أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلامة كيلة - الحركة القومية العربية: تجربة نصف قرن - فصل من كتاب -الهزيمة والطبقات المهزومة-















المزيد.....



الحركة القومية العربية: تجربة نصف قرن - فصل من كتاب -الهزيمة والطبقات المهزومة-


سلامة كيلة

الحوار المتمدن-العدد: 3696 - 2012 / 4 / 12 - 01:11
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


(فصل من كتاب "الهزيمة والطبقات المهزومة" صدر عن دار فضاءات في عمان)
نشأت الحركة القومية العربية، أقصد هنا حزب البعث العربي الاشتراكي الذي تأسّس سنة 1947، حركة القوميين العرب التي تأسّست سنة 1951، الناصرية التي بدأت بعد ثورة يوليو سنة 1952 وتشكّلت كتيار وكحركة سياسية بعد سنة 1956. أقول نشأت الحركة القومية في المرحلة التالية للحرب العالمية الثانية. حيث كانت الدول الاستعمارية – بريطانيا وفرنسا خصوصاً – قد أُنهكت وأخذت تنسحب من مستعمراتها بفعل الوضع العالمي الذي تشكّل على ضوء موازين القوى التي أوجدتها الحرب ذاتها، التي أسست لبروز الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي كقوّتين جديدتين، حيث كانت الحرب الباردة قد بدأت بينهما.
فقد أوجدت هذه التحوّلات خلخلة في السيطرة الرأسمالية على العالم، أوجدت حليفاً مهماً لما بات يسمّى منذئذ: حركات التحرّر القومي، هو المنظومة الاشتراكية التي باتت تشمل مساحة واسعة في رقعة العالم. حيث كانت معنية في الاستفادة من كل الصراعات التي باتت تقوم ضد المنظومة الرأسمالية، الأمر الذي كان يربك السياسات الرأسمالية ويضعف من قدرتها على التحكُّم بالأمم المتخلّفة والمستعمرات.
هذا الوضع هو الذي تطوّرت فيه الحركة القومية العربية. كانت هزيمة فلسطين سنة 1948 وقيام الدولة الصهيونية هما عنصر الفعل المباشر لنهوضها، وتحوّلها إلى قوّة تغيير طالت مصر وسوريا والعراق والجزائر واليمن الجنوبي والسودان وليبيا، خلال عقدين من الزمن ( 1952- 1969 ). إذ كانت قد بدأت في كل من مصر والسودان وليبيا دون حزب، ومن ثَمّ تبلورت في حركة أو تيار، هذا هو حال الناصرية، فقد بدأت في المشرق العربي من خلال حركة حزبية كان حزب البعث العربي الاشتراكي أكبرها، لكنها ضمّت كذلك حركة القوميين العرب، تلك الحركة التي سرعان ما تماهت مع الناصرية قبل أن تتفكّك وتتحوّل فروعها في الأقطار العربية إلى الماركسية، وبالتالي تنشئ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وتستلم السلطة في اليمن الجنوبي بعد حرب تحرير قادتها الجبهة القومية. من ثَمّ لتجري محاولة لإعادة تأسيسها من جديد في إطار حزب العمل الاشتراكي العربي، الذي كان عبارة عن توحيد بعض فروع الحركة التي اعتنقت الماركسية، لكن فروع الحزب ظلّت ضعيفة، كذلك كان المركز الذي بدا كتحالف لتلك الفروع التي كانت بمثابة أحزاب "مستقلة"، كان أكبرها وأهمها: الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. ربما كان وضع الجبهة يحتاج إلى تقييم خاص، كذلك تجربة اليمن الديمقراطية الشعبية.
لكن كان الدور الأهم في المشرق العربي خصوصاً، هو لحزب البعث العربي الاشتراكي، حيث استطاع أن يستولي على السلطة في كلٍّ من سوريا والعراق، وأن يمتدّ وجوده التنظيمي إلى كل من الأردن ولبنان وفلسطين واليمن الشمالي والجنوبي والسودان وتونس، وإلى موريتانيا أيضاً. بالتالي فإنَّ تقييم تجربة الحركة القومية العربية في المشرق العربي، يدفع إلى التركيز على تجربة حزب البعث ذاته (**). تجربته في السلطة خصوصاً لأنِّ انتشاره خارجها في البلدان الأخرى أصبح انعكاساً لسلطته، إنحكم لتكتيكاتها. إضافة إلى أنَّ انقسامه بين سوريا والعراق بعد أن حكم في كل منهما، تعمّم انقساماً في البلدان الأخرى كذلك. بغضّ النظر عن حجمه في هذه البلدان، حيث كان كبيراً في بعضها ( الأردن، لبنان، اليمن ) صغيراً في البعض الآخر ( تونس، السودان )، فقد لعب دور المعارضة أو هادن، وفق علاقة الحزب/السلطة في كل من سوريا والعراق بالبلد المعني. حيث كان "تطوير" الأفكار ورسم السياسات من اختصاص "المركز" السوري أو العراقي.
فقد نشأ حزب البعث العربي (هذا هو اسمه الأوّل قبل أن يتّحد سنة 1953 مع الحزب العربي الاشتراكي)، بعد تلاشي الحركة القومية العربية القديمة، التي لعبت دوراً في النصف الأوّل من القرن العشرين، من أجل تحقيق استقلال العرب ووحدتهم، التي كانت الانعكاس السياسي لأفكار عصر النهضة العربية. لكنها سرعان ما تفكّكت إلى أحزاب قطرية، دخل بعضها في مساومات مع الاستعمارين الإنجليزي الفرنسي، لقطف ثمار نضالها واستلام السلطة. بالتالي التخلّي عن الأهداف القومية التي كانت قد ناضلت من أجلها، والتكيُّف مع السياسات الاستعمارية سواء فيما يتعلّق بالإقرار بالتجزئة التي أنشأتها اتفاقيات سايكس/بيكو في المشرق العربي، بتكريس البنى الاقتصادية/الاجتماعية التي كانت قائمة ( هي بنى إقطاعية في الغالب، أو عشائرية )، من ثَمّ التخلّي عن حلم التطوّر الصناعي وتحقيق الحداثة، هذا الحلم الذي بزغ منذ تجربة محمد على باشا.
وهنا يجب أن نلمس مسألة في غاية الأهمية، كان لها الأثر الكبير في صياغة تجربة الحركة القومية العربية بمجملها، وتجربة حزب البعث على الخصوص، سواء فيما يتعلّق بالأهداف التي طرحتها أو في الأساليب التي اعتمدت عليها للوصول إلى السلطة. فقد كان فشل الحركة القومية القديمة ( أيضاً فشل أحزاب وطنية في أكثر من بلد عربي، مثل الوفد في مصر ) هو التعبير عن العجز الذي كان يعانيه الميل الذي كان يبرز بين الحين والآخر، لتحقيق الانتقال من العلاقات الزراعية والمجتمع الزراعي إلى العلاقات الصناعية والمجتمع الصناعي، هذا الميل الذي حُمل كمشروع سياسي منذ تجربة محمد علي باشا وأحمد عرابي، حُمل كمشروع اقتصادي من قِبل بعض الفئات الموسرة التي حاولت التوظيف في الصناعة ( المثال الأبرز هنا هو تجربة بنك مصر ). لكنه هُزم عبر القوّة في الحالة الأولى، عبر المنافسة والسياسات الاستعمارية وتبعية الأنظمة في الحالة الثانية (1). لهذا تكيّفت الحركات السياسية التي لعبت دور التغيير مع السيطرة الاستعمارية أو حصلت على الاستقلال بالتوافق مع الدول الاستعمارية. ظلّت العلاقات الإقطاعية هي المسيطرة، بعد أن تشابكت مع الرأسمال العالمي عبر الفئات التجارية التي كانت تتشكّل. فخبا الطموح نحو التطوّر والحداثة والوحدة، وقُبل الأمر الواقع الذي رسمته الدول الاستعمارية.
كان البديل عن هذا الخيار التطوّري هو ما بات يتوضّح منذ ثورة أكتوبر الروسية سنة 1917، الذي امتدّ إلى الصين والهند الصينية وبلدان أخرى، هو المشروع الشيوعي. لكن الحركة الشيوعية العربية حملت مشروعاً آخر، تحدَّد في مساندة البرجوازية في تحقيق مشروعها الرأسمالي الذي قلنا للتو إنّه فشل (2)، بهذا كانت التناقضات المجتمعية تتفاقم، خصوصاً في الريف الذي كان يعاني من وطأة العلاقات الإقطاعية، لكن في المدينة كذلك حيث بداية نشوء الطبقة العاملة. كان تفاقمها يفرض تحقيق الاستقلال والإصلاح الزراعي والتصنيع، أيضاً الوحدة والحداثة. كان الوضع الدولي الجديد الذي جرت الإشارة إليه، يفتح الإمكانات التي كانت تبدو مغلقة قبلئذٍ.
نشوء حزب البعث ارتبط بذلك، حيث بدأ بما يمكن أن نسميه بتحفُّظ كانشقاق في التيار الشيوعي في سوريا ولبنان خصوصاً، أو كابتعاد مبكِّرٍ عنه. حيث ترك ميشيل عفلق وصلاح البيطار موقعيهما على هامش الحزب الشيوعي السوري اللبناني ( كما كان يسمّى آنئذ )، ليبدآ رحلة تأسيس البعث العربي(3). لقد كانت سياسات الحزب الشيوعي إلى سنة 1935 تقوم على أساس رؤية عربية عامة، تهدف إلى تحقيق الوحدة القومية العربية والاستقلال والإصلاح الزراعي والحداثة والديمقراطية (4)، هذا ما كان يجعل عفلق والبيطار في التيار. لكن التحوّل الذي تحقّق سنة 1937 قلب سياسات الحزب، لتصبح قطرية داعمة للتطوّر الرأسمالي الذي كان يبدو أنه في مأزق (5). هذا التحوّل دفع إلى تأسيس تيار البعث الذي أصبح هو القوّة المهيمنة بعد ذلك.
إذن، كان البعث يطرح "خياراً ثالثاً" في عالم كان يتوضّح أن التطوّر الرأسمالي لم يعُد ممكناً نتيجة هيمنة النمط الرأسمالي العالمي واحتجازه التطوّر في الأطراف، وبات الخيار الاشتراكي هو الذي ينتصر في أرجاء العالم المتخلِّف. لهذه الواقعة أهمية تتعلّق بالتكوين الذي صِيغت فيه تجربة الحركة القومية العربية ككل، حيث بدت أنها تحقِّق التطوّر الرأسمالي في شكل اشتراكي، رغم أن المآل أوضح أنها محاولة لم يُكتب لها النجاح، وسرعان ما أفضت إلى التكيُّف مع السيطرة العالمية للرأسمالية. لقد كانت الظروف الواقعية تدفع نحو التخلّص من الاستعمار ومن الطبقة التابعة له، التي كانت تتشكّل من كبار ملاّك الأرض البرجوازية التجارية المتداخلة معهم، ومن الوجاهات وأعيان المدن. كانت الأزمة الاجتماعية تتفاقم. لكن كانت الفئات التي قادت الحركة القومية التي حملت مشروع التقدّم قد تخلّت عنه، كان البديل الشيوعي لا زال يأمل أن تنتصر الرأسمالية. الأمر الذي دفع بفئات جديدة كي تقوم بدور تغييري عبر الانقلاب العسكري، في وضع دولي (أشرت إليه منذ البدء) كان يسمح بأن يتحقّق الانقلاب وأن يتحوّل إلى "ثورة"، حيث قامت الفئات المنتصرة عبر الجيش بتدمير البنى الاقتصادية والاجتماعية المكرّسة بفعل السيطرة الاستعمارية، باتخاذ سياسة معادية للرأسمالية عبر التأكيد على الاستقلال وتحقيق التطوّر والسعي لتحقيق الوحدة العربية.
نشوء الحزب:
ولقد تشكّل الحزب من فئات مدينية مثقفة متعلمة درس بعضها في أوروبا ( ميشيل عفلق )، كان ذا ميول يسارية، لكنه تأثّر بالميول القومية الأوروبية، بنقد التجربة السوفييتية ( نقد أندريه جيد ورومان رولان ) (6). لهذا كانت الفكرة القومية هي محور سياسة البعث، بدت المسائل الأخرى التي جرى اعتناقها لاحقاً كمكمّل لذلك (7). من هنا جرت الإشارة إلى الطابع "الرومانسي" لفكر البعث، حيث "القومية قدر محبّب"، "القومية حب"، "القومية حقيقة حيّة خالدة" (8). هذا ما أسّس لإشكالٍ عميق فيما يتعلّق بمسألة الوحدة العربية، التي بدا تحقّقها قدرياً نتيجة أنه يرتبط بوعي ضرورتها فقط (9). سنلحظ أنَّ مشروع البعث تجاوز مشروع النهضة العربية الذي نادى به مفكرون عرب منذ بداية القرن العشرين، في سياقين ملتبسين، الأوّل: "الاشتراكية"، حيث كان المشروع النهضوي مشروعاً رأسمالياً بشكل واضح، الثاني: تهميش الديمقراطية التي كانت عنصراً أساساً في المشروع النهضوي. لكن يمكن أن نشير هنا إلى أنَّ مشروع البعث افتقد عقلانية المشروع النهضوي كذلك، وتشرّب صوفيّة ظلّت تحكمه (10).
لكن قوّة الحزب ونفوذه تشكّلا بعد أن استطاع أن يتغلغل في الريف، وأن يعبِّر عن تناقض الفلاحين مع الإقطاع وكبار الملاّك في مناطق هامة من سوريا خصوصاً، حيث كان الريف يشكّل الكتلة الأساسية من السكان، وكان الصراع بين الفلاحين وكبار الملاك الإقطاعيين هو محرّك الصراعات في المجتمع. كان الإصلاح الزراعي ضرورة أساسية لتجاوز اضطهاد الفلاحين وفقرهم وتخلّفهم. هذا الوضع هو الذي كان يدفع فقراء الريف إلى الانخراط في الجيش الذي أصبح منذ انكشاف الوضع الدولي وإحساس الشعب أنه غير قادر على الاستمرار في وضعه القائم، هو قوّة التغيير التي كنست النظم القديمة والطبقة المسيطرة الممثلة في كبار الملاّك والبرجوازية التجارية والوجاهات، وفتح الأفق لتحقيق تغيير عميق في بنية المجتمع، وبالتالي تحوّل من أداة للسلطة القديمة إلى هادم لها.
ورغم أنَّ مختلف القوى السياسية كان لها وجودٌ في الجيش، والشيوعيون خاصة، إلا أن قوّة البعث في سوريا والعراق هي التي دفعت الجيش لأن يقود الحزب إلى السلطة، وأن يصبح "ضبّاط" الحزب هم من يقرِّر سياسته، ومن يرسم مصيره، من بات هو الحزب في النهاية. لهذا بدت المسألة كأنها هيمنةٌ للريف على المدينة، قادت إلى "ترييف" المدينة، لكن أيضاً إلى تمدين المجتمع. الأمر الذي طبع التجربة بطابعه، وأسهم في تحديد مآلاتها.
وإذا كانت الفئات المدينية التي شكّلت الحزب تعطي الأولوية لمسألة الوحدة العربية للعمل القومي العام، وتطمح إلى تحقيق التطوّر، لكن في إطار ضبابي، فإنَّ سيطرة الفئات الريفية أعطت للتطوّر وللسلطة لوناً "عملياً"، ما قاد إلى تجاوز أولوية القومي لمصلحة "التطوّر القطري"، وجعل "الأهداف القومية" غطاءً لعملية داخلية قامت على أساس أولوية "المصلحة الخاصة" للفئات التي باتت حاكمة، في سياق تجربة حقّقت بعض التطوّر لكنها خدمت نشوء برجوازية جديدة حقّقت تراكمها الأوّلي عن طريق النهب في إطار سلطة استبدادية، حيث بات الحزب واجهة تتحقّق عبرها الهيمنة على الطبقات الشعبية، في إطار دور حاكم للأجهزة الأمنية المتعدِّدة.
ولا شك في أنَّ الدور المباشر لضبّاط الجيش القادمين من أصل ريفي، هو الذي أدى إلى ذلك. هنا تصبح تجربة الحزب هي تجربة السلطة، التي بات يُطرح أنها أداة تحقيق الوحدة العربية والتقدُّم وهزيمة الدولة الصهيونية. باتت فروع الحزب العربية امتداداً لهذه السلطة ومنفِّذ تكتيكاتها كما أشرت من قبل. إذا كان الحزب قد فشل في تحقيق أي شكل من أشكال الوحدة، حتى وهو يحكم في القطرين المتجاورين، سوريا والعراق، فقد باتت تجربة السلطة هي محدِّد مآله الأخير، لأنه تماهى بها وأُخضِع لها، ما أفرغه من مضمونه الشعبي الذي كان بدأ به، رغم تضخُّم عضويته، فقد بات منفِّذاً لسياسات يرسمها فرد هو الرئيس، وأصبحت العضوية تعني الخضوع من جهة، وتقود إلى تحقيق المصالح ( المادية والمعنوية ) من جهة أخرى.
هذا هو التوصيف الممكن لوضع الحزب، الذي بات "حاكماً" في سوريا والعراق، معارضاً مهمّشاً في الأقطار الأخرى. رغم أنه يمكن الإشارة إلى تمايزات بين تجربته في كل من سوريا والعراق، إلا أنَّ الطبيعة العامة للتجربتين كانت متشابهة إلى حدٍّ كبير، رغم "الحيوية القومية" التي ظلّت تطبع التجربة العراقية، و"الحكمة" التي طبعت التجربة السورية. لهذا يمكن أن يكون التقييم اللاحق شاملاً التجربتين معاً.
والمسألة الأساسية هنا تتمثّل في تحديد كيف أنَّ الأهداف القومية العامة، تمخّضت عن تجربة تطوّرية قطرية محدودة الأثر سرعان ما انهارت. بالتالي كيف تحوّل الحزب القومي إلى حزب قطري ذي امتدادات قومية؟ كيف أنَّ السلطة التي حظي بها الحزب أصبحت وسيلة نهب ودكتاتورية مناهضة للشعب بدل أن تكون منطلق تحقيق المشروع القومي؟
هذا التحوّل هو الذي يشكِّل تجربة حزب البعث العربي الاشتراكي. وهو التحوّل الذي كسر مسار الحركة الجماهيرية العربية التي كانت مندفعة لتحقيق الوحدة القومية والاستقلال والتقدُّم. وعمّق من وضع الدولة القطرية، وحاول تأسيس كيانيّتها (11). وأفضى إلى تفتيت الحركة السياسية وتهميشها، ما أوجد فراغاً سياسياً بات واضحاً للعيان.
السلطة البطركية:
وإذا كان الوصول إلى السلطة قد جعل الوضع الداخلي ذا أولوية، حيث من الضروري تحقيق تطوّر المجتمع، وتطوير قوّته، فقد بدا أنه أصبح مربكاً في سياق إكمال مهمات الحزب القومية، ربما نتيجة الإشكال الذي طرحه من حيث آليات الوصول إلى تحقيق الوحدة العربية، لأنَّ فكر البعث لم يكن واضحاً فيما يتعلّق بالطريق الموصل إلى الوحدة، على العكس بدا أنَّ الطريق هو طريق سحريّ ما دامت الأمة قدراً أو وعياً، وما دام تحقيقها يتطلّب وعي هذه الحقيقة فقط. فهل تكون القوّة هي طريق الوحدة أو ننتظر انتصار الحركة القومية في الدول الأخرى لكي تتحقّق الوحدة استناداً إلى "الرغبة الطيّبة" للقادة الوحدويين؟ هذه الرغبة الطيّبة لم تُفلح في تحقيق الوحدة السورية العراقية رغم الانتماء إلى حزب واحد، بل قادت إلى الانقسام إلى حزبين، وإلى تصعيد التناقضات بينهما إلى حدّ الصراعات العنيفة أحياناً، وإلى شقّ الحزب في الأقطار الأخرى إلى حزبين متعاديين. وأيضاً إلى تأسيس التحالفات العربية كلٌّ في مواجهة الآخر، ما أضعف دورهما العربي وكرّس النظام الإقليمي العربي.
هنا نلمس طبيعة السلطة التي تشكّلت بعد صراعات داخلية، في الحزب والجيش، وأدت إلى انتصار فئة وتشكيلها سلطة شمولية مستبدّة. لقد كان التكوين البطركي الذي كان يسود الريف، الذي كان نتاج "الإرث التاريخي" الطويل، القائم على سلطة مطلقة لها طابع أبوي (12)، تميل إلى تحويل "الزعيم" إلى أسطورة، وأحياناً إلى نصف إله. كان هذا التكوين هو أساس صياغة السلطة الجديدة، التي بدت مستبدّة إلى أبعد الحدود، ومطلقة المركزية، حيث كانت سلطة فرد هو ما يسمى الرئيس، عبر أجهزة أمنية متعدّدة، في غياب كامل لمفهوم الحق والقانون، حيث أجهزة الدولة هي المنفّذ لإرادة مطلقة. هذه الصيغة هي خلاصة التجربة التاريخية لدولة الخلافة، التي تكثّفت في الوعي الريفي وفي التكوين الاجتماعي الريفي، وعادت للبزوغ في المستوى السياسي مع سيطرة الفئات الريفية على السلطة. هنا يكون فكر حزب البعث قد نُحّي جانباً، أقصد ذلك الفكر المستمدّ من التراث الديمقراطي الأوروبي، الذي كان يؤكّد على "حرية الفرد"، وعلى حرية الكلام والاجتماع والاعتقاد التي كان يعتبر أنها مقدّسة كما صاغها الحزب في دستوره المقرّ سنة 1947(13). أيضاً على سيادة الشعب أنه مصدر كل سلطة. وعلى النظام النيابي الدستوري واللامركزية وحق المواطنة واستقلال القضاء (14). بالتالي أعاد إنتاج سلطة الخلافة في شكل جديد هو ما تبقّى من دستور الحزب. لنلمس كيف أنَّ كل الآليات الحديثة، من برلمان وانتخابات وأحزاب، باتت تخضع لسلطة مطلقة متمركزة بيد الرئيس، الذي يتعامل انطلاقاً من أنه "المخلّص"، "الملهم"، "الفذّ". ليكون العنف المتمثّل في سلطة الأجهزة الأمنية هو العلاقة الوحيدة بين السلطة والشعب، بالتالي السياسة والحركة السياسية، مع كل تململات المجتمع وميوله الاحتجاجية. حيث يعتبر ذلك تمرّداً على "الإرادة الإلهية"، وعصياناً عليها.
ولقد أفضى تكريس هذا النمط من السلطة إلى إعادة صياغة الحزب بما ينسجم مع كونه أداة منفّذة لإرادة الفرد، بالتالي أن يتخلّص من كل الاتجاهات المعترضة أو التي لها رأي ربما لا ينسجم مع "الفرد/ الإله". من ثَمّ أن يصبح "الولاء" هو المقياس لحسن السلوك، أيضاً للترقية في المناصب الحزبية في الدولة. الأمر الذي فتح الباب واسعاً لانخراط ذوي المصالح الخاصة، بعيداً عن أي همٍّ أيديولوجيّ أو سياسي، بالتالي بعيداً عن التفكير بالهمّ العام الذي كان هو الدافع لكل أفكار البعث. ليتحوّل الحزب من حزب "عقيدة" كما كان يقول إلى حزب مصلحة. فتتفشّى البراجماتية في صفوفه، ويصبح "الكسب" هو مقياس العلاقات والتحالفات، ما ربط قطاعات منه بالأجهزة الأمنية تحقيقاً لمصلحة حماية من عقاب على مخالفات ترتكب كل يوم. الأمر الذي أنتج جيلاً من الأعضاء لا يعرف السياسة إلا كونها مصلحة، ما يجعله الآن أضعف من أن يقود السلطة.
وبالتالي فقد كانت السلطة البطركية مدخلاً لتحقيق مصالح الفئات ذاتها، عبر نهب التراكم الرأسمالي الذي بات في حوزة الدولة. أصبح النشاط الاستثماري للدولة هو ذاته النشاط الذي يسمح باقتطاع جزء منه لمصلحة الفئات الحاكمة هذه. كما أصبح ضبط الدولة للعلاقات الاقتصادية (الاستثمارية التجارية) هو الأساس الذي بات يسمح بالمشاركة أو بالحصول على سمسرة، بغض النظر عن انعكاس ذلك على مجمل الاقتصاد الوطني. من هنا بات "القطاع العام" يعيش أزمة عدم الربحية (التي لعب سوء التخطيط وفرض الكادرات غير الكفؤة قيادة له، دوراً مهماً كذلك في الوصول إلى هذه النتيجة)، وبدأ يتعثّر. لكن كانت فئةٌ في السلطة تراكم الرأسمال (ربما كان الأدقّ القول إنّها كانت تراكم المال لأنها كانت تهرّبه إلى البنوك الأجنبية)، ربما تتقصّد إفشال شركات القطاع العام، من أجل أن تفرض ذاتها القوّة المهيمنة في الاقتصاد، لتندفع إلى تعميم اقتصاد السوق، إلى التشبيك مع الرأسمال العالمي.
إذا كانت هذه العملية تلغي الطموح القومي، وتقود إلى التكيّف مع مصالح الرأسمال العالمي، فقد كانت تنهي صيرورة التطوّر القطري كذلك، وتعيد إنتاج النمط الرأسمالي التابع رويداً رويداً. إن كانت لم تصل إلى هذا الحدّ في العراق حيث جرى إنهاء السلطة عبر الاحتلال الأميركي، فهي لا زالت تترنّح في سوريا، لكنها تقف على عتبة تغييرٍ تلعب الولايات المتّحدة دوراً رئيساً فيه، أو ربما تتكيّف المافيات التي أثرت مع سلطة الخارج، أو الاثنان معاً.
من "الاشتراكية" إلى النهب:
لكن لماذا هذا المآل، حيث تتحوّل الأحلام الكبيرة إلى نتوءات صغيرة؟
كان الوصول إلى السلطة أساس عملية تحوّل، قلبت الاهتمام من الأهداف العامة والسعي لتحقيق التطوّر العام للوطن العربي، إلى الميل لتحقيق المطامح الخاصة، التي كان تحقيقها يقوم على الضد من الأهداف العامة ويشكّل معيقاً لتحقيقها. ربما لم يكن هذا التحوّل واعياً، أي ربما لم تكن الفئات التي قادت السلطة تعي أن تحوّلاً يمكن أن يحدث نتيجة ميلها لتحقيق مصالحها في سياق تحقيق المصلحة العامة كما كانت تعتقد، لكن التجربة فرضت انتصار المصلحة الخاصة لتبدو الأهداف القومية كغطاء لذلك. هنا المسألة التي تحتاج إلى تأمّل، نحن نناقش مشكلة التطوّر، حيث سيبدو أن رابطاً دقيقاً يقوم بين ما يمكن أن نطلق عليه المصلحة القومية، وبين مصالح الفئات الاجتماعية التي تتبوأ عملية التغيير.
لقد تبنى حزب البعث الاشتراكية منذ تأسيسه ( 1947 )، واعتبر أنها "النظام الأمثل الذي يسمح للشعب العربي بتحقيق إمكاناته"، وأن "الثروة الاقتصادية في الوطن ملك للأمة"، وطالب بتحديد الملكية الصناعية والزراعية، وبإلغاء التفاوت والتمايز الطبقيين (15). لكنه أصرّ على التناقض مع النظرية الماركسية في هذا المجال، حيث أبقت "اشتراكية البعث" على "حق الملك" رغم أنها "حدّدته بقيود ثقيلة تزيل المحاذير التي تنشأ عنه" (16). لتمتاز عن الماركسية "بالحق في الملكية الخاصة بالحرية" (17). بمعنى أنَّ الاشتراكية هنا لا تقوم على إلغاء الملكية الخاصة، بل تقوم على ما يمكن أن نسميه التساوي في الملكية، أو تقليل الفروق بين الملكيات. هذا النمط من الاشتراكية كان معروفاً في أوروبا قبل الماركسية، دخل ماركس في سجال مع أطيافها، مؤكّداً أن وجود الملكية ذاتها هو الذي يُنتج اللامساواة والتمايز الطبقي، أساساً الطبقات المتصارعة (18). ربما توضّح تجربة البعث هذه المسألة بجدارة، حيث إنَّ الشكل المطلق الذي طرح فيه حق الملكية فتح الشهية للخروج على الضوابط الأخلاقية، وسمح بـ " الاعتداء على الأموال العامة" لتحقيق التراكم الأوّلي الذي أفضى إلى تحقيق التمايز الطبقي في الواقع، وإلى إعادة الاستقطاب بين أقلية غنية وأغلبية مفقرة. فقد بدت السلطة كوسيلة نقل للثروة من طبقة إقطاعية رأسمالية قديمة إلى طبقة جديدة، أصبحت جزءاً من الرأسمالية التابعة.
وإذا كانت هذه النزعة تعبّر في المرحلة الأولى من تأسيس البعث عن ميول الفئات المثقفة المدينية التي كانت تحس بوطأة التطوّر من خلال الحاجة لدور الدولة في تحقيقه، لأنَّ البرجوازية كانت عازفة عن بناء الصناعة. لهذا طُرحت الاشتراكية كنظام اقتصادي فقط في هذا السياق، على خلاف الاشتراكية الماركسية التي كانت الاشتراكية بالنسبة لها تمسّ التكوين المجتمعي ( الطبقات والحياة الروحية ) (19)، بالتالي دُمجت في هذا الإطار في رؤية فكرية لا تمنع الملكية الخاصة بل تكرِّسها. إذا كانت هذه النزعة تعبّر عن ذلك، فقد أدى اندماج البعث بحزب فلاّحيِّ الطابع سنة 1953، هو الحزب العربي الاشتراكي الذي أسّسه أكرم الحوراني في مدينة حماة وريفها خصوصاً، إلى أن يُعطى مفهوم الاشتراكية معنى آخر، ارتبط بميل الفلاّح إلى التملُّك، بالتالي باتت الاشتراكية تعني حقَّ المساواة في التملُّك، أو تعميم الملكية الزراعية عبر مصادرة جزء من أملاك كبار الملاّك وتوزيعه على الفلاحين دون تحقيق المساواة، كما حدث في قوانين الإصلاح الزراعي.
ولقد تداخل المعنيان ليشْكلا على "الملكية العامة" التي باتت في حوزة الدولة، حيث بزغ الحق في التصرّف في هذه الملكية التي أسميت "ملكية عامة" (أو قطاعاً عاماً)، وطغى النزوع لتحقيق التملّك الفردي، الأمر الذي أدى إلى المراوغة والتحايل، من ثَمّ إلى السرقة والسمسرة، أيضاً النهب. ليصبح حق التملّك هو حق الإثراء والتحوّل إلى طبقة رأسمالية جديدة، لكن ليس عبر المنافسة بل عبر النهب واقتطاع جزء كان لا يني يتضخّم من ما كان مفترضاً أنه ملكية عامة، في ظلّ سلطة مستبدّة تخفي ما يجري بالعنف ( ملاحقة الحركة السياسية المعارضة )، وتهيمن على المجال السياسي وعلى المجال المجتمعي أيضاًً ( النقابات )، وعلى الصحافة، والجامعات المدارس، وعلى المؤسسات الأهلية.
لقد ضاع الفاصل بين الخاص والعام من أجل أن يتحوّل العام خاصاً. بهذا بدأ يتسرّب التراكم الرأسمالي من الدولة إلى الأفراد، بدل أن يعاد توظيفه في الإنتاج أصبح يهرّب إلى البنوك الأجنبية. هذه هي صيرورة التفكّك، التي عنت توقّف الخطوات المهمة التي بدأت مع التجربة، المتمثّلة في إزالة الإقطاع والرأسمالية التجارية التابعة، وتحقيق الإصلاح الزراعي، والبدء بالتصنيع، وتعميم التعليم الإلزامي المجاني، وحقوق العمال في العمل والأجر المناسب والضمان الاجتماعي. من ثَمّ توقّف التوسّع الصناعي وبناء القاعدة التحتية، وتشوّه التعليم ( الذي أسمي تبعيث التعليم )، ودخل الاقتصاد في أزمة عميقة نتيجة سوء التخطيط وعدم الكفاءة والنهب، وتحقُّق التمايز الطبقي بين أقلية بالغة الثراء وأغلبية مفقرة تعاني من البطالة. بالتالي ناسَ مشروع التقدّم، انتصر منطق الالتحاق بالرأسمال العالمي من موقع التابع، عبر العودة إلى اقتصاد السوق والخصخصة تحكّم الرأسمالية التابعة. هذا هو وضع سوريا اليوم، بينما انتهت التجربة العراقية قبل أن تتفسّخ بعد أن دخلت في حروب متعدِّدة كانت جزءاً من محاولات الخروج من مأزق التناقض بين المشروع القومي والتجربة القطرية، أو في مواجهة الدور الإمبريالي الذي عمل على حصارها من ثَمّ هزيمتها باحتلال العراق.
خلاصة:
إذن، سنلمس هنا أنَّ التجربة واجهت مشكلات ثلاثاً. فقد واجهت أوّلاً مشكلة الفئات التي لعبت دور القيادة، حيث قاد التغيير الأوّلي الذي أحدثته في البنى الاقتصادية والاجتماعية بعد أن أصبحت هي السلطة، إلى أن يتغلّب موضوعياً منطق المصالح على منطق الأهداف والشعارات الكبيرة والمصلحة العامة، الأمر الذي جعل محاولة التطوّر قصيرة المدى مؤلمة لم تفعل سوى تدمير البنى القديمة وتحقيق بعض التحديث وتحسُّنٍ في التعليم. واجهت ثانياً مشكلة التناقض المزمن مع القوى العالمية المسيطرة، أي قوى النمط الرأسمالي العالمي، التي تحتجز التطوّر في الأطراف، بالتالي تمنع بناء الصناعة والوحدة القومية والحداثة ( بما فيها في مجال الفكر والنظم السياسية )، لهذا ليس من رادع أمامها في التدخّل والتغيير بالقوّة، خصوصاً بعد انهيار المنظومة الاشتراكية. ثالثاً مأزق الرؤية الفكرية التي حكمت الحركة القومية العربية، خصوصاً حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي كان تكوينه الأوّلي يتّسم بالرومانسية المفرطة، وكان منطقه يكرّس القدَرية العفوية، تسكنه إرادوية هائلة ما دام أن وعي وجود الأمة يفضي حتماً إلى تحقُّق وحدتها، ويعاني من اختلاط التصوّرات كما حاولت التوضيح فيما يتعلّق بالاشتراكية. حين حاول الإفادة من الماركسية والتجارب الاشتراكية تعامل مع الأفكار من زاوية تقنيّة بحتة بما يخدم التخطيط الاقتصادي أو آليات القمع السلطوي. هذا الفكر لم يكن قادراً على وعي الواقع بتنوّعه وتعدُّده وعمق مشكلاته، بالتالي على صياغة الرؤية التي تقود إلى تغييره. هذا الفكر فتح الأفق لانتصار الاختيارات الذاتية، البراجماتية العملية التي رجّحت مصالح الأفراد في عملية نهب سريعة، دون المقدرة على بناء ما يساعد على دوام التطوّر وعلى حمايته في مواجهة القوى الرأسمالية.
وإذا كان حزب البعث السوري ينتظر النهاية، فإنَّ البعث العراقي ينخرط في المقاومة ضد الاحتلال الأميركي، لكنه ينخرط محمّلاً بإرث ثقيل من العنف الدموي الداخلي ومن ممارسات الاضطهاد السياسي ضد المعارضة، ومن سلطة غاشمة مستبدّة. الأمر الذي يلقي بظلاله على إمكانيات أن يلعب دوراً مهماً في المقاومة، نتيجة العجز عن استقطاب القاعدة الشعبية الضرورية لأن يصبح قوّة أساسية. من ثَمّ يبدو وضع الحزب في الوطن العربي صعباً، لا يبدو أنه يمكن أن يلعب دوراً ذا بال.
ويمكن هنا الإشارة إلى أنَّ الحركة القومية العربية باتت في مأزق عميق، حيث لا زالت غير قادرة على تحليل أزمة انهيار نُظمها، كيف يمكن أن تحقِّق التطوّر دون أن تكسر أحلامها وتُنبت طبقة جديدة حريصة على الارتباط بالرأسمال العالمي، لا كيف يمكن أن تتحقّق الوحدة العربية، حيث مالت كل البحوث في هذا المجال نحو "التريّث" التدرّج راهنت على البدء من الاقتصادي ( الوحدة الاقتصادية التي خُفِّضت إلى السوق الاقتصادي ). إذا كان الفكر القومي بات يتبنى مسألة الديمقراطية كونها الحل السحري لتجاوز مشكلات الحركة القومية، فإنَّ ذلك لم يسمح لهذا الفكر بأن يعيد إنتاج مجمل الفكر القومي في صيغة مطابقة للواقع القائم، لم تشكّل الديمقراطية مخرج النجاة بعد تجربة مؤلمة قادها هو في السلطة، أو بفعل المآل الذي أفضت إلية التجربة ذاتها.

______هوامش:
(**) ركزت هنا على تجربة حزب البعث، وفي سورية خصوصاً، ولقد ناقشت التجربة الناصرية في مكان آخر، يمكن العودة إلى:
سلامة كيلة، "التطور المحتجز"، سبق ذكره، الصفحات 73-88.
كذلك جرت مناقشة التجربة العراقية، والسورية، في:
سلامة كيلة، "إشكالية الحركة القومية العربية"، سبق ذكره، الصفحات 321-349.
(1) لقد حاولت دراسة ذلك في: سلامة كيلة، " التطوّر المحتجز: الماركسية اختيارات التطوّر الاقتصادي الاجتماعي في الوطن العربي"، دار الطليعة الجديدة، دمشق، ط1،2003.
(2) يمكن العودة إلى: سلامة كيلة، " مشكلات الماركسية في الوطن العربي "، دار التكوين، دمشق، ط1، 2003.
(3) انظر حول ذلك في: ميشيل عفلق وصلاح البيطار، " القومية العربية موقفها من الشيوعية "، إصدار مكتب البعث العربي، دمشق 1944.
(4) انظر الوثيقة في: محمد كامل الخطيب ( تحرير وتقديم ) ، " القومية والوحدة "، سلسلة قضايا وحوارات النهضة العربية، إصدار وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية، دمشق 1994، حيث ترد الوثيقة في القسم الثالث الصفحات 1105- 1116.
(5) انظر المقدّمة التي كتبها خالد بكداش في: ستالين " طريق الاستقلال: المسألة الوطنية، نشؤها- تطوّرها- حلولها "، مكتب المطبوعات السياسية الاجتماعية 1939. يمكن معرفة رأي عفلق بشكل واضح محدَّد في: ميشيل عفلق وصلاح البيطار "، القومية العربية موقفها من الشيوعية "، مصدر سبق ذكره.
(6) موقف عفلق من التجربة الاشتراكية، الاتحاد السوفييتي، رأي أندريه جيد وارد في: ميشيل عفلق وصلاح البيطار، " القومية العربية "، سبق ذكره.
(7) يمكن العودة إلى: ميشيل عفلق، " في سبيل البعث "، دار الطليعة، بيروت، ط3، تشرين الثاني 1963، الصفحة 199.
(8) عفلق، " في سبيل البعث "، سبق ذكره، الصفحات 45- 49. سنلمس أنَّ هذا المنطق قد انعكس في دستور الحزب المقرّ سنة 1947. انظر، محمد كامل الخطيب ( تحرير وتقديم )، " القومية والوحدة"، سبق ذكره، صفحة 1150. هنا بحث وافٍ في هذه المسألة في: مصطفى دندشلي، " مساهمة في نقد الحركات السياسية في الوطن العربي، حزب البعث العربي الاشتراكي 1940- 1963" الجزء الأوّل، إصدار المؤلف ط1، 1979. الصفحات 75- 76.
(9) مصطفى دندشلي، " مساهمة "، سبق ذكره، الصفحات 88- 90.
(10) المصدر السابق، الصفحات 40- 44.
(11) انظر معالجة لهذا الموضوع في: جورج طرابيشي، " الدولة القطرية النظرية القومية "، دار الطليعة، بيروت، ط1.
(12) في هذا المجال يمكن العودة إلى: الدكتور هشام شرابي "البنية البطركية، بحث في المجتمع العربي المعاصر "، دار الطليعة- بيروت، ط1، 1987. أيضاً، الدكتور هشام شرابي، " النظام الأبوي إشكالية تخلّف المجتمع العربي "، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، ط1، 1992.
(13) يمكن العودة إلى دستور الحزب المنشور في: محمد كامل الخطيب (تحرير وتقديم ) ، " القومية والوحدة "، سبق ذكره، الصفحة 1149.
(14) المصدر ذاته، الصفحة 1151، أيضاً الصفحات 1152 1153.
(15) المصدر ذاته، الصفحات 1151 أيضاً 1154، كذلك 1157.
(16) عفلق، " في سبيل البعث "، سبق ذكره، صفحة 211.
(17) انظر دراسة ميشيل عفلق، الاشتراكية الحرية الإنسانية، واردة في: مجموعة كتّاب " دراسات في الاشتراكية "، دار الطليعة، بيروت 1960، ص 138- 159.
(18) هذا ما يعالجه كلّ من ماركس إنجلز في الفصل الأخير من البيان الشيوعي، انظر: كارل ماركس فريدريك إنجلز، " البيان الشيوعي "، دار دمشق، دمشق، ط1/ 1959. لقد اعتمدنا على الطبعة الرابعة الصادرة سنة 1972، الصفحات 79-96.
(19) عفلق، " في سبيل البعث "، سبق ذكره، صفحة 199، أيضاً صفحة 210.



#سلامة_كيلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخلافة الإسلامية وأوهام العودة إلى الوراء
- مصائر الشمولية سورية في صيرورة الثورة
- سلامة كيلة في حوار مفتوح حول: الانتفاضات في الوطن العربي، لم ...
- بعد انتصارات الإسلاميين: الفارق بين الإسلام التركي والإسلام ...
- بعد الانتفاضات العربية الإسلام السياسي في قمة مجده أو.. غرور ...
- ماذا بعد تشكيل المجلس الوطني السوري؟ حال المعارضة السورية بع ...
- عن دور الإسلاميين في الانتفاضة السورية
- حدود -الممانعة- السورية
- الماركسية و دور اليسار في الثورات العربية
- في مصر، النظام لم يسقط بعد
- إستراتيجية مكافحة الثورات العربية
- المقاومة والممانعة في زمن الانتفاضات العربية
- موجة الانتفاضات الثانية في الوطن العربي
- من أجل حزب يمثل العمال والفلاحين الفقراء في سورية - الواقع ا ...
- ... عن أميركا والمؤامرة والتشكيك بالثورات العربية
- ضد الليبرالية في سورية
- سورية أيضاً، لِمَ لا؟
- نحو حزب شيوعي عربي جديد-2
- حول الموقف الأميركي والأوروبي من التغيير في تونس ومصر، وربما ...
- شرارة الانتفاضة تصل ليبيا والعراق


المزيد.....




- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...
- تحت حراسة مشددة.. بن غفير يغادر الكنيس الكبير فى القدس وسط ه ...
- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري


المزيد.....

- مساهمة في تقييم التجربة الاشتراكية السوفياتية (حوصلة كتاب صا ... / جيلاني الهمامي
- كراسات شيوعية:الفاشية منذ النشأة إلى تأسيس النظام (الذراع ال ... / عبدالرؤوف بطيخ
- lمواجهة الشيوعيّين الحقيقيّين عالميّا الإنقلاب التحريفي و إع ... / شادي الشماوي
- حول الجوهري والثانوي في دراسة الدين / مالك ابوعليا
- بيان الأممية الشيوعية الثورية / التيار الماركسي الأممي
- بمناسبة الذكرى المئوية لوفاة ف. آي. لينين (النص كاملا) / مرتضى العبيدي
- من خيمة النزوح ، حديث حول مفهوم الأخلاق وتطوره الفلسفي والتا ... / غازي الصوراني
- لينين، الشيوعية وتحرر النساء / ماري فريدريكسن
- تحديد اضطهادي: النيوليبرالية ومطالب الضحية / تشي-تشي شي
- مقالات بوب أفاكيان 2022 – الجزء الأوّل من كتاب : مقالات بوب ... / شادي الشماوي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - سلامة كيلة - الحركة القومية العربية: تجربة نصف قرن - فصل من كتاب -الهزيمة والطبقات المهزومة-