زانا خاني
الحوار المتمدن-العدد: 3580 - 2011 / 12 / 18 - 19:29
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في فلسفة التاريخ عند هيجل "التحقيق شرط للتجاوز" .
حتى لو تقدم الإسلاميون الى السلطة و حتى لو فكر البعض ببناء خلافة او خلافات إن صح التعبير, فالعلمانية الديمقراطية آتية لا محال هي حتمية تاريخية لا غنى لآي أمة عنها.
حينما أسست الدولة الإسلامية قبل حوالي1430 عام لم تكن نتيجة لخيارات ساكنيها من مسلمين و غير مسلمين بل فرضت بقوة السيف و على بحراً من الدماء أول الأمر ثم لاحقاً بقوة الوهم و الترهيب من الله و الآخرة المزعومة, و لو شئنا الدقة في التاريخ السياسي الإسلامي لوجدنا انه لم يكن هناك آية ركيزة ديمقراطية تقوم عليها البنية السياسية للدولة الإسلامية, بل كانت قائمة على ركيزتين أساسيتين هما : الاستبداد السياسي و القدسية الدينية, وهذا الأمر لم يكن في التاريخ الإسلامي القديم حيث دولة الخلافة فحسب, بل هو فكل التاريخ الإسلامي منذ أيام الرسول و لحد اليوم في إيران و السعودية, و في وقت ما من هذا التاريخ لم تعد الشمولية المحمدية إن صح التعبير قادرة على ضبط الأمور, فنشأت طوائف و مذاهب مختلفة ابتعدت في غالبيتها عن حرفية النص القرآني كذلك عن السنة النبوية و قدمت وجهات نظر مختلفة عن مفهوم الدولة, و برأي لم يكن ذلك إلا نتيجة حتمية للاستبداد السياسي الديني, و لا بل ظهر مفكرين دعوا الفصل بين الدين و الدولة كابن رشد على سبيل المثال.
آلم يكن حكم الدين هو السبب الرئيسي لما أوربا عليها الآن؟, آلم ينتشر الآحاد في أوربا بصورة رهيبة, كرد فعل على الخطاب الدين للدولة؟ وهنا لا أتحدث عن العلمانية, و لنا في الشرق الأوسط أيضاً تجارب على ردة فعل الشعوب التي عادة ما تكون معاكسة لخطاب الأنظمة الحاكمة بعد سقوطها, العراق ما هو موقف العراقيين العرب حالياً من القضايا القومية العربية,أليس العراق كأنه غير عربي؟!؟, ها هي ردة فعل المصريين على خطاب نظام مبارك الاستبدادي المدعي للعلمانية وصلت بالإسلاميين إلى البرلمان بنسبة عاليا جداً كذلك في تونس و سيكون في ليبيا أيضاً. إنها عملية سيكيولوجية بالدرجة الأولى, يعتقد الناس ان الخطاب المعادي لخطاب المستبد هو سيحقق لهم متطلبات العيش الكريم.
و بالمثل ماذا لو سقط نظام ولاية الفقيه في إيران؟, آي دولة سنشهد؟, في اعتقادي لن تكون إلا نموذجاً يحتذي به في الديمقراطية و الحرية و العلمانية, ما هو سبب هذا الرفض الجماعي للإسلام في الجمهورية الإسلامية؟ هو الدولة الدينية بالذات التي زجت بالدين في السياسة. رفض الإيرانيون سياستها ورفضوا الدين معها.وهذا ما وعاه كثير من "آيات الله" الذين باتوا الآن يطالبون بالعلمانية في مقدمتهم آية الله منتظري الذي كان الخميني إثر عودته إلى إيران رشحه لخلافته. قبيل وفاته صرح آية الله مهدي حائري:"هؤلاء المجانين الذين يحكمون باسم الإسلام هم بصدد تدمير الإسلام", كتب السوسيولوجي الإيراني فرهاد خسرو خاور:"ما فشل الشاه في تحقيقه سيؤدي فشل الثورة الإيرانية إلى تحقيقه:العلمانية". بالمثل كتبت الباحثة الإيرانية مريام ميربابان:"وجه الخمينيون لطمة إلي المعتقدات الدينية عندما خلطوا الدين بالسياسة. فالمشاعر المعادية للدين التي انبتتها سنوات حكم الخميني لم يكن يحلم بها حتى الشيوعيون الإيرانيون الذين حاولوا إضعاف الدين طوال خمسين سنة".
بطبيعة الحال الأنظمة الدينية لا يمكن أن تحقق شيء من الحرية و الديمقراطية و صون الكرامة الإنسانية, و كما يقال "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان", إلى جانب ان الحكم الديني يدمر الدين نفسه و سيأتي اليوم القريب الذي يقول فيه الكثير من شيوخ الإسلام " إننا علمانيون " و ذلك كي يحافظوا على الدين من حكم الدين الذي تؤكد مختلف التجارب التاريخية إنه يدمر الدين نفسه و يخلق مشاعر العداء للدين و" أهل السنة و الجماعة" ليسوا بحالة شاذة عن ما يمكن تسميته بالقاعدة التاريخية, بالإضافة إن العلمانية المقترنة بالديمقراطية هي الحل الوحيد لمختلف المشاكل التي مهدت لقيام الثورات في العالم العربي, و لن يستطيع الإسلاميون حلها بأفكارهم المستمدة من صحراء الربع الخالي, و قد يقول قائل ها قد نجح الإسلاميون في تركيا, فبالإمكان أن أرد و أقول لان الإسلاميين في تركيا لم يتجاوزوا القيم العلمانية و الديمقراطية.
العلمانية الديمقراطية ضرورة تاريخية وليس باستطاعة أمة أن تستثني نفسها من ضرورات التاريخ إلا إذا اختارت الموت على الحياة وقررت الانتحار الجماعي. فرنسا اضطرت للعلمانية لوضع نهاية للصراع بين الكاثوليكي والبروتستانتي ولتصبح الدولة الفرنسية دولة لكل مواطنيها لا للأغلبية الكاثوليكية فقط. وجميع الدول العربية والإسلامية مضطرة اليوم إلى العلمانية إما لتفادى حروب دينية بين مواطنيها المسلمين وغير المسلمين أو حروب طائفية بين الشيعة والسنة, فهذا الصراع الطائفي و الحرب الباردة إن صح التعبير ليس لها حل إلا العلمانية.
بالنظر للمشكلات الموجودة في المنطقة, من صراعات طائفية و دينية, كذلك متطلبات الحياة العصرية, و الظروف الموضوعية لإنسان اليوم, و نتاج الحكم الديني على مر التاريخ, حتماً الحل لها هي العلمانية الديمقراطية, نظراً لاحتياجاتها لا بد أن تصل شعوب المنطقة إلى قناعة حقيقية بالعلمانية, لهذا تكون حتمية.
#زانا_خاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟