أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي غشام - كان هناك














المزيد.....

كان هناك


علي غشام

الحوار المتمدن-العدد: 2826 - 2009 / 11 / 11 - 14:08
المحور: الادب والفن
    


قصة علي
قصيرة غشام
لم يسأم طول انتظاره لصاحبه ، جلس على حافة الرصيف فقد انشغل بعدّ السيارات المارة ، كانت السيارات تمر بسرعة من أمامه ، لم تكن اغلبها تحمل لوحات حتى..كانت الأرجاء مشتعلة حوله بغضب منفلت ومكبوت ،كل ما حوله محتقن.. استفحل به فضول شديد لم يعرف كيف يتخلص منه..فقد تحولت المدينة الى كومة من ألغاز عاصية على الحلّ ..
وجد في وجه صديقه الشيخ الوقور الذي فنا عمره بين مدارس المدينة الواسعة بقايا ألفة يحاول أن ينتزعها من بين تلك الوحشية العارمة التي غطت المدينة ، كان دائما يستقبله بدموع بكاءً على هذه المدينة المباحة للجميع إلا لأهلها (الغرباء)....!!
إنها مدينته الجميلة ولكن شوارعها خلت من الناس واختفت تلك الضجة التي كانت تعم أسواقها ، هناك فقط أسراب جراد تتنقل في أزقتها ، ما لبثت أكوام الجراد أن تحولت الى صراصير ، التقطت الأخيرة بمناقير غربان سوداء..كان هو وسط تلك الأفواج من الجراد والصراصير والغرابان ..كانت ثمة عيون تتقادح شرراً ترقبه في حالة تأهب ..لم يكترث لها فقد كان مشغولاً بعودته الى المدينة.. وكيف خلت من أهلها ..؟
انه لم يعرف كيف حدث ذلك ؟؟
لم يكن يوماً يتصور أن يصل الخراب الى هذا الحدّ من الإحاطة بكل ما تبقى له من مدينته المتكئة على رأس الخليج والتي امتلأت بالنخيل والألفة..!
كان الحزن مستقراً ومتجذراً في قلبه الى حدَّ التداعي وكأنه بناية خاوية شهدت معارك قاسية..! أحس بتثاقل في أطرافه ، لم يمر به ظرف كهذا من قبل ،..كانت رائحة الماء الآسن تنبعث من شواطئ النهر الذي كانت فروعه تمتد كشرايين الى وسط المدينة ، كان يبحث عن وجوه تركها وادعة بين أنهارها ومقاهيها وشوارعها.
ركض في وسط المدينة التي غفت بين جروحها وأقنعة الغرباء ومائها المتعفن ..أعقبها بهرولة.. ما زال يهرول.. ثم أخذ يبطئ في هرولته ..لقد رأى من بعيد ما تخيلهم إنهم ناس ، حاول أن يستوقف احدهم ليسأله..رفع صوته لمناداته بالكاد يسمعه هو ..فكيف يسمعوه ؟..
تعثر بجثث تناثرت على جانبي الطريق الطويل المؤدي الى الحي الذي سكنه والذي اقتحمت عيونه أول الدنيا في أزقته وشوارعه وأكواخه ..كانت هناك لذة مستمرة بالحياة ..لم يعرف اليأس آنذاك ولم يكتو بنار آثامه بعد.. تعرف على الربّ للمرّة الأولى بين جنبات كوخهم الذي نضح ودّاً ودفئاً ..
أوقفه شرطي جلف..الشرطي هذه المرة يرتدي زياً غريبا ،لم تطرق الرحمة باب قلبه المتخم بالقسوة،كانت عصاه متكونة من خرزات كبيرة متصلة بحبل متين يشبه حبال المشانق السابقة ، كان وجهه متغضن وبحاجبين غاضبين دائما وبقايا حساء متيبس على صدر قميصه الأسود لا يكترث لها..!
صاح به الشرطي بصوت متقطع وفم يسيل ببقايا قئ ، تفسخ جسم الشرطي تحول الى ديدان صغيرة متناهية في الصغر، تسلقت الديدان النخلة القريبة منه تحولت الأخيرة الى عود محترق ، ثم تجمعت مشكلة هيكل الشرطي من جديد..!
- من أين أنت ..؟
- كنت أعيش هنا..!
- من أين أنت .....؟
- كان لي بيت هنا..!!
نظروا إليه صبية الحي بعيون ملئها إستغراب بارد وواضح ..لم يعد هناك ما يخيفه ، كانت منارة الجامع المهدمة باقية في ذاكرته المصقولة والمشحوذة ..رأى نفسه مع الصبية وهو يتطلع الى صورته ..كان ناعماً ونظراً..لم يجد ما يعكر عليه صفو الدنيا في تلك الأيام الجميلة من عمره .. انه يقفز ويلعب بمرح ..تعلق بدفة الباب..صاحت عليه أمه ، واصل اللعب ، ضربه أخوه بقسوة ، اشتدّ بكائه ، تكوم على نفسه،اعتصره ألم الصفعة ، انخلع الباب ، تهاوى البيت ، تبعته البيوت الأخرى ، تحولت المدينة الى بقايا أثار معركة عنيفة ، تغيرت ألوان الأشياء واختفت باستثناء أللون الرمادي..
تعب من البكاء داهمه النعاس ، صحا على صوت انفجار ضخم ، وجد أشلاء الأطفال ممزقة وكأنها دمى مقطعة الأوصال ، حاول أن يجمع بقاياها ، لم يستطع أن يكمل دمية واحدة ، استفزه صوت الشرطي الذي يتفرج على تلك الأشلاء الممزقة بوحشية وكأنه يبارك لها نهايتها المشتتة ..
- لا ادري أين أنا فهذه المدينة لم تعد كما تركتها منذ زمن..؟؟!
- ألا تحمل هوية .؟
- بلى هويتي تلك الطويلة المثقلة بحملها الأصفر .
- لا تمزح مع من هم مثلي أبدلاً.؟
- لا ..لا ، هل أنت .......؟

قاطعه الشرطي بحدّه واستهزاء..
- أنا من يوجه الأسئلة وليس أنت ..فأنا شرطي كما ترى ..!
- أرى ذلك بوضوح .. لم أكن قريبا منك يوما الى هذا الحدّ كنت أتجنبكم دائماً..!
- لا تناقش أبداً .. فأنت غريب !!..
أراد أن يفلت منه.. رفع الشرطي عصاه ليضربه فنفر مرعوباً .. هرب منه ، ركض باتجاه النهر وجد هوة عميقة جداً، نزل فيها وجد أسماكاً ميتةً ومتعفنة وبقايا عوالق بحرية تحسس الحصى وجده رطباً ، غاصت قدماه بالطين ، هناك أكوام من الحديد المنصهر والمتقطع وقوارب صغيرة وكبيرة معظمها منغرس بالطين في حين تناثرت أعداد كبيرة من صنانير الصيد الصدئة ، تحسس التربة بيده ، أنها لزجة وشبه جافة، كان هنا نهر..! تلمس وجهه المفجوع ..
توسد خوفه ونام ...!!

البصرة
صيف2009



#علي_غشام (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اقتصاد العراق..الى اين؟؟
- التدخل الاجنبي الثقافي في العراق
- قصة قصيرة
- أمنية


المزيد.....




- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...
- مش هتقدر تغمض عينيك.. تردد قناة روتانا سينما الجديد على نايل ...
- لواء اسرائيلي: ثقافة الكذب تطورت بأعلى المستويات داخل الجيش ...
- مغنية تسقط صريعة على المسرح بعد تعثرها بفستانها!
- مهرجان بابل يستضيف العرب والعالم.. هل تعافى العراق ثقافيا وف ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي غشام - كان هناك