تيسير عبدالجبار الآلوسي
(Tayseer A. Al Alousi)
الحوار المتمدن-العدد: 3604 - 2012 / 1 / 11 - 20:48
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لا يبتعد النقد الموضوعي البنّاء عن التمسك التام بالعملية السياسية؛ على أنّ تمسكنا بها يبقى مشروطا بكون الشعب ومطالبه هو الثابت الرئيس والنهائي فيها.. وما نسوقه بين الفينة والأخرى من معالجات، يؤمن بأنَّ مؤسسات البلاد وإن بدت عاجزة مخترقة، وربما هي في كثير من الأحيان مجرد هياكل هزيلة شبه مشلولة، إلا أنها تبقى تحتضن عناصر وطنية مخلصة تكافح من أجل تطهيرها من الفساد والهزال وأشكال الثغرات والنواقص المرضية وإعادة دفع مسيرة صحية مناسبة يمكّنها من أداء الواجبات الوظيفية المخصوصة ومن ثمَّ تلبية مصالح الطبقات الهشة المسحوقة بإطلاق أنشطة إعادة الإعمار والبناء الروحي والمادي...
ولكن ما الموقف من مجريات الأمور في العراق بأعلى مستوياتها؟ هل تجري على أساس أنَّ الوطن ومصالح الشعب العليا هي الثابت؟ أم تجري على أساس تقديم مصالح بعض الزعامات وبعض قيادات قوى وحركات قابضة على مقاليد الحكم ومتحاصصة بكراسيه وصارت اليوم تميل للانتهاء أو التخلص من شركاء تلك المحاصصة؟
هنا يجب التوكيد ثانية أنّ قواعد الحركات السياسية لا ناقة لها ولا جمل في الصراعات، وهي جزء مهم من الشعب المطحون بالأزمات وإن بقيت أحيانا سلبية في التصدي لمسؤولياتها.. ولو كان الأمر بيدها لوجهت المسيرة بكل ما هو إيجابي إذ لا مصلحة لشعب وممثليه أنْ يضير وجوده، كما توجد عناصر قيادية متفتحة ينبغي التعويل على وجودها بوصفها ضمانة طيبة. على أننا لا نغفل أنّ الوقائع في الغالب أثبتت أنَّ العناصر المتشددة وربما السلبية من الطبقة السياسية التي تسلمت مقاليد الأمور هي التي تتحكم اليوم بالأداء بطريقة تفتقد لبرامج البناء وإمكانات وضع الحلول موضع العمل والتنفيذ. بسبب من التركيزعلى الحصص والمكاسب الضيقة من جهة وبسبب من تناغم عديد من قيادات تلك القوى وأجندات أجنبية إقليمية ودولية ليس في مفرداتها ما يخدم الأجندة الوطنية لعراق ديموقراطي فديرالي جديد..
إنّ المحصلة النهائية لمجريات الأمور لم تخدم حلّ أيّ من مشكلات الشعب التي تنتظر منذ أكثر من ثمانية أعوام. فلا الأمن استتب على الرغم من الادعاءات والتقارير الوهمية التي تقرأها أجهزة إعلام بعينها ولا الدورة الاقتصادية انطلقت.. حيث نشاهد خرابا في القطاع الزراعي والبيئي المائي بخاصة وتعطلا في المصانع والمعامل وبطالة خانقة وبطالة مقنَّعة تعكس توظيفا محاصصاتيا مزريا لا علاقة له بالأشغال والوظائف الصحية الصحيحة!
هذه الصورة القاتمة أطاحت بآمال فئات واسعة وأحبطت عشرات آلاف بل مئاتها ممن تطلع للعمل في أكبر عملية بناء كان يمكن أن تنطلق منذ الحرب العالمية الثانية ومشروع مارشال يماثله [حلم] بما هو أكبر من مارشال الأوروبي عراقيا!؟
فبقيت الكوادر العلمية بعيدا عن أية مهمة حيوية رئيسة، في وقت كان ينبغي أن تكون المهمة الجوهرية لفعل البناء بأيدي العقل العلمي العراقي لا بأيدي ساسة غير مناسبين لعملية الإعمارمن حيث الأولوية والكفاءة. فالشعب يتطلع إلى إعادة بناء مؤسسات دولة انهارت بمجملها ويتطلع إلى إطلاق حركة إعادة إعمار الروح الوطني معنويا، بناء الإنسان من جديد؛ وهي مهمة تربوية نفسية اجتماعية عميقة الغور فضلا عن كونها مهمة تعليمية تمحو الأمية بأشكالها وتعدّ القدرات والطاقات المعرفية المناسبة...
إنّ العراق اليوم بات بأزمات خانقة خطيرة، تعيق حركة بنائه وصيرورته بلدا فاعلا لنفسه ولجيرانه ومحيطه الدولي، أزمة سياسية مفتعلة أبطالها كثير من طبقة سياسية نفعية هزيلة لم تستطع النهوض بمهمة وطنية بمصداقية ونضج لتعارض ذلك وإمكانات ذلك [الكثير] الفعلية ولتعارضه وطبيعة تلك (الطبقة) ومصالحها ومآربها...
لذلك ينبغي أن يعود الحل والربط من جديد ليكون بيد الشعب يقرر مجددا ما يستجيب لتطلعاته بوضع قوى قادرة على تلبية ما تطلع إليه وقيادته بنضج وكفاءة... وتلكم الحلول تلخصها خبرات الشعب العراقي وتنويرية قواه المدنية الديموقراطية بالآتي:
1. الإعداد لانتخابات مبكرة بالعمل من أجل تشريع قانون جديد الانتخابات وسنّ قانون للأحزاب وإصدار قانون مجلس الاتحاد لاستكمال الهيأة التشريعية بدورتها الجديدة بتشكيلها كما ينص الدستور من مجلس النواب ومجلس الاتحاد.. وتهيئة الأجواء، تحديدا منها تشكيل جديد لمفوضية الانتخابات حيث ينبغي أن تستبدل بأخرى تتسم بالنزاهة والثقة...
2. على أن هذا الاتجاه يتطلب أيضا إنهاء الإدارة المركزية الأمنية الموجودة اليوم. وحصراحتكار السلاح بيد حكومة وطنية الطابع ديموقراطية المنهج، تعمل بآليات العقل العلمي [التكنوقراط] على تطهير الجيش والأمن من عناصر الميليشيات ومن الاختراقات. مع ضمان حقوق حرية التعبير ووقف القمع الأمني والاعتقالات العشوائية وإنهاء عسكرة المجتمع..
3. تحقيق استقلالية [بمصداقية تامة] للقضاء فمن الخطورة بمكان أن نترك المحمكة الاتحادية والقضاء والهيآت المستقلة هي الأخرى خاضعة لمكتب رئيس (مجلس) الوزراء!
4. والمطالبة برفع الحصانة عن قيادات حزبية ومسؤولين حكوميين مع طلب إحضار المتهمين منهم منذ ثماني سنوات حتى اليوم وتقديمهم أمام القضاء العراقي ومساءلتهم ومحاسبتهم قانونيا قضائيا..
5. تفعيل هيأة النزاهة قضائيا إجرائيا بأن تستطيع إصدار قرارات قضائية حاسمة..
6. إشراك المنظمات والقوى الدولية المعنية بتحقيق الديموقراطية ومتابعة شؤون حقوق الإنسان والشعوب دعما للجهود الوطنية..
على أنَّ هذا الطريق إلى الحل الاستراتيجي لا يركب شعار لا مساومة أبدا بل يمر عبر محاولات مرنة منها ما يمر من مدخل المؤتمرات الوطنية التي تمّ الدعوة إليها بدءا من مؤتمر المصالحة الوطنية ومرورا بالمؤتمر الوطني التداولي بشأن الأزمة القائمة وليس انتهاء بالدعوة للمؤتمرات الوطنية للتسامح التي اُقتُرِح لها أن تنعقد سنويا...
إنّ النهلستية [العدمية] في التعاطي مع الواقع يوفر الأرضية المناسبة لقوى التطرف والتشدد ويخلق حالات التخندق والانقسامات وربما ولوج دروب الإرهاب الدموي والأعمال الانتقامية التي لا تحقق الحل ولا تترك الشعب يكسب بعضا من مطالبه وإن تدريجا بل ربما تدخله في حروب أهلية دامية.
ومن هنا كان الصائب في التوجهات أن نجد سبل الدفع باتجاه اعتراف أطراف العملية السياسية بعضها ببعض ومن ثمّ التحول من حال الصراعات إلى حال إيجاد أرضية تفاهمات مناسبة تجدد الاتفاقات التي تخرج الأوضاع من عنق الأزمة المتفاقمة...
فلقد شرع الحل الوطني بتحقيق وجوده مذ كانت اتفاقية أربيل والدور الإيجابي الفعال الذي نهض به الكورد في إدارة الأزمة وحل عقبة تشكيل الحكومة. إلا أن الأمر اقتصى التزاما شرفيا بمبادئ الاتفاق من جهة وتجنبا لحال التصعيد في مواضع الاختلاف ومن تلك المواضع على سبيل المثال: الاختلاف على من يمسك بالوزارات الأمنية والعسكرية ولربما جاءت حالة ترشيق الحكومة بالتضافر مع مقترح إدخال عناصر مهنية مستقلة حلا للإشكالية وخروجا من الصراع وأزمته الخانقة، وربما ستخلق حلول أخرى عبر التفاوض الجدي المسؤول والتخلص من نزعة المحاصصة من جهة والاستئثار والتفرد من جهة أخرى...
إنّ استمرار الصراعات وحال عدم التمسك بالاتفاقات والتنصل من المسؤوليات المترتبة فضلا عن افتعال قضايا بتوقيتات قاتلة، سيؤدي إلى مهلكة في الوجود العراقي.. والأمر لن ينتهي عند استبعاد شخصية أو إقصاء طرف من العملية السياسية بل إنه تقسيم فعلي ليست حدوده التشظيات الجغرافية على الأرض بل تلكم الحدود هي متاريس حرب ضروس دامية لا تبقي ولا تذر!
ولن توفر الأزمة طرفا من دون أن تضعه في دواليب مطحنتها الجهنمية.. ولربما كانت الأمور كوردستانيا في منأى نسبي عن دوران طاحون الصراع، إلا أنّ النوايا باتت تصرخ بأصابع جاهزة للتفاعل مع مخططات من خارج كوردستان لزعزعة الأوضاع فيه.. ومن هنا فإن الاستعداد للمحذور بترتيبات ممارسة الحياة اليومية بصيغة ((الكونفدرالية)) أمر مطلوب للنأي بشعب كوردستان عن آلام الصراعات ونتائحها الخطيرة؛ وبالتأكيد لكي تبقى كوردستان حمامة السلام في الضغط باتجاه الحلول الصحية الصحيحة وجمع الأطراف لحظة احتدام الموقف...
ومع ذلك فهذه ليست دعوة لانتظار السلبي من الوقائع ولكنها أخذ حيطة من جهة مع استمرار في أداء الدور التفاعلي البناء. وتجنب أحابيل بعض العناصر السلبية التي تعبث بتصريحات مجانية، الغاية منها جرّ القوى الكوردستانية لتكون جزءا من المشاكل المشتعلة بدلا من أن تكون صمام الأمان والحل كما هي الآن...
إنّ وعيا ونباهة وحصافة قرار وحكمته هو ما ينتظر اللجوء إليه في لحظة هياج بحر العقبات والمشكلات.. وهذا ممكن عند جميع الأطراف عندما تعمل القوى الحية الواعية في كل تنظيم على لجم عناصر التشدد فيه وعلى الضغط على القيادات وعلى الشخصيات التي تتصدر المشهد داخله لتكون في إطار تطبيع الأوضاع والعلاقات الوطنية لا في مجال بيع بطولات السطو على السلطة والانفراد بها وإخضاع الشارع السياسي للقمع ومصادرة حرية التعبير...
نشير هنا إلى ما جرى للتظاهرات الشعبية التي طالبت بتصحيح العملية السياسية من قمع بكل الممارسات الاستبدادية من تجييش القوى البوليسية والعسكرية والبلطجية والعصابات في وقت جرى حماية استعراضات عسكرية لميليشيات مازالت حتى يومنا تمارس أعمالا إرهابية بحق بنات شعبنا وأبنائه من اغتيالات واختطاف واغتصاب وبلطجة بكل تفاصيلها!؟
إذن، الصراعات تدور اليوم في مرحلة تسجل فيها بعض عناصر قيادية اتجاها للانفراد السلطة وخلق ديكتاتورية [دينية] الغطاء [طائفية] الجوهر وهي في منتهاها لا تخدم سوى طاغية نساهم بصنعه مع سكوت أعضاء التنظيمات في الأحزاب الحاكمة ومع سلبية الشارع تجاه مجريات الحدث ومع ضعف الحركة الديموقراطية وتهميشها ومع وجود تدخلات إقليمية ودولية وفتح البوابات على مصاريعها...
إنّ الصائب الوحيد اليوم هو حسم الموقف مبكرا قبل انزلاقنا إلى هاوية ونحن اليوم على حافة الهاوية. ومن يتخذ الحسم هم الشركاء في العملية السياسية بالاتحاد الأمتن مع القوى الديموقراطية الشعبية والليبرالية المبعدة عن قصد عن المشاركة الفاعلة في صياغة المسيرة...
فهلا انتظمنا في فرض أسقف مناسبة للمؤتمر الوطني؟ وهلا برمجنا الجهود نحو انعقاده بمرحلتيه في أربيل وبغداد؟
#تيسير_عبدالجبار_الآلوسي (هاشتاغ)
Tayseer_A._Al_Alousi#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟