أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - عام من الثورة المستحيلة















المزيد.....

عام من الثورة المستحيلة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 3664 - 2012 / 3 / 11 - 19:50
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


الثورة السورية مستحيلة. انطلقت قبل عام، واستمرارها محقق، لكنها مستحيلة. هنا عظمتها، لكن هنا أيضا منبع مأساويتها. مصارعة المستحيل مكلفة جدا.
لكن لماذا الثورة السورية مستحيلة؟
طوال أربعين عاما جرى تنظيم المجتمع السوري بحيث ينفجر على نفسه إذا خرج على تنظيمه الذي المتمركز حول سمو حاكميه عليه، سياسيا وإنسانيا. إنه نموذج المجتمع المفخخ الذي سبقت الإشارة إليه غير مرة في هذه الصفحة. وهو تفخيخ مزدوج بعدُ: أمني عن طريق عدد كبير من الأجهزة ومن المخبرين "النائمين"، الذين "يصحون" عند الطلب؛ ثم عن طريق أزمة ثقة وطنية عميقة، متعوب عليها، تباعد بين السوريين على أسس أهلية، وتنذر بتحويل "الثورة" على النظام إلى "فتنة" أهلية. ومن أوجه أزمة الثقة هذه انقسام مُعنِّد للمعارضة السورية، يبدو حائزا من الصلابة القدر الذي تحوزه الانقسامات الأهلية ذاتها. حتى ثورة شعبية واسعة القاعدة البشرية والقيمية، مثل الثورة السورية، لا تكاد تحبط ذاك التفخيخ المزدوج. هذا فضلا عن عنف بلا ضفاف، لم يتردد النظام في ممارسته يوما، وجعل المجتمع السوري مثالا للمجتمع المعنف، النزاع إلى ممارسة العنف هو نفسه.
إلى ذلك فإن سورية عالم مصغر، يحمل تناقضات العالم الكبير كلها، ولا يزيد نقص تشكله السياسي إلا في كونه نموذجا مصغرا للعالم الأكبر. البلد حديث الكيان، عمره 94 عاما بالكاد، وإن كانت "مادته" البشرية والثقافية من الأقدم عالميا. وهو عالم مصغر دينيا، فيه من المذاهب الإسلامية ما ليس في بلد عربي آخر، وفيه جماعة مسيحية مهمة، وهو إن كان يخلو من اليهود اليوم فقد كانوا هنا قبل حين. لكنهم لا يزالون هنا تقريبا., فسورية تجاور دولة اليهود في فلسطين، وتجمعها بها علاقة تجمع بين العداء الشديد والأمان الغريب. وإنه لسر معلوم للجميع أن إسرائيل تفضل استقرار نظام غير متصالح معها لما يوفرها من أمان على جبهة الجولان، يفوق ما وفرته معاهدتا سلام مع مصر والأردن على الحدود المشتركة، تفضل هذا الاستقرار على تغير سياسي في البلد يأتي بشياطين مجهولة. كل الاحتمالات الأخرى سيئة إسرائيليا، سواء كانت حكما أكثر حساسية لضغوط السوريين ومطالبهم، أو حكما إسلاميا، أو حالة من الفوضى وعدم الاستقرار. هذا نسق غريب للعلاقة بين دولتين تحتل أحداهما أرضا للأخرى. لكن حتى الشيطان ليس غريبا في إقليم سبق له أن اخترعه، ثم أبقاه في المتناول دوما.
للجوار الإسرائيلي غير السعيد دوران يعقدان كل شيء في سورية. أولهما أنها نظام للاستثناء العالمي، يحظى بالمسامحة والصفح مهما فعل. ولقد عملت كشبيح إقليمي متمتع بالحصانة طوال تاريخها، الأمر الذي يحكم على الكلام العالمي عن حكم القانون والعدالة والديمقراطية بالتهافت. ومن جهة أخرى تقوم إسرائيل على أساس الدين والماضي السحيق، الأمر الذي يشكل استثناء عالميا بدوره ويصعب فهمه من عرب وسوريين لطالما وعظوا بفضائل طي صفحات الماضي وإبعاد الدين عن الحياة العامة. ويقوي هذا الاستثناء المزدوج بدوره ميول الشك بالغرب ومقاصده، ويصعب كثيرا أمر التعلم منه، دع عنك التماهي به، ويقوي مواقع القوى والتيارات الأقل ليبرالية في مجتمعاتنا والأشد ميلا إلى التسلط، القومية منها والإسلامية بخاصة.
وإلى هذا النحس الإسرائيلي، تقع سورية على ضفاف حوض الطاقة العالمي الرئيس في العراق والجزيرة العربية وإيران، دون أن تحوز هي ذاتها إلا ما لا يذكر منها. لقد منح هذا الموقع المنطقة أهمية عالمية لا تضاهى وجعل من الهيمنة عليها جائزة للأقوى العالمي. ورفع من قيمة الاستقرار فيها على حساب العدالة والحرية. وبالفعل عرفت المنطقة استقرارا مميتا طوال أربعة عقود، ولم يتعارض استقرار الأقوياء هذا يوما مع كثير من العنف والموت فيها، ذهب ضحيته الضعفاء.
سورية كانت مثالا لهذا الاستقرار، إلى حد أنها كانت طليعة البلدان العربية في التحول نحو الحكم الوراثي ضمن الأسرة الأسدية وبكفالة عربية وعالمية لا ريب فيها.
وفي سنوات الرئيس الوارث تشكل مركب سياسي ذي أبعاد إقليمية تتجاوز التحالف بين النظام السوري في نواته السياسية الأمنية وكل من إيران وحزب الله. تمتزج في هذا المركب عناصر جغرافية سياسية واستراتيجية، مع عناصر دينية وطائفية، تسبغ عليه قدرا كبيرا من الصلابة والهوى واللاعقلانية معا. ونشتبه بقوة أن في هذا المركب يكمن سر منطق "المعركة الفاصلة" التي يبدو أن النظام يخوضها ضد محكوميه، وإقباله الجذل على قتلهم والتنكيل بهم. كأن أصداء العصور وأشباحها تنتاب أرض الشام العريقة.
وبعد الثورة السورية، وفي الأسابيع الأخيرة بدرجة أكبر، تلوح معالم تشكل تحالف جيوسياسي مذهبي مقابل، لا يقل ماضوية، يفاقم من تعقيد الأزمة السورية، ويقلل من احتمالات المخارح العقلانية منها، ويهدد بحل الثورة في تركيبات داخل/ خارج وماض/ حاضر مغلقة بدورها، وخالية من الطاقة التحررية.
وعلى هذا النحو تتلاحم بنى داخلية مع شروط عالمية مقيدة ومع استقطابات إقليمية فاسدة، وتتداخل العصور، لتجعل من سورية عالما مصغرا، يتعذر تغييره دون تغيير أوسع، إقليميا وعالميا. قد يحصل تغير من نوع ما في سورية، بل إن هذا مؤكد فعلا. لكن تغييرا تحرريا حقا يمر بتغير أوسع في البيئتين الإقليمية والدولية.
هذا لا ينطبق على تونس ومصر وهو بلدان أمتن تشكلا، غير مفخخين داخليا وغير منشبكين في تركيبات إقليمية ودولية على هذا القدر من الالتواء وتعدد الطبقات. ولا هو ينطبق على ليبيا ضعيفة التشكل التي لا تكاد تؤثر تغيراتها على غيرها. ولا على اليمن والبحرين أيضا.
الثورة المستحيلة وقعت مع ذلك. غير أن مغالبة المستحيل مأساوية مثل منازعة القدر في التراجيديا اليونانية. وهذا ليس مسألة استدلال. ما الذي نشهد عليه غير مأساة متمادية، يقف العالم أمامها مشلولا تتنازعه دواعي الإقدام والإحجام، وتنتظم الانقسامات العالمية والعربية، وانقسامات المعارضة السورية أيضا، بصورة ليست منعدمة التأثير على المأساة فقط، وإنما هي مندرجة فيه وتشكل جزء من مشهدها.
لا يتفرج العالم على التراجيديا السورية إلا لأنه يتعرف فيها على صورة مصغرة عنه، تحمل كل تناقضاته. ولعله يخشى من حرب عالمية صغرى حول هذا العالم الصغير، الوحشي.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عام من الثورة السورية: فلنسحق الخسيس!
- من الأزمة السورية إلى المسألة السورية
- سورية، إلى أين؟ أسئلة نارين دانغيان
- عناصر أولية من أجل استراتيجية عامة للثورة السورية
- الحزب الذي لم يعد قائدا للدولة والمجتمع...
- -اختراع التقاليد- لإريك هوبسباوم
- ملامح من الوضع الراهن للأزمة السورية
- الحكم بالاحتلال!
- في الطائفية والنظام الطائفي في سورية
- -قتل ذاك الماضي-، حازم صاغية يروي سيرة -البعث السوري-
- المثقف المبادر... في تذكر عمر أميرالاي
- في الشبّيحة والتشْبيح ودولتهما
- حول العسكرة والعنف والثورة...
- ديناميتان للثورة السورية: المستقبل في الحاضر
- المثقفون والثورة في سورية
- -حكي قرايا-: تدخل عسكري دولي!
- مكونات الثورة السورية وسياستها
- عام ثوري وأزمنة صعبة قادمة
- الفاشية السورية وحربها ضد العامة!
- محاولة لشرح القضية السورية للمنصفين


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح
- حزب العمل الشيوعي في سوريا: تاريخ سياسي حافل (1 من 2) / جوزيف ضاهر
- بوصلة الصراع في سورية السلطة- الشارع- المعارضة القسم الأول / محمد شيخ أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - عام من الثورة المستحيلة