أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود كرم - الإنسانيون ( 4 من 4 )















المزيد.....

الإنسانيون ( 4 من 4 )


محمود كرم

الحوار المتمدن-العدد: 2687 - 2009 / 6 / 24 - 09:49
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


أين يستطيع الإنسان أن يجد سعادته ؟ هل يجدها في حياة واقعية يعايشها بكل كيانه وأعماقه ، ويُقبل عليها بكل حواسه ومحفزاته واقتناعاته ، وبكل تطلعاته واندفاعاته واجتراحاته وحماساته ، أم إنه يبحث عن سعادته في حياةٍ ثانية غير التي يحياها ، يبقى ينتظرها ويتهيء لها بكامل اعتقاده اليقيني وبكل طاقاته العاطفية والغيبية ، معتقداً بأنها الحياة التي ستغمره تالياً بسعادةٍ تستمر في أبديةٍ لا نهاية لها ، من ذلك يتبين لنا بمباشرةٍ واضحة ، أن هناك مَن يستطيع أن يتمتع بسعادة واقعية في حياة حقيقية يقترفها لحظةً بلحظة ، وفي المقابل هناكَ مَن يبحث عن سعادةٍ يبقى ينتظرها مؤملاً نفسه بها في حياة ثانية غير التي يمارسها ..

انطلاقاً من ذلك لا يستطيع الإنسانيون الباحثون عن السعادة الواقعية والصانعون لها في نفس الوقت في حياتهم الحقيقية أن يقبلوا بمنطق السعادة في حياةٍ غير التي يعايشونها تفعيلاً لطريقتهم في ابتداع سبل الابتهاج بها والفرح فيها والتكامل معها ، فالسعادة في نظر الإنسانيين هي السعادة التي تبقى تغمرهم تدفقاً وتواصلاً بلحظاتها الواقعية انسجاماً هادئاً ومنشرحاً مع ذواتهم وطريقتهم واقتناعاتهم وأحاسيسهم ، فالسعادة لديهم تساوي قدرتها على بث الحماس والنشوة والضوء في أطرافهم وفي أعماقهم ، فهي بالاتجاه العملي والتفعيلي تعتبر الأساس الواقعي للحياة التي يدفعون بها دائماً نحو إظهار براعتها الفاتنة في جوانبها وتنويعاتها وتشكلاتها ، فالحياة عادةً ما تظهر لنا عن جماليتها وأناقتها وتلويناتها الباذخة حينما نُقبل عليها مفتونينَ باستحضارها في لحظاتها التي نصنعها وفقاً لرغباتنا وإرادتنا وحماستنا ، إنها السعادة التي تتوالد في مخاض العلاقة الحميمة بين ما نريده بإرادتنا الملهمة في حياتنا الواقعية ، وبين سعينا المعرفي والجمالي والإبداعي للأشياء الصانعة للسعادة ، إنها السعادة الواقعية التي تتخلق في حياة نعايشها بتدفقاتها واستمراريتها ، وليس انتظار السعادة في حياة افتراضية أو تخيلية أو وهمية ..

ولطالما كانت السعادة في مفهوم الإنسانيين ، هي الأسلوب الذي يتم من خلاله التأكيد بإصرار شهي وباشتهاء معرفي على استنطاق الحياة حضوراً فعلياً في امتداداتها العميقة والمذهلة ، وليس العمل على تغييبها في مجاهل الكره لها أو العداء عليها أو التقليل منها انتقاصاً وتجاهلاً ، وليسَ تغييبها لصالح الوهم الراسخ في اعتقادات افتراضية ، فالإنسانيون يسعون بكل الطاقات الإيجابية الملهمة والدافعة في ذواتهم لتجلي المعاني الحقيقية للحياة عبر التأكيد على حضورها البهي في لحظات الابتهاج والسعادة الواقعية ، بينما أولئك الذين يقذفون بالحياة في حطام الكراهيات والتحريمات والتأثيمات والانغلاقات والممنوعات والتهديمات والعدائيات والتجاهل ، هم في واقع الأمر كارهون للسعادة وهادمون للإبداع والتخطي والفرح والمغامرة ، وغارقون في الكآبة والتجهم والدمامة والقبح ، ويقاتلون من أجل نفيها واغتيالها وتغييبها ..

وجوهر السعادة في مفهوم الإنسانيين هو قدرتها على ما تبديه من نزعةٍ تفاؤلية وثابة نحو استحضار الحياة الإيجابية ، المفعمة بحضورها المتدفق ، وممارستها التحاماً واندفاعاً وتكاملاً ، إنها السعادة القادرة على صناعة هذه الحياة الطافحة بتجلياتها المبدعة في تبنيها الحقيقي لميراث الإنسانية في السعادة والحب والإبداع والفنون والآداب والفكر والتآلف والتعايش ، إنها الحياة النظيفة المتعافية والخالية من التشوهات والقباحات والتعقيدات والبذاءات والعفونات ، إنها الحياة التي تملك قدرتها على إثارة امكاناتها الكامنة في البراعة والتجلي والتألق والأناقة والبهجة والفرح ..

الإنسانيون يسعون إلى أن تكون السعادة منظومة ثقافية وتفكيرية ومسلكية شاملة ، تعكس واقعاً جميلاً في الحياة يندرج الإنسان في مكوناته وطرائقه ومستوياته وتأثيراته ومؤثراته ، بحيث تكون حماية حقيقية له تصون حريته وكرامته وقراره واختياره ، وتحترم عقله وتفكيره ورأيه ، وتمنحه الأمل والسعادة والامتلاء والطموح ، وتُفعم قدراته الذاتية والتفكيرية والفلسفية والعقلانية ، واهبةً لحياته معنىً وشكلاً وروحاً وبريقاً وتوجهاً وتطلعاً إنسانياً ..

والسعادة في نظر الإنسانيين تعني في واحدة من أجمل معانيها ، استخلاص فنون التجربة الذاتية في انتاج ما يمكن أن يكون مصدراً ملهماً ودافعاً للسعادة الواقعية ، فالسعادة في نهاية الأمر تلخيص للتجربة القائمة على نزعة الفعل الإبداعي وعلى الخبرة والتراكم والمعرفة والبحث والذاتية التفكيرية ، عندها تصبح التجربة بحثاً عن المتعة الجوهرية للسعادة ، المتعة الكامنة في الهدف من وجود السعادة في الحياة ، لتشمل كل ما له علاقة بممارساتنا ووجودنا وتعالقاتنا وصياغاتنا وفلسفتنا ، ولذلك فإن متعة السعادة لا تنحصر فقط في ممارسة الأشياء الجالبة للسعادة ، إنما متعة السعادة في التوق الشهي والاندفاع الإرادي الذاتي لاستحضار الحياة كاملةً في حضورها الفاتن والأخاذ والمبدع ، إنها المتعة التي تضمُّ كل شيء وتتسع لكل شيء ، تتسع للهمسة والحركة والتجربة والفعل والتأمل والإحساس والشعور والإبداع والمغامرة والفكر والثقافة والمعرفة ، وتتسع للجسد والقلب والفكر ، إنها المتعة التي تذهب بعيداً في استنطاق ما وراء الأشياء والالتذاذ بها ، فالمتعة في أن نصنع من الحركة توثباً وتطلعاً وإنجازاً ، وأن نصنع من الهمسة بوحاً وحضوراً فاتناً ، وأن نصنع من المعرفة لذةً طافحة ، والمتعة في أن نصنع من البحث والقراءة لهفةً وشوقاً ، وأن نصنع من الفكرة ألقاً ووهجاً وتوهجاً ، وأن نصنع من الحب مدرجاً للرغبات والاشتهاءات والجمال والحلم ، فهي المتعة التي تدفعنا إلى أن نصنع من كل ما نريده ومن كل ما نفعله ونمارسه رغبةً وعشقاً وشوقاً واهتماماً وتفلسفاً وحكمةً أيضاً ، نصنع من كل ذلك عالماً جميلاً ورائعاً يتسم بالفتنة والبهجة ، إنها المتعة التي تدفع بالإنسان للإقبال الإيجابي والانشراحي والجمالي على الحياة من دون إحساس بالخوف أو الهلع من حساب ينتظره في عالم افتراضي ، والإقبال عليها من دون توجس أو تردد أو تراجع ، تخلصاً وتحرراً من الثقاقات الهادمة للتوثب والذاتية والإبداع والمغامرة والانطلاق ..





#محمود_كرم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإنسانيون ( 3 من 4 )
- الإنسانيون ( 2 من 4 )
- الإنسانيون ( 1 4 )
- القناعات وَهْم البدايات
- تلك اللذة العليا
- ثقافات بلا منطق
- زرقة الغياب
- بحث في بنية العقل الديني
- الحوار الحر ينتصر للإنسان
- الإنسان .. من الغيبية إلى العقلانية
- الجمال والحرية .. فلسفتان في البياض الشفيف
- حينما يأتي الربيع في أوبسالا
- الأساس الفلسفي للأفكار الحرة
- الانتماءات وهْم .. الحقيقة أنا وأنت
- الخلق والتطور في الفكر الحر
- الإنسان ... فراغ مطلق
- حينما تصبح الأيديولوجيا بديلاً عن الإنسان
- ثقافة السؤال في الفكر الإنساني
- الإنسان حيوان يقيني
- الحياة عُرفت بالتنوع وثقافة الاختلاف


المزيد.....




- -الأغنية شقّت قميصي-.. تفاعل حول حادث في ملابس كاتي بيري أثن ...
- شاهد كيف بدت بحيرة سياحية في المكسيك بعد موجة جفاف شديدة
- آخر تطورات العمليات في غزة.. الجيش الإسرائيلي وصحفي CNN يكشف ...
- مصرع 5 مهاجرين أثناء محاولتهم عبور القناة من فرنسا إلى بريطا ...
- هذا نفاق.. الصين ترد على الانتقادات الأمريكية بشأن العلاقات ...
- باستخدام المسيرات.. إصابة 9 أوكرانيين بهجوم روسي على مدينة أ ...
- توقيف مساعد لنائب من -حزب البديل- بشبهة التجسس للصين
- ميدفيدتشوك: أوكرانيا تخضع لحكم فئة من المهووسين الجشعين وذوي ...
- زاخاروفا: لم يحصلوا حتى على الخرز..عصابة كييف لا تمثل أوكران ...
- توقيف مساعد نائب ألماني في البرلمان الأوروبي بشبهة -التجسس ل ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمود كرم - الإنسانيون ( 4 من 4 )