أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جاسم العبودي - عندما تُكتب الوفاة على أب حيّاً














المزيد.....

عندما تُكتب الوفاة على أب حيّاً


جاسم العبودي

الحوار المتمدن-العدد: 3685 - 2012 / 4 / 1 - 06:55
المحور: حقوق الانسان
    


عندما تُكتب الوفاة على أب حيّاً
د. جاسم العبودي
في 19 من آذار (مارس) عام 1948، قررت معلمة اسمها Manuela Vicente Ferrer (ت 1996) في مدرسة إبتدائية في حي فقير أسباني، بناء على طلب آباء الطلبة الغيورين من "عيد الأم"، أن تحتفل بيوم "الأب". وقد اختارت لهذا اليوم، يوم "القديس يوسف"، كأب مثالي، ومعيل أسرة مسيحية متواضعة وعاملة. كما صادف هذا اليوم "يوم أول دستور أسباني" والذي كتب في مدينة قادس عام 1812.
وفي عام 1949 نشرت هذه المعلمة فكرتها في أحدى الصحف المحلية، ولم تعمم في جميع ربوع أسبانيا حتى عام 1951، فانضمت أسبانيا إلى الدول التي تحتفل بيوم الأب الذي يختلف من بلد إلى آخر. وهو عطلة رسمية فيها، يكرم فيه الآباء، تغدق عليهم الهدايا، عرفانا وشكرا لدورهم.
ويقال أن أصل هذا العيد ينحدر إلى ما قبل 4000 سنة في بابل القديمة، عندما عبّر شاب اسمه Elmesu عن حبه الجارف لوالده لرعايته له، فكتب له أمنياته له على لوحة مصنوعة من الطين، وأهداها له.
ترى لنرى هل لهذا الأب عيد أو يوم في مدن العرب المبعثرة ؟
لا يختلف اثنان في قدسية منزلة الأب دينياً، لكن الواقع الاجتماعي العربي الذي يعتمد على النظرة الدينية ظاهريا المطعمة بالقبلية قلبا، يعكس عموما صورة مغايرة مرّة وأليمة.
ولنكن أكثر دقة، نأخذ العلاقة الزوجية في بلدين: الأول عربي وليكن العراق، والثاني أوروبي (أسبانيا)، نجدها في الأول تتحكم بها العلاقة الدينية العشائرية على حساب قوانين الأحوال المدنية، بينما في الثاني قانونية مدنية صرفة. ترى ماذا يعني هذا ؟
إن معايشة الواقعين، تقودك إلى حقيقة مدهشة ومؤلمة، أن حقوق الزوجية (بما فيها الأبناء) واضحة وحقانية كعين الشمس في الحالة الأسبانية، بينما في الحالة العراقية سائبة غامضة وغير عادلة.
خذ مثلا الطلاق، فإن شروطه تتم بالإتفاق بين الزوجين في لائحة قانونية أمام محام، لتقدم فيما بعد للقاضي للموافقة عليها. هذه اللائحة تتضمن حقوق الزوجين والأبناء: نفقة الأبناء والزوجة إن لم تكن عاملة، الحضانة، أوقات الزيارة، واقتسام الأملاك وغيرها.
والأملاك تكون مناصفة بين الزوجين عند الزواج، إن لم يكن إتفاق مسبق على انفصالها، في أغلب مقاطعات أسبانيا.
بينما في الجانب العربي، السائد هو انفصال الملكية.. والمصيبة التي دعتني لكتابة هذا المقال، أن ملايين من العرب ممن هُجِّروا أو هاجروا من أوطانهم للغرب لظروف اقتصادية أو سياسية.. فإن حدث طلاق شط زوج أو طغت زوجة.. وإليك مثال حقيقي، من بين أمثلة كثيرة:
زوج وهو في الخارج منح زوجته تفويضا لتسجيل أملاكه باسم أولاده لظرف سياسي معين، ولكنها سجلتها باسمها، وعند الطلاق ادعت أن البيوت هي أملاكها مقابل ذهبها الذي باعته وصرفته، وهي لم تعمل قط في حياتها، ما عدا عمل البيت، وأن حاضر مهرها 150 دينارا، ومثله غائبها، الذي استلمتْ مقابله 2000 دولار؛ أكثر من قيمته بكثير. كما أن أخوتها على غناهم، لم يتركوا لها مترا واحدا من أرث أبيها الواسع.
والمضحك أن ذهبها المزعوم هو هدايا رمزية من الزوج خلال 20 سنة من عشرتهما، 17 سنة منها هي مريضة بمرض عضال، لم يعرف الزوج خلالها طعم الزوجة، ومع ذلك لم يترك طبيبا إلا وأخذها إليه، وما من شيء إلا ولبّاه لها.. ثم تطالبه بنصف أملاكه في دار الهجرة على الطريقة الأسبانية، وهي لا تحمل إلا جنسية بلدها.. وحرمت عليه المبيت حتى ولو ليلة واحدة في بيت من بيوته في بلده، التي أسكنت فيها أولاد أخوتها بالمجان لسنوات طوال، وقد رفضت بيع بعض هذه البيوت لتشتري لأولادها ملكا في دار الهجرة، كما رفضت أن تعطي ابنها توكيلا عنها..
ورغم كل هذا، فإن الزوج الذي أفنى عمره من أجلهم، قد اشترى وقت الطلاق فِللاّ صغيرة باسم ولده الكبير وأشترط عليه أن تكون دار العائلة، وأول العائلة أمه معززة مكرمة وعليه رعايتها.
البون شاسع بين الطرفين.. أب ضحى بكل شيء من أجل عائلته.. وزوجة حرمته من كل شيء، حتى من صور أبنائه، أما صوره فقد أحرقت أو في المزبلة، لقد شحنت أدمغة أولادها ضد والدهم، لطلاقه منها،حتى غدوا لا يعرفون عنه إلا صورا ظلامية.. وحولت أواصر الأسرة المقدسة إلى جهنم لا يطاق، فلم تعد هناك أواصر، سوى أوراق النسبة، أي أب في الهوية لا غير، لا يصلح هذا الأب إلا لدفع الأموال متى احتاجوا، أو لقضاء حاجاتهم، عندها شعر أنه الأب الحي الميت.
ولم يقتصر الأمر على هذا، فقد مارست بكل دهاء التأثير على أولادها لمنع والدهم من الزواج ثانية، ولم يمر يوم يزورهم فيه، إلا واختلقت مشاكل ومصائب معه، حتى لا يفكر بالإقامة معهم، فقد تهدده، مرة، بالشرطة، ومرة أخرى بإخوتها، زاعمة أن المنزل في دار الهجرة هو لها ولأولادها، ولم تطق رؤية حتى كتبه التي كلفته مالا كبيرا وهي أرث لأولادها، مرة تبعثرها، وأخرى تدفنها تحت الأسرّة، حتى وصل الأمر برميها في الزبالة.
وتمر أيام وسنين والأب وحيد في بيت متواضع، لأنه أعطى كل شيء لأولاده، في أغلب الأيام لا أحد يسأل عنه وهو قريب، ولا في يوم من الأيام - إلا ما ندر - لم يزره أحد من العائلة، ولم يقدم له حتى كأس ماء، يعمل مأكله بيده، ويلبس ملابسه بدون كوي، ويدخل المستشفى ويخرج ولا أحد يعلم به ولا يسأل عنه.
ولما أُعلم بمرضه العضال، وشعر بدنو ساعة أجله، رفض أن يموت وحيدا لا يعلم به أحد، فقرر أن ينام في زاوية صغيرة على الأرض في منزل العائلة، حتى ولو بضع ساعات.. فانقلبت الدنيا.. واتصلت بالشرطة وبأبنائها.. وانهالت عليه التهديدات من كل حدب وصوب.. وكانت رصاصة الموت من ابنته الكبيرة حين قالت له في عيد الأب: لا يحق لك البقاء في المنزل لا قانونيا ولا شرعيا.. فنهض بعد نصف ساعة بعد أن استرد أنفاسه.. وذهب ولم يعد.
وتبقى القضية للمناقشة... هل يحق للزوجة أو غيرها أن تصادر حقوق الأب ؟ ..وهل الربيع العربي قادر على إعادة استعادة أبنائه من بلاد المهاجر؟!..

الدكتور جاسم العبودي
31/3/2012



#جاسم_العبودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخروف المستفحل
- يا مُحسِنين أُريد وطنا
- إحذروا سلاح الفياغرا !!
- يوم العربي وأغنية -اِفتحِ الباب- للمغنية الأسبانية لوث كاسال
- وَداعاً يا أغْلَى الحَبايبِ
- من يأخذ بدماء شهداء عرس التاجي ؟
- هل بشار الأسد يقمع شعبه تمهيداً لتحرير الجولان ؟!
- إيمان العبيدي هي جميلة بوحريد ليبيا بإمتياز
- ما هو مصير ثورة الشعب الليبي ؟
- رسالة مستعجلة من جهنم إلى حكام العرب
- النصر للشعب الليبي والمجد والخلود لشهدائهم الأبرار
- مبارك يحرق نفسه في ميدان الحرية
- الشعب ياكل طوب ولا رحيل للحُكّام !
- حسني مبارك مُقَرَّناً بالأَصْفاد في محكمة الجنايات الدولية ف ...
- طوبى لك يا بو عزيزي.. المجد والخلود لثورة 14 جانفي (يناير)
- رسالة عتاب من طلاب مدرسة المولى المقدس إلى بابا نويل
- عندما اقتحم غرباء منزلَنا.. وأنا جالس...!!
- مَنْ ذا أصابكِ يا بغدادُ بالعينِ ؟! (3/3) (الجزء الأخير)
- مَنْ ذا أصابكِ يا بغدادُ بالعينِ ؟! (2/3)
- مَنْ ذا أصابكِ يا بغدادُ بالعينِ ؟! (الجزء الأول /3)


المزيد.....




- الأمم المتحدة تحذر من عواقب وخيمة على المدنيين في الفاشر الس ...
- مكتب المفوض الأممي لحقوق الإنسان: مقتل ما لا يقل عن 43 في ال ...
- مسئول بالأمم المتحدة: إزالة الركام من غزة قد تستغرق 14 عاما ...
- فيديو.. طفلة غزّية تعيل أسرتها بغسل ملابس النازحين
- لوموند: العداء يتفاقم ضد اللاجئين السوريين في لبنان
- اعتقال نازيين مرتبطين بكييف خططا لأعمال إرهابية غربي روسيا
- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - جاسم العبودي - عندما تُكتب الوفاة على أب حيّاً