أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - تيسير عبدالجبار الآلوسي - إشكالات الثقافة العراقية بين خصوصيتها وآليات معالجتها وضغوط الواقع؟















المزيد.....

إشكالات الثقافة العراقية بين خصوصيتها وآليات معالجتها وضغوط الواقع؟


تيسير عبدالجبار الآلوسي
(Tayseer A. Al Alousi)


الحوار المتمدن-العدد: 3501 - 2011 / 9 / 29 - 00:00
المحور: المجتمع المدني
    


تاريخيا تؤشر الدراسات والمعرفة البشرية ولادة التراث الإنساني في كنف الحضارة العراقية القديمة، وتاريخيا تؤشر تلك الدراسات أنّ جملة الانكسارات العسكرية لم تثنِ العقل العراقي عن عطائه الحضاري والإنتاج الثقافي المتنوِّر.. إلا أنَّ امتداد أزمنة الاحتلالات مذ سقوط بغداد وازرقاق دجلة بحبر الكتب التي اُتلفت فيه على أيدي المغول ومرورا باسوداد بغداد بعهود التخلف التالية وحتى يومنا الذي أُحرِقت فيه المكتبات ودمرت الآثار وخرِّبت المدن وما عمِّر فيها، أدى كل ذلك المسار لجراحات حفرت في جسد الثقافة العراقية مثلما في مجمل الوضع.. ولعل فلسفة ذاك التخريب قائمة على محاولات تدجين الوطن والناس لقبول العيش البوهيمي والفطرية المنتمية إليه..
إنّ منطق الثقافة يرفض هذا الاتجاه وآثاره فهو لا يقوم إلا على أسس المدنية والاستقرار توليدا للخبرات والقيم والسلوكيات المعبّرة عن مدنية الوجود البشري حيث زراعة القيم الأفضل بالتعارض مع ترك العفوية الفطرية والعشوائية الطبيعية والاعتباطية في طرائق العيش وحيث رفض همجية العنف وخراب الوجود المدني بما يرفقه من توليد قيم اللا-أبالية والخنوع لخطاب الوحشية والسادية التي لا يحيا في كنفها سوى فعاليات التخريب الروحي القيمي ومن ثمّ تعطيل كل منطق عقلي منتظر. أما الثقافة فيحكمها منطق البناء الروحي والعمل لتحقيق الكمال في مجالات القيم الأخلاقية والجمالية لمحو قبح مثالب الهمجية وعنفها ووحشيتها، وهذا ما لايجد له أرضية مناسبة في الوضع العراقي السائد اليوم..
إن أجواء الجريمة واتساع سلطة الإرهاب ومساحة الفساد المالي والإداري الذي ينخر المؤسسات العامة والخاصة لم يسمح بعودة منتجي الثقافة الذين هاجروا بعشرات الآلاف وبجمهور واسع من مئات آلاف من المتعلمين العراقيين وربما الملايين من محبي التنوير وقيم المعاصرة. وهو ما كان سببا جديا في سيادة الجهل والتخلف معرفيا علميا في زمن لا يقبل بإنتاج ثقافة ماضوية بمفرداتها وفي الوقت ذاته لا يمكن لأدوات تقليدية أن تلاحق ثقافة زمن التكنولوجيا والإنترنت.. كما أن طبيعة الدولة وبنيتها وأوضاع القوى المنتجة ومستوياتها لم تمنح أية فرصة لولادة مؤسسات ثقافية حداثية غنية ومتمكنة في العراق الجديد.
إذن، الثقافة العراقية أمام استغلاقات عديدة.. أولها هجرة منتجيها من النخبة وتفريغ البلاد من القاعدة الشعبية المتعلمة المتنورة مع سلطة تتعاطى وميليشيات العنف أكثر مما تتعاطى مع منظمات الثقافة ومؤسساتها بل تتبنى فلسفة جوهرها الخرافة وآليات التفكير الأسطوري ومنطق تكفير الثقافة والمثقفين، الأمر الذي دفعها لحل عدد من الجمعيات والروابط (الثقافية) وحظر أخريات على خلفية ادعاءات ظلامية مضللة! وربما أربك هذا المسار الثقافي الوطني بنيويا فبتنا نلاحظ شيوع تراجعات مرضية عديدة...
وكان من أخطر الأمور التي عمّقت هذا الخرق، حجب أشكال الدعم المادي عن أنشطة الثقافة سواء كان ذلك المرصود لوزارة الثقافة [بتبعينها لنهج الحكومة] أم المرصود للاتحادات والمنظمات.. ومنعت أية إمكانية لعقد مؤتمرات الثقافة ومهرجاناتها واحتفالياتها في داخل البلاد وعرقلت وشوَّشت على تلك المنعقدة في المهجر.. ورفضت المشروعات الثقافية الوطنية وعلى رأسها (المجلس الوطني للثقافة)... ومن هنا فمن الصائب والدقيق أن نشير هنا إلى وجود أزمة ثقافية سواء على مستوى منتجها شعبيا حيث سيادة التخلف ومنطق تغييب الوعي وتجهيله أم تهجير القطاعات المتعلمة الواعية أم على مستوى أعمال التصفية الدموية البشعة للنخبة المنتجة لخطاب الثقافة أو قطع الطريق عليها في محاولتها الاتصال بجمهورها بمنعها من أية أدوات مناسبة لإحداث ذياك الاتصال..
إنَّ هذه الأزمة باتت اليوم أزمة وجود تهدد المجتمع العراقي نفسه بالتفكك والاضمحلال في كيانات لا علاقة لها بعشرة آلاف عام من العطاء الحضاري والمقاومة للانكسارات الوقتية.. إن سيادة خطاب سياسي مرضي يقوم على الطائفية السياسية ويستند إلى تدخلات إقليمية جوهرية الوجود يجعل من أزمة الثقافة العراقية منفذا مرعبا لا لمحو هوية وادي الرافدين بل لتغييرات خطيرة النتائج على مستوى المنطقة برمتها..
وربما تجاوب بعض الناظرين من خارج الميدان مع فكرة تقول: إن التعددية في العراق تتعارض ووحدته! إلا أن الإجابة التي خبرتها آلاف السنوات تؤكد عكس ذلك.. فلقد كانت الهوية الوطنية لأبناء البلاد تقوم على معطيات فلسفة علم الجمال في مصطلحها (الوحدة في التنوع) أي أنّ ازدهار إنتاج الثقافة العراقية ومن ثمَّ تأثيرها إنسانيا جاء من غناها في تنوعها، وفي اعتدادها بهذا التنوع وإعلائها من شأن تلكم التعددية في الروافد التي ظلت تصب في غاية موحدة تاجها يتمثل في الثقافة العراقية..
وهذه الحقيقة هي التي جعلت أعمال القوى المعادية تستهدف استقرار البلاد وسلامة العباد مركزة في أسبقياتها على ضرب الوعي العام ومنع أية محاولة لأي مشروع ثقافي تنويري.. وأبعد من ذلك أمعنت في سياسة تطبيع الناس على خطاب الحروب والدماء وأعمال الإرهاب من جهة وعلى سيادة منطق الاحباط واليأس والاستسلام لهذا الواقع المرضي.. وبهذا حاولوا تجفيف منابع الثقافة الشعبية وأية إمكانية لربط الشعب بتطلعات معاصرة تجعله يبحث في وسائل التحديث والتقدم.. فيما ربطت العامة بمناخ ممارسة طقوس ما أنزل الله بها من سلطان وكأن الحياة وُجِدت للعيش من أجل الأموات وثقافة النواح والعويل واللطم...
ولكننا بالمقابل لا نقبل بالفكرة التي تقول: إنّ الثقافة لا تولد إلا في رحم الاستقرار وكأن على المثقف أنْ ينتظر سلبيا غيره ليوفر له أسس الحياة المستقرة ليأتي هو لاحقا ليقيم معرضا أو ينجز أغنية أو يقدم مسرحية.. الصحيح هنا أنّ الثقافة تولد حتى حينما يفرض الوضع أمامها ركاما من العقبات والتحديات.. ومن هنا فإنّ إنتاج الخطاب الثقافي ليس محصورا بالاستقرار ولا مقيدا بآلياته.. ربما تتحدد مساحات الإبداعات الجمالية وغيرها لكن الثقافة بوصفها قيما سلوكية تعبر عن كل مرحلة وطبيعتها تعكس طبيعة المراحل من دون انقطاع.. وثقافة اليوم عراقيا هي ثقافة تمسّك الشعب بالإخاء بين مكوناته وأطيافه وبروح التسامح والتصالح مع الذات الوطني وهي ثقافة احترام الآخر والاعتراف بتعددية روافد الوطن وتنوعها؛ على أن هذه الحقائق ربما جرت محاولة تغييبها قهرا بوساطة استباحة من قوى خارجية وتدخلاتها...
من هنا سيكون مهما أن يضع الشعب وقواه الحية أولوية للعمل على قطع دابر التدخلات الإقليمية والدولية مع التفات إلى التدخل الأخطر في مقدرات البلاد من دولة تشيع خطاب القطيعة بين الشعب العراقي وتاريخه البهي بثقافته من أول الاعتداء على آثاره وسرقتها بوساطة أصابعها الممتدة في كل زاوية اليوم إلى اختلاق القطيعة بين العراق ومحيطه العربي بمقابل لا التحالف معه بل جرّه لتبعية مفروضة قسرا عليه بحجج [دينية طائفية] وغدا ستكون بحجة [التعويضات] وبعده بأية ذريعة مختلقة أخرى... فيما يستمر طمس كل معلم ثقافي أو معرفي!
إنَّ أول الطريق ثقافيا هو تعزيز اتحادات الثقافة وتفعيلها واستعادة تنشيط البرلمان الثقافي العراقي في الوطن والمهجر وانعقاد سنوي دوري لمؤتمرات ثقافية نوعية مع إصرار على ولادة ((المجلس الوطني للثقافة)) وفي جميع هذه المسارات سيكون لبرنامج ثقافي محدد المعالم وخارطة طريق للأداء أساس مكين للنجاح فضلا عن اشتغالات تقويم بنيوية لما اصاب الثقافتين الشعبية والنخبوية من هنات ومثالب وأوصاب.. على أن ولوج المثقف العراقي ميادين العمل المشترك مع كل القوى الحية في الحياة العامة هو الأمر الآخر المنتظر لتعزيز دوره الفاعل المؤثر...
ومن أجل نتائج ملموسة لن يكون انتظار ولادات ثقافية جديدة هو خط العمل الرئيس اليوم بل سيكون استقطاب جهود مثقفي المهجر هو الخطوة المؤملة لاستعادة المسيرة حيويتها.. فمثلا ينتظر نقل الفعاليات الإبداعية بوسائل متنوعة من الاتصالات غير المباشرة والأخرى المباشرة الممكنة المتاحة. فلقد بقي قطع الصلة بينهم وبيئتهم الفعلية سببا فيما رصدناه هنا من التراجعات السلبية ومن إشاعة الظلام وسيادة قوى التضليل.. والمعالجة والرد سيأتيان عبر جسور متينة بين المثقف وخطابه البنيوي الجديد وبين الأهل في داخل الوطن..



#تيسير_عبدالجبار_الآلوسي (هاشتاغ)       Tayseer_A._Al_Alousi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعليم الألكتروني بين أنصاره وخصومه: دعوة لتفهم طبيعته وتبن ...
- في ضوء خطاب رئيس إقليم كوردستان: مستقبل العراق الاتحادي ودور ...
- التحالف الاستراتيجي بين العرب والكورد والتطورات في كوردستان
- الثقافة العراقية حية لا تموت كما أبدية وطن النخيل
- المشاغلة والتعمية آلية للتعتيم على سياسة الانفراد بالسلطة وا ...
- تضامنا مع مطالب المظاهرات الشعبية في العراق
- يا ضحايا الفساد والإرهاب والطائفية، موعدنا في ساحة التحرير!
- رسائل العيد وتهانيه: تواصل أمنياتها لوقف سطوة الوحشية وعدوان ...
- مدنية المؤسسات والنظام العام في كوردستان وقضية المرأة في خطا ...
- البرلمان الثقافي العراقي في المهجر يدين استمرار الاعتداءات ا ...
- يوم برلمان الطفل العراقي
- جلولاء والسعدية عناوين أخرى لاستمرار جرائم التطهير العرقي ال ...
- آفاق المتغيرات في العراق ودور التيار الديموقراطي في تقديم ال ...
- أصوات إعلامية تجتر فلسفتها من جرائم الماضي
- الاعتداءات على كوردستان بين طبيعة تفاعل الحكومة الاتحادية وا ...
- وحدة الأطياف العراقية شعبيا وانقسامات نخب الطائفية السياسية ...
- الأزمة السياسية في بغداد وآفاق الحل
- العملية السياسية بين مطب الأحادية والفردنة وتطلعات الشراكة و ...
- المرأة الكوردستانية بين تطلعاتها الكبيرة والضغوط المحيطة بها ...
- معالجة لأوضاع المجموعات القومية بسوريا وتضامن مع الشعب السور ...


المزيد.....




- شيكاغو تخطط لنقل المهاجرين إلى ملاجئ أخرى وإعادة فتح مباني ا ...
- طاجيكستان.. اعتقال 9 مشبوهين في قضية هجوم -كروكوس- الإرهابي ...
- الأمم المتحدة تطالب بإيصال المساعدات برّاً لأكثر من مليون شخ ...
- -الأونروا- تعلن عن استشهاد 13750 طفلا في العدوان الصهيوني عل ...
- اليابان تعلن اعتزامها استئناف تمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئي ...
- الأمم المتحدة: أكثر من 1.1 مليون شخص في غزة يواجهون انعدام ا ...
- -الأونروا-: الحرب الإسرائيلية على غزة تسببت بمقتل 13750 طفلا ...
- آلاف الأردنيين يتظاهرون بمحيط السفارة الإسرائيلية تنديدا بال ...
- مشاهد لإعدام الاحتلال مدنيين فلسطينيين أثناء محاولتهم العودة ...
- محكمة العدل الدولية تصدر-إجراءات إضافية- ضد إسرائيل جراء الم ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - تيسير عبدالجبار الآلوسي - إشكالات الثقافة العراقية بين خصوصيتها وآليات معالجتها وضغوط الواقع؟