أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إدريس جنداري - في العلاقة بين العروبة و الإسلام.. نماذج في النقد الذاتي















المزيد.....


في العلاقة بين العروبة و الإسلام.. نماذج في النقد الذاتي


إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)


الحوار المتمدن-العدد: 3737 - 2012 / 5 / 24 - 02:51
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في العلاقة بين العروبة و الإسلام.. نماذج في النقد الذاتي
- عود على بدء
حينما أثرنا النقاش؛ في دراسة سابقة؛ حول إشكالية العلاقة بين العروبة و الإسلام في المشروعين؛ القومي و الإسلامي؛ كانت غايتنا فتح نقاش عميق حول هذه القضية؛ سواء في بعدها الفكري أو في بعدها السياسي؛ خصوصا و أن التيارين معا ظلا؛ لعقود؛ يمارسان سياسة صم الآذان في مواجهة الطرف الآخر؛ مع ما يستتبع ذلك من سياسة إلغاء مدروسة؛ إما لمكون العروبة لدى التيار الإسلامي؛ أو لمكون الإسلام لدى التيار القومي .
لقد فكرت في تطوير هذا النقاش؛ بعد اطلاعي على الكثير من أدبيات التيارين الإسلامي و القومي؛ في علاقة بالمسألة؛ لكن ما استوقفني؛ أخيرا؛ هو أن هناك أصوات من التيارين معا؛ كانت على وعي كبير بالإشكالية؛ و لذلك سعت إلى ممارسة نوع من النقد الذاتي؛ في علاقة بمرجعياتها الإيديولوجية؛ و نحن تهمنا هذه الأصوات؛ التي استطاعت أن تغلب المقاربة الفكرية على المقاربة السياسية/الإيديولوجية؛ في معالجتها لإشكالية العلاقة بين العروبة و الإسلام. و قد نجحت؛ من خلال محاولتها هذه؛ في استعادة قسط من التوازن الذي اختل؛ طيلة عقود من الصراع الإيديولوجي؛ كانت نتيجته؛ في الأخير؛ تهديد مباشر لمقومات الهوية العربية/الإسلامية؛ مع ما نشأ عن ذلك من اختلالات اجتماعية و ثقافية و سياسية ...
1- مراجعات الموقف الإسلامي .. السيد محمد حسين فضل الله نموذجا
ظهر التيار الإسلامي؛ في العالم العربي؛ في علاقة بالتحولات التي عرفتها الفكرة الدينية/الإسلامية؛ في سعيها لتحقيق العودة إلى النموذج السياسي الخليفي؛ كما ظهر كرد فعل من الأعراق غير العربية ( فرس؛ أتراك؛ هنود ...) ضد مكون العروبة؛ الذي اندمج مع المكون الإسلامي؛ لقرون؛ الشيء الذي تجلى لهؤلاء؛ باعتباره تهديدا لانتمائهم العرقي؛ و لذلك فقد سعوا إلى فصل الإسلام عن العروبة؛ محاولين بذلك تأكيد انتمائهم للحضارة الإسلامية؛ مع محاولة إلغاء المكون العربي منها.
لكن؛ إذا كان الأمر واضحا؛ في علاقة بمختلف الأعراق غير العربية؛ فإن الغموض يلف موقف الحركة الإسلامية في العالم العربي؛ التي استنسخت المشروع الحركي الإسلامي؛ إما في علاقة بالمودودي أو في علاقة بالخوميني؛ رغم أن الرجلين كانت لهما أجندتهما الخاصة؛ في علاقة بمشروعهما الفكري و السياسي؛ و هي أجندة لا يمكنها أن تنسجم؛ بالضرورة؛ مع المشروع الإسلامي في العالم العربي .
إن هذا الوعي؛ هو الذي استطاع أن يخترق المشروع الفكري؛ لواحد من أهم رموز الحركة الإسلامية ( ذات النزوع الشيعي)؛ و هو المرجع السيد محمد حسين فضل الله الذي دافع؛ بقوة؛ في كتاباته عن الارتباط الوثيق بين العروبة والإسلام؛ و هذه شجاعة فكرية و سياسية نادرة من مرجع شيعي؛ استطاع أن يتمرد على الإيديولوجية الشعوبية؛ التي صاغها القوميون الفرس؛ منذ العصر العباسي و مرورا بالثورة الخومينية؛ التي قلدت آيات الله كرسي الحكم.
يؤكد السيد فضل الله بوضوح تام: " لا مبرر على الإطلاق لمعارضة الإسلام بالعروبة أو العروبة بالإسلام، إلا إذا كانت العروبة جاهلية، أو كان فهم الإسلام شعوبياً مشوهاً" و السيد فضل الله واضح هنا؛ في الفصل بين العروبة كامتداد حضاري؛ و بين العروبة كانتماء قبلي/عرقي ضيق (الجاهلية)؛ و بنفس الوضوح يفصل السيد فضل الله بين الإسلام كواقع تاريخي لم ينفصل عن العروبة؛ و بين الإسلام الشعوبي؛ الذي تم توظيفه لتفيكيك أوصال الهوية العربية/الإسلامية الواحدة؛ إلى هويات متصارعة.
و في رسالة غير مباشرة لقادة الحركة الإسلامية في العالم العربي؛ الذين يسعون إلى استنساخ نماذج الآخر لتوجيه الواقع العربي؛ يؤكد السيد فضل الله: " أنا لا أتصوّر أن معنى؛ بأن تكون إسلامياً هو أن تنكر صفوف أمتك.. فلك أرض أنت مسؤول عنها؛ ولك شعبك الذي هو جزء من مجتمعك ولك مستقبلك الذي يرتبط بأكثر من جانب" .
هند عبيدين – أولويات الوحدة والنهوض في خطاب الإمام السيد محمد حسين فضل الله- مجلة تحولات - العدد التاسع عشر - شباط 2007 -
إن السيد فضل الله يمتلك الوضوح المنهجي الكافي؛ حينما يفصل بين انتمائه المذهبي الشيعي؛ و بين انتمائه للعروبة؛ أرضا و أمة و شعبا؛ و هو هنا يوجه رسالة واضحة في كل الاتجاهات؛ و خصوصا في الاتجاه الشيعي داخل الوطن العربي؛ هذا الاتجاه الذي اختلط عليه الأمر؛ و تحول الكثير من رموزه إلى دعاة شعوبيين؛ يخلطون بين المذهب و الانتماء الحضاري للعروبة؛ المهد الأول للإسلام.
و في حوار أجرته معه مجلة المستقبل العربي؛ يسعى السيد فضل الله؛ إلى تأكيد العلاقة الوطيدة بين العروبة و الإسلام؛ فهو يذهب إلى أن " الإسلام يمثل هذا الدين الذي هو في عقيدة المسلمين، والذي أنزله الله على رسوله في المنطقة العربية التي هي منطقة الدعوة الأولى، والتي أرادت للعرب رسالة يحملونها إلى العالم" و يضيف السيد فضل الله بكامل الوضوح: " فالقرآن انطلق في البداية لينذر أم القرى وما حولها، ولينذر المنطقة العربية. ولقد احتضن العرب الذين دخلوا في الإسلام، الإسلام كلّه. ومن الطبيعي أنهم أعطوه شيئاً من تجربتهم، ومن تمثّلهم له، ومن اجتهاداتهم في فهمه، ومن حركتهم في اتجاه تحريكه في وجدان العالم" .
هذا الكلام ليس لقومي عربي متطرف؛ كما يحلو للبعض أن يصور؛ و لكنه كلام العقلاء من الذين أدركوا الحكمة؛ و خاضوا؛ بشجاعة أدبية؛ تجربة نقد ذاتي لمرجعياتهم الفكرية و الإيديولوجية؛ لأنهم يدركون أن التاريخ يمتلك ذاكرة حية؛ فهو يسجل كل الأحداث و لا يضفي عليها نزعة ذاتية يمكن أن تغير مسارها في الكثير من الأحيان. و لذلك؛ لا يمكن للشعوبية الفارسية أن تغير التاريخ؛ كما لم يكن بإمكانها يوما أن تغير الجغرافيا؛ و ذلك رغم المجهودات الجبارة التي بذلت؛ منذ العهد العباسي؛ حيث سيطروا على الحكم؛ و إلى حدود سيطرتهم الراهنة على مركز الحضارة العربية؛ في البصرة و بغداد.
عندما يعود السيد فضل الله إلى هذا التاريخ المفترى عليه من قبل الشعوبيين؛ و يجول بعقله الباطن؛ لا يتردد في الصدع بما قد يقلق راحة آيات الله في طهران؛ " لقد استطاع الإسلام أن يعرّب شعوباً أخرى، وأن يعرّب الكثيرين من العلماء والمفكرين من الشعوب الأخرى. وفي هذا المناخ، استطاعت العروبة أن تعطي الإسلام كثيراً من حيويتها الحركية، واستطاع الإسلام أن يعطيها الكثير من خصائصه الحضارية في مفاهيمه وتشريعاته ومناهجه، واستطاع أن يمنحها امتداداً، وأن يتداخل معها لتصنع العروبة بالإسلام الحضارة التي قيل عنها إنها أم الحضارات" .
و هذه ليست إيديولوجيا يروج لها السيد فضل الله؛ بل هي حقائق تاريخية ثابتة؛ فالإسلام يحمل روحا عربية؛ منذ بداياته الأولى و إلى حدود الآن؛ و المقصود بالعروبة هنا؛ ليس هو الانتماء العرقي الضيق؛ الذي يثورعليه الشعوبيون و يستبدلونه بانتماء عرقي أكثر ضيقا؛ بل العروبة كامتداد حضاري؛ ساهمت في بنائه شعوب مختلة من آسيا إلى إفريقيا و أروربا؛ و هذا الغنى و الثراء هو الذي سمح للعروبة بدمج الإسلام؛ كمكون أساسي؛ ضمن رصيدها الحضاري.
مجلة المستقبل العربي- العدد 281 / تموز 2002، حوار هاشم قاسم - محور: " العلاقة بين العروبة و الإسلام ".
إننا حينما نقدم موقف مرجع شيعي كبير؛ حول علاقة العروبة بالإسلام؛ فإنما نبتغي توجيه رسالة واضحة إلى كل أقطاب الحركة الإسلامية؛ و خصوصا من نهل منهم من فكر الخوميني أو المودودي؛ مفادها أن العروبة تمثل روح الإسلام؛ و لذلك لا يمكن أن نفهم رسالة الإسلام فهما عميقا؛ إلا من داخل البراديغم الثقافي العربي.
2- مراجعات الموقف القومي.. الأستاذ ميشيل عفلق نموذجا
يعتبر الأستاذ ميشيل عفلق؛ الأب الروحي للتيار القومي العربي؛ مجسدا في أحزاب البعث؛ و هو بالإضافة إلى كونه من كبار القادة السياسيين؛ فهو كذلك؛ من بين أهم رموز الفكر العربي الحديث. بدأ الأستاذ ميشيل عفلق حياته الفكرية و السياسية مدافعا عن التجربة العلمانية في العالم العربي؛ و هو بذلك كان منظرا للفصل بين العروبة و الإسلام؛ معتبرا أن استعادة الأمجاد العربية؛ يجب أن يمر؛ بالضرورة؛ عبر الخيار القومي؛ لأن الإسلام يجمع مختلف الأعراق و الأمم؛ و هو بذلك ليس مؤهلا لبناء تجربة سياسية عربية ناجحة. هذا ما كنا نعرفه عن رجل البعث الكبير لكن؛ هناك زوايا ظلت مجهولة في مشروعه الفكري و السياسي؛ و لم نعرها الاهتمام الكافي كباحثين و متابعين؛ كما لم يعرها مناضلو أحزاب البعث الاهتمام الكافي كذلك.
يحدثنا الأستاذ منير شفيق عن هذه الزوايا المجهولة في مشروع عفلق فيقول: منذ حقبة السبعينات – و استقرار ميشيل عفلق بالعراق- بدأت قسمة الحديث عن الإسلام في مشروعه؛ فاتسعت مساحة الحديث عن الإسلام؛ و ضمن هذا التطور أخذ الرجل يلقي الأضواء على الدور المحوري و المصيري (لاكتشافه الإسلام)؛ منذ فجر حياته الفكرية و النضالية .. و اكتشافه خصوصية العلاقة بين الإسلام و العروبة.. و الدور المحوري و المصيري لهذا الاكتشاف في تميز صيغة البعث عن الصيغ التي كانت سائدة في ساحة الفكر و السياسة العربية في عقد الأربعينيات.. صيغ القومية المجردة من الدين؛ كرد فعل ضد هيمنة الدولة العثمانية على العالم العربي؛ أو تقليد للقوميات الغربية العلمانية؛ و الصيغة الليبرالية الغربية.. و كذلك الصيغة الماركسية الشيوعية المادية . محمد عمارة- التيار القومي الإسلامي –1997– ص: 166
إن ما يهمنا من هذا الكلام؛ هو التأكيد على المراجعات الفكرية التي خاضها الأستاذ ميشيل عفلق في علاقته بالإسلام؛ و هي مراجعات ترتبط؛ بالتأكيد؛ بموقفه الجديد من العلمانية؛ كما صاغها المشروع القومي. و يمكن التوقف في هذه المراجعات عند مرحلتين:
• خلال المرحلة الأولى؛ حاول الانفتاح على الإسلام كتجربة سياسية؛ استطاعت توحيد القبائل العربية المتناحرة في دولة واحدة؛ و لذلك؛ فقد كان يعلن أن ما يعنيه من الإسلام هو إسلام التجربة فقط؛ لأن إسلام الدين الصرف مفرق للأمة و ليس جامع لها. محمد عمارة – ص: 167.
• خلال المرحلة الثانية؛ انتقل الأستاذ ميشيل عفلق إلى الربط بين الإسلام الدين و الإسلام التجربة؛ فاخذ يطور فكره حيال هذه القضية؛ فتناثرت في كتاباته الإشارات إلى الربط بين الإسلام (الدين) و الإسلام (التجربة) – محمد عمارة – ص: 167 .
و كنتيجة لهذا التطور في فكر الأستاذ ميشيل عفلق؛ فقد أصبح الإسلام يمثل ركيزة أساسية ضمن مشروعه الفكري و السياسي لكن؛ أحزاب البعث لم تكن مؤهلة لتقبل هذه المراجعات الفكرية الجريئة؛ لأنها كانت تنظر إليها كتهديد للخيار العلماني للدولة؛ هذا الخيار الذي يحفظ مصالحها؛ في مواجهة المد الإسلامي المتنامي؛ و الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين؛ التي كانت الشغل الشاغل لقادة أحزاب البعث؛ و خصوصا في مصر و سوريا؛ التي عاشت على إيقاع مواجهات عنيفة؛ بين الجماعة و الأنظمة البعثية الحاكمة.
لكن؛ و رغم فشل التجربة على مستوى الممارسة السياسية؛ فإن الأستاذ ميشيل عفلق؛ واصل طريقه مدافعا عن العلاقة العضوية بين العروبة و الإسلام؛ فهو حينما يتحدث عن هذه العلاقة يؤكد؛ " الصلة بين العروبة و الإسلام؛ كما نراها و نؤمن بها؛ هي صلة عضوية لا يمكن أن تنفصم؛ صلة تاريخ؛ و هي مستمرة منذ القدم؛ حية لا تموت؛ و هي أيضا صلة تجديد .
و لذلك؛ فإن الأستاذ ميشيل عفلق لا يتصور أي نجاح للنهضة العربية؛ من دون استحضار هذه الرابطة العضوية بين العروبة و الإسلام؛ " النهضة العربية ستكون نهضة شاملة؛ نهضة في الفكر و نهضة في الدين و نهضة في الفن؛ و نهضة في البناء المادي و الاقتصادي؛ و لذلك صلة العروبة بالإسلام؛ بصورة خاصة؛ صلة تجديد؛ أي إننا نستمد من فهمنا الثوري لحركة الإسلام قوة ثورية لتجديد عقليتنا؛ و لتجديد أوضاعنا الاجتماعية و الفكرية" .
و للأستاذ ميشيل عفلق ذاكرة حية و يقظة؛ تمكنه من إدراك القوة الكامنة في اتصال العروبة بالإسلام؛ هذه القوة التي اندفعت خلال مرحلة تاريخية ما؛ و تمكنت من تأسيس دولة عربية/إسلامية مترامية الأطراف؛ " إن أمتنا قد عرفت عند ظهور الإسلام ما لم يتسن لأية أمة أخرى أن تعرفه؛ نحن كعرب عندنا هذا الرصيد الروحي؛ إذا حرصنا أن نبقي صلتنا حية بيننا و بينه؛ فإننا نعطي لثورتنا العربية ضوابط أخلاقية؛ و جوا فيه هداية و فيه ردع؛ و فيه ضوابط كثيرة نحن بحاجة ماسة إليها" . ميشيل عفلق - في سبيل البعث- ج 3- ص: 84-85
لكن؛ الأستاذ ميشيل عفلق في تنظيره للعلاقة بين العروبة و الإسلام؛ لا يندفع وراء غرائزه مغمى عليه كحال الكثير من ضحايا التخدير الإيديولوجي؛ و لكنه يمنح هذه العلاقة طابعا استراتيجيا؛ فهو عندما يعود إلى الماضي؛ يجد أنه " بدون الإسلام كان يمكن لهذا الشعب العربي أن يبقى بعقلية قبلية؛ و برغم سبق العروبة للإسلام؛ فإن النهضة العربية الأولى التي اقترنت برسالة الإسلام الدينية؛ هي التي كونتهم (العرب) كأمة . ميشيل عفلق آفاق عربية – ص: 9 – عدد أبريل 1976 .
و هكذا؛ يستنتج؛ في علاقة بالمشروع العربي الحديث؛ " أنه من الطبيعي أن يحتل الإسلام؛ كثورة عربية فكرية أخلاقية اجتماعية ذات أبعاد إنسانية؛ أن يحتل مركز المحور و الروح في هذا المشروع الحضاري الجديد لأمة واحدة ذات تاريخ عريق و رسالة حضارية إنسانية". ميشيل عفلق - صحيفة (الثورة) العراقية 06-11-1985
و يجادل الأستاذ ميشيل عفلق؛ بالدليل التاريخي و المنطقي؛ كل من يمكنه أن يشك في جدوى هذه العلاقة؛ بل و في إمكانية تحققها بالأحرى؛ و ذلك لأن " هذا الارتباط بين العروبة و الإسلام؛ في نظره؛ هو واقع حي تعيشه الأمة؛ و تتنفسه كالهواء؛ و لا يحتاج لإثباته إلى براهين و أدلة؛ إنه نتاج القرون و الأجيال؛ و لكنه قبل كل شيء هو إرادة إلهية طبعت الحياة العربية" ميشيل عفلق في سبيل البعث – ج5 – ص: 72
و يضيف مؤكدا قوة الالتحام بين العروبة و الإسلام؛ " إن الإسلام هو وطن الأمة العربية الروحي و المادي؛ بكل ما تحمل كلمة وطن من معاني حب الأرض و الأهل؛ و حب اللغة و التاريخ" ميشيل عفلق- في سبيل البعث – ج3- ص: 269 .
لكنه؛ يستدرك في رد غير مباشر على الدعوات البعثية؛ التي تعارض بين الإسلام و الحرية؛ باعتبار أن الإسلام سيفرض قيودا على الحضارة العربية و سيمنعها من التقدم؛ " و لئن وجدت شعوب تنشد الحرية بالانعتاق من الدين؛ فالأمة العربية تجد حريتها في الفهم المتجدد للإسلام" . و يذهب الأستاذ ميشيل عفلق بعيدا في دفاعه عن العلاقة بين العروبة و الإسلام؛ حينما يصرح: " و لذلك؛ فإن الدفاع عن الإسلام هو مهمة القوميين الذين يريدون أن يبقى للأمة العربية سبب وجيه للبقاء" . ميشيل عفلق في سبيل البعث- ج3 –ص: 224 .
بصراحة؛ لقد ذهلت و انأ اطلع على هذه الأفكار الحكيمة لأستاذ و قائد التجربة القومية في العالم العربي؛ و التي تتعارض مع كل ما يروج عن الرجل؛ في علاقة بانتمائه المسيحي من جهة؛ و كذلك في علاقة بقناعاته القومية/العلمانية من جهة أخرى. لكنني في نفس الآن؛ أشعر بخيبة أمل كبيرة؛ لما آلت إليه هذه الأفكار النيرة من مصير مأساوي؛ على أيدي سماسرة أحزاب البعث؛ الذين لا يهمهم سوى السيطرة على الشعوب؛ باعتماد الإكراه المادي و الرمزي؛ و هذا كان سببا كافيا للسقوط المدوي الذي يضرب أحزاب البعث؛ من المشرق العربي إلى مغربه .
على سبيل الختام
إن الذين يزعمون إمكانية الفصل بين العروبة و الإسلام؛ من الإسلاميين و القوميين؛ لا يستوعبون الكثير من معطيات التاريخ و الثقافة و لذلك؛ فهم يتصورون؛ بشكل مختزل؛ أن الإسلام أحكام شرعية و شعائر؛ لكنهم يجهلون أن الإسلام؛ في العمق؛ رؤية للعالم Vision du Monde ؛ تشكلت عبر قرون من التفاعل الثقافي و الاجتماعي و السياسي؛ الذي كان مؤطرا بمرجعية فكرية عربية Epistémè و مشبعا بمتخيل عربيImaginaire . و كل هذا يدفعنا إلى التأكيد؛ من منظور علمي؛ على أن الثقافة نظام في غاية التعقيد؛ و ليست مكونا ماديا؛ يمكن تحليله باعتماد نظريات الفيزياء. لذلك؛ يظل واجب العلوم الإنسانية؛ هو التنبيه إلى مواطن الخطر؛ الذي لا يشعر به السياسي/الإيديولوجي إلا بعد أن يداهمه في عقر داره. و نحن هنا لا نتحدث في المجردات؛ بل إن الواقع يؤكد صلاحية هذا التحليل.
ففي علاقة بالنموذج الإسلامي الحركي الذي حاول إلغاء المكون العربي؛ فإنه لم يظفر من الحضارة الإسلامية إلا بالفتات؛ أما الباقي؛ فهو ترسبات تجد امتدادها في الأصول الثقافية و الاجتماعية و السياسية ما-قبل الإسلامية؛ و يمكننا هنا أن نستحضر النموذج الافغاني؛ و كذلك النموذج الإيراني... و في كلا النموذجين تم الاستناد إلى الإسلام لكن؛ بعد إفراغه من متخيله العربي و بعد تكسير نموذجه الثقافي؛ و كذلك بعد تفكيك رؤيته إلى العالم؛ و النتيجة هي كما نرى؛ في أفغانستان ما زالت البنى الاجتماعية و الثقافية و السياسية ما-قبل الإسلامية هي السائدة؛ رغم لباسها الإسلامي. و في إيران نموذج اجتماعي وثقافي وسياسي فارسي قديم؛ يستمد شرعية استمراره حاضرا بالاستناد إلى تأويل النص القرآني و أحداث التاريخ الإسلامي؛ كي تستجيب لنزوات آيات الله في تحقيق النموذج الامبراطوري القديم .
و في علاقة بالنموذج القومي؛ فإن الأمر لا يختلف عن سابقه؛ لأن القوميين العرب الذين سعوا إلى إلغاء المكون الإسلامي؛ باعتماد قراءة مبتسرة للعلمانية فشلوا؛ في الأخير؛ في بناء نموذج اجتماعي و سياسي و ثقافي منسجم؛ بل إن محاولة إلغاء البعد الإسلامي ساهم؛ إلى حد بعيد؛ في إفشال المشروع السياسي و الاجتماعي و الثقافي العربي الحديث بل؛ على العكس من ذلك؛ تم فتح المجال لعودة الروح القبلية القديمة التي ساهمت في تفكيك أوصال المجتمع و الدولة؛ عبر إشعال حروب طائفية؛ كانت الأنظمة السياسية؛ في البداية؛ تستثمرها لفرض هيمنتها على المجتمع و الدولة؛ قبل أن ينقلب السحر على الساحر؛ لتصبح هذه الأنظمة؛ نفسها؛ ضحية استعادة المكبوت القبلي القديم.
- المراجع المعتمدة:
1- مجلة تحولات - العدد التاسع عشر- شباط 2007
2- مجلة المستقبل العربي- العدد 281 / تموز 2002
3- مجلة آفاق عربية – عدد أبريل 1976.
4- صحيفة (الثورة) العراقية 06-11-1985
5- محمد عمارة- التيار القومي الإسلامي – دار الشروق – ط1- 1997
6- ميشيل عفلق - في سبيل البعث- الكتابات السياسية الكاملة- خمسة أجزاء – طبعة دار الحرية –بغداد- 1986



#إدريس_جنداري (هاشتاغ)       Driss_Jandari#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إشكالية العلاقة بين العروبة و الإسلام .. ما بين التيار القوم ...
- ما بين الأجندة النيوكولونيالية و النزعات العرقية
- مفهوم الكتلة التاريخية .. النقد الابستملوجي لكشف الوهم الإيد ...
- الربيع العربي و قوى اليسار في الحاجة إلى مراجعات من أجل مستق ...
- الإسلام السياسي صوت الربيع العربي .. الخصوصية الحضارية كمدخل ...
- الأطروحة الأمازيغية في المغرب بين المشروع الكولونيالي و الره ...
- الربيع العربي في مواجهة مخططات الاستعمار الجديد - الديمقراطي ...
- الربيع العربي .. في نقد توظيف النزعات العرقية لخدمة الأجندة ...
- الربيع العربي.. في نقد المقاربة القومية/البعثية
- هو الربيع العربي و ليست ثورات شمال إفريقيا !
- الربيع العربي و رهان الوحدة العربية.. مراجعات لابد منها
- دسترة المجلس الوطني للغات و تحديات تأهيل و تفعيل اللغة العرب ...
- اللغة العربية في المغرب .. بين الترسيم الدستوري و تحديات الو ...
- اللغة العربية في المغرب بين الترسيم الدستوري و تحديات الواقع
- بيان من أجل الديمقراطية .. المثقف المغربي يخلق الحدث و يدعم ...
- الإصلاحات السياسية في المغرب و سؤال الدولة المدنية
- إني أتهم .. j accuse
- مخاض التحول نحو الديمقراطية في العالم العربي على ضوء ثورتي ت ...
- رهان الديمقراطية في العالم العربي بين الأمس و اليوم
- مبدأ تقرير المصير بين روح القانون الدولي و التوظيف السياسي ( ...


المزيد.....




- شاهد رد مايك جونسون رئيس مجلس النواب الأمريكي عن مقتل أطفال ...
- مصادر تكشف لـCNN كيف وجد بايدن حليفا -جمهوريا- غير متوقع خلا ...
- إيطاليا تحذر من تفشي فيروس قاتل في أوروبا وتطالب بخطة لمكافح ...
- في اليوم العالمي للملاريا، خبراء يحذرون من زيادة انتشارالمرض ...
- لماذا تحتفظ قطر بمكتب حماس على أراضيها؟
- 3 قتلى على الأقل في غارة إسرائيلية استهدفت منزلًا في رفح
- الولايات المتحدة تبحث مسألة انسحاب قواتها من النيجر
- مدينة إيطالية شهيرة تعتزم حظر المثلجات والبيتزا بعد منتصف ال ...
- كيف نحمي أنفسنا من الإصابة بسرطانات الجلد؟
- واشنطن ترسل وفدا إلى النيجر لإجراء مباحثات مباشرة بشأن انسحا ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - إدريس جنداري - في العلاقة بين العروبة و الإسلام.. نماذج في النقد الذاتي