أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - ما زال المسيح مصلوباً















المزيد.....

ما زال المسيح مصلوباً


حبيب هنا

الحوار المتمدن-العدد: 1057 - 2004 / 12 / 24 - 08:20
المحور: الادب والفن
    


حبيب هنا
رواية



الفصل الأول والثاني من الرواية
التي ام تصدر بعد

" ما زال المسيح مصلوباً"


-1-

بين اليابسة واليابسة بحر ميت تفوح منه رائحة الملوحة ولا تحركه الريح .
ضابطان وطبيب يحملون أوراقهم المزورة ويتقدمون نحو الخط الفاصل ، وكان الجندي الإسرائيلي الذي يدقق في الأوراق قد أنهكته المراوغة والأوامر التي تطلب تسهيل مهمة المهاجرين.
انظر ، انظر ، ها نحن قد وصلنا الجانب الأردني . قال عبد الله ذلك ، ثم تقدمهم خطوة إضافية ..خلع الخوف من داخله وأسقط عن كتفيه هموم السفر ، كان الضابط الأردني بلباسه الداخلي يجلس على حافة إحدى برك البيارات في الشونة ينتظرهم بالسؤال الوقح : لماذا تركتم البلد ؟ لماذا أنتم مهاجرون ؟ - أنا طبيب ، أما الآخران فواحد منهم ضابط مصري ، والثاني فلسطينيّ.
تفحصهم من أعلى إلى أسفل بنظرة شزرة حركت البغضاء في النفوس.
– انقلهم أيها الجندي إلى مخيم العبدلي حيث بقايا الجيوش العربية المهزومة .
لم يلتفت عبد الله خلفه ، تقدمهم بخطا ثابتة ، فيما تبعه الضابطان بساقين أشعلتا الفراغ فتوهج الخط الفاصل .. سلمهم الجندي إلى سائق التاكسي ومعهما الأمر الصارم : تحرز عليهم في مخيم العبدلي حيث بقايا الجنود الفارين . طوت السيارة الإسفلت الممدود فوق التلال ، فاختفى البحر فجأة .. تلاشى من تلقاء نفسه أمام اتساع المدى ، وكان عبد الله قد دثر نفسه بأفكار الخطوة المقبلة ، فصار طفلاً وديعاً. فَلَك ، فَلَك ، ناداها باسمها لأول مرة . تردد صدى الصوت بين صالون السيارة وتلافيف الذاكرة . ربما الظهور المباغت يفاجئها ، قال ذلك وانتظر هبوط التلة التي صعدوها .. لم يأت الرد ، أيقن أن المسافة بين اليابسة واليابسة بحر ميت وأوراق مزورة ، وكان كلا الضابطين يرقب الآخر كشخص محايد يتابع الشمس وهي تنتزع شعاعها من خيوط النهار.
الْتمعتْ أفكاره فترك رأسه يتراجع إلى الخلف فوق مقعد السيارة.
كان وجهه ينم عن حالة استرخاء مؤقت ، العضلات لم تعد مشدودة ، فأصابه عجز إخفاء الأسرار . وفي غفلة من عيون الوقت تسللت الأجسام الغريبة إلى القصبة الهوائية ، حاولت إحداث خلل في عملها المنتظم ، غير أن الأهداب كانت يقظة ، فتصدت لها بشراسة ومنعت تقدمها ! أخذه السعال كمصدور فتلمس بيده المنديل في جيب البنطال ، فيما كان الضابطان يتهامسان ، الأول مصري يحمل اسم نابغ سليم ويعمل ضابطاً لركن الصحة في قطاع غزة ، بينما الثاني فلسطيني شردته هزيمة حزيران ، فلم يتعرف على اسمه الحقيقي إلا عندما جلدته الشمس بسياطها .
فلك ، الجمال الوحشي الذي قامر بحياته من أجلها ، يحشر حضوره في صحن دماغ عبد الله ، فيستحضر الكلمات التي دارت بينهما في مختلف اللقاءات.. تنفرج شفتاه عن ابتسامة فجائية كما لو أنه يجالسها .
– ما الخطوة المقبلة ؟
يقترب منه الضابط سليم ، ويسأل هامساً حتى لا يسمعهما السائق.
يرد عليه عبد الله باقتضاب :
-عندما نصل تقاطع الطرق مع السفارة المصرية سنجبره على التوقف .
يواصل رحلته مع فلك فيرى صورتها أكثر وضوحاً عندما يغلق عينيه ، يسترجع الكلمات التي ينوي قولها :
- إذا لم تعودي معي سأعود وحدي معتبراً كل ما كان بيننا قد انتهى ، هناك الكثيرات بانتظار التقرب إليهن .
يعود إلى الواقع عند كل منعطف ، فتهرب الصورة من خياله، وجبال عمّان كلها منعطفات خطرة تبدو للوهلة الأولى عصية على الاستمرار بالسير حتى النهاية .
يعود السؤال ملحاً : ما الخطوة المقبلة ؟
يقترب تقاطع الطرق مع السفارة المصرية وينسحب بسرعة مذهلة.
- إلى اليمين أيها السائق توقف .
يصدر عبد الله أوامره إلى السائق ..يكبح السائق جماح سيارته .. تتوقف السيارة .. يسأل :
- ماذا هناك ؟
- لا بد لنا من النزول هنا !!!
- الأوامر واضحة ، لا بد من اصطحابكم إلى مخيم الفارين .
- لا أحد يقدر على منعنا من النزول ، ولا داعي للمشاجرة ومحاولات المنع .
ينقده عبد الله ضعف أجرة التاكسي ويهرول ثلاثتهم باتجاه السفارة المصرية .
يصعد الضابط سليم بعد أن يتحدث مع حرا س السفارة ، بينما ينتظر عبد الله والضابط الفلسطيني في صالة الانتظار..
وجه عبد الله يعلوه نمو الاحتمالات ، ووجه الضابط يكسوه الذل وغبار الهزيمة وأحاسيس نبض يرسم انفعالات الجسد في تيه مترامٍ بين المدى والزمن المطلق ، وكلاهما معاً ينتظر هبوط الضابط سليم من الطابق الثاني للسفارة المصرية وعلى كتفه أعباء مواصلة السفر وفي يده أوراق مزورة تجيز لهم التحرك داخل مربع العاصمة الأردنية دون أن يتربص الخوف على خطواتهم أو يسكنهم هاجس الإقامة في مخيم الفارين .
* * * *

عمّان مدينة جميلة نظيفة ، تسكنها الأحلام والأحزان ، وتحاصرها الهزيمة ، هكذا بدت في ذلك المساء من أوائل شهر أيلول ، كأنها خارجة للتوّ من ضلع الماضي كي تتألق بالحضور والنشوة ، لكنها ، رغم ذلك ، موحشة تستمد بقاءها من الخوف المزروع في شوارعها .
وهكذا قال عنها القدامى .
أما عبد الله عندما غادر غزة فلم يكن يتصور البقاء في عمان أكثر من عدة أيام هي العمر المفترض للقائه فَلَك وحسم الأمر معها، لذلك كان الانقباض يجتاحه فجأة كلما داعبه طيف الجرحى والمرضى على أسرة مستشفى دار الشفاء .
إنها المرة الأولى التي ينفصل فيها عن مرضاه .
ذلك هو عبد الله الطبيب المغامر الوسيم الوديع الذي ترك مدينة البحر ، وذهب مع الخوف والحب إلى المكان الذي يدفعه إليه القلب دفعاً ، يحمل في وجهه عينين خضراوين وعلى زنده عضلات قوية سهر على تربيتها عقوداً ثلاثة ، ويمسح بأصابعه عليها في حركة لا إرادية بين الفينة والأخرى كأنه يداعب بقايا حلم لم يتبخر بعد .
وعندما قابله القائم بأعمال السفارة المصرية في أعقاب الحديث الذي دار مع ضابط ركن الصحة نابغ سليم ، كان غاية في الامتنان جراء المساعدة الجليلة التي قدمها عبد الله إليه مما سهل عليه مهمة السفر والوصول سالماً دون تعرضه للأسر أسوة بالضباط والجنود بعد اجتياح الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية في أعقاب الهزيمة .الأمر الذي دفعه لعرض مختلف المساعدات بما فيها السفر إلى مصر والإقامة فيها ، غير أن الرفض القاطع قلص مساحة التحرك ، واختزل الخدمة بحجز غرفتين لمدة أسبوع في فندق ، فيما آثر الضابط الفلسطيني الذهاب إلى قواعد جيش التحرير التي عملت لها على طول الحدود مراكز ثابتة ومتحركة بغية إعادة البناء وعدم الركون إلى الهزيمة .
وفي الفندق حدث أول اشتباك مع الجدران التي ينخرها البق، بقايا من جيوش مهزومة تحاول بناء أعشاشها في الشعر والذقن الطويلة والملابس البالية ، وعلى امتداد الأفق ، كان يلوح طيف فلك حيث كانت تدرس في جامعة عين شمس عن سقراط وأرسطو معنى الديمقراطية ومساواة المرأة والرجل ، وهناك تلقت الرسالة الموجزة في صباح اليوم الأول من الإقامة في الفندق : عليك الحضور إلى عمان فأنا بانتظارك .
وعند المساء ردت على الهاتف من مكان إقامتها بالمدينة الجامعية القريب من مفترق تحاصره التقاطعات ، وكان على الخط الآخر عبد الله يزيل لزوجة العرق وبقايا الأتربة عن جبهته بمنديل بهتت ملامحه بهوت الأيام الأخيرة من شهر أيلول .
صدقيني أعماقي مهشمة ! بصعوبة أحاول إضفاء شرعية على تماسكي الخارجي حتى أتمكن من تضليل الناس وإبعاد عيونهم عن هشاشتي !
عندما نلتقي ستكتشفين ذلك .
* * * *

في المساء أصاب السهد فلك فلم تعرف للنوم طعماً ، طرحت على نفسها السؤال المغترب فازدادت حيرتها : هل بإمكان الحب خلق المعجزات ؟
وكانت الحالة تستنزف تجاوزها العصية على الامتلاك، قطرة قطرة ، فاتكأت على حافة السرير تجلو ذاكرتها بصور موجودة في الألبوم وعيناها تستقبلان لمعان ابتسامات مبعثرة بين الصفحات تذكرها بانفصال الزمن عن مداره السديمي .
إنها الحيرة والطالبات والمناخ الجامعي والاستماع للأخبار والتوهان بين كلمات الحب التي كانت تسمعها من عبد الله عندما يجلسان ، أو عبر الهاتف في أعقاب إعلان حالة الطوارئ ، فتتسرب إلى مسام الروح وتدغدغها لتشعل فيها التبختر والأنوثة والانتعاش .
فلك ، فلك ، تسمعه يناديها باسمها فتدور النشوة في أعماقها دورتها الجنونية وتترك للأحاسيس والمشاعر ، مثل كل الصبايا ، حرية الطيران فوق غيوم لا تقف في مداراتها الحواجز ، ولا تمنعها من استمرار التحليق في السماوات العلا حيث تساقط الشهب والنيازك في ليال تمتد فيها النسائم حتى بزوغ الفجر ، واستحضار الصورة والمعنى اللذين يصيبان شغاف القلب .
هذه المباغتة من التهويمات والمشاعر التي سيطرت على فلك صهرتها بنيران الحب التي لا تنطفئ ، وأعادت صياغتها بتراكيب جديدة فجرت في أعماقها انتظار لحظة اللقاء وجموح الروح نحو الحبيب الذي مضى على عدم رؤياه زمن سال في مجراه دماء كثيرة من بتر أطراف وفقدان حياة جراء حرب استمرت ستة أيام تمخضت عن هزيمة قتلت أمل الحرية والاستقلال لسنوات طويلة.
ولكن ها هو يطل ببشرته النضرة من نافذة الليل ومسام الوحدة ولزوجة العرق ، يفجر في داخلها ينابيع الحب والعطاء وانتظار لحظة اللقاء ، وتأكيداً إضافياً على استمرار الحياة مهما ابتعد الأحبة، وتفرقوا في لحظة سكون ضارعت تكسر مرايا الروح وإعادة ترميمها بغية مواصلة السير حتى حواف الجسور التي لم تطلها قذائف الهزيمة .
وهكذا ، رفرفت طيور الحنين إلى أرض الوطن والأهل والأحبة ، فوق صخرة فلك الشامخة دوماً والمعتزة بنفسها أبداً ، فانصاعت لمشيئة عبد الله بعدم الانتظار يوماً واحداً إضافياً .
لقد مرت فصول الحرب من بوابة الحنين ووجع الجسد والأيام المهدورة والصرخة المكتومة وخوف الوحشة وتلاشي الفرح ، فخلفت وراءها قلوباً ظامئة مجروحة تستمد البقاء من أمل الوهج وهدوء البحر بعد تكسر الموج وسكون الزبد .
الألم يمتزج بالفرح ويقلص المسافات عند أعتاب الفجر، الألم الذي جاء فجأة هادراً من أعماق الغربة والحرمان من أسرار الطفولة والصبا وبث الحيوية فيها ، فأعاد للزمن فضوله وكثف سنوات عمرها في ساعات الليل وتهاويم ما قبل الفجر ، والفرح الذي الْتمعت ابتسامته بعد وصول أول رسالة وانشغال خط الهاتف بالكلمات العذبة التي تفيض مياهها على جنبات أرض مزروعة باللوعة والأسى جراء غياب طال انتظاره ، تحث على القدوم بسرعة حتى ينطفئ لهب الشوق وأنين الوحدة.
- 2 -

من طالبة في الجامعة تمضي أوقاتها بين سقراط وأرسطو، إلى عاشقة وَلْهى تتلوى على نغمات الحبيب وإيقاع كلماته ، خط فاصل بين الحب والزواج موشى بالعادات والتقاليد والطلب من وجهاء البلد التدخل لدى أهل العروس وخطوبة وقساوسة وحفل زفاف .
وخارج ذلك كله أعدت حقيبة السفر .
في الصباح خضعت لمشيئة العاطفة الطاغية المنزلقة نحو الجنون والمغامرة ، وكانت على متن أول طائرة متوجهة إلى مطار عمان حيث كان عبد الله ينتظر قدومها . سبحت في السماء مع السحب البيضاء وحكايات الطفولة ، طوت ذكرياتها عند الحد الفاصل بين الحلم واليقظة ، وأدركت أنها على وشك الوصول ، فابتهجت وهي تتنهد تحت أمواج من الغيوم المتفرقة .
كيف سيكون شكل اللقاء ؟
وفي الصالة التابعة للمطار كانت الخالة أم رائد تجلس في أحد الأركان قلقة بسبب تأخر الطائرة نصف ساعة عن موعدها ، فيما كان الطبيب الشاب ذو العينين الخضراوين يزرعها ذهاباً وإياباً وحالة من الهياج والتوتر تحرك مختلف أعضاء جسده بشكل لا إرادي ، وعندما أعلن عن قدوم الطائرة ، وبدأ الركاب يتدفقون انتابته مشاعر عززت سطوة الحب على النفوس البشرية .
وفجأة ، صرخ بأعلى صوته : فلك !
ركض نحوها وركضت نحوه ، وفي منتصف المسافة تقابلا، ألقت نفسها بين أحضانه في لحظة عناق أسطورية.
ضربت أم رائد كفاً بكف ، هذا الجيل لا يعرف شيئاً من الحياء ! يتصرف كأنه في كوكب معزول . لقد كان أبو رائد ، يخجل من النظر إليّ أمام الآخرين !
أقلتهم السيارة إلى بيت أم رائد التي جلست بجانب السائق ، بينما عبد الله وفلك في المقعد الخلفي ، مد ذراعه اليمنى على طول مسند الظهر فتوسدته ورويداً رويداً اشتبكت الأصابع في معركة متكافئة احتدمت فيها الأحاسيس والمشاعر . !
الأجساد تنضح بالعرق والاشتياق ، ومسام الأرض تختزن في أنسجتها مزيداً من وهج شمس أيلول فتفوح منها رائحة الحرارة والغبار ، والطريق على الضفتين مزروعة بالمباني الصخرية والجبال الصلدة ، وارتفاع منسوب الضغط عند الهبوط إلى وادٍ أو الصعود إلى قمة ، وغروب الشمس قبل موعدها كي يتنفس القلب بحرية مستحيل ، والاقتراب من فلك أكثر مما هو الآن محفوف بمخاطر نظرة مباغتة تسوط الروح بالتأنيب .
وكانت النشوة قد تسللت إليهما من مسارب غامضة فبعثرت الأسى والحرمان وطول الانتظار وغمرت رمال المشاعر بمياه الحب الذي لا ينضب ، فلم يشعرا بوهج الشمس وطول الطريق ، وعند وصول البيت وضعت الخالة أم رائد عبد الله تحت مجهرها ، فشعر بأنه ضيف غير مرغوب فيه ، سآتي في المساء لاصطحابك في نزهة عشاء ، قال ذلك ثم خرج .
ومع الخروج تعلقت نظرة فلك نحو الباب وانطلى وجهها بمساحيق العبوس ، لماذا يا خالة أم رائد ترشقينه بهذه النظرات ؟
قالت ذلك ولم تنتظر الرد ، نهضت وتوجهت للاغتسال فيما تسمرت أم رائد على مقعدها تضرب كفاً بكف . !
* * * *

أقدامهما تلامس الأرض ، منهمكان بالحديث حتى خواتمه، ومن حولهما ضوء القمر يزخر بالحيوية ويطوف حولهما فارضاً طقوسه ، ومضفياً على أجواء الحب معاني استثنائية تضارع شعلة الشمعة في مناخات غريبة .
تناولا طعام العشاء بتؤدة على أنغام ألحان محمد عبد الوهاب وصوت أم كلثوم وكلمات أحمد رامي ثم تحدثا بحرارة اشتياق اللقاء فأذابا ثلوج البعد والحرمان .
وفجأة توقف صوت أم كلثوم الصادح وأطل صوت المذيع الجهوري بخبر عاجل : مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين تجتاز الحدود وتنصب كميناً لدورية عسكرية معادية وتعود إلى قواعدها سالمة .
مرت سحابة الحرب سريعاً فوق حقول جافة مزروعة بالقلوب الحائرة ، ولكن صوت أم كلثوم أعاد للكلمات مضامينها وللجلسة حيويتها ، فعلى امتداد الفرح طفا زورق عبد الله وفلك فوق ليالي عمان الحزينة ، وعلى مقربة من السؤال البارد وقفت الكلمات في منتصف المسافة : لن أسمح لخالتك أم رائد بسد أفق حياتنا ، نظراتها المغموسة بالتحريض وعد الخطوات عليّ تنغص علينا العيش وتدفعنا نحو الزاوية التي لا نرغب أن نكون فيها .
عليك التصرف معها دون إشراكي حتى لا تتفاقم الأمور ، لماذا تتدخل في حياتنا ؟
قال عبد الله ذلك ثم صمت .
وكان رشق السؤال على هذا النحو قد أقلق أوجاع فلك وأدخلها متاهات حيادية .
دارت شجاها وتساءلت :
- ماذا بوسعي أن أفعل يا عبد الله ؟
وكان حريق الشمس قد لفح وجهها فأضفى عليه وميضا أخاذاً يشفي الروح من قروح الوحدة ويجدد في العروق حالة الانتعاش ، عندما أقلتها السيارة من المطار إلى بيت أم رائد . في المساء كان الجو رائقاً فصار سحرها مضاعفاً ، حرك الأنوثة البكر في الشرايين والأوردة فزادها فتنة وجمالاً .
جمع ما تبقى من قدرته العقلية وقال ، وهو ما يزال ينظر إليها:
- عندما ينهار الجدار نرى الأشياء التي تختفي خلفه !
افترّ ثغرها عن ابتسامة عذبة تدفق الكون فيها فأحالها زهرة متفتحة في غير أوانها .
- وهل رأيت المختبئ خلف جداري ؟
العشاق وحدهم يعرفون معنى صراخ الحواس إلى الحنين المفتقد ، قال ذلك ثم أطرق رأسه ولكنه واصل الحديث :
- الشيء المفتقد ، الذي يمضي ولا يعود ، غالباً يعذبنا بما لا طاقة لنا به ، يزرع في تكويناتنا النفسية فراغاً من التلون والعذاب، ويصيب خطوط القلب والعاطفة بالجراح العميقة.
بسط الفرح جناحيه على المكان بعد سماع هذه الكلمات ، صافحت العيون انحسار الغضب وتناغم الوداعة مع لحظات العشق التي أخذت تحل مكانه ، وكان صوت أم كلثوم ما يزال يصدح منعشاً الفؤاد ، فتسللت يد عبد الله زحفاً على الطاولة تبحث عن يد فلك ، ولما عثرت عليها اشتبكت الأصابع في الوقت الذي هبت فيه موجة من النسائم الطائبة شكلت المشاعر تبعاً لخصوصية الحالة.



#حبيب_هنا (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شهادة ابداعية


المزيد.....




- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...
- لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر ...
- بوغدانوف للبرهان: -مجلس السيادة السوداني- هو السلطة الشرعية ...
- مارسيل خليفة في بيت الفلسفة.. أوبرا لـ-جدارية درويش-
- أدونيس: الابداع يوحد البشر والقدماء كانوا أكثر حداثة
- نيكول كيدمان تصبح أول أسترالية تُمنح جائزة -إنجاز الحياة- من ...
- روحي فتوح: منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطي ...
- طرد السفير ووزير الثقافة الإيطالي من معرض تونس الدولي للكتاب ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حبيب هنا - ما زال المسيح مصلوباً