يعقوب بن افرات الأمين العام لحزب دعم العمالي - اسرائيل في حوار مفتوح حول : الربيع العربي والطريق الثالث، القضية الفلسطينية، والحركة العمالية والاحتجاجية في اسرائيل


يعقوب بن افرات
الحوار المتمدن - العدد: 3678 - 2012 / 3 / 25 - 12:45
المحور: مقابلات و حوارات     

من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام.
حوارنا - 77 - سيكون مع الاستاذ يعقوب بن افرات الأمين العام لحزب دعم العمالي - اسرائيل حول: الربيع العربي والطريق الثالث، القضية الفلسطينية، والحركة العمالية والاحتجاجية في اسرائيل.


قلبت الثورة العربية المعاصرة كل المفاهيم السياسية، وهمّشت أخيرا الخطاب السياسي الذي احتكر الساحة السياسية العربية لمدة عقدين من الزمن، منذ انهيار الاتحاد السوفييتي وتراجع الأحزاب الشيوعية. طيلة هذه المدة انقسمت الساحة السياسية إلى معسكرين: معسكر "الموالاة" لأمريكا بمشاركة أنظمة سقطت في مصر، تونس، اليمن وحتى ليبيا، وأنظمة لم تسقط بعد في السعودية والممالك العربية الأخرى، إضافة إلى السلطة الفلسطينية؛ بالمقابل انتصب معسكر "المقاومة" وعلى رأسه إيران وسورية والتيارات الأصولية مثل حزب الله، حماس والجهاد. وقد اصطفت التيارات اليسارية أيضا بين داعمة للموالاة أو للمانعة، ما عدا الحزب الشيوعي الإسرائيلي الذي يعاني انفصاما في الشخصية، إذ يدعم المعسكرين في آن معا.
الثورة العربية التي انفجرت في معسكر الموالاة غيّرت قوانين اللعبة تماما، لأنها انتشرت أيضا إلى معسكر الممانعة وخاصة سورية. الثورة العربية المتمثلة بالحراك الشبابي الديمقراطي والعلماني تطرح خيارا ثالثا يقوم على النضال الشعبي السلمي من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية. هذه الثورة لا تميز بين الأنظمة العربية، بل تحكم عليها حسب معيار واحد هو موقفها من الحريات المدنية وحقوق الطبقة العاملة والفقراء. والواقع أن الأنظمة العربية جميعها، بغض النظر عن موقفها من أمريكا وإسرائيل وعن خطابها السياسي، يجمعها الاستبداد، الفساد، الخصخصة، الفجوة الاجتماعية الواسعة، التخلف الاقتصادي، وإهمالها لحق الشعوب في حرية الرأي والتعبير، العمل الكريم، المسكن، الصحة، التعليم وغيرها.
ورغم التغيير الجذري في المشهد السياسي العربي، ليست هناك رؤية موحدة حول مغزاه. البعض يعتبره مجرد انقلاب عسكري، قاد في مصر مثلا لصفقة بين الجيش والإخوان المسلمين حول تقاسم السلطة. البعض الآخر يراه مجرد تغيير شكلي، ويستدل على ذلك بما حدث في اليمن. البعض الآخر يراه خطوة إلى الوراء تؤدي لتفكك البلاد كما يحدث في ليبيا. هذا ناهيك عمن يعتبر الثورة مؤامرة امبريالية صهيونية مشتركة ضد الأنظمة العربية، كما يدعي النظام السوري ومريدوه. السؤال الثاني الذي يستدعي الوقوف عنده هو ما هي انعكاسات الربيع العربي على القضية الفلسطينية وعلى سياسة إسرائيل في المنطقة؟
نحن في "حزب دعم العمالي" نفهم التطورات في العالم العربي وإسرائيل في سياق رؤيتنا الواسعة للتطورات العالمية. الدول العربية وإسرائيل مرتبطة وتلعب دورها في الاقتصاد العالمي وتتأثر منه. ومن هنا، فالثورة العربية التي تزلزل العالم العربي، تعبر عن زلزال أكبر يضرب النظام الرأسمالي العالمي، دون ان تنجح محاولات الإدارة الأمريكية وقف هذا الانهيار البطيء، سواء بالحرب أو بالتدابير الاقتصادية الاستثنائية.
ان ما يحدث في نيويورك، أثينا، مدريد وموسكو مربوط ارتباطا عضويا بما يحدث في القاهرة ودمشق. اننا في عهد تاريخي جديد يسقط فيه النظام الرأسمالي النيوليبرالي بعد أن قضى على دولة الرفاه واستبدلها بالسيطرة المطلقة لرأس المال المالي. انتهاج الخصخصة كنظام حياة قضى على العمل المنظم واستبدل العمال المحلية بالعمالة المهاجرة الرخيصة لصالح ثلة من اصحاب الرساميل على حساب الأغلبية الساحقة الماحقة من الشعوب. بالمقابل انتشرت مظاهر الفساد، الزواج بين رأس المال والسلطة، الفقر، البطالة، النقص في المساكن، تدهور اجهزة التعليم والصحة والرفاه، في كل الدول التي اتبعت هذا النظام بما فيها مصر وسورية واسرائيل. وليس سقوط الأنظمة العربية التي سارت على هذا النهج سوى نذير بانهيار الحلقة الضعيفة في السلسلة الرأسمالية ومبشر بسقوطها كليا.
من هذا المنطلق يرى حزب دعم العمالي في الربيع العربي تطورا تاريخيا عميقا يتماشى مع سيرة التاريخ العالمي ويعتبر جزءا لا يتجزأ منه. وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة لا يجب أن يثير البلبلة بالنسبة لمعنى الثورة العربية ومدى عمقها في مصر او تونس، بل هو عبارة عن حالة عابرة لا بد منها، لانها تعبر عن موازين قوى مؤقتة، وهي مرحلة ضرورية لا يمكن القفز عنها والتغلب عليها إلا من خلال التجربة نفسها واختبار من ادعى انه البديل للسلطة وان "الاسلام هو الحل".
هنا لا بد من التذكير بان الشرارة الأولى للثورة المصرية انطلقت من المحلة الكبرى عام 2008 عندما أضرب عمال النسيج وتحدوا النظام بشكل مباشر. ان حركة الإضرابات في مصر المستمرة منذ عدة أعوام تدل على وعي العمال من ناحية وعلى ضرورة وإمكانية اليسار المصري تنظيم العمال سياسيا وبناء بديل عمالي واقعي ثوري لسلطة الإخوان والجيش.
صمود الاخوان في السلطة ليس متعلقا بأدائهم السياسي وقدرتهم على الاستجابة لمطالب الجماهير والطبقة العاملة فحسب، بل متعلق أكثر بالتطورات داخل الدول الكبرى نفسها وإمكانية بروز منظمات ثورية يسارية تطرح برنامجا بديلا للسياسة الرأسمالية الراهنة التي تقودها المانيا والولايات المتحدة ويمكنها ان تكون سندا لنمو حركات يسارية شعبية في العالم العربي نفسه.
على الصعيد الفلسطيني نقف أمام واقع جديد ومأساوي في آن، بعد أن سقطت كل الخيارات المعروفة، سواء نهج المفاوضات العبثية الذي اتبعته قيادة فتح ونهج المقاومة المسلحة الذي انتهجته حماس. وتبين ان مقاومة إسرائيل او السلام معها كانا حجة لكلتا الحركتين، فتح وحماس، لإحكام السيطرة على الشعب الفلسطيني وبسط الاستبداد والفساد. على الساحة الفلسطينية انتهى الأمر بانقسام عميق سياسي وإقليمي، وبات الشعب الفلسطيني يخضع لسلطتين إحداهما في الضفة الغربية والثانية في قطاع غزة، والجميع خاضع للاحتلال الإسرائيلي البغيض الذي يتحكم بكل كبيرة وصغيرة. عمليا، عزّز الانقسام الفلسطيني الاحتلال، وأعطى حجة لإسرائيل لتوسيع الاستيطان وإحكام الحصار وزيادة معاناة الشعب الفلسطيني.
ان التحدي الماثل أمام الشباب الفلسطيني كبير جدا، ويماثل ما قام به الشباب المصري الذي ثار ضد كلا الطرفين، الإخوان المسلمين والنظام البائد في آن. الأمل أمام الشعب الفلسطيني يكون بتبني الطريق الثالث، طريق النضال الشعبي ضد الاحتلال والدعوة للإصلاح الداخلي وليس للمصالحة بين طرفين مستبدين فاسدين. من خلال إسقاط السلطتين ومعهما الأساس الذي قامتا عليه، أي اتفاق أوسلو، سيتم وضع إسرائيل أمام معادلة جديدة: إما إعادة الاحتلال المباشر وما يرافق ذلك من مقاومة مشروعة له، أو الانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية المحتلة ما سيسمح بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة.
حركة الاحتجاج التي شهدتها مدن مختلفة في إسرائيل في الصيف الماضي، عبرت عن سخط الطبقة الوسطى اليهودية على السياسة الرأسمالية المفرطة التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية التي باعت القطاع العام التعاوني لثلة من العائلات الغنية التي تسيطر على السياسة والاقتصاد معًا. الواقع ان هذا الحراك كان محدودا جدا من الناحية السياسية، فهو لم يطالب بإسقاط حكومة نتانياهو ولم يتطرق لقضية الاحتلال ولم يكن له صدى لدى الجماهير الفلسطينية داخل إسرائيل. ومع ذلك، فإنه خلق مناخا من التشكيك بسياسة الحكومة ليس على الصعيد الاقتصادي فحسب، بل السياسي أيضا. ومن علامات ذلك مثلا، الموقف من تهديد نتانياهو بضرب إيران وتعنته في نفس الوقت تجاه حل النزاع مع الفلسطينيين.
الطبقة العاملة في إسرائيل التي تشمل اليهود والعرب على حد سواء، تعاني من السياسة الاقتصادية ومن الاستغلال الذي تمارسه الشركات ورأس المال بسبب التعاون بين النقابة الصهيونية الهستدروت وبين الحكومة وأرباب العمل، وبسبب الحرب المعلنة التي يشنها أصحاب العمل ضد محاولات العمال تنظيم أنفسهم في نقابات ديمقراطية وأممية مستقلة عن الهستدروت.
الاستياء إزاء السياسة الاقتصادية الحكومية التي تدفع بأعداد متزايدة من الإسرائيليين إلى هوامش المجتمع، يخلق فرصة لبناء يسار أممي، يجمع بين العمال اليهود والعرب على أساس رفض الاحتلال وكل أشكال العنصرية. ويزداد الاحتمال كلما فقدت الحكومة مصداقيتها بسببها عجزها عن توفير الأمان الاقتصادي والأمان السياسي بسبب سياستها المتطرفة على الناحيتين الاقتصادية والسياسية.
بناء حركة يسارية عمالية قوية متعلق أيضا ببروز حركة عمالية في العالم، وبشكل خاص ببلورة يسار عربي أممي بعيد عن الخطاب القومي الديني المتعصب الذي لم يسعف الشعوب العربية وفي نفس الوقت ألقى بالمجتمع الإسرائيلي إلى حضن الحكومة اليمينية العنصرية. بإمكان اليسار العربي والفلسطيني التوجه للعمال في إسرائيل وللشرائح المتضررة من سياسة الحكومة، وطرح بديل للعيش بسلام وكرامة على أساس احترام الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وسيادة الشعوب العربية وحقها في تقرير مصيرها ومستقبلها.