أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مجدي عزالدين حسن - كيف يجب للعقل الإسلامي المعاصر أن يتعاطى مع النص الديني الإسلامي؟ (2)















المزيد.....

كيف يجب للعقل الإسلامي المعاصر أن يتعاطى مع النص الديني الإسلامي؟ (2)


مجدي عزالدين حسن

الحوار المتمدن-العدد: 3660 - 2012 / 3 / 7 - 15:48
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الهرمنيوطيقا والنص الديني الإسلامي: نحو تيولوجيا جديدة للتراث

نحن هنا بصدد طرح التساؤلات وإبداء النقد من منصة الحاضر الهرمنيوطيقي بصدد آليات تأويل النص الديني الإسلامي عند كل من الغزالي وابن رشد وكيفية اشتغالها والطريقة التي تعمل بها: وذلك بغرض توسيع مواعين النظرية التأويلية الغزالية الرشدية وتطوير مقولاتها إلى أقصى مدى يمكن أن تصله سواء تم ذلك بالاتفاق معها أو بالاختلاف عنها مستندين في ذلك ومسلحين بكل أدوات الكشف والمقاربة، والعدة المنهجية والأدوات المعرفية التي يمكن أن تمدنا بها الهرمنيوطيقا واللسانيات المعاصرة؟

فحسب الهرمنيوطيقا " أن نتأمل في التراث الإسلامي أو أن نفكر فيه فهذا يعني أن نخترق أو ننتهك المحرّمات والممنوعات السائدة أمس واليوم، وننتهك الرقابة الاجتماعية التي تريد أن تبقي في دائرة (المستحيل التفكير فيه) كل الأسئلة التي طُرحت في المرحلة الأولية والبدائية للإسلام. ثم سُكّرت وأُغلق عليها بالرّتاج منذ أن انتصرت الأرثوذكسية الرسمية المستندة على النصوص الكلاسيكية"

ونحن هنا إنما نستهدف تجاوز الإشكالية التي نسجتها وصاغتها النظرية التأويلية الغزالية الرشدية، داخل حقل التأويلية الإسلامية، وتولدت عنها مشاكل عديدة مترابطة. والتجاوز من وجهة نظرنا لا يمكن له أن يتم إلا إذا عملنا على إعادة صياغة هذه المشاكل بشكل جديد ومختلف في أطار عام يضمها جميعا بما يسمح بتولد إشكالية جديدة أكثر استجابة وتمثلا لمتطلبات الكشف الألسني والهرمنيوطيقي المعاصر. خاصة وأنه " لا يخفى على مسلم واحد اليوم أن قضية التفسير والتأويل أصبحت أهم وأشد صعوبة وتعقيدا مما كانت بالنسبة إلى المنظومة المعرفية والأطر الاجتماعية للمعرفة والنضال الأيديولوجي في زمن الغزالي وابن رشد"

وفي ذات الصدد، نتفق مع ما أشار إليه سعيد توفيق بقوله:" أن أدوات التأويل التي كانت معروفة في ثقافتنا الإسلامية في العصر الوسيط، والتي لازال البعض يستخدمها إلى يومنا هذا، هي أدوات محدودة وقليلة الحيلة، فيما يتعلق بتفسير ظواهر حياتنا المعاصرة ومن ثم، فإن من يضطلع بمهمة التفسير الآن، لابد أن يكون متسلحا بمعرفة واسعة في مجال العلوم الإنسانية المعاصرة كعلوم اللغة والتاريخ والأنثروبولوجيا والسوسيولوجيا والسيكولوجيا، فضلا عن الفلسفة"

وفي سبيل ذلك لابد من التأكيد على مجموعة من المبادئ المستوحاة من الدرس الألسني والهرمنيوطيقي المعاصر:

المبدأ الأول: يتمثل في نقل إشكالية التأويلية الإسلامية من موقعها السابق الذي كان ينظر إليها باعتبارها إشكالية فهم النص الديني الإسلامي إلى موقع جديد تتجسد معه بوصفها إشكالية فهم الفهم، أي فهم (الطريقة التي نفهم بها) النص الديني الإسلامي، وهو الأمر الذي يعني ولوج الهرمنيوطيقا من أوسع أبوابها. و " لا ريب في أن التفسير الكلاسيكي كان يجهل ألسنية النص الحديثة ونظرية القراءة، وقد أمكن للطبري متخطيا الدقة الحديثة، أن يقدّم لكل من تفسيراته بعبارة: يقول الله..، ويفترض ذلك ضمنا التطابق التام بين التفسير والقصد من الدلالة. وبالطبع بين التفسير والمحتوى الدلالي للكلمات في كل آية. ولم يتخلّص التفسير المعاصر من هذه السذاجة"

المبدأ الثاني: تنطلق الهرمنيوطيقا من مبدأ أن جميع النصوص ـ سواء كانت دينية أو غير دينية ـ تستوي طالما أنها تتوسل العلامات اللغوية في إيصال دلالاتها ومعانيها لقارئيها أو متلقيها، وبالتالي إذا وضعنا أيدينا على مجمل القواعد التي إذا طبقناها على النصوص يمكن أن نصل إلى فهمها وحقيقة ما تقصد قوله. نقول أنه برغم ذلك كله إلا أن هذه القواعد هي مجرد مبادئ أولية عامة لا تمتهن خصوصية اختلاف النصوص، ولذلك فإننا نقر بأن التعامل مع النص القانوني يختلف عن الأدبي وهذا الأخير يختلف عن التعاطي مع النص الديني..الخ. وبالتالي فإن ما تمدنا به الهرمنيوطيقا كنظرية في الفهم والتأويل من مبادئ عامة هي بمثابة قواعد هادية ومرشدة يمكن تطبيقها على جميع حقول البحث الإنساني بما في ذلك النص الديني ومع الإقرار في نفس الوقت بأن لكل حقل معرفي (القانون، الدين، الأدب،..) مشكلاته المنهجية المتميزة التي يتوجب على المؤول أخذها في الاعتبار عند تعاطيه مع كل من هذه النصوص. وهو الأمر عينه الذي يؤكده علي حرب بقوله:" في نقد النص تستوي النصوص على اختلافها. فلا يهم هنا الفرق بين نص وآخر من حيث المضامين والمحتويات أو من حيث الموضوعات والطروحات، وإنما الذي يهم كيفية انبناء الخطاب وطريقة تشكله والية اشتغاله. هنا يمكن الجمع بين النص الفلسفي والنص النبوي، إذ كلاهما يشكل نصا لغويا، كلاهما يتألف من وقائع خطابية. صحيح أن النص النبوي يستخدم آليات خاصة في إنتاج المعنى وأن له استراتيجيته المختلفة في توظيف الدلالة، ولكن هناك آليات عامة تشترك فيها النصوص على اختلافها، أكانت فلسفية أم نبوية أم شعرية. ذلك أن جميع النصوص تستخدم تقنيات مجازية بما في ذلك النص الفلسفي"

وتأسيسا على ما سبق، يتوجب علينا التخلي عن الطرائق والمنهجيات القديمة التي انحدرت إلينا من التراث الماضي والتي كانت محكومة ومشروطة في عملية تعاطيها مع النص الديني الإسلامي بالمدى الذي وصل إليه تطور المعرفة الإنسانية آنذاك عبر عملية إنتاج المفاهيم واستحداث أدوات الكشف والمقاربة وإبداع آليات توليد المعنى والدلالة. وعلى ذلك فليس ثمة أي مجال للمقارنة بين ما كانوا عليه وما صرنا إليه، فالبون المعرفي الذي يفصل بيننا وبينهم شاسع جدا. ولذلك يتوجب علينا (هتك) هالة القداسة التي لا زال التيار السلفي المعاصر يصبغها على نتاج قراءة الأولين والسابقين للنص بوصفها القراءة الوحيدة الصائبة والمعبرة عن حقيقة المقصدية الإلهية، هذا من ناحية. ومن الناحية الثانية، لا بد من التعاطي مع هذا التراث بوصفه ـ في المحصلة النهائية للتحليل ـ نتاج بشري، وبالتالي ليست ثمة أية قداسة هنا، حيث إننا ننظر إلى التراث المتعلق بالنص الديني الإسلامي باعتباره نصوص كتبها بشر، ولذلك فإن تأويلها يجب أن يخضع إلى نفس المبادئ التي يخضع لها تأويل أي نص آخر.

المبدأ الثالث: يتمثل في النقلة النوعية التي حققتها الهرمنيوطيقا الحديثة في نظرتها للنصوص باعتبارها نصوص تاريخية بما في ذلك النص الديني الذي كشفت الهرمنيوطيقا انه بدوره لا ينفك عن التاريخ ولا يتعالي عليه طالما أنه يلبس عباءة اللغة الإنسانية. ما نهدف إليه هنا يتمثل في التساؤل بصدد ما يمكن أن يمدنا به الإمكان الهرمنيوطيقي بحيث نصبح قادرين معه على الانخراط الواعي في عملية تأويل التراث الإسلامي منطلقين من وضعيتنا التاريخية الراهنة وأخذين في الاعتبار ضرورة الانعتاق من عقلية التكرار وإعادة الإنتاج في تعاطيها وتناولها لموضوعات التراث. وبالتالي فلابد للتيولوجيا ولموضوعاتها التي بقي امتياز التنقيب فيها حكرا على علماء الدين التقليديين أن تخضع للدرس الألسني والهرمنيوطيقي. ويرى محمد أركون أن " القرآن الذي يرفع رايته المسلمون اليوم بصفته جوابا نهائيا ومؤكدا على التحديات الراهنة (تحديات تاريخهم الخاص) وعن التحديات التي يواجهها كل البشر أيضا، أقول أن القرآن نفسه لا يمكنه أن يفلت من مواجهة التجربة الراهنة لمحدوديتنا البشرية"

وعلى ذلك فالنصوص الدينية التي تدعي القداسة والتعالي على التاريخ ليست سوى حاملا زمني لأفكار دينية، إنها إبداع تاريخي في لغة تاريخية لأناس تاريخيين، " إن مسلمي اليوم يجدون صعوبة كبيرة في الفصل بين المكانة اللاهوتية للخطاب القرآني، وبين الشرط التاريخي واللغوي للعقل الذي ينتج خطابات بشرية ارتكازا على العقل الإلهي"

وكما يقول المفكر الإسلامي محمد أركون: " عندما ننظر إلى تراث التفاسير الإسلامية بكل أنواعها وبكل مذاهبها واتجاهاتها، نفهم أن القرآن لم يكن إلا ذريعة من أجل تشكيل نصوص أخرى تلبي حاجيات عصور أخرى غير عصر القرآن بالذات. وهذه التفاسير موجودة بذاتها ولذاتها، وهي أعمال فكرية، ومنتوجات ثقافية مرتبطة باللحظة الثقافية التي أنتجتها، وبالبيئة الاجتماعية أو المدرسة التيولوجية التي تنتمي إليها أكثر مما هي مرتبطة بلحظة القرآن. وهذا ما يعقّد الأمور كثيرا فيما يخص الروابط الكائنة بين النص الأول الذي نرغب في فهمه (أي القرآن) وبين كل التفاسير التي نتجت في ما بعد طبقا للحاجيات الأيديولوجية المرافقة بالضرورة لكل جيل من أجيال المسلمين"

وعلى ذلك، ومثلما انطلق السابقون الأولون من الأفق التاريخي الذي ينتمون إليه في عملية تعاطيهم مع النص الديني وربط معناه بمجريات الأوضاع التي عاصروها ـ وهم كانوا محقين في هذا ـ كذلك يجب علينا أن نعي نفس الدرس الذي أدركوه هم، بمعنى أننا لا يجب أن نفهم النص الديني بنفس الطريقة التي فُهموا بها ـ فواقعنا الحالي غير واقعهم الماضي، ولكل مشكلاته التي يتميز بها ـ وإنما لابد من أن ننطلق من واقعنا الحاضر محملين بكل فرضياته وأحكامه ومفاهيمه داخلين على النص بكل ما هو متاح لنا من عتاد منهجي وترسانة معرفية بقصد جعله يُفصح لنا بعبارة صريحة العبارة عما يود قوله بالنسبة للحالة الراهنة لنا.

وهو الأمر الذي يعني أن مهمة التأويل لا تقتصر،فحسب، على شرح ما كان يعنيه النص في عالمه الخاص بل تمتد لتشمل ما يعنيه النص في اللحظة الراهنة لنا، وهو ما يجعل النص الديني الإسلامي موصولا بحياة القارئ المعاصر ومقبولا لعقل الإنسان الحديث.
وإذا تساءلنا مع محمد عابد الجابري، عن الطريقة التي يفهم بها (السلفي المعاصر) النص التراثي، فسنجد أن القراءة السلفية تنشغل –أكثر من غيرها من القراءات- بالماضي وإحيائه واستثماره في إطار قراءة أيديولوجية سافرة، أساسها إسقاط صورة (المستقبل المنشود)، المستقبل الأيديولوجي، على الماضي، ثم (البرهنة) – انطلاقاً من عملية الإسقاط هذه- على أن ما تم في الماضي يمكن تحقيقه في المستقبل. فالقراءة السلفية تأبى إلا أن تتعاطى مع (الماضي) ك (واقع حي)، ولذلك نراها تستعيد الصراع الأيديولوجي الذي كان في الماضي وتنخرط فيه. القراءة السلفية للنص، قراءة لا تاريخية، وبالتالي فهي لا يمكن أن تنتج سوى نوع واحد من الفهم للنص هو: الفهم الأحادي للنص. والسلفية الدينية تصدر في قراءتها من منظور ديني للتاريخ، يجعل التاريخ ممتداً في الحاضر منبسطاً في الوجدان. ولما كانت الذات تتحدد بالإيمان والعقيدة، فلقد جعلت من العامل الروحي العامل الوحيد المحرك للتاريخ أما العوامل الأخرى فهي ثانوية أو تابعة أو مشوهة للمسيرة.
فمنطق القراءة يزعم أن الأجيال الماضية أفضل بكثير جداً من الأجيال الحاضرة ويدعو في اتجاهها إلى ضرورة التغيير وإلى تحكيم القيم التراثية التقليدية باعتبارها نماذج أساسية للفهم. بالإضافة إلى أنها تعتقد أن مقولاتها وأفكارها ومفاهيمها تملك وتعبر عن الحقيقة المطلقة وتزعم في الوقت ذاته أن لديها جواباً لكل شيء وتتصف بالجمودية بمعنى أنها تقف عند الأجوبة التي تم إنتاجها في الماضي وترى صلاحيتها فوق الزمان والمكان وترفض في الوقت ذاته توجيه أي نقد أو تقويم أو مراجعة أو تطوير لهذه المفاهيم مما يعني فقدانها للقدرة على التكيف مع متطلبات الواقع الإنساني المتغير بوتيرة متسارعة جداً، ومن هنا يأتي تحجرها وانغلاقها المذهبي.
المبدأ الرابع: يجب عدم الخلط بين النص القرآني من جهة وتأويلنا لهذا النص، وضرورة التمييز بينهما، ف" القرآن نص مفتوح على جميع المعاني ولا يمكن لأي تفسير أو تأويل أن يغلقه أو يستنفده بشكل نهائي و(أرثوذكسي). على العكس، نجد أن المدارس أو المذاهب المدعوة إسلامية هي في الواقع عبارة عن حركات أيديولوجية مهمتها دعم وتسويغ إرادات القوة للفئات الاجتماعية المتنافسة على السلطة والهيمنة"

وكما يبين لنا على حرب، فإن السلفي العقائدي ينظر إلى تأويله أو تأويل الجماعة المنتسب لها باعتبارها " واقعاً قائماً، أو معرفة تامة، أو جواباً حاسماً، أو قولاً فاصلاً. أو عالماً مكتملاً". إنه يستبعد من المحيط المعرفي كل ما لا يتفق مع ما يعتقد به أو يعرفه عن المعرفة فهو يتحدث بلغة جازمة قاطعة، قائلا لك: هذا ما أجازه النص وهذا ما لم يجزه. وهو إذ يفعل ذلك فانه لا يرى في مقولاته مجرد وجهة نظر قد تكون صائبة أو خاطئة من بين وجهات نظر أخرى في المعرفة إنه يقول لك باختصار: هذا هو رأي النص في هذه المسألة وما عداه مرفوض يستحق الإدانة والتجريم إن لم يكن التكفير.

وعلى ذلك نجد أن بنية القراءة السلفية هي بنية تسعى إلى استعادة جواب جاهز، وهي بذلك لا تحض على التفكير والبحث والاستقصاء، بل جلّ ما يهمها إنما يتمثل في الدفاع والتقريض والتبرير في سبيل تأكيد قبلياتها ومسلماتها التي هي فوق كل مساءلة وتشكيك. وترفض العقلية العقائدية كل المفاهيم والنظريات والنماذج التي لا تمت بصلة إلى أنظمتها المعرفية، وهو رفض ونفي يتم على حساب الحقيقة، لأنها تتعامل مع مقولاتها باعتبارها الحقيقة التي لا يرقى إليها الشك، وبوصفها المبدأ الذي يفسر كل شيء. ولذلك تنقلب لديها مقولاته إلى غيب ولاهوت وتتحول إلى أدلوجة تتعالى على الواقع والتاريخ.

وبالتالي فهي ترى (تأويلها) (تفسيرا) مطابقاً لمقصدية النص الديني. وهي بذلك تضفي قيمة الموضوعية والصدق المطلق على (تأويلها) في مقابل ُوصم (التأويلات) الأخرى ـ المنافسة لها في شرح النص وتفسيره ـ بدلالة سالبة. وقد أوضح نصر أبو زيد الغاية من ذلك بقوله: " إذا كان مصطلح (التأويل) في الفكر الديني الرسمي قد تحول إلى مصطلح (مكروه) لحساب مصطلح (التفسير) فإن وراء مثل هذا التحويل محاولة مصادرة كل اتجاهات الفكر الديني (المعارضة) سواء على مستوى التراث أم على مستوى الجدل الراهن في الثقافة. إن وصم الفكر السائد للفكر النقيض بأنه فكر (تأويلي) يستهدف تصنيف أصحاب هذا الفكر في دائرة (الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة).... وفي مقابل ذلك يكون وصف (تأويلات) هذا الفكر الرسمي بأنها (تفسير) وصفا يستهدف إضفاء صفة (الموضوعية) و(الصدق) المطلق على هذه التأويلات"

وخير نموذج تطبيقي لما سبق ذكره يتمثل في رسالة المؤتمر الخامس للإخوان المسلمين الذي يورد هذا النص: " على كل مسلم أن يعتقد أن هذا المنهج (أي منهج الإخوان المسلمين) كله من الإسلام، وأن كل نقص منه نقص من الفكرة الإسلامية الصحيحة." المسلمات الضمنية التي يتأسس عليها هذا النص والتي يسكت عنها في الوقت ذاته عبارة عن جملة من الادعاءات والاعتقادات نلخصها على الوجه التالي:
أولا: الاعتقاد بأن الحقيقة هي مفهوم أو مدلول متعالي على التاريخ، قائما بذاته بشكل مسبق، قبل أشكال ظهورها وأنماط تحققها في الخطابات والنصوص. ينبني عليه الادعاء القائل بوجود إسلام صاف واحد، متماثل أو متجانس مع نفسه، متعال على اللغة التي ارتبط بها وعلى النصوص التي تشكل فيها، مستمر هو هو بصرف النظر عن المسلمين الذين مارسوه وصنعوه، وبمعزل عن أي تأثير أو عدوى، ومن غير ما نسخ أو تبديل.
ثانيا: الاعتقاد بإمكان تطابق محصلة (تأويل) النص مع (النص) موضوع التأويل. ينبني عليه الادعاء القائل بأن ما ننشئه حول الإسلام من أقوال ونصوص إنما تقول حقيقته وتتطابق مع ماهيته.
ثالثا: الاعتقاد بأن النص الديني الذي نقوم بعملية تأويله بقصد شرحه والتوصل إلى معانيه ودلالاته يبقى هو هو، بمعنى الاعتقاد بأن تأويل النص لا يغير من حقيقة هذا النص. ينبني عليه الادعاء بوجود نهج إسلامي في المعرفة، ثابت، متفق عليه بين فرق الإسلام ومذاهبه وأئمة العلم فيه، نهج لم يتغير بتغير النصوص التي كتبت فيه أو بتراكم المعارف التي أنتجت بصدده.
على هذا كله، يقوم، بشكل ضمني أو صريح، ادعاء العقائدي السلفي بأن (تأويله) للنص الديني الإسلامي يمثل مقصدية الإله وما أراد قوله لنا. وبناء عليه، فإنه يجيز لنفسه أن يقرر ويفصل على نحو حاسم بين ما هو يمثل حقيقة النص الإسلامي وما هو (ضال) و(منحرف) و(زائغ) من تأويلات أخرى. وهو بذلك يصادر الدين لمصلحته هو أو لمصلحة الجماعة التي ينتمي لها، فيكون من لا يواليها خارجاً على الإسلام ذاته. فهو بذلك يقصي من دائرة الإسلام كل ما لا ينسجم ويتوافق مع ما توصل إليه من اجتهادات تأويلية.
وما تسكت عنه مثل هذه القراءة ولا تصرح به إنما يتمثل في مساواتها وممهاتها لفعل الفهم والتأويل بالنص ذاته، متناسية أو تتناسى أنها مجرد قراءة تأويلية من بين قراءات تأويلية أخرى. إنها كما يقول علي حرب " المنطق الذي يحكم العقل العقائدي والأيديولوجي عامة، أكان كلامياً أم لاهوتياً، دينياً أم علمانياً إنه منطق الاستبعاد: استبعاد كل رأي مخالف وكل موقف معارض، ينبني على استبعاد آخر هو الاعتقاد بوجود حقيقة مطلقة متعالية كلية، يشف عنها الخطاب ويمكن أن تعرف على نحو كلى يقيني ونهائي، أي استبعاد أن تكون الحقيقة، وبخاصة الحقيقة الدينية العقائدية، مشروطة، متغيرة، مصنوعة، أي مختلفة باختلاف اللغات والنصوص، وباختلاف التجارب والممارسات".



#مجدي_عزالدين_حسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التأويل داخل حقل الإسلاميات (3)
- التأويل داخل حقل الإسلاميات (2)
- التأويل داخل حقل الإسلاميات (1)
- كيف يجب أن نتعاطى مع النص الديني الإسلامي؟ (1)
- الطريق إلى الحقيقة: سؤال المنهج
- الوجود البشري والحقيقة (6)
- الحقيقة أم التأويل: التساؤل بشأن (حقيقية) الحقيقة(5)
- تفكيكية جاك دريدا: نقل سؤال الحقيقة إلى مجال التأويل (4)
- الحقيقة لا تمثل الواقع الخارجي بل مفهومه، مراجعات فلسفية في ...
- مراجعات فلسفية في مفهوم الحقيقة (2)
- مراجعات فلسفية في مفهوم الحقيقة (1)
- العقل الإسلامي المعاصر: إلى أين؟
- في نظرية المعرفة: خلاصة ونتائج
- في نظرية المعرفة (6)
- في نظرية المعرفة (5)
- في نظرية المعرفة (4)
- في نظرية المعرفة (3)
- في نظرية المعرفة (2)
- في نظرية المعرفة (1)
- الثورة وثقافة الديمقراطية في الفقه السياسي الإسلامي: جدلية ا ...


المزيد.....




- مصدر عراقي لـCNN: -انفجار ضخم- في قاعدة لـ-الحشد الشعبي-
- الدفاعات الجوية الروسية تسقط 5 مسيّرات أوكرانية في مقاطعة كو ...
- مسؤول أمريكي منتقدا إسرائيل: واشنطن مستاءة وبايدن لا يزال مخ ...
- انفجار ضخم يهز قاعدة عسكرية تستخدمها قوات الحشد الشعبي جنوبي ...
- هنية في تركيا لبحث تطورات الأوضاع في قطاع غزة مع أردوغان
- وسائل إعلام: الولايات المتحدة تنشر سرا صواريخ قادرة على تدمي ...
- عقوبات أمريكية على شركات صينية ومصنع بيلاروسي لدعم برنامج با ...
- وزير خارجية الأردن لـCNN: نتنياهو -أكثر المستفيدين- من التصع ...
- تقدم روسي بمحور دونيتسك.. وإقرار أمريكي بانهيار قوات كييف
- السلطات الأوكرانية: إصابة مواقع في ميناء -الجنوبي- قرب أوديس ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مجدي عزالدين حسن - كيف يجب للعقل الإسلامي المعاصر أن يتعاطى مع النص الديني الإسلامي؟ (2)