أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فتحي الحبوبي - المثقف بين السياسة والفكر














المزيد.....

المثقف بين السياسة والفكر


فتحي الحبوبي

الحوار المتمدن-العدد: 3598 - 2012 / 1 / 5 - 08:21
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    



لم أكن يوما من هواة أو محترفي التحاليل السياسية. حتى أني امقت مقتا وأمج وأستنكف من إستعمال عبارة متداولة بكثرة منذ قيام ثورة 14 جانفي، ألا وهي عبارة "محلل سياسي . وهي العبارة التي أضحت بديلا متعسفا لعبارة محلل رياضي. والشعب التونسي –بالمناسبة- يعتبر نفسه أو يكاد، من جهابذة التحليل الرياضي، الذي كثيرا ما يكون في قطيعة مع مجريات اللعب في الميدان، ومعاكسا لنتائج المباريات.
لكني أعترف اليوم، أني ألفيت نفسي على تماس من التحليل السياسي، وتحفزت له عندما تابعت مداخلة عضو المجلس الوطني التأسيسي عن حركة النهضة، الأستاذ الفيلسوف أبو يعرب المرزوقي، فيما يتعلق بالقانون المؤقت المنظم للسلطات والقانون الداخلي للمجلس التأسيسي. فقد كان خطيباً مفوهاً، جمع فأوعى. ، فالعبارات واضحة والأفكار أوضح. بل إن الإشارات الفكرية التي صدرت عنه في سياق المداخلة، كانت رشيقة ومكثفة. لذلك كانت مداخلة أبو يعرب المرزوقي، حية، متوقدة، غير مملة وغير مكررة، مثلما كان الحال مع أغلب زملائه الذين حاول أكثرهم تجاوز الوقت، فيما كان هو منضبطا بشكل لافت. فحالما أشار عليه رئيس المجلس لتذكيره، سكت لتوه. ومعلوم أن الإنضباط هو شكل من أشكال المواطنة المسؤولة والواعية التي يفترض التحلي بها خاصة من قبل المثقف. حتى ان الكاتب الفرنسي ألبرت كامو Albert Camus يعتبر هذه الميزة هي التي تعرّف به» أن المثقف هو الشخص الذي لديه عقل يراقب نفسه« . وهو ما لا تتحلى به شريحة واسعة من أعضاء المجلس، الذين يدمنون تعطيل السير العادي للمناقشات بمماحكات لا طائل من ورائها. ورغما عن ذلك فهم طالما شنفوا آذاننا بالسمفونية الممزوجة التي كثيرا ما ذكروا بها، وهي أنهم يمثلون الشعب التونسي، الذي إختارهم بحرية عن طريق الصناديق الإنتخابية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الشعب التونسي في واقع الأمر لم ينتخب أحدا من نوابه في التأسيسي، يوم 23 أكتوبر2011، بل إنه أختار قائمات أحزاب ليس إلا، وهي التي كانت قد اختارت قبل ذلك، نوابها صلب المجلس التأسيسي فيما لو فازت. بما يعني بصفة أدق، أن النواب إنتخبتهم أحزابهم وليس الشعب بأسره كما يدعون. لذلك فعلى النواب تذكر هذه الحقيقة وعدم المزايدة و المناكفة، والإيهام بشرعية مزعومة هي ، مبدئيا، محل جدل، باعتبارها منقوصة وغير مكتملة الشروط المضوعية.
ورغم الإنقسام الحاد للنخبة الثقافية في تونس، بين مؤيد ومعارض لترشح أبو يعرب المرزوقي للمجلس التاسيسي، وافتعال سجالات بيزنطية في الغرض، فإني أرى أنه سلك الطريق القويم، عندما أختار عدم التقوقع في برجه العاجي كغيره من المثقفين "السلطويين ، الذين ينحسر جهدهم في العمل الأكاديمي الصرف -رغم أهميته المعرفية والعلمية- فينقطعون عن قضايا المجتمع، ومضامين الواقع ويستنكفون من العمل السياسي، الذي قد يلطخ أيديهم بالصورة التي، بينها جان بول سارتر في مسرحيته الأيدي القذرة «Les mains sales » التي حملت تساؤلات مقلقة على المستويين السياسي والإنساني، وصورت بدقة متناهية، المؤامرات والدسائس و الاغتيالات التي جدت فيما بين الشيوعيين، في فترة ما بين الحربين العالميتين، أو في ما برز بشكل لافت في مسرح القسوة الذي تزعمه آرتو.
لقد برهن أبو يعرب المرزوقي أنه رجل مختلف ، لا بل إنه متميز أيضا، حيث سعى إلى النضال الحزبي و المشاركة السياسية الفاعلة، بهدف محاولة انتشال البلاد من الكم الهائل من المشاكل التي تتخبط فيها، منذ هروب الطاغية (زين الفارين)، والتي تزداد تعقيدا يوما بعد يوم، ويدركها حتى من ليس له حس انساني عالي المستوى، فما بالك بمن كان في قامة أبو يعرب المرزوقي الفكرية.
إني أكاد اجزم بالقطع، ان الفعل الثقافي والفكري والسياسي الذي يمارسه أبو يعرب، يقارب ،حد التماهي، مفهوم الفيلسوف الشيوعي الايطالي الشهير انطونيو غرامشي للمثقف العضوي ودوره في تغيير المجتمع. فالمناضل قرامشي رغم انه شغل خطة كاتب عام للحزب الشيوعي الايطالي ،فإنه كان في ذات الوقت، مفكرا له أهمية ذات بال في تاريخ الفكر العالمي المعاصر. لذلك فهو المثقف العضوي بامتياز، الذي زاوج بين الإبداع الفكري والنضال السياسي، وقضى أكثر من عشر سنوات في سجون الفاشية الايطالية، ومات بعد خروجه من السجن بأيام قليلة، وهو في عز الشباب. و قد كان له مشروع لتثقيف العمال سياسيا وفكريا بهدف إثارة الوعي لديهم. ولأنه قد جمع بين الثقافة والسياسة و القيادة مع النضال، فقد إغتالته، تعذيبا، يد الفاشية الموسيلينية. لكنه ظل رمزا حيا للمثقف العضوي الفاعل في الحياة العامة. و اليوم وقد أضحى المثقف الحقيقي والعضوي عملة صعبة وصعبة جدا، فإني أهيب بأبي يعرب المرزوقي أن يسير على درب غرامشي وتروتسكي ويناضل باستماتة داخل المجلس التأسيسي لإعطاء إضافة المثقف، التي لا تضاهيها إضافة، في كل إطلالة له. فالسياسة إن لم تسندها الثقافة، تفرز نظاما فاشيا يرهب المواطن بالهراوة الغليظة وسلاسل السجون. لهذا كان المفكر الفرنسي أندريه مالرو André Malreau عنصرا أساسيا في كل حكومات الرئيس الفرنسي شارل ديغول.
فتحي الحبوبي/مهندس



#فتحي_الحبوبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين هروب محمود درويش وهروب القادة العرب المهزومين
- فضل إنتعاش المقاومة على الثورات العربية
- إستأصالية مقال نصيحة تونسية إلى الإسلاميين الحداثيين
- في ذكرى محرقة غزة بالرصاص المسكوب
- عن سرية دفن فولتير والقذافي
- البداوة الفكرية لمحترفي الإفتاء وفق الأهواء
- ممارسات سياسية بين فلسفة القوة والنظرية الداروينية للخلق
- لا لحوارالأديان في ظل إنحباز بابا الفتيكان
- الشيوعية والإسلام والفشل في ممارسة الحكم


المزيد.....




- مصور بريطاني يوثق كيف -يغرق- سكان هذه الجزيرة بالظلام لأشهر ...
- لحظة تدمير فيضانات جارفة لجسر وسط الطقس المتقلب بالشرق الأوس ...
- عمرها آلاف السنين..فرنسية تستكشف أعجوبة جيولوجية في السعودية ...
- تسبب في تحركات برلمانية.. أول صورة للفستان المثير للجدل في م ...
- -المقاومة فكرة-.. نيويورك تايمز: آلاف المقاتلين من حماس لا ي ...
- بعد 200 يوم.. غزة تحصي عدد ضحايا الحرب الإسرائيلية
- وثائق: أحد مساعدي ترامب نصحه بإعادة المستندات قبل عام من تفت ...
- الخارجية الروسية تدعو الغرب إلى احترام مصالح الدول النامية
- خبير استراتيجي لـRT: إيران حققت مكاسب هائلة من ضرباتها على إ ...
- -حزب الله- يعلن استهداف مقر قيادة إسرائيلي بـ -الكاتيوشا-


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فتحي الحبوبي - المثقف بين السياسة والفكر