامعنى لها لمثلي.طوى الورقة طيا حتى صغر حجمها.مدها إليه آمرا إياه أن يضعها بين ثنايا ملابسه ، إن خجل أن يعلقها رمة في عنفه .بيد مرتعشة ،نصف مغلقة ، مد له ورقة نقدية ، أمسك بها مطبقا عليها راحة اليد ليدسها في فتحة جيب جلبابه ،دون أن ينظر إليها ،وهو يتمتم بكلمات ملتبسة.أي مشقة لاقيناها ليحصل على حرز، أتساءل كيف يعيد إليه رجولته التي اختزلها في عضو وما يقض مضجعه قد يكون نفسيا لايحتاج الى جدول الفقيه. قبل أن نغادر الغرفة تحسست مابين رجلاي أتلمس ذلك الراقد بينهما لأبدد قلقا يلازمني منذ وطأت قدماي هذا البيت . لم يشيعنا الفقيه فهو لايكاد يبرح مكانه ولم يقدم لنا حق الضيافة ، وهل يفعل أمثاله والناس طابور ينتظرون الدخول عليه! ونحن خارج الدار تنفسنا الصعداء.
أي قوة خفية يسخرها الفقيه لتعيد الطمأنينة الى قلب الزائر وتنقشع غيوم اليأس في سواكنه والقنط وتنفرج كربته ..عبرنا الحقول المتاخمة للطريق الإسفلتي ووقائع الزيارة تتراقص أمامي كشريط مصور، تتوالى مسرعة حينا وتضمحل مشوشة حينا آخر.أي غواية مورست عليه ليثق بفقيه ساحر، أم هي الضرورة والمريض يتشبث بقشة كالغريق، فما أشد فاجعة شاب وسيم ، متورد الوجنتين كفاكهة المشمش يتشظى شظايا متناثرة كالمرآة المنكسرة! ونحن نقترب من الحي الذي ترعرت ونشأت به تثاقلت خطواتي . اسير منحني الهامة ،خجولا ، أتصفد عرقا ينساب بين ثنايا تجاعيد الجبين وينجرف نحو محجري العيون..أستند الى الجدران المتربة المتآكلة للبيوت المرصوصة جنبا الى جنب في أعلى هضبة عالية تطل على واد أوضاض ، والحقول تزين جنباته يزحف عليها الإسمنت ، دون خشية فيضان الواد وما يجرفه من أحجار ،صخور وطمي يطمر معالمها وحدودها.اتخذ القادمون من الجبال والهوامش بيوتا لهم بالحي، تكاثرت كالفطريات ..وما البيت إلا قبر الدنيا بعده الموت ولو كان برجا، يقول أبي دائما وهو الذي لايحب الزخرف ، بريق العيش الزائل ولايغريه ترف العيش. القانع برزقه ولو كان فتاتا. أزقة الحي ضيقة..شبابيك البيوت صغيرة..اهترأ خشب الأبواب وصدأت منها الدسر.. تناسلت البيوت في غفلة أعين السلطة ،أوأدفأت الرشاوى جيوبهم فجعلت على عيونهم غشاوة ...أتحاشى نظرات من ألقاهم لأني عندهم طيب ومهذب ، وإذا بي أجول بحثا عن ماخور، عند بائعات الهوى يجرب صديقي رجولة يطمع في استردادها . انتهينا الى دار مشرع بابها عبر أدراج حفرت على تربة الهضبة، تحجب ما بداخله ستارة مسدلة بالية...أطلت من فتحة الستارة أمرأة رحبت به وثغرها باسم، عربون مودة بينهما. فارعة الطول وبارزة النهدين ،عليها ثياب متواضعة.التصقت بالجدار خجلا..بدأت طرقات القلب يسمع وجيبها. أجالت الباطرونة بصرها عبر الزقاق بحثا عن عين متلصصة أو فضولية ، إلى أن تأكدت من خلو المكان من المارة، فأشارت علينا بالدخول. يتوسط البيت فناء صغير...الجدران مطلية بالجير الأبيض ليعكس نور الحبابة. سمعت صرير باب يفتح من خلاله يظهر رجلا يتلصص ويسترق السمع، غير مبال.. مكورا على كرسي متحرك.. شاحب الوجه...تختلط الحمرة ببياض العين، مما يوحي بشراسته ..السيجارة في فمه جمرة متقدة تكاد تحرق شاربه الكث .ينفث دخانا كثيفا يخرج من منخريه وهو منتش ومزهو..أدمى الروح مني رؤيا الدموع تنهمر من مقلتيه وتندلق على خديه حارقة يكففها باصابع اليد المرتعشة السقيمة. تبادلنا النظرات وهو منكسرالخاطر.. شرارة تنغرس في جسدي كسهام مسمومة تنفلت من عينيه الجاحظتين ..أكره من يستدر عطف الناس وشفقتهم .لعنت، في قرارة نفسي، ظروف الحياة! رجل يستكين ويستلذ العيش من عرق النساء وبذلهن أجسادهن مكرهات . لأتحاشى نظراته الجارحة تبعتهما .. لم يكترثا بالجالس على الكرسي وراء الستارة.هل الفه الزبناء واعتادوا وجوده؟أتخذت مكانا قصيا وسط غرفة تؤمها نسوة قهقاهتن تغرق الغرفة في صخب شديد..بينهن أرى خديجة..بياض البشرة..طول القامة..اكتناز الردفين والعجيزة...إمتلاء الثديين واتساع العينين وسوادهن الفاحم والبسمة ترسم ثقوب الجمال على الخدين كعهدي بها يوم التقيتها ببيت صديق بالجنوب متجولة منذورة لبيع الهوى ..الغرفة متواضعة الفراش تعبق برائحة السجائر والعرق ، ورغم ذلك فقد أضفى عليها وجودهن مسحة من المرح وخفة الدم نسي بينهن همه وانغمس بكل جوارحه في المشهد. قدمن لنا كأس شاي، سيكلفنا ثمن قنينة خمر أويزيد.ثمن صحبة النساء وقد نزعن عنهن لباس الحياء. ظللت صامتا أتفرسهن وجها وجها وأتساءل ماحملهن على ما هن فيه.إنها منذ كانت صغيرة وأمها بالحقول يراودها أبوها ويجبرها على معاشرته ، وأمام صمت الأم وجبروت الأب تركت البيت وتلقفتها الشوارع ودور البغاء.تقول خديجة؛ وقد تغزل صديقي بجسدها الممشوق وامتلاء ردفيها وعجيزتها . عادت صورة الرجل توخز ضميري وتمار س علي عنفا رمزيا تتقطع معه الأنفاس وأراه شبحايطل من كل ركن في البيت وشردت أفكر به..أهي لعبة العيش التي لاترحم، اهو العجز ، ألجمه وأخرس لسانه وقتلت قلة الحيلة وذات اليد فيه النخوة والشهامة،و للزوجة تفتح وكرا للرذيلة يذعن . وهل مهنة كالبغاء تدر مالا وافرا ! لطعم الشاي في فمي مرارة العلقم.ضاقت بي الحجرة ضيقا يكتم الأنفاس ..لاصراخ ، إنما هو النحيب والحشرجة، ووجود الرجل خلف الستارة مفاجىء ومستفز، وبكاؤه كالنسوة تتقزز منه النفس ويبعث على الغثيان.أي آلام تعتصر قلبه وتجرح مشاعره..أي مأساة يجترحها صامتا كالأخرس، ضعيفا يتلذذ بمنظر النساء وهن يتأوهن لذة ،والرجال تخور قواهم ويسمع لهم شخير النائم...هل فقد رجولته واكتفى بالتلصص كمتعة تعوضه مشقة النزال... هل الف تفرس وجوه الزبائن أم يستجدي عطفهم ويخاطب ضمائرهم. استصغر نفسي وأنا أرتاد هذا الماخور...غادرناه وهو منشرح الصدرباسم الثغر......
بوضرين علي ميدلت صيف 2000



#علي_أحماد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- النبش في تعيين أحمد كيكيش
- خطاب الى السيد النائب


المزيد.....




- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي أحماد - نص قصصي : طلسم الفحولة