أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود كرم - الشغف .. أكثر حالات الإنسان تألقاً وتفرداً















المزيد.....

الشغف .. أكثر حالات الإنسان تألقاً وتفرداً


محمود كرم

الحوار المتمدن-العدد: 3603 - 2012 / 1 / 10 - 23:27
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


وحده الشغف يُوقِد فينا جمرة الإبداع ، ويضعنا في بريق الدهشةِ ، ومتعة المغامرة ، ويمنحنا بهجة الحياة ، ويُلهمنا جنون الفكرة ، ويُلهبنا دفقة الحماس ، ودفء المشاعر ، إنه الشغف الذي يُفعمُ الإنسانَ بالرغبةِ في اقتراف فعل الحياة والجمال والتمرد والتحديق والمجازفة والتفكير ، باشتهاءاتٍ خلاقة وروح وثّابة وحماس متجدد وتفكير خلاّب ، إنه الشغف المنصهر في أعماق الإنسان بخليطٍ متجانس ومتناقض ربما من المشاعر والأحاسيس والعواطف والاندفاعات والتوثبات والأفكار والانطباعات والصور والتخيلات ، تلك التي تشكّلُ نهراً من القوى الخفيّة والظاهرية أيضاً في أعماقهِ وفي توجساتهِ وانفعالاته وفي رغباته وإراداته ، والتي تضعه عميقاً في اشراقات الشغف ليتدفق فيه اتجاهاً وحالةً نفسية وشعورية وذهنية وثقافية ، تنزع نحو التجلّي والإبداع والابتكار والمجازفة والتمرد والجنون والتهور أيضاً ..

وأن يَشغف الإنسانُ بشيءٍ أو بحالةٍ أو بطريقةٍ أو بفكرةٍ ما ، ذلك يعني أنه قد ارتقى مستوىً من أعلى مستويات التعلّق بذلك الشيء ، والفتنةِ به والانصهار والتداخل والتجاذب معه ، وحتى التفلسف فيه خلقاً جديداً ، فلا يمكن لكَ أن تكونَ شغوفاً بشيءٍ ما ، من غير أن تسير به أو يسير بكَ إلى أعلى مستويات التعلّق به حباً وفتنةً وابتهاجاً وابداعاً وتألقاً ، ولا يمكن أن نكونَ شغوفينَ بشيءٍ ما حدَّ الامتلاء به ، من دون أن نكونَ مستمتعينَ به حدَّ الانتشاء ، فالشغف حالةٌ وافرة من الاستمتاع بالأشياء التي نشغفُ بها ، ونهيمَ بها شغفاً ، هذا الاستمتاع يعني إننا على قيد الشغف ، نتجلّى به تفنناً وابداعاً وتذوقاً ، ويتجلّى بنا بهاءً وافتتاناً وترفاً ، ونمارسه باستمتاع باذخ المزاجية ، نتلمَّسُ فيه ومن خلالهِ وعن طريقهِ براعة التواصل الحميمي مع الحياة والأشياء في أعماقنا ومن حولنا ..

وحينما يقلُّ منسوب الشغف بالأشياء التي مارسناها وتعلّقنا بها وتعلّقت بنا أيضاً ، فذلك ربما يعني أن رغبتنا بتلك الأشياء قد أصابها الضمور والوهن ، تلك الرغبة التي تتأرجح دائماً بين أن تكون متوهجة واستحواذية وطافحة بالتوثب والاشتهاء ، وبين أن تكون في حالات أخرى واهنة وخاملة ومنطفئة ، أنها الرغبة التي في كثير من الأحيان لا نعرف تحديداً كيف انبثقت وكيف تفجَّرت في أعماقنا تجاه ما رغبنا به ، ولا نعرف أيضاً كيف ولماذا تخفتُ فينا فجأة ، قد تكون الرغبة وليدة اللحظة البارقة ومعايشتها بكل الحماس والانفعال والتودد ، أو قد تكون وليدة حاجةٍ ما أو حرمان ما ، فالرغبة باحثة دائمة عن الارتواء والاشباع ، وقد تكون وليدة الحماسة المفاجئة ، وقد تكون وليدة الوعي والتصميم والإدراك ، وقد تكون وليدة الانفعالات الشعورية العابرة ، وقد تأتي الرغبة من اللاشيء أو تظهر في الإنسان وتكبر نتيجة الإرادة اللاعقلانية العمياء كما يقرر ذلك الفيلسوف شوبنهاور ، وقد تنشأ الرغبة في مخاض التناقضات ، وتبقى ملتبسة وغامضة في تكوينها وانطلاقتها واستمراريتها ، ولم تتفق ربما الفلسفة الكلاسيكية على تفسيرها تحديداً ..

وربما ليست الرغبة هيَ التي تكون قد ضمرت أو خمدت ، بل الأشياء ذاتها هيَ التي قد اعتراها الصدأ أو التكرار أو الروتين وفقدت تالياً بريقها ولمعانها وجاذبيتها وحيويتها ، ولكن في مطلق الأحوال يبقى الإنسان خارقاً في صناعة الأشياء التي تبعث فيه بهجة الشغف وتجعله على قيد الشغف مشتعلاً بالحياة والإبداع والأمل ، وخارقاً في الوقت نفسه باستبدال الأشياءَ ، بأشياءٍ أخرى كلّما شعر بحاجتهِ لتغييرها واستبدالها ، إنه باحثٌ دائماً عن ذاته الشغوفة بالتجديد والتنوع والانطلاق والحركة والاشتعال ..

وأن يتوهّج الشغف بالأشياء اشتعالاً في أعماق الإنسان وفي حواسه ، فذلك ربما يعني أنه يريد أن يبقى على قيد الرغبةِ ملتذاً برغبته الفارهة تلك ، ومستمتعاً بها إلى الدرجة التي أصبحَ يحلّق بها في مدارج الإبداع والتألق ، فكلّما كانَ الإنسان شغوفاً بشيء ما ، كانَ على نفس المقاس ربما ذاهباً برغبته سفوح اللذة والاشتهاء واللاحدود ، ولذلك ربما حينما يتكاثف الشغف في الإنسان ، فذلك يعني أن الرغبة في أعماقه تبقى مشتعلة بالتجدد والحيوية والتوهج ، إنه الشغف الممتليء بالرغبة ، ويزداد امتلاءً كلّما ازدادت الرغبة في الإنسان وكبرت ..

وقد تكون الرغبة بالأشياء جمرة الاشتعال الأولى في حقول الشغف ، وقد يكون الشغف بداية الرغبة اللامتناهية في الشعور ، ولا أدري تحديداً هل تنشأ الرغبة في الإنسان أولاً ، أم أنَّ الشغف يأتي أولاً ، ولكني ربما أستطيع القول أنْ ليست هناك ثمة فواصل بين الشغف والرغبة ، فهما متداخلان عميقاً ومتشابكان ، ويستندان على بعضهما البعض في تعالق جمالي وحميمي ، وينهلان توهجهما وتألقهما واشتعالهما من ينبوع واحد ، ويستمران بالتدفق ربما في اتجاه واحد ، ويزدادان فتنةً وابتهاجاً وتواصلاً ببعضهما البعض ..

ربما الشغف يعني في أكثر معانيهِ تألقاً وتفرداً وتوهجاً وتدفقاً وحريةً ، هوَ أن يتركَ الإنسان قلبه حراً ، طليقاً ، ويركض خلفه ، وأن يلاحقه أيضاً مفعماً بحماس التودد للتسابق معه ، وحين يتركَ الإنسان لقلبه الحر الطليق قيادة الشغف ، ذلك ربما يعني أنه أصبحَ يطوي بقلبهِ الحر خطوات عمره شغوفاً ، بما يفعله ، وبما يريده ، وبما يرغبُ فيه ، وبما يتمنّاه أيضاً ، فالقلب الحر ، ربما هو استدعاء خفي للعقل الحر ، يتماهى معه حريةً وعنفواناً وانطلاقاً وتفرداً أيضاً ، ومَن يملكُ قلباً حراً ، هو ذلك الذي يتركهُ طليقاً في مراتع الشغف ، يحلّقُ جريئاً ومقداماً ومتمرداً في فسحات المدى البعيد ، لا يهاب العثرات ، ولا توقفهُ الهنّات ، ولا يخضع لليأس ، ولا يستسلم للضغوط والسائد ، ولا يركن للوهن والتراجع ، يركض بالشغف خلف قلبه الحر ، مُبتكراً طريقته المتفردة في فلسفة الحياة ، مبتكراً أسلوبه في صناعة الحب والجمال ، ومبتكراً تفكيره متوهجاً بالجرأة والتحديق والحرية وشغف السؤال ، ومبتكراً حتى حلمه الآجل ، وتمنيّاته الحاضرة وربما اللاحقة أيضاً ، إنه في سباق محموم مع قلبه الحر الطليق الراكض المترع بشغف الإلهام ، الإلهام المتّقد بالحياة وحرية الحُلم وتجلّيات الإبداع التأملي ..

وعندما نكون في غمرة الشغف متسربلينَ بعطاءاته الباذخة ، تتبدى لنا التجلّيات ساطعةً ومُلهمةً أيضاً ، إنها التجليات الشعورية والإبداعية والثقافية التي تمنح الشغف شغف التواصل معه بروح خلاقة وحماس متجدد ، فحينما يكون الإنسان على قيد الشغف مشتعلاً بالشغف تظهرُ له التجليات بارقةً بإضاءةٍ جديدة ، وفكرةٍ أخاذة ، وأفق أرحب ، وعمقٍ حقيقي ، أليسَ ذلك الذي يشغفُ بفكرةٍ ما ، ويبقى مشتغلاً عليها ، مستسلماً لشغفه الأخّاذ ، ستتبدى له في غمرة شغفهِ هذه ، تجلياتٌ تأملية أكثر سطوعاً ، وأكثرَ استنطاقاً ، وأليسَ ذلك الشغوف بالحب يتجلّى في غمرةِ شغفه ذاكَ إبداعاً وتفنناً وتفانياً وجنوناً أيضاً ، وأليسَ ذلك الذي يمارس إبداعه في شتى الفنون الإنسانية ، تتبدى له التجليات الفنيّة الإبداعبة في غمرة إبداعه الشغوف بالشيء الذي يمارسه ، فالشغف هو بمعنىً أكثرَ عمقاً وامتداداً يعني التجلّي ، والتجلّي يعني أن الشغف أصبحَ قيد الاشتعال والتوهج والألق والإبداع ..

وعندما نمارس الأشياء بمتعةٍ فائقة ، وبلذةٍ فارهة ، وبمزاج فاتن ، وبإبداع خلاّب ، فذلك ربما يعني أننا أصبحنا نمارس الأشياءَ ذاتها تلك ، ولكن بألق الشغف وتوهجّه واشتعاله ومتعته البالغة ، فالأشياء لا تغدو بالنسبة إلينا أشياءً ماتعة أو باذخة أو فاتنة أو باهرة أو قادحة بالإبداع ، إلا حينما نهبُها رونق الشغف ، فنمارسها بشغفٍ عميق ، ونتجلّى بها إبداعاً ، ونتعلّق بها حباً واخلاصاً ، فليستَ الأشياء بحد ذاتها هيَ التي تمنحنا متعة التواصل الخلاق مع الحياة ، بل الشغف الذي يمارس بها تلك الأشياء ، وفي هذا المعنى تحديداً ، يقول الروائي باولو كويهلو في روايته إحدى عشر دقيقة ( ليسَ الجنس أكبر متعةٍ ، بل الشغف الذي يمارس به ، حين يكون هذا الشغف من نوعيةٍ عالية ، يأتي الجنس لاتمام الرقصة ، لكنه ليسَ الشيء الجوهري أبداً ) ويحدث هكذا بالدرجةِ نفسها من الممارسة الشغوفة بباقي الأشياء ، فمثلاً حين نمارس القراءة بشغف تفعيل الحضور الذاتي في فعل القراءة ذاتها ، وبشغف محاورة الفكرةِ ودلالاتها ، فإن القراءة حينئذ تصبح أكثر متعةً لنا ، وأكثر تشويقاً ، وتضعنا دائماً على دكة الاشتهاء المعرفي ، وما يحدث مع القراءة ، يحدثُ أيضاً مع الكتابة ذاتها ومع الموسيقى والرسم عندما تمارس بشغف باهر وعال ، ويحدث كذلك مع مختلف الفنون والآداب والإبداعات الإنسانية الأخرى ..



#محمود_كرم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسان التعبيري .. إنسان النزعة الخلاقة
- حرية التفكير طريق التمرد المعرفي
- فلسفة الحضور في الوعي التنويري
- شجن الذاكرة
- الأصل في فلسفة الوعي الإنساني
- التافهون
- الإنسان المعرفي .. إنسان التنوير
- الأفكار بين التأمل وموهبة الخلق
- ما معنى أن يتمنّى الإنسان
- وقاحة مفضوحة
- الإنسانيون ( 4 من 4 )
- الإنسانيون ( 3 من 4 )
- الإنسانيون ( 2 من 4 )
- الإنسانيون ( 1 4 )
- القناعات وَهْم البدايات
- تلك اللذة العليا
- ثقافات بلا منطق
- زرقة الغياب
- بحث في بنية العقل الديني
- الحوار الحر ينتصر للإنسان


المزيد.....




- بعد جملة -بلّغ حتى محمد بن سلمان- المزعومة.. القبض على يمني ...
- تقارير عبرية ترجح أن تكر سبحة الاستقالات بالجيش الإسرائيلي
- عراقي يبدأ معركة قانونية ضد شركة -بريتيش بتروليوم- بسبب وفاة ...
- خليفة باثيلي..مهمة ثقيلة لإنهاء الوضع الراهن الخطير في ليبيا ...
- كيف تؤثر الحروب على نمو الأطفال
- الدفاع الروسية تعلن إسقاط 4 صواريخ أوكرانية فوق مقاطعة بيلغو ...
- مراسلتنا: مقتل شخص بغارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة ال ...
- تحالف Victorie يفيد بأنه تم استجواب ممثليه بعد عودتهم من موس ...
- مادورو: قرار الكونغرس الأمريكي بتقديم مساعدات عسكرية لأوكران ...
- تفاصيل مبادرة بالجنوب السوري لتطبيق القرار رقم 2254


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود كرم - الشغف .. أكثر حالات الإنسان تألقاً وتفرداً