أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - الانتهازيّون والثورة















المزيد.....

الانتهازيّون والثورة


جلبير الأشقر
(Gilbert Achcar)


الحوار المتمدن-العدد: 3618 - 2012 / 1 / 25 - 08:25
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


على نمط لا يخلو من التأثر بروح «الاستشراق» الغربي، بالمعنى الذي أضفاه إدوار سعيد على ذلك التعبير، ذهب بعض العرب الى التأكيد أنّ عقلية الاستبداد قد تأصلت في نفوس العرب عامة من جراء الثقافة والتربية. ومن أصحاب هذا الرأي في الأمس القريب، الدكتور منصف المرزوقي، رئيس الجمهورية التونسية الانتقالي، عندما كان معارضاً في منفاه الفرنسي لسلطة الرئيس السابق، الطاغية زين العابدين بن علي. ففي مقال كتبه لـ«الجزيرة. نت» قبل سنتين، استشهد المرزوقي بالباحثة الفرنسية بياتريس هيبو، صاحبة مؤلف عنوانه «قوة الطاعة: الاقتصاد السياسي للقمع في تونس» ينتسب الى مدرسة استشراقية تفسّر «طاعة» التونسيين لطغاتهم بعقلية تأصلت فيهم عبر الأجيال (وقد فنّد الباحث التونسي محمود بن رمضان تلك الأطروحات في كتاب حديث عن تونس بالفرنسية).

فرأى المرزوقي أنّ من يقرأ كتاب الباحثة المذكورة «يفهم أنّ ما يدهش العقل الغربي عن العرب هو قدرتنا الفائقة على طاعة أفسد الحكام، والحال أنّ الثقافة الغربية مبنية على رفض الانصياع للظلم وتشريع الحق في مقاومته». وقد أضيفت هنا إلى صورة العرب الاستشراقية صورة مثالية عن «الثقافة الغربية» وكأنّها معطى أزلي. صورة تتغافل عن كون أكثر الأنظمة استبداداً في التاريخ الحديث قد نشأت بعد الحرب العالمية الأولى لدى اثنتين من أعرق الحضارات الغربية، هما الإيطالية والألمانية، فضلاً عن أنّ الغرب مرّ قبل التاريخ الحديث بمرحلة طويلة سادت فيها أنظمة المَلَكية المطلقة. وقد استطرد المرزوقي مزايداً على المستشرقة الفرنسية: «خذْ أي تونسي أو مصري أو يمني يمشي في الشارع وضعْه في السلطة. هناك تسعون في المئة من الحظوظ لكي يتصرف بكيفية لن تبعد كثيراً عن تصرفات بن علي ومبارك وصالح» («الكارثة العظمى بين مسؤولية الأنظمة والشعوب»، الجزيرة. نت، 19 فبراير/ شباط 2010). إنّ أحد أهم إنجازات الثورات العربية الراهنة في ما يتعلق بصورة العرب أنّها حطّمت تلك الأسطورة الكاريكاتورية التي صاغها الاستشراق الغربي عن خنوع العرب وإدمانهم الثقافي (العربي أو الإسلامي) على الانصياع، وكأنّهم أناس يكرهون الحرية ويعشقون الاستبداد. فالموجة الثورية التي انطلقت من تونس ولا تزال في بداية تدفّقها قد أثبتت للعالم أجمع أنّ العرب لا يقلّون عن سائر الشعوب كرهاً للاستبداد وتوقاً للحرية، وأنّهم ما إن «أرادوا الحياة» وتمكّنوا من كسر حاجز الخوف حتى قاموا بانتفاضات باتت مثالاً يُحتذى به في شتى أنحاء العالم.
وحتى منصف المرزوقي نفسه، بعدما عاد الى تونس إثر سقوط الطاغية بن علي، تأثر بنشوة الثورة، فذهب لوهلة إلى حدّ اعتماد التحليل الطبقي على طريقة اليسار الجذري، كاتباً قبل أشهر تلك الأسطر الثاقبة تماماً: «الثوار ليسوا من يجنون ثمار الثورة. بعد الثوريين يأتي عهد الانتهازيين، وبعد الملحمة يأتي عهد خيبة الآمال، إذ يعود فقراء سيدي بوزيد إلى فقرهم، ويعود سكان المقابر في القاهرة إلى مقابرهم. فلا حلول جذرية لمشاكلهم، بل كثير من الوعود التي قد تتحقق وقد لا تتحقق. أما من تغنم الغنيمة الكبرى، ففي حالتنا هي البورجوازية التي كانت تتنعم تحت الاستبداد بمستوى مادي مقبول، لكن الاستبداد بقمعه للحريات وبفساده كان يسمّم حياتها. وبتخلص الوطن من الاستبداد، ها هي تضيف ـــــ بفضل تضحيات المغلوبين والمساكين ـــــ إلى حقوقها الاقتصادية والاجتماعية حقوقَها السياسية التي كانت ممنوعة منها، بينما تجد الطبقات الفقيرة نفسها حائزة حريات سياسية لا تسمن ولا تغني من جوع» («الآفاق المرعبة والمذهلة للثورة العربية»، الجزيرة. نت، 10 مارس/ آذار 2011).
تقول حكمة الشعوب إنّ السلطة تفسد من يتولاها، ويضيف العرب: «سبحان الذي يغيّر ولا يتغيّر». فها إنّ الدكتور منصف المرزوقي، وبعدما أصبح رئيساً للجمهورية التونسية، لم يعد متفهّماً لرفض فقراء سيدي بوزيد للعودة إلى فقرهم ورفضهم للوعود الفارغة، وإصرارهم على حلول جذرية لمشاكلهم. بل لم يعد يطيق ذينك الرفض والإصرار، إلى حد أنّه أخذ يستعير حجج الطغاة المعتادة، وكأنّه يريد تأكيد ما كتبه قبل سنتين. بل نراه يجيب عن سؤال طرحه عليه قبل أيام محمد المختار في مقابلة مع قناة «الجزيرة» عن الاحتجاجات الجماهيرية التي لم تنقطع في تونس بعد سقوط الطاغية، يجيب المرزوقي إنّها احتجاجات ناتجة من جهة عن تركة النظام المخلوع وتوقّف الآلية الاقتصادية، ثم يضيف: «لكنْ، هناك أيضاً استغلال وتسييس وتحريض من بعض الأطراف، إما عن اللامسؤولية وإما عن إرادة تخريب هذه الثورة، هذان العاملان موجودان. هناك ناس أعتبرهم غير مسؤولين مثل أقصى اليسار الذين يقولون الآن نحب الثورة، وهم يعلمون أنّ هذه الحكومة في شهرها الأول، هذا أعتبره لامسؤولية» (الجزيرة. نت، 20 يناير/ كانون الثاني 2012).
وهي نغمة ألفها التونسيون والعرب: فلا يجوز أن تثور الجماهير تلقائياً ضد شروط عيشها المزرية، بل هناك دوماً «محرّضون» و«مخرّبون» و«مسؤولون بلا مسؤولية» و«متطرّفون» (مهما كان لونهم السياسي)، يحثّونها على الاحتجاج والثورة. ويعجز هذا المنطق عن فهم أنّ السخط على الاستغلال والبؤس يؤدي إلى التجذّر السياسي بشكل طبيعي، فيعكس الصورة بحيث يغدو المتجذّرون هم الذين يولّدون سخط الجماهير على البؤس والاستغلال. وما عجز الرئيس التونسي عن فهمه هو أنّ دعوته في مطلع كانون الأول/ ديسمبر الماضي إلى هدنة اجتماعية لمدة ستة أشهر كانت محكومة بالفشل، إذ لم تترافق بأي برنامج يشير إلى توجّه فعلي لدى الحكومة التونسية الجديدة لتلبية حاجات الجماهير البديهية ومطالبها الأساسية، تلك التي ثارت الجماهير وأطاحت بن علي من أجلها. بل لم يتردّد حمادي الجبالي، العضو القيادي في حركة «النهضة» ورئيس الحكومة التونسية الانتقالية، في التأكيد لقناة «الجزيرة» نفسها أنّ تردّي الوضع الاقتصادي في بلاده، خلال العام الماضي، «يعود إلى ظاهرة الاعتصامات وقطع الطرقات والإضرابات العمالية العشوائية» (الجزيرة. نت، 22 كانون الثاني/ يناير 2012)، وأنّ تلك الاحتجاجات الجماهيرية قد حالت دون تنفيذ مشاريع استثمارية جديدة كانت ستوفر آلاف فرص العمل (كذا).
بكلام آخر، يريد هؤلاء السادة الذين يتربّعون اليوم على سدّة الحكم أن تتوقف الجماهير من النضال فور إطاحة الطاغية وأن «يعود فقراء سيدي بوزيد إلى فقرهم ... فلا حلول جذرية لمشاكلهم، وإنما كثير من الوعود التي قد تتحقق وقد لا تتحقق. أما من تغنم الغنيمة الكبرى فهي البرجوازية التي كانت تتنعم تحت الاستبداد بمستوى مادي مقبول، لكن الاستبداد بقمعه للحريات وبفساده كان يسمم حياتها. وبتخلص الوطن من الاستبداد، ها هي تضيف ـــــ بفضل تضحيات المغلوبين والمساكين ـــــ إلى حقوقها الاقتصادية والاجتماعية حقوقَها السياسية التي كانت ممنوعة منها، بينما تجد الطبقات الفقيرة نفسها حائزة حريات سياسية لا تسمن ولا تغني من جوع»، إذا أردنا أن نستعيد مقال المرزوقي مجدداً.
ولا يحتاج المرء إلى بصيرة خارقة كي يدرك أنّ الفائزين بالانتخابات والحكومات الأولى بعد الثورات هم حقاً الانتهازيون، وليسوا الثوار، كما رأى منصف المرزوقي صائباً لمّا كان لا يزال متأثراً بنشوة الثورة وحكمتها. والحال أنّ التنديد بالإضرابات العمّالية وتحميلها مسؤولية التردّي الاقتصادي والعزف على نغمة «المتطرّفين» و«المخرّبين» من «أقصى اليسار» باتت تشكّل لغة مشتركة للحكام الجدد في تونس ومصر، بما يذكّرنا بالأنظمة المخلوعة، لا محال. غير أنّ الجماهير التي أرادت الحياة يوماً وذاقت طعم الحرية لن تتوقف عن النضال والاحتجاج قبل «أن يستجيب لها القدر»، ولو بعد سنوات.



#جلبير_الأشقر (هاشتاغ)       Gilbert_Achcar#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الذكرى الأولى لفاتحة الثورات العربية، ثورة تونس
- مناقشة لمطالبة التحالف الشعبي الاشتراكي بتولّي مجلس الشعب سل ...
- 17 ديسمبر 2010، بداية سيرورة ثورية طويلة الأمد
- ملاحظات رفاقية حول وضع وآفاق الثورة المصرية
- الثورة مستمرة!
- سوريا: بين العسكرة والتدخل العسكري وغياب الإستراتيجية
- انتصار ثورة 15 شباط و«مؤامرة» الناتو عليها [2/2]
- انتصار ثورة 15 شباط و«مؤامرة» الناتو عليها 1/2
- تعاظم قوّة الصين أمر إيجابي
- الماركسيون والموقف من الدين بوجه عامّ، ومن الأصوليّة الإسلام ...
- أميركا تلهث وراء قطار الثورات
- انتفاضة 17 شباط بين مطرقة القذافي وسندان الحلف الأطلسي
- اليسار و«التدخل الإنساني» في ليبيا - مهمّات المعادين للإمبري ...
- التطورات في ليبيا
- العملية الثورية لم تنته بعد
- جلبير الأشقر في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: نحو بناء ...
- الإخوان المسلمون و-الانتقال المنظّم- للسلطة
- إلى أين تسير مصر؟
- عن العرب والمحرقة النازيّة
- اليسار العربيّ: حوار مع جلبير الأشقر [ القسم الأخير ]


المزيد.....




- -الشيوخ- الأمريكي يوافق على حزمة مساعدات لأوكرانيا وإسرائيل ...
- مصرية الأصل وأصغر نائبة لرئيس البنك الدولي.. من هي نعمت شفيق ...
- الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب
- لماذا يقامر الأميركيون بكل ما لديهم في اللعبة الجيوسياسية في ...
- وسائل الإعلام: الصين تحقق تقدما كبيرا في تطوير محركات الليزر ...
- هل يساعد تقييد السعرات الحرارية على العيش عمرا مديدا؟
- Xiaomi تعلن عن تلفاز ذكي بمواصفات مميزة
- ألعاب أميركية صينية حول أوكرانيا
- الشيوخ الأميركي يقر حزمة مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا وتايوان ...
- واشنطن تدعو بغداد لحماية القوات الأميركية بعد هجومين جديدين ...


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جلبير الأشقر - الانتهازيّون والثورة