أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عزمي بشارة - هل هذا سؤال!















المزيد.....

هل هذا سؤال!


عزمي بشارة

الحوار المتمدن-العدد: 246 - 2002 / 9 / 14 - 00:12
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

 

تساءل مسؤولون وإعلاميون امريكيون بعد 11 ايلول: لماذا يكرهوننا؟! وقد تفاءل بعض العرب خيراً بهذا السؤال، ففسروه على عادة اسقاط التمني على النص أن تكون هذه بداية معالجة امريكية جادة وصريحة، نوعاً من محاسبة الذات، وتنقيباً في اعماق الطبقات التاريخية السياسية وسبر غور مسالك العلاقات الامريكية العربية الشائكة للبحث عن السبب.

فماذا كانت النتيجة؟ تبين ان السؤال سجالي فحسب، انه تساؤل الغاضب: لماذا يكرهوننا؟ في نوع من الشفقة على الذات والرثاء لحالنا، تساؤل عن الكراهية الصماء..أهكذا يكون الكره؟ انه تساؤل لا يبحث عن اجابة ، انه اتهام من يكره ، انه ليس لديه سبب يبرر كل هذا الحقد، انه مجرد حاقد اعمى، يكره الامريكان لانهم امريكان- كأن هذا هو الشكل الجديد للعداء للسامية، والعداء للسامية هو مرض لا علاج منه ولا فائدة من البحث عن علاجه واسبابه. يفترض من يسأل لماذا يكرهوننا الافتراضات التالية: 1- انهم يكرهوننا. 2- انه لا يوجد سبب لذلك سوى انهم "هم"، واننا "نحن"- وهذا يعني 3- انهم في افضل الحالات يكرهون بسبب "من نحن"، اي بكلمات أخرى بسبب طريقة حياتنا.

إنهم يكرهون نمط الحياة الامريكي. وما هو نمط الحياة الامريكي بنظر المتسائلين المحتارين، انه يتلخص بكلمة واحدة: الحرية بدءً بحرية الفرد، او حرياته، ونهاية بالنظام الديموقراطي التمثيلي، مروراً بحرية الصحافة والابداع وحرية التبادل التجاري والاستثمار، اي حرية السوق. ويستطيع المرء بعد ذلك ان يطور صورته حول ذاته بلا حدود ليمر بنمط الحياة الاستهلاكي وحق الانسان الفرد بالبحث عن السعادة بالشكل الذي يعرف به هو سعادته، ويشمل ذلك تحقيق ذاته، بما في ذلك خياراته المهنية والجنسية وغيرها، لا يهم الا يشمل ذلك الفارين الى امريكا من المكسيك بحثا عن هذه السعادة والذين قتل منهم على الحدود في العام الأخير فقط بعدد قتلى الانتفاضة.

وبعد ان يفرغ "الانسان" من تأكيد هذه الصورة الذاتية، التي لا نرغب بمناقشتها في هذه العجالة المستعجلة ينتقل الى البحث في "اسلوب حياتهم" عن سبب لكراهية "اسلوب حياته" والطريق من هنا الى صراع الحضارات والثقافات والعقليات بدل صراع الاعراق أقصر مما نتصور.

لنبدأ بالتعامل ببساطة مع الاسئلة، وهي مثل كافة الاسئلة الفكرية الكبرى- اسئلة بسيطة، ابسط مما نتصور. هل يكره العرب امريكا- او هل يكرهون امريكا، او هل "يكرهون"، هل يقتل الناس اصلا من يكرهونهم عادة؟ واذا كان هذا صحيحاً فهل يكرهونها بسبب نمط الحياة السائد فيها؟

تشير الحقائق التاريخية الى ان العرب منذ بدء الصراع مع الاستعمارين الفرنسي والبريطاني قد تطلعوا الى امريكا كنموذج للحرية، وانهم تاقوا اليها- وكانت تياراتهم المحافظة والثورية، الدينية الطابع والقومية الطابع، تجد من تتماهى معه، او تتفاعل معه في امريكا، لأنه لم يكن هنالك صراع معها لا على حق تقرير المصير ولا على استعمار بلدان المنطقة، المتدينون رأوا بحق ان الثقافة الامريكية تضمن مركبات دينية ذات وزن، وأن الانسان الامريكي المتوسط متدين، والديموقراطيون رأوا فيها نموذج تحقيق مفهوم المواطنة، والقوميون تطلعوا الى التصالح بل التحالف معها ضد الاستعمار الاوروبي- والكثيرون، الكثيرون هاجروا اليها كما هاجر تعساء وفقراء ومنكوبو ومغامرو الشعوب الاخرى بحثاً عن الحرية والسعادة وتحقيق الذات هرباً من بلاد ضاقت بأهلها، او هرباً من ظروف جعلت اهلها غرباء في وطنهم، والفقر والمرض والظلم في الوطن غربة.

وعندما بدأ العرب "يكرهون" امريكا - أي عندما بدأت قوى سياسية بعينها تحرض ضد الولايات المتحدة وتعبىء الجماهير وتجد اجواء جماهيرية شعبية مواتية لهذه التعبئة، فان ذلك لم يتم بسبب نمط الحياة الامريكي- الذي هوجم بشكل مباشر من قبل الشيوعيين بتصوراتهم في حينه حول الصراع بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وتيارات كانت هامشية في التدين السياسي خاصة بعد ان جعل منها سيد قطب العائد من هناك موضوعا لتنظيراته. ولكن رحى التعبئة المستمرة ضد الولايات المتحدة في التيارات المركزية العامة في الشارع العربي دارت حول محورين 1- تعارض سياسات ومصالح الولايات المتحدة المصاغة على مستوى المنطقة مع تطلعات الشعوب العربية وغيرها من شعوب العالم للتحرر والحرية وبناء الذات. 2- التحالف الغيبي الطابع بين السياسات الامريكية واسرائيل بشكل يتعارض حتى مع الحسابات الامريكية البراغماتية الطابع في أماكن اخرى في العالم. أي ان العرب وغيرهم من شعوب العالم قد كرهوا التناقض بين ما تشدقت به امريكا أنه مبادئها واسلوب حياتها وبين ممارساتها وممارسات وكالة مخابراتها واحتكاراتها وسفاراتها في الخارج في امريكا اللاتينية وفي العالم العربي وفي جنوب شرق اسيا، وفي كل مكان. لقد ناصبت الولايات المتحدة الديموقراطية وحقوق الانسان العداء عندما كان ذلك لمصلحتها كما رأتها في حينه، و تصالحت معها وحملت رايتها عندما رأت بذلك اداة جيدة ضد انظمة صديقة او تابعة للسوفييت. واضافة لهذا كله فان سياساتها في المنطقة العربية تميزت بعداء غير مفهوم لقضية الشعبالفلسطيني المظلوم وحقه بالعودة وتقرير المصير، وتحالفت مع اسرائيل ضد الحركة القومية العربية والوطنية الفلسطينية. وتحول هذا التحالف في هذه الايام، ايام ما بعد 11 أيلول الى تحالف بين اصولية امريكية دينية مع اصولية اليهودية حول قيم مثل الإستيطان والتصورات العنصرية للعرب والمسلمين، وتقسيم متشابه للعالم الى اخيار واشرار.

لم يكره العرب امريكا ولا نمط الحياة الامريكي ، بل كرهوا ومعهم كل شعوب العالم الثالث سياسات امريكا في الوقت ذاته الذي تعرضوا فيه لنمط الحياة الاستهلاكي الامريكي ورموزه عبر وسائل الاعلام والبضائع والتقليعات على انواعها والمأكولات السريعة الجاهزة والجينز والعلكة وانواع الموسيقى وهوليوود وطبعا السيارات والادوات الكهربائية لمن استطاع الى ذلك سبيلا- ولذلك كانت الترجمة المباشرة لكراهية امريكا هو النفور من نمط الحياة الامريكي. نجد هذا النفور يترجم بشكل مباشر نزعتين اساسيتين 1- خلط الوعي الشعبي السريع المعادي للسياسة الامريكية بالعداء لامريكا - وهذا هو حال الوعي الشعبي الامريكي أيضا والاوروبي في حالات العداء او الحرب او الخصومة مع الدول الاخرى. 2- ان العداء لنمط الحياة الامريكي ناجم عن خلق الحاجة لممارسته بعد تعميمه اعلاميا، وعدم القدرة على تحقيق ذلك طبقياً ونتيجة لبنية الاقتصاد العالمي. ويسود الميل الى اسقاط مسؤولية بنية هذا الاقتصاد على الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، او ما أصبح يسمى بالشمال المتطور مقابل الجنوب.

واهما كان كل من تفاءل او استبشر خيرا من سؤال "لماذا يكرهوننا؟"- اذ لم يطرح سؤال من هذا النوع في الولايات المتحدة، وكان ما طرح هو تساؤل المحتار امام ما يصوره او يتصوره حقدا اصم لا يدري له تفسيراً، ولا يريد ان يدري. انها تهمة ضد الحاقد اولاً باعتباره حاقداً، وثانياً باعتبار ذاته ضحية الحقد. هذه العقلية، هذه "الميتافيزيقا" السياسية، اذا شئتم، ليست بشير خير، بل هي المصيبة ذاتها التي عمت وطمت بعد 11 ايلول. انه الاساس الذي يتم على اساسه تقسيم العالم الى "محبي نمط الحياة الامريكي" في العالم اجمع و"كارهيه" في العالم اجمع. انه الاساس الذي يتم بناء عليه تقسيم العالم الى معسكر خير ومعسكر شر، انه اساس نظرية انقسام العالم الى "ارهابيين" لا هم لهم ولا هدف سوى ايذاء "نمط الحياة الامريكي" ومكافحين للارهاب معارضين لهم ومدافعين عنه ، اي عن نمط الحياة الامريكي.

وبالطبع، كما في كل شيء فان هنالك تدرجاً، وأصحاب هذا التقسيم ليسوا اغبياء ولا مصابين بعمى الألوان بنظر انفسهم، ومؤيدو نمط الحياة الامريكي هم اولا الأمريكيون ،ثانياً بريطانيا أما فرنسا التي تنتمي الى نفس المعسكر "فتعاني" من صراع بين فرانكوفونيتها والتأكيد عليها بنزعات قومية الطابع وبين "عالمية نزعة الحياة الامريكية اللبرالية"، وفي دول اوروبا الشرقية التي تملصت للتو من قبضة الهيمنة السوفييتية يحظى "نمط الحياة الامريكي" بشعبية كبيرة، وقس تخريفا على هذا المنوال. اما اسرائيل فيوجد لها مكان شرف في هذا المعسكر، اولاً لانها اول من اعتبر "الارهاب" عدو الانسانية الاول، واول من دعا الى اقامة تحالف دولي ضده يضعها مع روسيا والهند وامريكا في نفس المعسكر- وماذا تريد اسرائيل افضل من هذا؟ وثانياً لأن الاصولية اليمينية الامريكية تمنحها مكانة توراتية في معسكر الخير، وثالثا،ً وليس آخراً قربها جغرافياً من منابع النفط وسياسياً من الولايات المتحدة بشكل يمكن من الاعتماد عليها وعلى استقرار نظامها خلافاً لمصر والسعودية وغيرهما.

يجب ان لا نطلب من الامريكان ان يسألوا انفسهم "لماذا يكرهوننا"، وانما علينا ان نسألهم: "لماذا تكرهوننا؟"- وعلينا في حوار جاد مع المجتمع الامريكي وقواه الحية ان نفتح اعينهم انه لا توجد كراهية ضد "نمط الحياة الامريكي"، وانما هنالك تناقض بين القيم التي يدعى ان نمط الحياة الامريكي يقوم عليها وبين سياسات امريكا في الخارج- يجب ان نكون قادرين على اثبات ان سياسات اسرائيل عنصرية معادية لللبرالية والديموقراطية وحقوق الانسان، فقط بعد ذلك علينا ان نثبت كذب مقولة "نمط الحياة الامريكي" فهنالك انماط حياة امريكية وكل منا يتفاعل او يتناقض مع بعض منها - ولا يوجد نمط حياة عربي او اسلامي معادٍ لنمط الحياة الامريكية. هنالك اصولية اسلامية على انواع عممت وادلجت العداء للسياسات الامريكية هي الاخرى الى معسكر خير ومعسكر شر، كما توجد اصولية مسيحية على انواع في امريكا، ولدينا محافظون يشعرون بقرب للجمهوريين ويتمسحون بهم ويلدغون من جحرهم الف مرة على غير عادة المؤمنين، ولدينا ديموقراطيون لا يعرفون كيفية التحالف مع الديموقراطية الامريكية لأنها ليست صديقة للديموقراطيين العرب بل "للديموقراطية الاسرائيلية الكولونيالية"، ولأنها تصنف العربي الديموقراطي فقط بمدى استعداده للتطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي.

*عضو البرلمان الإسرائيلي "الكنيست"، رئيس التجمع الوطني الديمقراطي- الناصرة.



#عزمي_بشارة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المقاطعة والحركة الفلسطينية الأسيرة
- الحوار ضروري
- عجزنـا امـام تنـاقضـات الامبـراطـورية
- العدو الداخـلي والمــؤامرة
- العنصريـــة المقـوننـة
- تجاوز الامر حد الغرابة
- حالــة رثــة
- خطاب التعجيز بالمعجزات
- الوضع الجديد في الداخل
- ترسيــخ نظـــام الابـــارتهايــد
- حـول الوضع الداخلـي الفلسطيني بعـد العـدوان
- لكي لا نتحول إلى قطيع من الغنم


المزيد.....




- الأردن.. فيديو الأميرة رجوة بمحل تجاري يثير تفاعلا وسط تكهنا ...
- أطول رحلة ركاب تجارية تغادر الصين ستنقل الركاب إلى مكسيكو سي ...
- صورة فتاة في غزة تحمل جثة ابنة أخيها بين ذراعيها تفوز بمسابق ...
- قاصرون يدّعون تعرضهم لاعتداء جنسي وتصويرهم بلبنان والداخلية ...
- كمبوديا: انفجار في قاعدة عسكرية يودي بحياة 20 جنديا
- مراسلنا: حريق يلتهم 150 منزلا خشبيا في قرية سياحية شمال إيرا ...
- كوليبا: أكثر من نصف منظومة الطاقة في أوكرانيا تضرر بالضربات ...
- مستوطنون يهاجمون تجمع -عرب المليحات- في الضفة الغربية (فيديو ...
- أمريكا تحذر من إشراف الذكاء الاصطناعي على الأسلحة النووية
- تركيا تنضم لدعوى جنوب أفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل ا ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - عزمي بشارة - هل هذا سؤال!