الربيع الأمريكي- من خالد سعيد إلى جورج فلويد.. كيف تتشابه انتفاضات الشعوب؟


يعقوب بن افرات
الحوار المتمدن - العدد: 6584 - 2020 / 6 / 5 - 11:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

في مثل هذا الأيام، في مطلع شهر حزيران/يونيو 2010، قتل رجال الشرطة المصريين الشاب الاسكندراني خالد سعيد، بعد اعتقاله في مقهى انترنيت بالمدينة وتعرضه للضرب حتى الموت. اسم خالد سعيد، وصفحة الفيسبوك "كلنا خالد سعيد"، أصبح رمزًا لثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس المستبد حسني مبارك، وصار ميدان التحرير في القاهرة ميدان الميادين لحركات الاحتجاج في العالم كله وشعلة أضاءت الربيع العربي من المغرب إلى المشرق.
عشر سنوات مرت على هذه الأحداث الدرامية، التي استشهد بها خالد سعيد، إلى حين اندلاع المظاهرات الاحتجاجية العارمة كل أنحاء الولايات المتحدة إثر مقتل المواطن الأمريكي الأسود، جورج فلويد، على أيدي أربعة من عناصر الشرطة في مدينة مينيابوليس من جراء تثبيته على الأرض ووضع شرطي ركبته على عنق فلويد لمدة ثمانية دقائق، رغم صراخ الأخير واستنجاده بالقول "لا أستطيع التنفس"، وبقى المواطن المسالم تحت ركبة الشرطي إلى أن فارق الحياة.
ما بين ثورة المصريين واحتجاجات المهمشين في أمريكا
وقد يتساءل القارئ، ما هي الصلة بين خالد سعيد المصري وبين جورج فلويد المواطن الأفريقي الأمريكي؟ وما هو الرابط بين مينيابوليس والإسكندرية؟ وأين هو نظام حسني مبارك من نظام ترامب؟ وهل تصح المقارنة بين قوانين الطوارئ التي بموجبها تم اعتقال خالد سعيد واغتياله، وبين الشرطة الأمريكية التي تنشط بموجب قانون مدني وحقوق دستورية؟ وعلى الرغم من نجاح ثورة 25 يناير في إسقاط نظام مبارك وتحقيق شعارها الرئيسي "الشعب يريد إسقاط النظام"، إلا أن الحركة الاحتجاجية الحالية في شوارع أمريكا ضد ممارسات الشرطة ومواقف الرئيس ترامب العنصرية لا تدعو لإسقاط النظام بل تبنت الشعار "Black lives matter" بمعنى "حياة السود لها معنى". أي أنه من الواضح هناك فرقًا في طبيعة التناقض القائم بين أقلية سوداء تواجه أغلبية بيضاء عنصرية، وبين شعب يشكل الأغلبية في بلاده ويواجه نظام مستبد يمثل الأقلية تحكم من خلال أسلوب قمعي وتحرم المواطنين من أبسط الحقوق الديمقراطية والحريات.
ومع ذلك فالشعار الأهم الذي بلا شك منح لثورة 25 يناير صدى عالمي تضامني كان "عيش، حرية، عدالة اجتماعية". وإذا أردنا البحث عن العلاقة بين الحركتين المصرية والأمريكية نجد ان المطالب المجتمعية ذات الأبعاد السياسية والاقتصادية هي التي تربطهما. وبحسب قول المتحدثين باسم حركة الاحتجاج الأمريكية كان مقتل جورج فلويد بمثابة الشرارة التي فجرت برميل البارود الاجتماعي، مثلما كان مقتل خالد سعيد، في وقتها، أحد العوامل الهامة التي أدت إلى اندلاع الثورة. إن الوضع الاجتماعي للسود الأمريكيين يشبه إلى حد كبير وضع الشعب المصري والشعوب العربية عامة التي انتفضت على الأنظمة المستبدة. ولا يمكن فصل هذه الانتفاضة الشعبية عما كشفه وباء كورونا من أمراض اجتماعية، وعلى رأسها الحقيقة المؤلمة أن 70% من الوفيات بسبب كورونا كانت من السود والاسبان، الذين لا يتمتعون بأدنى الخدمات الصحية ويعانون من فقرٍ مدقع.
تبعات كورونا ساعدت
وإذا أخذنا بعين الاعتبار تداعيات وباء كورونا وتبعاته على حياة الناس وأرزاقهم، حيث طالت البطالة 40 مليون مواطن أمريكي من كل الألوان والأعراق، فمن الطبيعي أن تدفع المعاملة الوحشية التي تعرض لها الضحية جورج فلويد إلى موجة عارمة من الاحتجاج، لم تشهد الولايات المتحدة مثيلًا لها منذ ستينيات القرن الماضي، والتي كانت تُعرف بـ “حركة الحقوق المدنية" وقادها القس مارتين لوثر كينغ. إن المواطنين الأمريكيين من أصول أفريقية لا يعانون من الفقر فحسب، بل من التهميش المطلق في كل مجالات الحياة. على سبيل المثال هناك 2،3 مليون أمريكي في السجن، يشكل السود منهم نسبة 40% (بينما نسبتهم من مجمل السكان هي 12% فقط). الأرقام الهائلة للسجناء في أمريكا والذين يشكلون ثلث سجناء العالم بأكمله، تدل على عمق المشكلة الاجتماعية وخطورتها في أمريكا والتي تهدد النظام الديمقراطي برمته.
فإذا كانت مطالب الشعب المصري ومعه بقية الشعوب العربية هي الديمقراطية ودفع في سبيلها خلال ثورات الربيع مئات الآلاف من المواطنين ثمن حياتهم واعتقال وتشريد الملايين، فإن الشعب الأمريكي يشعر بأن الديمقراطية قد سُلبت منه، وأن النظام الديمقراطي لا يعمل لمصلحة الشعب بل لمصلحة نخبة ضيقة جدًا من رؤوس الأموال. وإن ظاهرة ترامب واستهتاره بالقيم الديمقراطية وما قام به من نداء لاستدعاء الجيش لقمع المظاهرات يدل على أن النظام الديمقراطي في خطر بعد أن فقدت الطبقة العاملة الأمريكية ثقتها بمؤسساته، نتيجة لخسارة العمال لأماكن العمل وسقوطهم إلى حالة من الفقر وفقدانهم للأمل في المستقبل.
وإذا لم يفرح الشعب المصري بحريته الجديدة بعد ثورة 25 يناير سوى لفترة وجيزة جدًا، عندما انتخب محمد مرسي رئيسًا بشكل ديمقراطي، فإن الشعب الأمريكي يرى كيف خطف رأس المال الكبير النظام الديمقراطي عبر شراء السياسيين في الكونغرس، الذين انقطعوا عن الشعب وأصبحوا يخدمون مصالح الشركات الخاصة لا غير.
تزاوج السلطة مع رأس المال
العلاقة الحميمة بين حسني مبارك وبين رموز رأس المال الفاسد مثل أحمد عز وحسين سالم، وكذلك التعاون الحثيث بين آل الأسد وآل مخلوف في سورية، هي من أهم الأسباب التي أثارت غضب الشعب الذي يشاهد بأم عينه كيف تتكدس الثروة في يد الزمرة الحاكمة بينما يزداد هو فقرًا وتهميشًا. إن العلاقة بين رأس المال وبين الحكم هي من السمات الأساسية للنظام العربي الفاسد، ولكن هذه الظاهرة ليست محصورة بالعرب، بل تشمل النظام الرأسمالي الحالي برمته، من دونالد ترامب، إلى رجب طيب اردوغان إلى بيبي (نتانياهو) الذي يواجه تهم بالفساد في ثلاث قضايا منفصلة هي الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، نتيجة علاقاته الفاسدة مع رؤوس أموال تحتكر قطاع الإعلام في إسرائيل. وكذلك ترامب الذي جاء إلى السلطة رافعًا شعار "تجفيف المستنقع"، بمعنى اجتثاث الفساد في واشنطن، شعار جلب له التأييد الشعبي، إلا أنه هو نفسه يعتبر جزءًا من المستنقع وممن يستفيدون منه.
ومن هنا فلا غرابة بموقف ترامب الداعم للنظام السعودي وعلاقاته الحميمة مع حكام فاسدين ومستهترين بالدستور وفي الحريات مثل السيسي في مصر وأردوغان في تركيا وبوتين في روسيا ونتانياهو في إسرائيل، واستهتاره الكامل بحقوق الشعبين السوري والفلسطيني.
قطار ربيع الشعوب يصل أمريكا
وقد دعمنا ومن اللحظة الأولى الربيع العربي ليس لأن مطالبه عادلة فحسب، بل لأنه كان يعتبر مبشرًا بحقبة تاريخية جديدة، حقبة التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي بعد سقوط النظام الرأسمالي النيو-ليبرالي بعد "الكساد الكبير" الذي حدث في سنة 2008 إثر سقوط البورصة الأمريكية. ورغم كل المحاولات صبغ الحركة الديمقراطية العربية باللون الأخضر الإسلامي، وإتهام الثوار السوريين بأنهم عملاء للغرب، و"مندسين" و"إرهابيين".
وبعد أن انقلب الجيش المصري على الثورة، وقيام الأسد بحرق البلد بمساندة من روسيا وإيران، إلا أن جمر الربيع يأبى أن يخمد، وراح يندلع من جديد في معاقل الأنظمة المستبدة في طهران وبغداد وبيروت.
ومن هنا تأتي أهمية الحركة الاحتجاجية في أمريكا، معقل الرأسمالية والدولة الأغنى في العالم، وهي أكثر دولة ضرب وباء كورونا بكل عنفوانها وكشف أن النظام السياسي ليس صالحًا لمعالجة جائحة صحية من هذا القبيل، سيما بعدما أن أنكر ترامب نفسه خطورة المرض في بداية انتشاره واعتبره "انفلونزا عابرة". في نفس الوقت وعلى الرغم من أن لديها أهم معاهد طبية متقدمة كان عدد المصابين والموتى في أمريكا الأعلى على مستوى العالم. هذا التناقض بين الإمكانيات المتوفرة وما يحدث على أرض الواقع يدل على أن النظام السياسي الحالي وصل إلى نهاية المطاف.
أن التغيير في أمريكا سيدفع العالم برمته نحو التغيير وسيكون بمثابة الرافعة السياسية والمعنوية الكبيرة للحركة الديمقراطية في العالم العربي وضربة قاضية لأمراء الخليج والنظامين المصري والسوري، وحتى لنتنياهو واليمين الإسرائيلي نفسه.
الربيع العربي، وعلى الرغم من تجلياته وخصائصه المختلفة، بدأ قبل 10 سنوات وانتشر من السودان إلى لبنان ومن تونس إلى العراق، وصل عبر طريقته الخاصة وغير المباشرة إلى شوارع نيويورك وواشنطن وسان فرانسيسكو. إنها مسيرة عالمية تتبنى نفس الشعار تتجاوز الجغرافيا والأعراق واختلاف الألسن. شعارات الحركة الجديدة بسيطة وواضحة: عادلة اجتماعية، صحة للجميع، مصدر رزق محترم، مأوى لكل مواطن ومساواة تامة بين كل المواطنين.
وفي هذا المناسبة ننحني أمام المغدور جورج فلويد وكل ضحايا العنف في أمريكا وأمام خالد سعيد وكل شهداء الربيع العربي ومعتقليه ومشرديه، كلنا في خندق واحد.