أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حسن الشرع - مذكرات زبال في ليلة رأس السنة














المزيد.....

مذكرات زبال في ليلة رأس السنة


حسن الشرع

الحوار المتمدن-العدد: 3593 - 2011 / 12 / 31 - 18:18
المحور: المجتمع المدني
    


حتى وان مات هو و أبوه وابنه فلأن مظلوما لا يعرف القراءة والكتابة فسأتولى كتابة مذكراته...
لا عرف سببا يبرر لهم أن يذكروا مهنتي في بطاقة هويتي أو جواز سفري رغم أنني كنت أرى أن المهنة قد تكون طفلا أو طالبا أو.. بلا و الكثير منا لا يخبرك القول الحق عندما يدعي انه اختار مهنته عن حب وعن رغبة.
فالكل في بلادي يرغب أن يكون ملكا أو رئيسا أو وزيرا و ربما طبيبا دون أن يكون على استعداد لخدمة المرضى، لم أقرا أو أسمع أن زبالا ذكرت مهنته ذات يوم في هويته أو جواز سفره..من المؤكد أن ذلك الأمر لم يكن ليتعلق بالمقام أو بالكرامة أو اللياقة أو حتى الحرج لان السلطات في بلادي غالبا لا تقيم وزنا لحياة الناس إذن فمن باب أولى فإنها لا تدرك ما أقول.
لم يكن أبوه طبيبا اومهندسا أو اوتاجرا أو نائبا أو قاضيا أو سفيرا لكن كان عاملا في شركة للمشروبات الغازية(النجوم) صباحا وظهرا وعصرا وبائع سكائر تحمل علامة (تركية) ليلا وكان شاعرا حالما يحول كل موقف إلى بيت من الشعر وكل أزمة إلى قصيدة وكل مأساة إلى ديوان شعر يغنيها بصوته الجنوبي الحزين ،ذلك هو أبو مظلوم.
كان مظلوم فرحا جدا عندما اخبره فراش مدير البلدية في بلدته أن بإمكانه أن (يتسنم) مهام عمله الجديد مستخدما وبراتب شهري مقداره احد عشر دينارا وأربعمائة واثنان وستون فلسا وان عليه أن يحضر في الساعة السادسة صباحا إلى دائرته ليتسلم مكنسة مصنوعة من سعف النخيل يستلمها بذمته إمضاءا لأنه لا يعرف التوقيع...سترافقه هذه المكنسة طيلة الموسم إلى أن يتم الكشف عن عدم صلاحيتها للتنظيف، وسيأخذها معه يوميا للبيت عند انتهاء عمله ويذهب إلى كوخه مستقلا باص (المصلحة)الأحمر اللون.
كان الأب أكثر جرأة من الابن فلقد غير مهنته مرات عديدة قبل أن يأتي من إحدى قرى الجنوب إلى العاصمة المكتظة التي تغلفها بيوت الطين.لا احد يكترث به أو مهنته أو حتى معيشته وحياته...مظلوم هو ابن زوجته الثانية بعد الهجرة.أما مظلوم فقد حصر جل فكره بين المراقب وانتظار باص المصلحة وخوصات مكنسته المباركة والتي يخاف عليها من التساقط في الإسفلت الخشن والحار على الرغم من انه كان يطيل النظر كثيرا أثناء تأديته لواجبه( المقدس)إلى سيقان النساء ويتأمل حلاوة لهجتهن التي شقت عليه كثيرا. ما جعلته وسامته يتكلم معهن بصوت منخفض خجول صارفا النظر عما يحب استراقه من خزين هو زاده في نومه...ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك. لم يكن مباحا له النظر إلى ما يمتع البصر فتلك ليست وجبته وذلك ليس لباسه رغم ان الأمر كان دائما في مقدوره .تزوج ابنة صديق أبيه الذي كان يعمل معه عامل بناء يوما ما والذي أصبح فراشا في مدرسة ابتدائية قبل أن يأخذه القوم إلى رحلة سياحية صيفية مميتة بالقطار إلى السماوة...بعدها لم يعرف عنه أي شئ.
لم يكن محبا لعمله قدر ما كان يخيفه من احتمال معاقبته أو طرده ،حينها لا يعرف ماذا سيعمل وكيف سيعيش بعد أن أصبح أكثر اعتمادا على نفسه...فهو مازال يحب اللعب واللهو مع الأولاد الصغار رغم انه يشرف على طوي العقد الثاني من عمره الذي لا احد يحفل أو يحتفل بسنواته...خرج ذات يوم مبكرا للعمل حاملا مكنسته إلا انه وجد حارس مبنى البلدية واقفا عند الباب والظلمة لم تنقشع بعد.من هذا ...؟ مظلوم؟ نعم .ما الذي اتى بك ؟ اتيت مبكرا دون أن افطر فلقد تاخرت صباح امس بسبب انتظار باص المصلحة ، قال الحارس متعجبا : لكن اليوم جمعة !!عاد دون يقول حرفا واحدا.
وذات يوم جلب إلى ولده هدية إنها سيارة بدون عجلات قدمتها له سيدة عجوز بعد أن اخبرها بولعه بالسيارات لكنها لم تعجب الطفل الذي سال عن عجلاتها. وعده بجلبها له ولم يف بوعده أبدا.حتى الهدايا قديمة وناقصة، لكن الطفل سرعان ما فهم إن والده معذور وان الأمر يكمن في مهنته وكل ما عليه أن لا يتكلم وهو يأخذ معونة الشتاء، سترة بمقاس كبير و حذاء (باتا) ابيض اللون.
مات أبو مظلوم وترك لأبنه إرثا كبيرا إنها ديون لا يقوى على سدادها من كانت له مكنسة وجاه معدوم وابن محروم وقلب مهموم.
يحز في نفسه أن لا يقيم له الناس وزنا وهو الذي لولاه لغرقوا بأكداس أزبالهم وقمامتهم فهو سبب نظافتهم ومع ذلك فإنهم يطلقون عليه (أبو الزبل )والواقع انه( أبو النظافة)...كل ذلك حصل لأنه بن ضحية لإقطاعي ...لقد كان أبوه متمردا على مهنة الشيخ والسركال والملك...لا يهم أن تكون ملكا أو زبالا فعزاؤك أن المهنتين لا تذكران في هويتك. الملك بحاجة إلى زبال لكن الزبال قد لا يرى الملك ولا يعنيه أمره قط. ربما كان في ذلك شئ من الجحود فقد حصل الزبال على ارث أبيه بيتا بناه على قطعة ارض صغيرة وهبها له الزعيم.
مات الزبال كمدا بعد أن قتل ابنه في الحرب ، دون أن يكون هنالك من شئ سوى أوراق لا يعرف مظلوم قراءتها ولم يدرك ابنه معناها في حياته وحياة جده وأبيه ...أوراق لا تصلح لمحاكم نزاعات الملكية.لا يكفي أن تكون محاميا فتدرك كم هو مظلوم مظلوم ..ليس لأنه زبال بل لأنه ليس بن ملك.
كتب الملك في مذكراته ليلة رأس السنة لتحضروا الزبال لينال مكافأتي، فانه كان أمينا مخلصا وديعا...لكن الملك لن يبر بوعده وعذره أن الوزير هو السبب ...تذكرا بعد فوات الأوان فقد مرت سنة أخرى
ستضل مدينتنا قذرة لان الزبال مات ولان الملك مازال حيا .



#حسن_الشرع (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقامات عراقية
- هو الأفضل
- في الثقافة العراقية
- أفاعي الناصرية
- رمضان كريم
- سباستيان سوريا
- الشهادة لله
- صحة صدور
- منطق المشمول في علة المعلول
- أصبوحة بغدادية مغبرة
- ...آسف لقد رفضني الرفاه الأكاديمي
- كركوشات حديدات
- ام المكارم
- المزغرفون في الوقت الضائع والجزاء الاوفى
- خوش ولد
- رحماك بول يرحمك الله
- ماذا لو صح الصحيح
- العملية السياسية ومعتزلة كوبنهاكن
- حسب الطول
- رسالة الى اهل النار


المزيد.....




- احتجاجات أمام مقر إقامة نتنياهو.. وبن غفير يهرب من سخط المطا ...
- الخارجية الروسية: واشنطن ترفض منح تأشيرات دخول لمقر الأمم ال ...
- إسرائيل.. الأسرى وفشل القضاء على حماس
- الحكم على مغني إيراني بالإعدام على خلفية احتجاجات مهسا
- -نقاش سري في تل أبيب-.. تخوف إسرائيلي من صدور أوامر اعتقال ب ...
- العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جرائم حرب في غزة بذخائر أمريكية ...
- إسرائيل: قرار إلمانيا باستئناف تمويل أونروا مؤسف ومخيب للآما ...
- انتشال 14 جثة لمهاجرين غرقى جنوب تونس
- خفر السواحل التونسي ينتشل 19 جثة تعود لمهاجرين حاولوا العبور ...
- العراق.. إعدام 11 مدانا بالإرهاب في -سجن الحوت-


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - حسن الشرع - مذكرات زبال في ليلة رأس السنة