أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي داخل فرج - عبق المكان الشعري: قراءة في (ديوان طنجة)* لسعدي يوسف














المزيد.....

عبق المكان الشعري: قراءة في (ديوان طنجة)* لسعدي يوسف


علي داخل فرج

الحوار المتمدن-العدد: 3758 - 2012 / 6 / 14 - 23:40
المحور: الادب والفن
    


الاحتفاء بالمكان أو لنقل تشعيرهُ سمة لا يُخطئها من يقرأ شعر سعدي يوسف، ولا سيما في دواوينه الأخيرة، فالشاعر المذكور ما زال ينتزع صوره من محيطه المكاني، وما زالت البيئة المكانية تشكل رافدا من روافد الصورة عنده( 1). وربما تشهد قراءة في (ديوان طنجة) الصادر عام 2012م على صحة ما ذهبنا إليه، فالمتلقي يستطيع بسهولة أنْ يرصد المكان، وأثر المكان في قصائد الديوان، وفي عدد من عنواناتها التي هي أسماء لأماكن بمرجعيات مختلفة (مدن، حانات، فنادق، مقاهٍ، حدائق، سماوات، أنهار...). والمكان في (ديوان طنجة)، وفي شعر سعدي يوسف بعامة، حمَّالُ أوجهٍ ووجوهٍ تُطلّ منها أزمنةٌ وشخوصٌ وأحداثٌ وذكريات، وهو يتلوَّن ويتأثثُ بأدواتٍ شعريةٍ خالصة، يتّسع مرةً، ويضيق أخرى، بل هو يتأنسن ليحاور القارئ، ويشاكسه، وربما يخادعه ويراوغه ليلتبس عليه الواقع ويكتسي صورة حلمية هي عينها صورة طنجة (الحلم) التي استيقظت في أولى قصائد الديوان التي وسمها الشاعر باسم المدينة نفسه، فكانت أغنية الشاعر- البحّار الذي يبحر مبتعدا عن (سمائه الأولى):
طنجةُ تستيقظ/ لستُ أنا من يوقظ طنجةَ../ من قالَ الحلمُ ينام؟/ ........../ طنجةُ سيدةُ الأنوار السبعة / أغنيةُ البحّار!
وطنجة- الحلم التي استيقظت في هذه القصيدة تتماهى بـ(عائشة) في قصيدة (وشم القرنفل):
أنتِ عائشةُ الجميلةُ/ لا تقولي، الآنَ، شيئاً!/ واترُكي لي قُدْسَ هذي اللحظةِ.../ اتَّـرِكي على شفتَيَّ وشماً من قرنفلةٍ ووردٍ/ ثـمّ نامي.
وفضلا عن وجه عائشة تطل علينا في قصائد الديوان وجوه أخرى ، وجوه لفنانين وشعراء وأدباء وأناس عاديين احتضنتهم - يوما ما- جنبات المكان وبقي في ذاكرتها شيء منهم يروي قصة عشق، أو لقاء عابر، أو قصة ضياع أو تشرد لا يبوح المكان بسرها الا لشاعر أو فنان، وربما يكون وجه القاص والروائي محمد شكري الذي بدا الشاعر متتبعا خطواته في (الخبز الحافي) وهو يعيش حياة التشرد في طنجة من أبرز هذه الوجوه، نقرأ في قصيدة (فندق رتز/ Ritz Hotel ):
أتذكَّر أنَّ محمد شكري كان هنا.../ في الغرفة!/ غرفته في طابقها الأول/ وأنا أيضا/ أتكون الغرفة 15؟/ الآن سأسألُ:/ من يسكن في الغرفة 15؟
أما قصيدة(لي بيتٌ لطيفٌ)، فقد اكتسى المكان فيها بطابع إيروسي يمكن القول إنه أصبح سمة من سمات شعر سعدي يوسف، ولا سيما بعد مجموعته (ايروتيكا) الصادرة عام 1992م حيث نقرأ:
تكونينَ بيتي .../ كلّما ضِقتُ بالسُّــرى/ دخلتُ ســريعاً فيك. / بابُكِ ضيِّقٌ/ صقيلٌ
ورطْبٌ../ غيرَ أني أُريدُهُ على ضِيقِهِ./ تلك الرطوبةُ نعمةٌ من الله./ إنْ جئت العشية لاهثا/ زلقت بها.../ ما ألطف البيت جنتي!
واللافت في القصيدة هو هذا التأثيث الشعري للمكان (البيت) الذي يمكن أنْ يُذكّرنا وسمُهُ بـ(الصغير) بإشارة باشلار إلى ميل بعض الكُتّاب إلى "أنْ يخلق بيوتا تستقر على حبة فاصوليا"( 2)، غير اننا يمكن أنْ نلمح في(البيت الصغير) الذي استقر على (حبة فاصوليا) سعدي يوسف باباً مشرعاً إلى طفولةٍ طالما نستشفُّ ملامحها في الصور الشعرية التي يرسمها الشاعر، فالطفولة هي الموطن السحري للبيوت الصغيرة التي تعد مكانا رحبا يأوي أحلام الأطفال ومرحهم ومشاكساتهم البريئة، بل إننا نستطيع أنْ نلمس مظهرا تقديسيا للمكان الذي كانت رطوبته (نعمة من الله)( 3) غمرت الشاعر وفاضت به حتى ليمكن القول إنَّ هذه الرطوبة الشعرية المقدسة تجاوزته إلى المتلقي.
وفي قصيدة (يانبعة الريحان)( 4) يُطلُّ مكان الطفولة البعيدة - القريبة من نبتة تتلوَّن بصوت أغنية شعبية تشد الشاعر إليه، ليكفر هذه المرة بـ(مقدس) آخر يحاول أنْ يغتاله ويبعده عنه:
يا نبعة الريحان/ حِنّي!/ إنني أمسيت في الوادِ المُقدَّسِ في طوىً/ لكنني أرنوا إلى غير المقدَّس[....]/ يا نبعة الريحان../ حنّي../ إنني الولهان/ حنّي/ الليل أقسى والحياة أشقُّ إنْ لم تصطفيني/ أو تحنّي/ يا نبعة الريحان.

وتستمر الأغنية، أغنية الشاعر عابقة في أرجاء المكان....
الهوامش:
*) صدر الديوان عن دار التكوين بدمشق عام 2012م، وهو منشور بأكمله في موقع الشاعر الالكتروني: http://www.saadiyousif.com
1) ينظر: شعر سعدي يوسف، دراسة تحليلية، د. امتنان عثمان الصمادي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، الطبعة الأولى، 2001م: 121.
2) جماليات المكان، جاستون باشلار، ترجمة: غالب هلسا، دار الجاحظ للنشر (كتاب الأقلام/1)، وزارة الثقافة والاعلام، بغداد،1980م: 177.
3 ) اعتاد الفقراء في العراق ولا سيما في الجنوب على وصف كل متعهم البسيطة بأنها (نعمة من الله)، وقد ربُّوا أطفالهم على التلفظ بهذه العبارة حتى مع كسرة الخبز التي قد لا تسد جوعهم.
4) مطلع أغنية شعبية عراقية تقول كلماتها: يا نبعة الريحان/ حني على الولهان/ جسمي نحل والروح ذابت وعظمي بان.....




#علي_داخل_فرج (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وفاء العلماء.. تحية للدكتور شجاع مسلم العاني
- إشكالية الإيقاع الداخلي في قصيدة النثر العربية، قراءة في جهو ...
- إشكالية الإيقاع الداخلي في قصيدة النثر العربية، قراءة في جهو ...
- أنا و الملائكة و صحيفة الدعوة: اعتداء أم اغتصاب
- ثوَّار قذافيون
- نازك الملائكة: قصيدة النثر و اغتصاب شكل القصيدة الحرة


المزيد.....




- -بطلة الإنسانية-.. -الجونة السينمائي- يحتفي بالنجمة كيت بلان ...
- اللورد فايزي: السعودية تُعلّم الغرب فنون الابتكار
- يُعرض في صالات السينما منذ 30 عاما.. فيلم هندي يكسر رقما قيا ...
- -لا تقدر بثمن-.. سرقة مجوهرات ملكية من متحف اللوفر في باريس ...
- رئيس البرلمان العربي يطالب بحشد دولي لإعمار غزة وترجمة الاعت ...
- عجائب القمر.. فيلم علمي مدهش وممتع من الجزيرة الوثائقية
- كيف قلب جيل زد الإيطالي الطاولة على الاستشراق الجديد؟
- نادر صدقة.. أسير سامري يفضح ازدواجية الرواية الإسرائيلية
- صبحة الراشدي: سوربون الروح العربية
- اللحظة التي تغير كل شيء


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي داخل فرج - عبق المكان الشعري: قراءة في (ديوان طنجة)* لسعدي يوسف