أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رشيد قويدر - إعادة بناء البراءة...















المزيد.....

إعادة بناء البراءة...


رشيد قويدر

الحوار المتمدن-العدد: 3723 - 2012 / 5 / 10 - 14:29
المحور: المجتمع المدني
    


"إن الآلهة تستخدم الاحلام لإيصال تعليماتها إلى الناس".. هوميروس
حين ألقت طفلتي جنين نصاً للشهداء ولفلسطين، في احتفالية 6 أيار (مايو) 2012؛ "ذكرى شهداء الاستقلال العربي"، والذي اقامته إدارة فرقة كورال السنونو، والمعهد الموسيقي "بيت الكناري"، وعلى امتداد نهارٍ كامل بين أحضان الطبيعة الشامية في ربوع غوطتها تساءلت: ماذا بقي فينا نحن الكبار من طفولتنا يعيننا على الكتابة؟ ماذا نقدم للطفولة، ونحن نجهد أنفسنا بنصوص الدهشة والافتعال والتهويل وقد تعبت الروح فينا؟
وأقول لكورال السنونو، ولبيت الكناري، لقد فتحتم ثغرة نحو البراءة والفطرة في أبعاد ثقافية جديدة، وفي عمل مستأنف بإعادة البناء وصولاً إلى جوهر مفقود في الكبار، يحتاج إلى عمل متواصل دائب، لتحويل أجمل مقتنيات الذاكرة والتراث إلى ابداع جديد وعمل متراكم نحو عمل احترافي في البراءة وابداعها، واجبتم على السؤال .. السؤال..
لم تعد حاجة لنا، كما زلنا نفعل نحن الكبار لرصف الاستعارات وتهويل العواطف وافتعال البلاغة، وقد باتت بلا جدوى مع الأطفال، بقدر ما نعمل معهم لاستيراد البراءة من الطفولة وتأكيدها في ذواتنا، ولأن البصر لا يأتي بالبصيرة، بل الإبداع وقداسة اللحن النابع من الطبيعة الإنسانية، وقداسة الكلمة الإنسانية في دنيوية حملها معه آدم من جنّة سماوية، وردت في العهد القديم "وفي البدء كانت الكلمة"..
يتسع هذا الأمل والأفق مع الفنان والمربي اسماعيل طرابلسي، فهو ينبوع تأهيل ثقافي وابداعي، وقدرات تربوية وروحية على ما يرد بها من أذواق وأحوال وأدب للمريدين، وهي عسيرة عن التلخيص باعتباره الطفولة رسالته، وسعيه لامتلاكها مساحة أوسع في عالم الإبداع عموماً والكورال خصوصاً، تقوم على استلهام تربوي وثقة بامكانية البناء، وامتلاك مساحة أوسع للاطفال والأجيال..
وهو مَنْ عاش طفولته فناناً، يحفظ اليوم عن ظهر قلب؛ أسماء الاطفال على تعدادهم، ويعرف احوالهم وقدراتهم، يستطيع أن يمنحهم رئة ثالثة منضبطة، حرية يتنفسون منها هواء غير المحيط بهم، وهو حاضر بقوة لا تأتيه بغتة في مشهدهم، من شيطنة طفولية مؤذية، ليأخذهم نحو حيوات أخرى، صدح بها طويلاً، حين اشغلهم بسماع العديد من الأغاني التي صدح بها دون كللٍ أو تعب، مترنمين ومتحلقين حوله، كباراً وصغاراً، كأنه أوقد بهم شموع عاطفتهم، مضفياً على الجميع مسحة من الشفافية والعواطف في الأعالي، كأنهم يلتقون لأول مرة، في تبادلية لحكاية الأرض والمطر، ودموع السماء التي لها صوت المحبين..
على امتداد الساعات الطويلة، كان الجميع شغله الشاغل، مؤثراً أن يبقى هكذا، فهم حكايته ورسالته، فهو لا يحتفي بطفولة بعيدة بل راهنة في داخله، يدل على ذلك عموم الأسرة التي تعمل بالثقافة والإبداع، واستدراكه وتبنيه موضوعهم؛ على أن طفولة اطفالنا ليست على ما يرام، ما دامت ثقافتنا لا تنتج نصوصاً أو ابداعاً للاطفال، مدعاةٌ أن نفهمها نحن الكبار ونحبها حد غرغرة الدموع فرحاً..
اليس من أجل هذا يصلي جوان قره جولي على أوتاره.. لينتقل من الجسد المرئي إلى الروح والمخفي ليعلن برائته.. أو شياطينه الإبداعية الإنسانية، فيختزل أقرب الناس والأشياء إلى مسميات بأسمائها، تعيد البصيرة قبل البصر؛ في رحلة وأحلام تعيد البشر من الأرض وقسوتها إلى جنة السماء، تماماً كالشعر والتائق إلى أصله السماوي..
نتساءل مع جوان الذي يشِّع وجهه مع الموسيقى: كم هي البصيرة لدى المرحوم سيد مكاوي.. الشيخ إمام أبو العلاء المعري.. ونتساءل ايضاً: ما هو معيار البراءة الانسانية الفطرية لدى تولستوي حتى في رائعته "الحرب والسلام"، أو اوسكار وايلد في "الأمير السعيد" أو اكزوبري في "الأمير الصغير"، إن انجح أعمال الإبداع والنصوص هي تلك التي تحمل طفل المعنى في معيار البراءة والفطرة.. للطفل الصغير والكبير..، وقد وحد الحفل الأعمار على تباينها، نتساءل لماذا يغيب هذا النمط عن ثقافتنا؟ وها هو يستعيده كورال السنونو والمعهد الموسيقي "بيت الكناري"، حين احضرونا نحن الكبار مع الأطفال الصغار.. ندخل في ملكوته.. نتوضأ على نهر مائه.. وألحانه..
نحن الكبار "الأولياء"، لقد أتينا بكل عقِدنا.. وبوجوه متجهمة مكفهرة.. كأننا ذاهبين إلى عمل روتيني رتيب ومفروض حاملين معنا حياة متغضنة نسير بها ولكن ممدودين فوقها؛ وفوق حزننا وعقدنا، الثقافية بمكوناتها الأساسية، بما فيها من استبداد، وسيماء المهمومين نحملها "إرثاً" فوق اكتافنا وبقاسم مشترك، معتقدين أن ما مرّ علينا وتكلّس هو مناسب للطفل والطفولة، طالما أنهم ملكنا فليسوا "أبناء الحياة" (!)، وهنا ليس المقصود بالبراءة التبسيط...
على سبيل المثال: تجربتنا تشبه تلك الرواية العالمية بعنوان "روبنسون كروزو" التي كتبها دانييل ديفو حول الإنسان الذي وحد نفسه في جزيرة بكر في أعالي المحيطات، أُجبر بها على إقامة جدران ومتاريس خشبية، بعد أن بنى له برجاً من الخشب بمثابة منزل، ليحميه من الضواري، ودجّن الحيوانات كي يعيش، بانتظار بارقة أمل للعودة إلى وطنه، وبعد جهود مضنية يكتشف أن هذه الأرض البكر الجميلة لا يوجد بها ضواري، ولكن في الجهة الأخرى من الجزيرة يوجد بشر من أكلة لحوم البشر، قبيلة لا تنفع معها الأبراج والأسوار، وقد استوحى الرواية من حياة أحد البحارة الاسكتلنديين الذي غرق مركبه، فالانسان عدو ما يجهل أليس هذا ما رسمه الانسان البدائي القديم على جدران الكهوف، رسم ما يخاف منه.. ثم قدّس ما رسمه.. أما آن الأوان لنخرج من كهوفنا الجديدة.. التي لم تأتِ بها آلهة أو شياطين.. نخرج منها لنقدس الحياة، فنتخلص من أكلة لحوم البشر المعاصرين..، عملاً بمقولة نيتشه "وأنت تطارد الوحوش حذارِ أن تتحول أنت أيضاً إلى وحش"..
إسألوا جوان قره جولي، يقول لكم إن الطفولة هي فلسفة انسانية، ويكمل: - لن تكون طفولة اطفالنا على ما يرام، ما دام ثقافتنا ونمطنا الأخلاقي لا ينتج ما يدخل إلى الطفولة. نفهمها أولاً نحن الكبار، فتعيد لنا طفولتنا الضائعة، خاصةً الكبار ونحن بحدود النحيب...
واقول للأخوين جوان واسماعيل: إن وراء كل عمل ثقافي اخلاق ثقافية وفلسفة كبيرة، ولا تشذُّ هنا عن هذه القاعدة، عن البراءة والمخيال الطفولي، إن موضوعة التفاعل مع الطفل، هي اعادة إحياء الطفل في دواخلنا، واستعادة تدفق ينبوع البراءة، فوراء الطفولة فلسفة انسانية، وهي للصغير والكبير.
شكراً للأخوين جوان واسماعيل لقد فتحتم ثغرة نحو براءتنا المستعادة.. شكراً لهذه الأسرة الجميلة المبدعة.. الأسرة بالمعنى العائلي والملموس.. هُمْ أبناء الوجد والابداع والثقافة الخلاقة، بدءاً من أن الثقافة سلوك.. ثقافة بلا أبواب مواربة.. أو لُبْس..
شكراً لكم وها نحن نتفرس من أجل رؤيا، تعيننا على "الكشف" بالمعنى الصوفي.. وشكراً على هذا اليوم الطويل الذي بدى "هنيهة"، فالانسان يمكن له أن يتجاوز محدوديته بالإبداع والتأمل الداخلي.. ولنسعَ معكم إلى امتلاك مساحة أوسع في هذه الرسالة الشاقة..



#رشيد_قويدر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأردوغانية والأطلسي وما بينهما
- البوتينية .. روسيا الصاعدة إلى ربيعها
- الديمقراطية والنفاق الاميركي.. و-اليورانيوم المنضب-
- عار التدخل الخارجي ... والإملاءات الأمريكية
- نايف حواتمة وجدلية الإنسان ... الوطن والحرية
- احتفاءً بفرح الطفولة وتكريس الربيع
- من أجل -جبهة ثقافية ديمقراطية ...-
- في -مدنيّة الدولة ... علمانية الدولة-
- -السنونو- في حفلها السنوي الأول
- -السنونو- تختم عامها الدراسي الأول
- المفاهيم الحرّة ... و -المستبد المهزوم-
- فقه اللامعقول ... الاستبداد والصنمية
- وهم البنى التقليدية ... وهم المثقف النخبوي
- ثقافة السلام ... وميديا - السلام مهنتنا -
- الثقافة وجرعاتها الوقائية العالية
- قيمة الزمن .. قيمة الشعور بالمسؤولية ..
- يا إلهي ... ما -أقدس- الحاكميات العربية ... !
- في الثقافة الوطنية والعالمية ...
- الثقافة .. والوعي التاريخي
- إشعاعات ثورة أكتوبر البلشفية


المزيد.....




- الاحتلال الإسرائيلي يشن حملة اعتقالات في الضفة الغربية
- الأونروا: نزوح قرابة 300 ألف شخص من رفح خلال أسبوع
- العراق .. الخارجية البرلمانية تدعو للبدء باجراءات انهاء عمل ...
- الحرب على غزة في يومها الـ219.. القصف الإسرائيلي يستمر ويترك ...
- ترامب يقرأ كلمات أغنية -الثعبان- لوصف المهاجرين
- مفوض «الأونروا»: ادعاء وجود مناطق آمنة في رفح «كاذب ومضلل»
- ترمب يشبه المهاجرين بـ-ثعبان- مستعينا بأغنية شهيرة
- رئيس بلدية رفح: 48 ساعة تفصلنا عن المجاعة والعطش.. على العال ...
- الأمم المتحدة تؤكد إطلاق نار من -أسلحة ثقيلة- في الفاشر بالس ...
- الآلاف يتظاهرون في مدريد دعما للفلسطينيين ورفضا للحرب في غزة ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - رشيد قويدر - إعادة بناء البراءة...