أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - التمكين وتطبيق الأمر بعمل المعروف والنهى عن عمل المنكر















المزيد.....



التمكين وتطبيق الأمر بعمل المعروف والنهى عن عمل المنكر


أحمد صبحى منصور

الحوار المتمدن-العدد: 3673 - 2012 / 3 / 20 - 00:01
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


التمكين وتطبيق الأمر بعمل المعروف والنهى عن عمل المنكر

كتاب (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ).
الباب الأول : (الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى الاطار النظرى )
الفصل الأول : ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر اسلاميا وقرآنيا )
ثالثا : تطبيق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قرآنيا :

التمكين وتطبيق الأمر بعمل المعروف والنهى عن عمل المنكر

التمكين للشعب وليس للمستبد بالشعب

1 ـ إقامة الأمر بفعل المعروف والنهى عن فعل المنكر تستوجب سلطة شعبية تصدر عن وعى عقلى وحركة نشطة متفاعلة فى البيت وفى الشارع . بالوعى العقلى يعرف الفرد إن حركته فى الدفاع عن مظلوم تعنى دفاعا مسبقا عن نفسه ، لأنه لو ترك الظالم يفترس مظلوما وسمع صراخ المظلوم وتكاسل عن نصرته فسيأتى سريعا اليوم الذى يكون هو فريسة للظالم يلتهمه الظالم دون أن يدافع عنه أحد . كما إن الظالم لا يلبث أن يرتدع عن ظلمه لأنّه سيواجه بغضب شعبى ووقوف الأفراد ضده يضربون على يده ، فيتحول من صاحب نفوذ الى مجرم خارج عن القانون يتمتع باحتقار الناس . بالوعى العقلى الايمانى يعرف الفرد أن الفلاح فى الدنيا والآخرة للفرد والمجتمع معا هو أن ينبض هذا المجتمع بالتحرك الايجابى فى الخير ضد الظلم والاستبداد والاكراه فى الدين . بهذا الوعى ( الجمعى ) يتخلص المجتمع من سرطان مزمن هو الأغلبية الصامتة المقهورة،وهى الرحم الذى ينجب المستبد. بهذا الوعى الجمعى أو ثقافة الديمقراطية وحقوق الانسان يصبح كل فرد مستعدا للتضحية بحياته دفاعا عن فرد آخر مظلوم ، بل يتبارى المختلفون فى الرأى فى الدفاع عن خصم لهم فى الرأى أو فى الدين لو تعرض لإضطهاد بسبب رأيه أو دينه ، يحققون مقالة فولتير : إننى أختلف معك فى الراى ولكننى مستعد للموت دفاعا عن حريتك فى الرأى . وكنا نتمنى أن يقول هذه المقالة الاسلامية أحد فقهاء ( المسلمين ). بهذا الوعى الجمعى تتكوّن للمجتمع سلطة لا مجال فيها مطلقا لحاكم ،لأن المجتمع ممثلا فى أفراده سيكون هو الحاكم ، ومن يتولى المناصب من المتخصصين لن يكونوا سوى خدم للشعب ، وهذا هو وصفهم فى أمريكا والغرب.
2 ـ بدون هذا الوعى الجمعى والاستعداد الفردى والجمعى للدفاع عن الحرية السياسية والدينية وحقوق الأفراد لا يمكن إقامة ديمقراطية حتى لو تم إنتخاب برلمان ورئيس طبق دستور رائع ومثالى . كل ذلك لا يجدى مع وجود أغلبية صامتة خانعة مقهورة لا تنهض للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. فى وجود هذه الأغلبية الذليلة ستتحول الديمقراطية الى صراع بين لاعبين محترفين مختلفين يتداولون بينهم السلطة وركوب الشعب ؛ تأتى الانتخابات بحكومة مدنية من اولئك اللاعبين فيسرقون ما استطاعوا فيقوم إنقلاب يحكم فيه العسكر بالاستبداد ، ويسرق العسكر ما استطاعوا ، فيثور عليهم اللاعبون فيتوارى العسكر وتتولى حكومة مدنية أخرى من لاعبين جدد ، وتتوالى القصة من ديمقراطية فاسدة الى انقلاب فاسد ، وفساد مستمر الى أن تتأهل التربة الملوثة لانتاج سرطان مدمر هو الحكم الدينى القادم من حمأة الأغلبية الصامتة ومن قاع الحرمان فيها. يأتى تحت شعارات برّاقة تخدع الأغلبية الصامتة وتبشرها بالمهدى المنتظر أو بغيره أى فارس يركب حصانا أبيض يأتى من عالم الغيب لنصرة القاعدين الخاملين . يأتى ( التتار ) متنكرين تحت راية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وتطبيق الشريعة وإقامة الحدود ، وتكون المؤهلات غاية فى البساطة ومغرية لأفراد الأغلبية الصامتة المطحونة؛ لا يشترط ان تكون ثريا أو من عائلة محترمة ، كما لا يشترط أن تكون مثقفا أو عالما أو مؤهلا ..كل هذه رتوش لا تقدّم ولا تؤخر . المهم أن تطلق على الناس لحيتك وأن ترفع لهم ( السّواك ) وأن تتبنّى الجلباب والزبيبة والنقاب. وسرعان ما يتحول المسجد الى معقل للتخطيط للوثوب على الحكم بحشد الصامتين ليكونوا وقود المعركة ، ثم بعد الوصول للحكم يتم ركوبهم كالعادة فليسوا مؤهلين إلا للركوب . حدث هذا فى السودان وفى ايران وفى باكستان ، ويجرى الاستعداد لوقوعه فى مصر واليمن وتونس وليبيا والاردن والعراق ..
3 ـ ولتفادى هذا لا بد من (تمكين ) الشعب . لا بد من سلطة الشعب ؛ سلطة حقيقية وليس مثل شعار أراجوز ليبيا السابق فى كتابه الأخضر . تمكين الشعب ليس خيالا مستحيل التحقيق ، فهو نظام حياة فى الغرب فى عصرنا الراهن . وقد حدث فعلا فى القرن السابع الميلادى فى الدولة الاسلامية . حين حدث ( التمكين ) فمارس شعب المدينة فى عهد النبى محمد عليه السلام الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كما ينبغى أن يكون.

التمكين إخوانيا وسلفيا :

1 ـ على عادتهم فى التلاعب بالقرآن الكريم يقوم الاخوان المسلمون والسلفيون بتحريف معنى قوله جل وعلا :( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ) (الحج 41 )، ويحتلّ التمكين معلما أساسا من ( جهادهم ) للوصول الى الحكم . الوصول للحكم هو أملهم وجنتهم وحياتهم وموتهم وولعهم وحلمهم فى نومهم ويقظتهم .فى سبيل الوصول للحكم يتظاهرون بالتقوى والخشوع لله جلّ وعلا والخنوع والخضوع ـ أحيانا ـ للناس. لا يتورعون عن التحالف مع الشيطان أو خيانة الأوطان . كل شىء عندهم يهون للوصول الى الى الحكم . وهم يعتمدون سياسة التمهل والصبر والنفس الطويل ، ولكن لا يترددون فى ركوب أى موجة تنقلهم الى كرسى العرش ، ثم بكل بساطة يضحّون بمن أوصلهم الى كرسى العرش .
2 ـ فى سياستهم المتمهلة للوصول للعرش توجد لهم مرحلتان : التربية والتمكين . فى مرحلة التربية يقومون بغسل مخ الجماهير باستغلال المساجد والتعليم والاعلام حتى يقتنع الناس بأنهم هم المختارون من لدن الله لحكم الناس بالشريعة ، أو الحاكمية الالهية . وتحت شعارات مطاطة وفضفاضة و(مقدسة ) يعملون بكل جهدهم فى توجيه عاطفة الناس الدينية نحو إقامة وتطبيق شرع الله أو ( حاكمية الله ) بحيث يصبح كافرا مرتدا مهدور الدم كل من يناقشهم فى مدلول تلك الشعارات وكيفية تطبيقها ، ومهما أعلن إسلامه فلا ينجيه من غضبهم . وبهذه الطريقة دفع الراحل فرج فودة حياته لمجرد أنه تساءل وناقشهم فلم يستطيعوا الردّ عليه إلّا بالرصاص. يحلو لهم القول بالحاكمية بدلا من حكم البشر وتطبيق شرع الله بدلا من شرع البشر، ويتناسون أنهم هم البشر الذين سيحكمون وأن شريعتهم هى أقوال فقهاء من البشر . ولكن إيّاك أن تواجههم بهذا فسيكون مصيرك مثل فرج فودة .!. وبعد أن يقتنع أغلبية الناس بالحاكمية على أنها الاسلام وبالاخوان والسلفية على أنهم المختارون من الله لحكم الناس بالاسلام ، يتمهد الطريق سلميا لهم للوصول للعرش وبدء المرحلة الأخرى والأخيرة وهى ( التمكين ) . وبالتمكين لا مجال للرجوع الى الوراء .
3 ـ حدث الربيع العربى مبكرا بالنسبة لهم إذ كانوا ولا يزالون فى مرحلة التربية ، فترددوا بين الرفض والتأييد ، فلما لاح إنتصار الثورة سارعوا بركوبها ؛ إستخدموا ما حققوه من سيطرة ونفوذ فى القفز على الثورة المصرية والتلاعب بها وبالمجلس العسكرى أملا فى الوصول للتمكين . وهم الآن بصدد وضع دستور ( يمكنهم ) من ركوب المصريين باسم الاسلام .! ..وما يحدث فى مصر ستكون له إنعكاساته على العرب أجمعين ، ومن يناهضهم فمصيره التكفير والتخوين.
4 ـ بوصولهم للتمكين سترتفع فى المساجد وتتصدر الخطب الآية الكريمة : (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ). بل بدأ مبكرا استيرادهم للعصى الكهربائية لفرض الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وتأديب المصريين وفرض السيطرة والتمكين والتحكم فى الناس حتى يركعوا لهم ويسجدوا باعتبارهم ممثلى رب العزّة فى الأرض .!
التمكين قرآنيا وحصانة الكنائس والمعابد والمساجد

1 ـ قوله جل وعلا : (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ) جاء فى سياق لا يمكن فهم الآية بدونه ، ولذا فإن من العادات السيئة لمن فى قلبه زيغ أن يقتطع الآية من سياقها ويحرّف معناها ليتماشى مع هدفه . فما هو سياق الآية الكريمة ؟
2 ـ يقول جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ ) ( الحج 38 ـ 41 ).
2 ـ السياق الخاص للآية مع ما قبلها وما بعدها جاء فى حق الدفاع المشروع ضد إعتداء ظالم . ويبدأ بحقيقة الاهية تؤكّد إن الله جل وعلا يدافع عن الذين آمنوا ، أى الذين إختاروا الأمن والسلام طريقا فى تعاملهم السلوكى مع الناس ، وإختاروا الايمان بالله جل وعلا وحده الاها لا شريك له فى تعاملهم القلبى والتعبدى مع رب الناس. هؤلاء يدافع عنهم رب العزة، وهو جل وعلا فى المقابل لا يحبّ كلّ خوّان كفور:( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ)، أى كل ظالم معتد بسلوكه مع الناس وبعقيدته فى الشرك وتقديس البشر والحجر .
3 ـ ثم يأتى الإذن بالقتال الدفاعى للمؤمنين عندما يقع عليهم هجوم باغ.: ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) أى إذن لهم بالقتال . وهو ليس خاصّا بالمؤمنين فى المدينة فى عهد النبوة بل هو اذن صريح لكل من يتعرض للظلم والقتل بأن يدافع عن نفسه بغض النظر عن عقيدته ودينه، اذ يكفي ان يكون مظلوما ومعرضا لاحتمال الابادة بالقتل حينئذ يأتيه نصر الله اذا قاتل دفاعا عن حقه في الحياة. وقد غفل علماء التراث عن عمومية الآية في تشريعها الالهي لكل مظلوم يفرض الاخرون عليه الحرب ، أى كان من حق الشعوب التى فتحها المسلمون عنوة ان يدافعوا عن انفسهم و ان يردوا الاعتداء بمثلة. وغفل علماء التراث عن معني آخر أهم ، وهو أن الايذاء الذي اوقعه مشركو قريش بالمؤمنين وصل الي درجة القتل، وحين يقاتل المشركون المعتدون قوما مسالمين لا يردون علي انفسهم القتل فان إبادة أولئك المستضعفين حتمية . أي ان القرآن يشير الي حقيقة تاريخية اغفلتها عنجهية الرواة في العصر العباسي الامبراطورى وهي ان المشركين قاموا بغارات علي المدينة وحدث قتل وقتال للمسلمين ، وسكت المسلمون عن الدفاع عن أنفسهم لأن الاذن بالقتال لم يكن نزل بعد , فلما نزل التشريع اصبح من حقهم الدفاع عن النفس . وجاءهم الإذن بالقتال مع وعد الاهى بالنّصر (وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ).
4 ـ وغفل علماء التراث ايضا عن التدبر في الاية التالية لتشريع الاذن بالقتال والتى تقول (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) . الآية هنا تعطي حيثيات الاذن بالقتال لرد العدوان ،الاول ان اولئك المظلومين تعرضوا للقتل والقتال، والثاني انهم تعرضوا للطرد من بيوتهم ووطنهم لمجرد انهم كانوا يقولون ربنا الله ، وهذا ما اشار اليه علماء التراث لكنهم غفلوا بسبب التعصب الديني في القرون الوسطي عن التدبر في الفقرة الثانية من الآية والتي تؤكد انه لولا حق المظلوم في الدفاع عن نفسه وحريته العقيدية لتهدمت بيوت العبادة للنصاري واليهود والمسلمين وغيرهم حيث يذكر العابدون فيها اسم الله كثيرا. والاهمية القصوي هنا في تأكيد القرآن علي حصانة بيوت العبادة لليهود والنصاري والمسلمين حيث ذكر الصوامع والبيع والصلوات ،أي كل ما يعتكف فيه الناس للعبادة من اديرة وكنائس وغيرها ثم جاء بالمساجد في النهاية ، وقال عن الجميع انهم يذكرون فيها اسم الله كثيرا ولم يقل طبقا لعقيدة الاسلام في الالوهية (يذكر فيها اسم الله وحده) حتي يجعل الحصانة من الاعتداء لكل بيوت العبادة لكل الملل والنحل .
والاهمية القصوى هنا ايضا ان تشريع الاذن بالقتال ليس فقط لرد الاعتداء وانما ايضا لتقرير حرية العبادة لكل انسان في بيت عبادته ،مهما كانت العقيدة والعبادة ،فلكل انسان فكرته عن الله وعقيدته في الله وهو يقيم بيوتا لعبادة الله و لابد ان تكون هذه البيوت واحة آمنة تتمتع هي ومن فيها بالامن والسلام ، وتلك هي حقيقة الاسلام الذي غفل عنها علماء التراث .
5 ـ ولأولئك المؤمنين المدافعين عن الحرية الدينية ولغيرهم جاء الوعد الالهى بالنصر: ( وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)، أى إن ما يفعلونه من قتال دفاعى فى سبيل الحرية الدينية وحصانة بيوت العبادة لليهود والنسيحيين والمسلمين وغيرهم هو نصرة لله جل وعلا ، وأكّد رب العزة جل وعلا لينصرنّ من ينصره ، كما أكّد من قبل إنه يدافع عن الذين آمنوا لأنه جل وعلا لا يحب كل خوّان كفور . وهذا وعد الاهى ينطبق ويتحقق لكل من يقوم بشروطه ، أى كل من يدافع عن الحرية الدينية ويقف ضد الاكراه فى الدين ويستميت فى الدفاع عن حصانة بيوت العبادة لكل الناس يعده رب العزة القوى العزيز بالنصرة .
6 ـ وهذا الدفاع عن رب العزّة يستلزم التمكين ، أى أن يكون لك جيش قوى ، ولكى يكون لك جيش قوى لا بد أن تكون لك دولة ، ولكى تكون لك دولة لا بد أن تكون شعبا مستقرا على أرض يملكها ويقيم عليها وله نظام حكم ونظام إدارة ، تنشىء هذا الجيش وتوفر موارده المالية ، ولا بد لهذه الدولة من كيان قانونى تشريعى يحفظ حقوق الأفراد وينظّم التعامل بينهم . ولكى تكون دولة اسلامية لا بد أن تتأسس على الحرية الدينية وقيام الناس بالقسط والعدل وممارسة الشورى بينهم فى كل أمورهم ، وحتى يتعلم الناس تطبيق كل تلك القيم العليا المتعارف عليها لا بد من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر . لذا تقول الآية التالية عن مجتمع المؤمنين ودولتهم وتمكينهم : ( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ) (الحج 38 ـ 41). هذا هو السياق الخاص لقوله جل وعلا : ( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ )( الحج 41).

التمكين النفسى بتغيير الأغلبية الصامتة لتكون أمة متفاعلة بالخير

1 ـ السياق العام للآية الكريمة فى القرآن كله يبدأ بمصطلح (الذين آمنوا ) فى قوله جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا )، وكيف انه يعني اساسا وفى التعامل السلوكى والظاهرى الذين اختاروا الامن والامان في تعاملهم مع الناس حتي لو كان هؤلاء الناس يعتدون عليهم ويضطهدونهم بسبب الدين.
وكى نفهم المعني المراد بالذين آمنوا في خطاب القرآن لأتباع النبي واصحابه نقرأ قوله تعالي لهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) ( النساء 136) فالله تعالي يدعو هنا الذين امنوا الي الايمان بالله ورسله وكتبه السماوية . أي يدعوا الذين اختاروا الايمان بمعني الأمن والأمان ان يضيفوا الي ذلك الايمان السلوكى إيمانا قلبيا بالله وكتبه ورسله .وعلى هذا النسق فالخطاب للذين آمنوا مقصود به الذين اختاروا السلم و الامن طريقا ،ويأتي الخطاب يدعوهم للايمان القلبي والطاعة واقامة الفرائض , أي يدعوهم الي الايمان القلبي ولوازمه من الطاعات ليتحقق الايمان القلبي مع الايمان السلوكى الظاهري، او ليتحقق الامن والسلام مع الايمان بالاله وكتبه ورسله , ويتحقق اخيرا في الاخرة نعيم الجنة حيث السلام والامان.
2 ـ وعلى هذا النسق نفهم دعوة الذين آمنوا ظاهريا وسلوكيا لأن يكملوا إيمانهم الظاهرى بإيمان قلبى بالله جل وعلا وحده يقوم على التقوى وإسلام القلب والجوارح لله جل وعلا وحده حتى الممات ، نقرا معا قوله جل وعلا فى حثّهم على التقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ) ( آل عمران 102 )،وحتى لا يكونوا فى الاخرة من أهل النار يقول جل وعلا للمؤمنين سلوكيا وظاهريا يخوّفهم من النار ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) وحتى لا يستمروا فى ارتكاب الكبائر يقول لهم جلّ وعلا فى حثّهم على التوبة :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ)(التحريم 6 ، 8) ، بل كانوا يؤذون النبى .! وفى نهيهم عن إيذاء النبى قال لهم جلّ وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهاً يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً )( الأحزاب 69 : 70) .
4- وهؤلاء المؤمنون المسالمون الذين اجتمعوا حول النبي في مكة ثم في المدينة كانوا فى معظمهم من المستضعقين الذين تعودوا إيثار المسالمة وحب السلم وتحمل الأذى عجزا ، أى كانوا ممّن نطلق عليهم فى عصرنا ( الأغلبية الصامتة ) الراضية بالخنوع والخضوع ، فأعطوا للملأ القرشى ـ من الأمويين بالذات ـ فرصة التحكم فيهم . ثم دخل أولئك المستضعفون فى الاسلام فتعرضوا للإضطهاد ، ولم يحاول احدهم الدفاع عن نفسه ، وتحملوا التعذيب في مكة وهاجروا منها الي الحبشة مرتين ثم هاجروا الي المدينة ، فاستمر مشركو قريش فى الغارة عليهم يريدون ارغامهم علي العودة لدين الآباء .كان ممكنا ان يستأصلهم المشركون بالاضطهاد والقتل لولا ان نزل تشريع القرآن يبيح لهم الدفاع عن النفس .
5 ـ الخطوة الإيجابية الهائلة التى إتخذوها هى الهجرة . ولم تكن بالشىء الهين عليهم . فمع أنهم ذاقوا الهوان فى مكة قبل وبعد إسلامهم إلا إن الحنين للوطن والأهل المشركين كان يؤرقهم فى بداية عهدهم فى المدينة مستقرهم الجديد . لذا سرعان ما نسوا ذكريات التعذيب بل ونسوا ملاحقة قريش لهم بالاعتداءات عليهم فى المدينة ، وبدلا من مواجهة الاعتداء بالسخط والاحتجاج ـ قبل الإذن لهم بالقتال ـ إذا هم يلقون بالمودة للمعتدى ويوالونه .!.. فنزل قوله جل وعلا يذكّرهم بجرائم قريش فى طردهم النبى والمؤمنين وعداء أولئك الكفار لله تعالى وللمؤمنين : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ لَنْ تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ )(الممتحنة 1 : 3 )
6 ـ وكان منتظرا من المؤمنين المسلمين حول النبي ان يبتهجوا بتشريع الاذن بالقتال ورد الاعتداء والدفاع عن النفس ،ولكن حدث العكس اذ انهم تعودوا الصبر السلبي وتحمل الاذى ،ولذلك كرهوا تشريع الجهاد برد الاعتداء وغفلوا انه ضرورى لحمايتهم من خطر الابادة لأنه اذا عرف العدو انهم سيدافعون عن أنفسهم ولن يسكتوا فسيتوقف عن الاعتداء عليهم ،وبذلك يتم حقن الدماء للطرفين، وهو خير للطرفين ، وفي ذلك يقول سبحانه وتعالي للمؤمنين : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ )( البقرة 216 )، لقد كرهوا القتال دفاعا عن النفس وهو خير لهم واحبوا الاستكانة والخضوع لمن يحاربهم وهو شر لهم، والسبب انهم تعودوا السلام والصبر الي درجة اصبحت خطرا علي وجودهم ودينهم .
7 ـ إلّا إن هذا التوضيح القرآني للمؤمنين المسالمين لم يكن كافيا لبعضهم لكي يخرجهم من حالة الخضوع الي حالة الاستعداد لرد العدوان. ولذلك فان فريقا منهم احتج على تشريع القتال، ورفع صوته لله بالدعاء طالبا تأجيل هذا التشريع , وفي ذلك يقول الله تعالي :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) ( النساء 77 ). كانوا في مكة مأمورين بكف اليد عن الدفاع عن النفس اكتفاء باقامة الصلاة وايتاء الزكاة ، واستمر هذا بعض الوقت فى المدينة حين كانت قريش تلاحقهم بالغارات ، فلما فرض عليهم القتال الدفاعي إحتج فريق منهم وطلب التأجيل . وهذا يدل علي عمق شعورهم بالمسالمة وكراهية الدماء . وهى هنا حالة (مرضية ) من المرض ، ولا بد من علاجها بالمواجهة مع النفس حتى يحدث التمكين .
8 ـ فالتمكين بيدأ نفسيا بأن يقوم الفرد بتغيير ما فى نفسه من خنوع وخضوع وسلبية ورضى بالهوان الى أن يكون أيجابيا فى الخير حرّا أبيا شريفا مستعدا للتضحية بنفسه فى سبيل القيم العليا من الحق والخير والعدل والحرية . ولو بدأ كل الأفراد فى الأغلبية الصامتة فى تغيير النفس جاءهم من الله جل وعلا الاستجابة ، أى يأتى التغيير الالهى للناس إستجابة لقيامهم هم بتغيير أنفسهم : (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ )(الرعد 11 ) .
9 ـ وفى عهد النبوة لم يكن حصول هذا التغيير فى الأغلبية الصامتة للمسلمين المسالمين سهلا أو هينا ، إذ إستلزم أن يلاحقهم رب العزة بالتحريض والتأنيب والتشجيع . وكانت معركة بدر هى أكبر تحدّ واجهوه فى التغلب على مخاوفهم ورعبهم من القتال ، فقد كانت مواجهة حقيقية لنفسية المؤمنين من أهل بدر ، وهم يرفعون السلاح فى وجه من اعتادوا الخضوع لهم وتربوا على الرعب منهم . لذا استلزمت هذه المواجهة بين المؤمنين ومشركى قريش مواجهة أخرى نفسية ، واحتاجت هذه المواجهة النفسية الى أن يستغيثوا بالله بسبب رعبهم من مواجهة الطغاة ، فجاء تبشير الله جل وعلا لهم بآلاف الملائكة لتطمئن قلوبهم . ولا نجد احسن من وصف القرآن لهذا الفريق الخائف من اهل بدر، يقول تعالي :( ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ وَإِذْ يَعِدُكُمْ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُون إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) ( الأنفال 5 : ـ ) أي انهم كانوا كارهين للحرب واعلنوا عن موقفهم بالجدال في الحق الذي اصبح واضحا, وعندما تحتم عليهم القتال الفعلي كانوا كأنما يواجهون الموت وينظرون اليه . وبالمناسبة نذكر ان حديث القرآن عن غزوة بدر يناقض روايات السيرة التي تؤكد خلافا للحقيقة ان جميع المسلمين في بدر تحمسوا للقتال ولم يرتفع صوت واحدبالتردد . ولولا ما ذكره القرآن ما عرفنا حقيقة الموضوع . وفي غزوة الاحزاب حاصر المشركون المدينة فبلغ الخوف من المؤمنين غايته: (الاحزاب 10،11)وادي الخوف ببعضهم الي الهرب وتعويق المقاتلين ونشر الاشاعات (الاحزاب 18،19 ،60)وفي المقابل ظهر المعدن الاصيل لبعض المؤمنين فازدادوا ايمانا وتسليما :ا(الاحزاب 22،33) . وفي غزوة ذات العسرة آخر الغزوات ظل المسلمون حتي ذلك العهد غير متحمسين للقتال ورد الاعتداء مما جعل آيات القرآن اكثر تأنيبا لهم (التوبة 13،16 ، 38). ، هذا بخلاف المنافقين , فنحن نتحدث عن الذين آمنوا لنعرف كيف انهم آمنوا بمعني احبوا الامن والامان وكرهوا الحرب والقتال حتي لوكان الحرب والقتال دفاعا ضد عدوان لا ينتهي .
10 ـ واحتاج ( التمكين النفسى ) ممارسة عملية للحرب ووعظا ووعودا الاهية ، وكلها ليست لمؤمنى عهد النبوة فقط ـ بل لكل مجتمع مؤمن يريد الفلاح فى الدنيا والآخرة . وهذا ما جاء به وعد التمكين للمؤمنين . ففى السنة الأولى للهجرة كان أول ما نزل هو وعد الاستخلاف والتمكين للمؤمنين ، وهو وعد مشروط باخلاص الدين لله جل وعلا : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ( النور 55 ). الاستخلاف هنا فى الأرض بينما التمكين فهو للدين . وبهما معا ( الاستخلاف والتمكين ) سيزول خوف المؤمنين من عدوهم القرشى الذى كان يتابعهم بالغارات . وانتصر المؤمنون الخائفون فى بدر على عدوهم المرعب نفسيا لهم. وبدأ تحقيق الوعد الالهى سالف الذكر فى سورة التور (55 ). وهو وعد مشروط باخلاص الدين لله ،أى بالايمان القلبى وليس مجرد الايمان السلوكى الظاهرى . وحتى يتحقق الوعد كاملا لهم بالتمكين والاستخلاف فلا بد من نجاح التمكين النفسى بأن يغيروا ما بأنفسهم من خضوع وخنوع وشرور ، لذا قال لهم جلّ وعلا يذكّرهم بوضعهم قبل بدر وقد كانوا أذلّة فنصرهم الله جل وعلا على أنفسهم أولا ثم على عدوهم ثانيا : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )(آل عمران 123). من المنتظر من الضعيف المهان حين يحصل مرة واحدة على القوة أن يغتر ويكفر بالنعمة . وهذا ما وقع فيه المؤمنون بعد انتصار بدر . وهذا الغرور والكفران بالنعمة وعدم شكرها كفيل بحرمانهم من تحقيق وعد التمكين والاستخلاف المشار اليه فى سورة النوى ( آية 55 ) . لذا قال جل وعلا لهم يذكّرهم بما تحقق لهم من تمكين جزئى أزال عنهم رعبهم الذى كان من قبل :( وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )( الأنفال 26 ) .
هذه الآية الكريمة جاءت فى سياقها الخاص تسبقها وتتلوها آيات تؤنب المؤمنين وتلومهم وتعظهم وتحذرهم وتأمرهم وتنهاهم حتى يكونوا أهلا لأن يتحقق فيهم وعد التمكين ، يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لا يَسْمَعُونَ إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ )( الأحزاب 20 : 28 )
الخلاصة
إن التمكين هو أيضا تمكين للحرية الدينية للجميع داخل الدولة الاسلامية ، وهذا بالتناقض مع التمكين فى دين الوهابي السلفية .



#أحمد_صبحى_منصور (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تطبيق الأمر (بعمل المعروف )والنهى عن (عمل ) المنكر
- المعروف فى التشريع الاسلامى
- مفهوم المعروف القيمى الأخلاقى
- تأصيل المنكر بين الحلال والحرام والفحشاء والمكروه
- تأصيل مفهوم المنكر
- من تحريف الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الى الاستبداد والتف ...
- تأصيل مفهوم الأمر بين التحكم والالتزام الطوعى
- تأصيل مفهوم الأمر قرآنيا :
- القاموس القرآنى : (فاجر ، فجرة ، فجّار ، فجور.)
- عسكر وحرامية الفراخ .! من سرقة السلاح الى سرقة الفراخ .!!!
- التحقيق فى جريمة قتل غامضة حدثت عام 99 هجرية
- من علوم القرآن :القرآن والواقع الاجتماعى (18)(وَيَرْزُقْهُ م ...
- الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فى لمحة قرآنية عامة
- مقدمة كتاب ( الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بين الاسلام وال ...
- الصمد
- ( الحلف ) :خاتمة : تحذير المسلمين من خلط السياسة بالدين
- الحلف:(17) ليس فى الاسلام دعوة لاقامة دولة..فليبحث الاخوان ع ...
- الحلف كذبا(16)الاخوان المسلمون طلاّب دنيا ويكفرون بالآخرة
- الحلف كذبا (15) شريعة قريش والوهابيين السلفيين رفضت القرآن ا ...
- الحلف كذبا (14) شريعة قريش والسلفيين ظلمت رب العالمين :


المزيد.....




- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- عالم أزهري: الجنة ليست حكرا على ديانة أو طائفة..انشغلوا بأنف ...
- يهود متطرفون من الحريديم يرفضون إنهاء إعفائهم من الخدمة العس ...
- الحشاشين والإخوان.. كيف أصبح القتل عقيدة؟
- -أعلام نازية وخطاب معاد لليهود-.. بايدن يوجه اتهامات خطيرة ل ...
- ما هي أبرز الأحداث التي أدت للتوتر في باحات المسجد الأقصى؟
- توماس فريدمان: نتنياهو أسوأ زعيم في التاريخ اليهودي
- مسلسل الست وهيبة.. ضجة في العراق ومطالب بوقفه بسبب-الإساءة ل ...
- إذا كان لطف الله يشمل جميع مخلوقاته.. فأين اللطف بأهل غزة؟ ش ...
- -بيحاولوا يزنقوك بأسئلة جانبية-.. باسم يوسف يتحدث عن تفاصيل ...


المزيد.....

- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود
- فصول من فصلات التاريخ : الدول العلمانية والدين والإرهاب. / يوسف هشام محمد
- التجليات الأخلاقية في الفلسفة الكانطية: الواجب بوصفه قانونا ... / علي أسعد وطفة


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - أحمد صبحى منصور - التمكين وتطبيق الأمر بعمل المعروف والنهى عن عمل المنكر