|
الجمل وثقب الإبرة أو حديث الحقائق الكبرى
مالك بارودي
الحوار المتمدن-العدد: 3740 - 2012 / 5 / 27 - 01:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كم هم حمقى، هؤلاء المتدينون...! حماقتهم لا توصف ولا يمكن تخيلها أصلا... والإشكالية الكبرى تكمن في كونهم يعتقدون اعتقادا راسخا أنهم الوحيدون الذين يعرفون كل شيء عن كل شيء وأنهم أيضا الوحيدون الصادقون مع أنفسهم ومع الآخرين... لكم أن تسألوا: لماذا كل هذا؟ وما السبب وراء كلام كهذا؟ السبب حكاية حدثت معي منذ يومين مع أحد الزملاء في العمل يمكن أن نلخصها كما يلي... هذا الزميل من طينة المتدينين المتصوفين المنعزلين (وقد يصبح في يوم ما من المتطرفين الإرهابيين!)، قليل الإختلاط بالناس كثير الإنزواء، جمعني به حديث مطول بحضور زملاء آخرين، حديث لم نكن نريد من خلاله سوى "قتل الوقت"... لكن هذا الحديث انزلق بنا إلى موضوع الدين، فبقيت أستمع لكلام الآخرين دون أن أشاركهم ولو بكلمة واحدة، ذلك أن عداوة فكرية كبيرة تجمعني بهذا الموضوع الذي أعتبره من أكثر المواضيع سخافة، خاصة عندما يتطرق إليه المتدينون، رغم أني قرأت القرآن والإنجيل والتوراة وعشرات الكتب التي تتحدث عن الله والإيمان والتقوى وغيرها من الترهات والكلام الفارغ. في سياق الحديث، سرعان ما أصبح هذا الزميل يمثل النقطة الرئيسية في كل المواضيع، إذ أنه أخطأ وصرّح بأنه، وهو إبن الثلاثين ربيعا، لم يحدث وأن ضاجع امرأة في حياته. أتىهذا التصريح بعد أخذ ورد ولف ودوران واستفزازات كثيرة كما لو كان الحديث عن الزنا والجنس محرما أكثر من فعل الزنا نفسه. ولكن هذا التصريح، الذي أراد زميلنا أن يسكتنا به ويجعلنا نغلق باب السؤال في هذا الموضوع، ولد أسئلة أخرى كثيرة انصبت عليه كالمطر... طال صمت زميلنا وكثرت الأسئلة و اعتقدنا أنه سيتركنا ويذهب إلى حال سبيله كلما تحرك على مقعده وأخيرا قرر الرد فمد يده اليمنى مبسوطة أمامنا وقال: "انظروا هنا، من يستطيع أن يقرأ؟" اعتقدنا أنه أصيب بنوبة جنون من جراء كثرة الأسئلة لكنه عندما لم يسمع منا أي ردّ، واصل كلامه قائلا: "ألا ترون أن كف يدي مكتوب عليه إسم النبي صلى الله عليه وسلم؟" وأخذ يتبع خطوط كف يده بإصبعه، ثم أرانا يده الأخرى وأى نفس الفعل مضيفا: "وعلى هذه مكتوب إسم الله... ومن له يدان مثل يدي لا يشرب الخمر ولا يزنى..." "أي كلام هذا؟" قال أحدهم في حين قال آخر: "لم أر شيئا مما تذكر..." وأخذ بعضهم ينظرون في أيديهم فنظرت معهم فلم أجد غير خطوط سببها انكماش جلد كفي... كانت هذه أول نكتة، وظننا أنها الوحيدة إلا أنه تمادى في كلامه قائلا: "سأقول لكم أكثر من ذلك. حلمت مرة بأني رأيت النبي وصافحته وفي الغد ذهبت إلى إمام المسجد ورويت له حلمي فطلب مني أن أريه كف يدي فلما رآه قال لي بأني صادق وبأنه النبي دون أدنى شك..." فقلت له متهكما: "إذا فقد صافحت النبي بيمينك؟ هذا تفسير منطقي لما قلت أنه مكتوب على كف يدك اليمنى، لكن ما تفسيرك للمكتوب على الكف الأيسر؟ لا تقل لي بأنك صافحت الله بيدك اليسرى...!" وكان كلامي هذا بمثابة إعلان حرب انطلقت بكلام مفاده أنه لا يصح أن أسخر من أشياء كهذه... كيف "لا يصح"...؟ تماديت في سخريتي طالبا منه أن يأتيني ببرهان ودليل على أن الشخص الذي صافحه في الحلم هو النبي فقال: "كلام النبي نفسه حجة فقد قال في أحد الأحاديث شيئا مفاده أن من رآه في الحلم فهو صادق." فقلت: "أنا أحلم كل ليلة بأشخاص كثيرين أراهم وأقابلهم وأتحدث معهم، فكيف أعرف النبي إذا أتاني في الحلم؟ ماهي أوصافه؟" فرد: "هو لا يوصف!" فقلت: "لا تقل لي أنه لا يرى أيضا!" فقال: "بل رأيته!" فقلت: "كيف ترى شيئا ولا تستطيع وصفه؟ فكيف إذا عرفت أنه النبي؟ لا تقل لي أنه اعطاك بطاقة هوية؟ ومكتوب على ظهرها، المهنة: نبي؟" صمت قليلا ثم قال: "ألا تعرف أن كلامك هذا حرام؟ ألا تعرف أن السخرية من الدين سخرية من الله نفسه؟" فقلت: "ألا تعرف أني لا أؤمن إلا بالأشياء الملموسة والمعقولة؟ وكلامك هذا ليس فيه أي شيء ملموس أو معقول... فكيف أصدقه؟ ثم من هذا الإمام الأحمق الذي أعطاك هذا التفسير الأحمق لحلمك الأحمق؟" ثم، دعنا نسلم بأنه حقيقي وبأن تفسير إمامك المشبوه هذا عين الصواب، هل أنت مقتنع به؟ هل أن المنطق الذي لديك يقول بأن شيئا كهذا يمكن أن يحدث؟" فقال: "نعم، مقتنع، لكن المنطق ليس له أي مكان في الدين. الدين إحساس قبل كل شيء." فأجبته: "وديني أنا يقول بأنك مجرد أحمق كاذب لأن إحساسي يقول لي بأنك كاذب وبأنك لا تملك من العقل إلا ما أملاه عليك ذلك الإمام المعتوه وآخرون أعتقد أنهم أكثر من أن تتذكرهم..." كان هذا الكلام الأخير بيننا، إذ أنه اعتبرها إهانة لشخصه ولدينه ولرسوله الذي زاره في حلمه. انتفض واقفا وتوجه بكلاه إلى بقية الزملاء قائلا: "سامحكم الله... أما زلتم تريدون البقاء بجانب ملحد كهذا؟ أنا ذاهب..." وانصرف فناديته قبل أن يبتعد كثيرا قائلا: "يمكنك أن تشكوني إلى صاحبك عندما يزورك في الحلم ثانية..." غريب أمر هؤلاء المتدينين! لكنها الحماقة، والحماقة داء ليس له دواء...! .
#مالك_بارودي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل أن الله حفظ القرآن فعلا؟
-
من أجل إنسان أكثر إنسانية
-
تجارة الدين في العالم العربي
-
بين الإسرائيليات والأدب الفرنسي
-
تهافت الشيوخ في إسلام الشروخ
-
كيف يكون الدين أصل كل فساد
المزيد.....
-
أكسيوس: السفير الأمريكي للاحتلال يتبنى مصطلح -يهودا والسامرة
...
-
ميغان تشوريتز.. النجمة اليهودية التي تحدت الصهيونية بجنوب أف
...
-
محافظة القدس: إسرائيل تدمر آثارا إسلامية أسفل المسجد الأقصى
...
-
محافظة القدس: إسرائيل تدمر آثارا إسلامية أسفل المسجد الأقصى
...
-
فرنسا: نصب تذكاري للمحرقة اليهودية يتعرض للتشويه بعبارة -الح
...
-
محافظة القدس: الاحتلال يدمّر آثارا إسلامية أموية أسفل المسجد
...
-
حرس الثورة الاسلامية: اليمن سيوجّه ردّا قاسيا للصهاينة
-
“نحن أبناء الأرض”.. مسيحيو غزة يرفضون التهجير
-
مسيحيو غزة: باقون في الأرض رغم القصف والتهجير
-
رئيس الوكالة اليهودية يلغي زيارته لجنوب إفريقيا خشية اعتقاله
...
المزيد.....
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
المزيد.....
|