أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي غشام - أمي وأشياء أخرى














المزيد.....

أمي وأشياء أخرى


علي غشام

الحوار المتمدن-العدد: 3580 - 2011 / 12 / 18 - 23:57
المحور: الادب والفن
    


أمي.. وأشياءٌ
استدعته ذاكرته للمسافات البعيدة ، أحسَّ بوجع بين ضلوعه ، أعتصره ألم فضيع في معدته ، تراءت له صور قديمة في زوايا عمره المتعب ، من أين يبدأ ؟؟
لا يعرف كيف ترك وراءه تلك السنين بحملها الثقيل ، كانت تمر مسرعة تاركته يتناقض مع موجودات عصره ابتداءاً من الإله وانتهاء بالموت الروتيني الذي يلم أرواح الناس بروتين يومي!!
كأنه ندم على كل أفعاله السابقة التي كان يعتقد بصوابها المطلق ، أخذت تراود تفكيره نوبات أفكار غريبة وبات يفكر بإنهاء حياته والتخلص من هذا الجحيم الرابض عليه منذ زمن ، لكن هناك دائما شيء يربطه بالحياة وجماليتها ووسعها ، اجتاحت حياته أسراب الأحزان والقلق ، لم يكن طيلة الثماني عشر من السنين التي انقضت يشعر بمرور الزمن والوقت الذي توقف بمجرد عبوره الخط الوهمي المسمى بالحدود خارج الوطن حتى وان عاد أخيراً لمدينته التي احتضنها الأسى والخوف والدم والذين ولِدوا من عاهرات الكهنة وسدنةِ القبور..!
تجذّر فيه عشقٌ قديم يلجأ إليه في وحدته وغربته التي اعتادها ، تلك التقاسيم التي تشبه استدارة بقعة ضوء على خشبة مسرح كبير، تلك الابتسامة التي ترتسم على وجهها القمري الذي لم يتمكن الحزن والعمر من أن يترك أثراً عليه، كانت ابتسامتها وكأنها زورق يشق هدوء وجه بحيرة ساعة الغبش.. كيف لم يتمكن الزمن من أنهاك ذلك الوجه ..!
كانت أحلامه غير مجهضة ، أقلقه حلمه الذي لازمه طيلة السنين الماضية فهو يراوده بين الحين والآخر ..تلك التضاريس الوعرة التي يجد نفسه تائهاً فيها محاولاً اجتيازها بفضول للوصول الى نقطة هو أصلاً يجهلها ..وكأنها أمله في الخلاص من كل تداعياته ، شيء ما يجبره أن يعرف تلك النقطة المبهمة ، لم يتحدث لأحد عن ذلك الحلم الذي يراوده بشكل مستمر .. تراءت له ذات مرة في احد رحلاته في اللاشعور قافلة تسير الى جنبه في تلك الأرض التي ألفها داخل الحلم ..لكنها غادرته على عجلة ولم يتعرف على أي وجه فيها رغم مناداته عليهم.!
لم يعد هناك لغزّ في حياته غير هذا الحلم الذي يؤرقه في منامه .. يتذكر أمه دائماً ، كانت تلوح له بأصبعها متوعدته بعقاب إن لم يذعن لأمرها .. كانت أيام جميلة رغم قسوتها ، فبمجرد أن يتذكرها يتجدد له أمل ينتظره من وقت طويل .
ما زال يتذكر تلك الأرض المبتلة برطوبة الصيف الخانقة أيام آب اللاهبة في أزقة حيهم الذي بدأ يزدحم ببيوت القصب والأكواخ المتكئة على بعضها عشوائياً..لكنها لم تخلو من الرغبات والخبز وأشياء أخرى .
لم يتعرف على لذة الحياة بشكل يتمكن من أن يستحلي وجود النصف الآخر .. الفتاة الوحيدة التي عرفها ابنة الجيران التي ما زال عندما يراها يتذكر تضاريس ذلك الجسد الغض الصغير و اكتشافاته الجنسية المبكرة ، واشد ما يشده الى تلك الأيام هو حينما يسمع أغنية فيروز ..
((فايق يا هوى ..فايق لما راحوا أهلينا مشوار تركونا وراحوا أل ولاد زغار ودارت بينا الدار وحنا أولاد زغار ..............))
كانت لذة الأشياء تعلق بذاكرته حتى بعد مرور زمن على أحتراقها ، ولا تغادر رأسه تفاصيل كل تلك الأيام البعيدة ..
رعب سِنِيّ القتل الذي شهده يبعده بحذر شديد من كل المجهول القادم ويبقى السفر والترحال هاجسه الأكبر في معظم الأيام التي يقضيها وحده ..
الحرب تواً بدأت تستعر في لهيب عارم يحرق كل شيء جميل مبتدئة في فصل لم ينتهي الى حد ألان..!!
منظر الجنود العائدين من الجبهة والنساء المتعطشات الى دفء أحضان الحبيب المفارق رغماً عنه ، يثير فضوله عندما يرى تلك الأجساد التي تفيض بالرغبة والشبق ، كانت أيام لا تنسى حين يأتون بأحدهم وقد أكلته نار الحرب الطائشة ، الرغبات والحنين والألم والخوف والقلق والنساء اللواتي تركنَّ وهنَّ شابات لم يكتفينَّ من ذكورهنَّ العائدين ببقايا رجولة منسكبة على حدود السواتر الأمامية لجبهات القتال التي لا تشبع من الدم واللحم المهدور على حساب رغباتهن وأجسادهنَّ ، لقد شهد ذلك الجو المملوء بالعرق والدم والجنود والبساطيل ونعوش البقايا البشرية ، ونساء ثكالى يتسائلنَّ بأستغراب عن سبب سكوت السماء وانقطاع المطر؟؟
من بين كل هذا التشتت أشرق ذلك الوجه بين كل تلك الصور ، أغرقه بشغف طفولي ، تمدُّ له يداها لتحتضنه مختصرة تلك المسافات البعيدة ، خاف من الوصول إليها ، تفهمت خوفه بأبتسامه ناعمة كعادتها ، فقد عرفته جيدا ، رائحة خبزها ترافقه طيلة تلك السنين المحملة بالنكبات والحنين ، قلَّبَ تلك الأيام التي ألتصق بها وهو صغير ، كان يرافقها كظلها !!
أشتبك في عراك صبياني مع أخيه الذي يكبره ويحنو عليه الى الآن .
- صاحت بهم ..
- أهدؤوا؟!
تعلق بثوبها ، اختلطت رائحتها برائحة الخبز والتي بقيت معه الى هذه السنين الخريفية من عمره !!
في حمأة ذلك الصراع انبثقت أغنية من الراديو القديم في أحد زوايا الكوخ العتيق الممتلئ برائحة الموقد الليلي الملتصقة بشقوق قصب الكوخ .
همممممممممم تم تتتك.....
(تعال الحبك انه أشتاك ولشوفتك اتمنه لا طير بجفاك الصاح برياضي ولا غنه)
كلمات مازالت تلح على ذاكرته بالحضور الدائم في خلواته رغماً عنه !!
أمتزجت كلمات تلك الأغنية مع رائحة الخبز المختلط برائحتها التي تحفزه على البكاء المكبوت الممزوج بإنهاك يعمُ جسده .
تتيتم تتيرين ....
(لعيونك يهزني الشوك وأصيحن حيّل وبحركه ويظل طيفك يناغيني وأضوي شموع للملكه)
مفردات حُفِرَت في ذاكرته الحديدية ، يهزه حنين عتيق جدا لها يشعر.. بلمساتها وهي تواسيه من مرضه ، الى الآن لم يفرق بين أمّهِ والملاك ، وأحياناً يأخذه خياله الى ابعد من ذلك ، حيث أنها الوجود كله !!
أنها الحياة..
لم يعرف مفردة يصفها بها أبلغ من كلمة ..أمي .

علي غشام
شتاء 2011



#علي_غشام (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عتب
- الافتراس
- كان هناك
- اقتصاد العراق..الى اين؟؟
- التدخل الاجنبي الثقافي في العراق
- قصة قصيرة
- أمنية


المزيد.....




- أصالة والعودة المرتقبة لسوريا.. هذا ما كشفته نقابة الفنانين ...
- الذكاء الاصطناعي التوليدي.. ضربة موجعة جديدة لقطاع الإعلام ا ...
- نقل الفنان المصري محمد صبحي إلى المستشفى بعد وعكة صحية طارئة ...
- تضارب الروايات حول استهداف معسكر للحشد في التاجي.. هجوم مُسي ...
- ديالا الوادي.. مقتل الفنانة العراقية السورية في جريمة بشعة ه ...
- مقتل الفنانة ديالا صلحي خنقا داخل منزلها بدمشق والتحقيقات تك ...
- القنبلة الذرية طبعت الثقافة اليابانية بإبداع مستوحى من الإشع ...
- بوليود بين السينما والدعاية.. انتقادات لـ-سباق- إنتاج أفلام ...
- الغيتار تحوّل إلى حقيبة: ليندسي لوهان تعيد إحياء إطلالتها ال ...
- سكان وسط أثينا التاريخية منزعجون من السياحة المفرطة


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي غشام - أمي وأشياء أخرى