|
وجع الأغنيات
مهى ياسين
الحوار المتمدن-العدد: 1072 - 2005 / 1 / 8 - 10:43
المحور:
الادب والفن
تنظر إلى وجهه كأنك تنظر إلى وجع بملامح إنسان .. يحمل في صوته أغصان زيتون وبيادر قمح وخبز أمهات ، لاغياً حدود الزمن والمكان .. يطوف فوق جراح اللحن والنغم والكلام .. صوت يتغلغل في الأحشاء ، يفترش المسامات ، ويعلن الثورة على الخيل والليل ويشهر السيف والرمح في وجه من استولى على البيداء .. مارسيل خليفة .. هذا الاسم المثير للخيال الثوري ، المثير للنبض والتمرد والبطولة والنهوض ، عند هذا الاسم لا تبحث عن بذخ الفن الموسيقي الشرقي ، ولا عن ترف الجملة اللحنية ، جلّ ما تجده تحت هذا الاسم وجع صوت يبكي تحت أقدام الأغنيات ، بكاء لحن يستعطف العود والكمان والنايات .. وجع له وجه الرجل ووجه الحبيب ووجه الوطن ووجه الطفل ووجه العزة والمجد المفقود . لن تجده إلا واحة تلهب ظمأ الثورة دائماً والزهد في الحياة أبداً .. لن تجده إلا ذلك القلق الإنساني الذي لا شفاء منه ، ذلك الانبعاث من جديد بعد الموت والفناء .. وجع ضروري للإنسان باعث ٌ على التواصل الإنساني المستمر ، ومشعل ٌ لتلك الغريزة التي تدفع كل جيل _على الرغم من هزائمه _ أن يؤدي الشعار الى الجيل الذي يعقبه ، ليدخل به ساحة الأمل . على وقع ألحانه نطالع الخيبة والاندحار ، وعلى خطى الكلمات نلتهب بالنبض والتمرد ، ولا بد أن نرى خيط الفجر في هذا الليل الحالك الطويل الذي طالما حلمنا بانقشاعه ، ولا بد أن تهزنا النشوة عند سماع نغم وتره الحزين ، وتمتلك علينا المشاعر كلها في وقت واحد ، نبكي ونفرح ، نحب ونكره ، نتحدى ونلين ، نثور ونهدأ . أغانيه وألحانه تعتمل في الصدور من غير ما نشعر ، فتهتف صارخاً منتشياً : إعزفن أيتها الكمنجات !!! وابكين على بلاد المجد المفقود !! علّ اللحن يوصل صوتاً لم توصله الرجال !! ولا يفاجئك إلا الانصياع التام للكمنجات ، فتنهض وتثور وتهب كالأعصار في (انهض للثورة والثار) . وتنتصب قامتها وترفع هامتها في ( منتصب القامة أمشي ) . وتعبر دون جواز سفر على حدود القضية . وتعشق ريتا التي حالت دون رؤيتها البندقية . وتحن إلى خبز أمها وقهوة أمها . وتزقزق كعصافير الجليل مناجيةً احمد العربي . وتزف عريس الجنوب إلى مثواه الأخير مكفنة إياه بالأحمر والأخضر والأبيض . وبرغم أنك غارقٌ في دنيا الألحان والكمنجات، تائه ٌ في ضباب نغم العود والنايات ، تلمح مارسيل خليفة جالساً على شرفة منزله الجبلي قبالة خضرة زمردية ، وسماء فيروزية في بلد لا وجود لها إلا في خيالنا ، لا تحده حدود ولا تحكمه حكومات عربية ولا تستعمره حكومات أجنبية ، يرتشف قهوة صباحية ، صنعتها له حبيبته في ركوة عرب ، فلا نملك إلا ان نرتشفها معه بلذة المحروق على جرعة إحساس ، جرعة أمل ، جرعة وجود واستمرار وقدرة على البقاء .
#مهى_ياسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف أعبر لغتي
-
امنحني أكثر من الحب
-
خربشات على دفتر حزن
-
المظلة _ قصة قصيرة
-
أمتي.. لا وقت لديها
المزيد.....
-
كافكا الآخر في مئويته.. كيف تشكلت سمعته من معطف الحرب البارد
...
-
مقهى الصعاليك.. ملتقى رجال الفكر والأدب في القدس
-
صدور المجلد الخامس والأخير من موسوعة -بوشكين- في روسيا
-
عازف بيانو فرنسي مندهش من- تديّن- الشعب الروسي (فيديو)
-
“ملكة المسرح”.. مهرجان ميريام فارس في ببجي موبايل 2024 PUBG
...
-
قبيلة تدمن الأفلام الإباحية بسبب ماسك (فيديو)
-
قبيلة تدمن الأفلام الإباحية بفضل ماسك (فيديو)
-
أوركسترا -المهتران- العسكرية التركية تشارك بمهرجان -برج سباس
...
-
في الذكرى 225 لميلاده.. بوتين يزور متحفا ومدرسة درس فيها ال
...
-
مواويل وأشعار.. النخيل في المأثور الشعبي المصري
المزيد.....
-
صحيفة -روسيا الأدبية- تنشر بحث: -بوشكين العربي- باللغة الروس
...
/ شاهر أحمد نصر
-
حكايات أحفادي- قصص قصيرة جدا
/ السيد حافظ
-
غرائبية العتبات النصية في مسرواية "حتى يطمئن قلبي": السيد حا
...
/ مروة محمد أبواليزيد
-
أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية
/ رضا الظاهر
-
السلام على محمود درويش " شعر"
/ محمود شاهين
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
المزيد.....
|