أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى ساهي - حفار القبور















المزيد.....

حفار القبور


مصطفى ساهي

الحوار المتمدن-العدد: 3768 - 2012 / 6 / 24 - 09:42
المحور: الادب والفن
    


في وادي ظل الحياة المرصوف بالعظام والجماجم ، سرت وحيداً في ليلة حجب الضباب نجومها وخامر الهول سكينتها .

هناك على ضفاف نهر الدماء والدموع المنساب كالحية الرقطاء ، المتراكض كأحلام المجرمين ، وقفت مصغياً لهمس الاشباح ، محدقاً باللاشيء .

ولما انتصف الليل وقد خرجت مواكب الارواح من اوكارها ، سمعت وقع اقدام ثقيلة تقترب مني ، فألتفت فاذا بشبح جبار مهيب منتصب امامي ، فصرخت مذعوراً ( ماذا تريد مني ؟ ) .

فنظر الي بعينين مشعشعتين كالمسارج ثم اجاب بهدوء ( لا اريد شيء واريد كل شيء )
قلت : دعني وشأني وسر في سبيلك .

فقال مبتسماً : ما سبيلي سوى سبيلك فأنا سائر حيث تسير ورابط حيث تربض .
قلت : جئت اطلب الوحدة فخلني ووحدتي .

فقال : انا الوحدة نفسها فلماذا تخافني ؟
قلت : لست بخائف منك .

فقال : ان لم تكن خائف مني فلماذا ترتجف مثل قصبة امام الريح .
قلت : ان الهواء يتلاعب بأثوابي فترتجف اما انا فلا ارتجف .

فضحك مقهقهاً بصوت يضارع ضجيج العاصفة ثم قال : انت جبان تخافني وتخاف اني تخافني ، فخوفك مزدوج ولكنك تحاول اخفاءه عني وراء خداع اوهى من خيوط العنكبوت فتضحكني وتُغيضني .

ثم جلس على الصخرة فجلست قسر ارادتي محدقاً بملامحه المهيبة .
وبعد هنيهة خلتها الف عام نظر الي مستهزئاً وسألني قائلاً : ما اسمك ؟

قلت : اسمي عبد الله .
فقال : ما اكثر عبيد الله وما اعظم متاعب الله بعبيده ، فهلا دعوت نفسك سيد الشيطان واضفت بذلك الى مصائب الشيطان مصيبة جديدة .

قلت : اسمي عبد الله وهو اسم عزيز اعطاني اياه والدي يوم ولادتي فلن ابدله بأسم اخر .
فقال : ان بلية الابناء في هبات الاباء ، ومن لا يحرم نفسه من عطايا ابائه واجداده يظل عبد الاموات حتى يصير من الاموات .

فحنيت رأسي مفكراً بكلماته ، مسترجعاً الى حافظتي رسوم احلام شبيهة بحقيقته ، ثم عاد وسألني قائلاً ( وما صناعتك ؟ ).
قلت : انظم الشعر وانثره ولي في الحياة اراء اطرحها على الناس .

فقال : هذه مهنة عتيقة مهجورة لاتنفع الناس ولا تضرهم .
فقلت : وماذا عسى ان افعل بأيامي وليالي لانفع الناس ؟

فقال : اتخذ حفر القبور صناعة تريح الاحياء من جثث الاموات المكردسة حول منازلهم ومحاكمهم ومعابدهم.
قلت : لم ار قط جثث الاموات مكردسة حول المنازل .

قال : انكَ تنظر بعين الوهم فترى الناس يرتعشون امام عاصفة الحياة فتظنهم احياء وهم اموات منذ الولادة ولكنهم لم يجدوا من يدفنهم فظلوا متطرحين فوق الثرى ورائحة النتن تنبعث منهم .

قلت وقد ذهب عني بعض الوجل ( وكيف اميز بين الحي والميت وكلاهما يرتعش امام العاصفة ؟ )
قال : ان الميت يرتعش امام العاصفة اما الحي فيسير معها راكضاً ولا يقف الا بوقوفها .

واتكأ اذ ذاك على ساعده فبانت عضلاته المحبوكة كأصول سنديانه مملؤة بالعزم والحياة ثم سألني قائلاً ( امتزوج انت ؟ )
قلت : نعم وزوجتي امرأة حسناء وانا كلف بها .
فقال : ما اكثر ذنوبك ومساوئك ، انما الزواج عبودية الانسان لقوة الاستمرار فأن شئت ان تتحرر طلق امرأتك وعش خالياً .
قلت : لي ثلاثة اولاد كبيرهم يلعب بالاكر وصغيرهم يلوك الكلام ولا يلفظه فماذا افعل بهم ؟ .
فقال : علمهم حفر القبور ، واعط كل واحد رفشاً ثم دعهم وشانهم .

قلت : ليس لي طاقة على الوحدة والانفراد فقد تعودت لذة العيش بين زوجتي وصغاري فأن تركتهم تركتني السعادة .
فقال : وما حياة المرء بين زوجته واولاده سوى شقاءاسود مستتر وراء طلاء ابيض ، ولكن ان كان لابد من الزواج فأقترن بصبية من بنات الجن .

قلت مستغرباً : ليس للجن حقيقة فلماذا تخدعني ؟ .
فقال : ما اغباك فتى - ليس لغير الجن حقيقة ومن لم يكن من الجن كان في عالم الريب والالتباس .
قلت : وهل لصبايا الجن ظرف وجمال ؟
فقال : لهن ظرف لايزول وجمال لا يذبل .
قلت : ارني جنية واقتنع .
فقال : لو كان بأمكانك ان ترى الجنية وتلمسها لما اشرت عليك بزواجها .

قلت : وما النفع من زوجة لاتُرى ولا تُلمس ؟
فقال : هو نفعٌ بطيء ينتج عنه انقراض المخاليق والاموات الذين يختلجون امام العاصفة ولايسيرون معها .
وحول وجهه عني دقيقة ثم عاد وسألني قائلاً (وما دينك ؟).
قلت : اؤمن بالله واكرم انبياءه واحب الفضيلة ولي رجاء بالاخرة .

فقال : هذه الفاظ رتبتها الاجيال الغابرة ثم وضعها الاقتباس بين شفتيك ، اما الحقيقة المجردة فهي انكَ لا تؤمن

بغير نفسك ولاتكرم سواها ولاتهوى غير اميالها ولا رجاء لك الا بخلودها ، منذ البدء والانسان يعبد نفسه ولكنه

يلقبها بأسماء مختلفة بأختلاف امياله وامانيه فتاره يدعوها البعل وطوراً المشتري واخرى الله .

ومرت دقيقة وانا افكر بأقواله فاجد فيها معاني اغرب من الحياة واهول من الموت واعمق من الحقيقة ، حتى اذا

ما تهاهت فكرتي بين مظاهره ومزاياه ، وهاجت اميالي لاستعلان اسراره وخفاياه ، صرخت قائلاً (ان كان لك رب فبربك قل لي من انت ؟)
فقال : انا رب نفسي .
فقلت : وما اسمك ؟
قال : الاله المجنون .
فقلت : واين ولدت ؟
قال : في كل مكان .
فقلت : واي متى ولدت ؟
قال : في كل زمان .

فقلت : ممن تعلمت الحكمة ، ومن ذا الذي باح لكَ بأسرار الحياة وبواطن الوجود ؟

قال : لستُ بحكيم ، فالحكمة صفة من صفات البشر الضعفاء بل انا مجنون قوى اسير فتميد الارض تحت قدمي واقف

فتقف معي مواكب النجوم ، وقد تعلمت الاستهزاء بالبشر من الابالسة ، وفهمت اسرار الوجود والعدم بعد ان عاشرت

ملوك الجن ورافقت جبابرة الارض .

فقلت : وماذا تفعل في هذه الاودية الوعرة وكيف تصرف ايامك ولياليك ؟

قال : في الصباح اجدف على الشمس ، وعند الظهيرة العن البشر ، وفي المساء اسخر بالطبيعة ، وفي الليل اركع امام نفسي واعبدها .

فقلت وماذا تأكل وماذا تشرب واين تنام ؟

قال : انا والزمن والبحر لاننام ، ولكننا ناكل اجساد البشر ونشرب دماءهم ونتحلى بلهاتهم .

وانتصب اذا ذاك مكبلاً ذراعيه على صدره ثم احدق بعيني وقال بصوت عميق هادئ ( الى اللقاء فأنا ذاهب الى حيث

تلتئم الغيلان والجبابرة .

فهتفت قائلاً : امهلني دقيقة في سؤال اخر .

فأجاب وقد انحجب بعض قامته بضباب الليل ( ان الالهة المجانين لا يمهلون احداً فالى اللقاء .

واختفى عن بصري وراء بصائر الدجى وتركني خائفاً طائشاً محتاراً به وبنفسي . ولما حولت قدمي عن ذلك المكان

سمعت صوته متموجاً بين تلك الصخور الباسقة قائلاً ( الى اللقاء الى اللقاء )

جبران خليل جبران - العواصف



#مصطفى_ساهي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شجاعة العقل
- التوافق النفسي الاجتماعي لدى التلاميذ الماعقين جسمياً


المزيد.....




- -المدينة ذات الأسوار الغامضة- رحلة موراكامي إلى الحدود الضبا ...
- مسرحية ترامب المذهلة
- مسرحية كوميدية عن العراق تعرض على مسارح شيكاغو
- بغداد تمنح 30 مليون دينار لـ 6 أفلام صنعها الشباب
- كيف عمّق فيلم -الحراس الخالدون 2- أزمة أبطاله بدلا من إنقاذه ...
- فشل محاولة إقصاء أيمن عودة ومخاوف استهداف التمثيل العربي بال ...
- “أخيراً جميع الحلقات” موعد عرض الحلقة 195 من مسلسل المؤسس عث ...
- سرقة موسيقى غير منشورة لبيونسيه من سيارة مستأجرة لمصمم رقصات ...
- إضاءة على أدب -اليوتوبيا-.. مسرحية الإنسان الآلي نموذجا
- كأنها خرجت من فيلم خيالي..مصري يوثق بوابة جليدية قبل زوالها ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مصطفى ساهي - حفار القبور