أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إلهام مانع - الإنسان فينا هو خلاصنا!















المزيد.....

الإنسان فينا هو خلاصنا!


إلهام مانع
إستاذة العلوم السياسية بجامعة زيوريخ


الحوار المتمدن-العدد: 3779 - 2012 / 7 / 5 - 15:56
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أعطتني بائعة التذاكر... تذكرة!
الكمبيوتر أمامها. هو من يقرر أية تذكرة!
جاءت على لوني: ملونة!
جاءت محددة: ليست بيضاء!
وعلى حسب التذكرة، دخلت إلى متحف التمييز العنصري في جوهانسبرغ، جنوب إفريقيا.
وعلى حسب التذكرة انفصلت عن زميلتي وصديقتي، تلك التي اعتبرتها تذكرتها "أوروبية".
عرق أخر، عرق أبيض. بيضاء.
وهي اضطرت لذلك، ممتعضة، إلى الدخول من ممر أخر. ممر البيض!
ومعي كانت زميلة، أوروبية بيضاء، لكن تذكرتها تقول إنها ملونة! ملونة، غير بيضاء. مثلي. ملونة.
عرقها ادنى؟
في الممر المخصص للملونين، احسست بمعنى التمييز. قرصني، وكاد أن ينهشني.
هناك تبدت منصات ولافتات وصور.
حمامات للملونين، حمامات للبيض، سلالم للملونين، سلالم للبيض. مطاعم للملونين، مطاعم للبيض. كل شيء له لون. الحياة مقسمة على حسب اللون. ومع كل لون يختلف القدر في تراتب هرمي!
أن تكون ملوناً. أسود البشرة، اسمر البشرة. إفريقي، آسيوي، عربي... أن تكون غير أوروبي... يعني أن تكون مقصياً عن الحياة. لا تدخل حيث يدخل الأبيض. لا تأكلي حيث تأكل البيضاء.
ولا تزاوج.
أي زواج؟ بين أبيض وسوداء؟ سمراء وأبيض؟ هل نهرج هنا؟ الحياة مقسمة على حسب اللون، ومن تقاسمه الفراش هو جزء من هذه الحياة.
والفراش لا يعترف بالألوان. في الواقع لا يعترف بأي تقسيم كان. لكنه ظل ملوناً في انقسامه في تلك الفترة في جنوب إفريقيا.
مقصياً، منفية ًمن الحياة! حياة البيض.
------
تمييز ممنهج ضد السود والملونين: نظام كامل، أصبح سياسة دولة عام 1948 ، قام على إقصاءهم وهن من السياسية ومن الاقتصاد.
نظام كامل قام على تهميشهم وهن، واستغلالهن كعمالة رخيصة، ثم عدم إتاحة التعليم لهم ولهن. لأن "الأسود لا يحتاج إلا إلى تعليم يتناسب مع مقدراته"! هكذا قالوا حينها. ومقدراتها على حسب تعريف نظام التمييز العنصري كانت "محدودة". أليس لونه ولونها أسود؟
أسود، ملون!
بشرةٌ لونها يختلف، ونظام دولة كامل يقوم على إقصاء هذا الفرد لا لشيء إلا لأن الله خلقه بلون الأبنوس!
والنظام يحمي بالطبع مصالح اقتصادية، وعنصرية أقلية تصر أنها متفوقة، لا لشيء إلا لأن بشرتها بيضاء.
-----
أبيض، اسود، أسمر، اصفر، إنسان.
اليس كذلك؟
رجل، امرأة، إنسان.
اليس كذلك؟
-----
لم يكن غريباً أن يستخدم هذا النظام تفسيرات دينية لبقاءه.
لم يكن غريباً.
ووجدت نفسي اتنهد "آه" بصوت مرتفع. ثم قلت لنفسي مؤكدة "بالطبع".
قلت ذلك عندما قرأت داخل المتحف عن تفسيرات دينية كاملة للإنجيل الكريم تبرر التمييز ضد الإنسان عندما يكون ملوناً!
التمييز دائما ما نبرره بالدين!
أياً كان هذا الدين!
ولذا كان طبيعياً أن يعتمد ذلك النظام على تفسيرات دينية تقول له وللعالم من حوله إن ما يفعله "يريده الله". ما يفعله هو "تطبيق لإرادة الله على الأرض".
كان طبيعياً لأن مصلحة المؤسسة الدينية في الدول المستبدة المنتهكة لحقوق الإنسان تبدو عادة متسقة مع مصالح النخبة السياسية المسيطرة على الاقتصاد.
في جنوب إفريقيا، حينها، ولدينا اليوم.
الم تلاحظوا ذلك؟ لابد أنكن قد لاحظتن ذلك؟
ثم قلت لنفسي، "أكيد!"
قلت ذلك عندما قرأت عن الحركة الدينية التي انبثقت ضمن الكنيسة في جنوب إفريقيا، من رجال دين بيض في الواقع، تحدت تلك التفسيرات "العنصرية"، وأًصرت أنه لا علاقة لها بالدين المسيحي. وعندما قدمت الأساس الديني لرفض التمييز العنصري، ثم بدأت الأغلبية السوداء تدرك مدى اعتماد اقتصاد الدولة عليها، اصبحت ايام ذلك النظام معدودة. انتهى رسمياً وسياسياً عام 1994.
-----
أبيض، اسود، أسمر، اصفر، إنسان.
اليس كذلك؟
رجل، امرأة، إنسان.
اليس كذلك؟
مسلم، مسيحي، يهودي، بهائي، أحمدي، درزي، علوي، بوذي، هندوسي، ملحد، إنسان أيضاً.
ام ستعترضون هنا؟
-----
من صمم المتحف عرف كيف يغرسنا غرساً في نظام التمييز العنصري. أخرجنا من واقعنا، وجعلنا ندرك ما يعنيه أن يرتبط مصيرنا بلون بشرتنا.
في منتصف المتحف، أجهشت في البكاء. لم أتمالك دموعي. تنهمر وعيوني مبعثرة بين بصمات التمييز والقهر.
كل ما حولي يشير إلى الماضي. بيد ان الماضي ينسل منه الحاضر دوماً، والحاضر نعيش فيه التمييز. يظل باقياً ما بقي الإنسان.
كم من إنسان أهنته اليوم؟ بسبب لون بشرته؟ بسبب دينه؟ بسبب جنسه؟ بسبب فقره؟ بسبب إختلافه؟ ثم بسبب ضعفه؟
بكيت الإنسان فينا.
كل ما حولي ذكرني من جديد بما عرفته منذ زمان بعيد.
بالوحش الذي يربض فينا. في الإنسان.
الوحش فينا الذي لا يجد غضاضة في قهر غيره من البشر. ثم يبرر ما يفعله. ويقول "بل الله يريد!".
ذلك الوحش عرفته منذ زمان. رأيته والتمييز في كل مكان ارتحلت إليه. وأنا ارتحلت كثيراً. رأيته والألم في كل جزء من المعمورة. رأيته في الإنسان أياً كان لونه. أياً كان دينه. أياً كان جنسه.
ولأني عرفته منذ زمان، ولأني رأيته في الإنسان أياً كان، أدركت منذ زمان ما يجمعنا نحن البشر في المعمورة.
أدركت أن الإنسان فينا هو خلاصنا.
الإنسان فينا هو خلاصنا.
نبحث عنه فينا، في كل مكان، في كل مجتمع، في كل دين، وفي كل ثقافة، نُخرجه من حنايا روحنا وضميرنا، كي نقاوم ذلك الوحش فينا.
ثم نبعثه إلى الحياة كي ندحر التمييز. كي نخلق مجتمعاً تُحترم فيه كرامة هذا الإنسان، ليسعد فيه. كي نخلق مجتمعاً حراً.
ولم اعرف مجتمعاً حراً لم يطبق قولا وفعلاً مضمون عبارة واحدة: "يولد جميع الناس أحراراً متساوين في الكرامة والحقوق".
-----
نولد احراراً متساوين في الكرامة والحقوق، أياً كان لوننا، أياً كان جنسنا، أياً كان ديننا.
------
عندما خرجت من المتحف كنت اختنق.
ابحث عن الهواء.
أريد أن اتنفس.
تحسست روحي، اتأكد أنها لازالت في موضعها. لم تنفر إلى السماء فزعاً من التمييز.
بين اصابعي تذكرة.
جاءت كلوني: ملونة.
مكتوب عليها: ملونة.
كالإنسان: ملونة.
نبهتني.
ذكرتني بذلك الوحش الرابض في نفوسنا.
نبدأ في قهره عندما نتعلم كيف نحب الإنسان ملوناً متنوعاً مختلفاً.



#إلهام_مانع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا لمرسي، و نعم لشفيق، رغم أنفه!
- -أنا لم أختر أن أكون مسلماً كي أترك الإسلام!-
- حول التمييز ضد المسلمين في اوروبا - رسالة مفتوحة إلى منظمة ا ...
- أطلقوا سراح الناشط السعودي محمد البجادي!
- نصوصنا السماوية نحترمها... لكنها بشرية 4
- اي دستور ياصاح؟
- نصوصنا السماوية نحترمها...لكنها بشرية 3
- نصوصنا السماوية نحترمها... لكنها بشرية 2
- نصوصنا السماوية نحترمها... لكنها بشرية 1
- أحلامنا .... نحن من يحققها
- حرية بدون -ولكن-!
- إنسان حر 15
- للمرة الألف، الهوية إنسان! (14)
- إسلامٌ -جديد-
- يوم دفنت أبي... مع أخي
- أخلعي الحجاب!
- الهوية إنسان 12 (ب)
- الهوية إنسان 12 (أ)
- كيف أؤمن بالله؟
- مواطنون لا ذميون 10


المزيد.....




- بتدوينة عن حال العالم العربي.. رغد صدام حسين: رؤية والدي سبق ...
- وزير الخارجية السعودي: الجهود الدولية لوقف إطلاق النار في غز ...
- صواريخ صدام ومسيرات إيران: ما الفرق بين هجمات 1991 و2024 ضد ...
- وزير الطاقة الإسرائيلي من دبي: أثبتت أحداث الأسابيع الماضية ...
- -بعضها مخيف للغاية-.. مسؤول أمريكي: أي تطور جديد بين إسرائيل ...
- السفارة الروسية في باريس: لم نتلق دعوة لحضور الاحتفال بذكرى ...
- أردوغان يحمل نتنياهو المسؤولية عن تصعيد التوتر في الشرق الأو ...
- سلطنة عمان.. مشاهد تحبس الأنفاس لإنقاذ عالقين وسط السيول وار ...
- -سي إن إن-: الولايات المتحدة قد تختلف مع إسرائيل إذا قررت ال ...
- مجلة -نيوزويك- تكشف عن مصير المحتمل لـ-عاصمة أوكرانيا الثاني ...


المزيد.....

- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل
- شئ ما عن ألأخلاق / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إلهام مانع - الإنسان فينا هو خلاصنا!