بلعمري اسماعيل
الحوار المتمدن-العدد: 3565 - 2011 / 12 / 3 - 19:21
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
في الوقت الذي يغلي فيه الشارع العربي في أكثر من قطر على ءامتداد أشهر متواصلة شغلت فيها الرأي العام العالمي و العربي على حد سواء عن أحداث كثيرة أخرى, لم ينتبه الكثير من المراقبين الذين تنبأ أغلبهم غداة الاءطاحة با لرئيس التونسي بن علي, ءانطلاقا من معطيات موضوعية تارة و نوازع ذاتية تارة أخرى, باءنتقال عدوى الاءضطربات ءالى دول بذاتها دون غيرها, جرى تحديدها بوضوح و جلاء, و أكثر من ذلك جرى ترتيبها زمنيا وفق معطيات أطنب الكثير منهم في شرحها.
و يذكر الجميع أن دولا عديدة لم ترد على قائمة هؤلاء لأسباب مختلفة, و للأمانة فهي أيضا لم ترد على خاطر أغلب الملاحظين, بينها فاجأت على الأقل دولتين الجميع بثوران براكينها الخامدة بما يستدعي ءاعادة قراءة الوقائع التي تلت ذلك بشكل أكثر عمقا و جدية.
فسوريا كما ليبيا لم تردا على قائمة أغلب المحللين المتنبئين الذين استبعدوا الدولتين من مصير تونس و مصر على الأقل في الوقت الراهن, فسوريا دولة أمنية متينة جرى تعبئة شعبها على مدار عقود متلاحقة ضد عدو خارجي متربص على و زن حنبعل على الباب, بينما ليبيا دولة ثرية ذات مجتمع بدوي منغلق لم يكن يبدي فيما مضى سخطا كبيرا لجوهر واقعه الاءجتماعي و السياسي.
و على خلاف سوريا و ليبيا أدرجت دول كالمغرب و الجزائر ضمن أكثر الدول قابلية لاءنتقال العدوى ءاليها و روجت لذلك فضائيات و وسائل ءاعلام عربية بصيغة التحريض في أحيان كثيرة, مستدلة بالتشابه الكبير بين مجتمعات الدول الثائرة على حكامها و مجتمعات هذه الدول, و التي كثيرا ما يتم عن عمد ءاغفال الفوارق الأساسية التي تميزها عن غيرها من دول المشرق و الخليج العربيين, و هي فوارق جوهرية متعلقة بالهوى و الهوية لا يمكن حتى للفظ العربي التي ألصقت بالمغرب أن يحجبها.
فاءذا ثارت المجتمعات في مصرو سوريا و اليمن و البحرين على حكامها و كذلك تونس المعرّبة بالكامل بحيث تعد ءاستثناءا الدولة الوحيدة في المنطقة المغاربية التي لا يوجد بها ناطقين بالأمازيغية, فمنطق الأشياء كان يقضي بالنسبة لهؤلاء أن تثور المجتمعات المشابهة لها و التي تعيش ظروفا سياسية و ءاجتماعية مماثلة ءالى حد ما, و أكثر من ذلك مدفوعة باءغراء تحقيق ءانجازات كالتي تحققت في أغلب الدول المنتفضة.
و قبل الحديث عن المفاجأة الجزائرية ينبغي تذكير المتمسكين بالرأي القائل بأن الاءنتفاضة في الجزائر مسألة وقت بحقيقة مهمة يمكن ءاستخلاصها من سير الأحداث في المنطقة,وهي ملا حظة لا يعذر أغفالها لأي ملاحظ جدير بهذه الصفة.
فكل الاءنتفاضات التي ءاندلعت في المنطقة سواءا التي خمدت أو أخمدت أو تلك المستمرة ءالى الآن شبّت في الفترة الممتدة من يناير ءالى فبراير و لم تسجل أي ءانتفاضة خارج هذا المجال الزمني ما عدا بعض الحركات المعزولة و المحدودة في الأردن و السعودية, أي أن تلك الحركات قد قامت في فترة ذروة الحماس الثوري الذي تملك شباب بعض المجتمعات المشترك في الاءحساس بالاءنتماء ءالى مجال ثقافي و وجداني واحد, و هذا طبيعي في دول كمصر و سوريا و اليمن و دولة معرّبة و ممشّرقة بالكامل كتونس, و لكن ينبغي التوقف بحذر عند الحالة الجزائرية لاءعتبارات موضوعية متعلقة أساسا بسيكولوجية الفرد الجزائري الذي لا يبدي تماما أي شعور بالاءنتماء ءالى الفضاء العربي بالرغم من الجهد الخرافي الذي بذل و يبذل في المنظومة التعليمية لمسخ الهوية الفعلية لعموم الشعب الجزائري و طمس التراث الأصيل لصالح الوافد ,و الذي وصل في وقت مضى ءالى حد منع التسمي بالأسماء الأمازيغية في ءاطار السعي المرضي الذي ميّز حكام البلاد في فترة ما من تاريخ الجزائر الحديث لاءلحاقها قسرا بالفضاء العربي المشرقي بصيغة التابع لا الند, ءاعتقادا خاطأ بأن ذلك يوفر للبلد فضاءا أسريا تحكمه روح التضامن و التكافل, و بالتأكيد ساهمت المخازي العربية التي فضحتها مؤامرات الأشقاء ضد بعضهم البعض علي مر التاريخ لكن بصفة خاصة في فترة الجيل الحالي في نفور الجزائري من أيّة رغبة في الاءنتساب ءالى فضاء لا يشعر أصلا لأسباب نفسية تكوينية و ثقافية بالاءنتماء ءاليه, و هو ما يفسر التعاطي البارد للجزائريين مع ما يجري في المنطقة العربية اللّهم ءالا من جهة الفضول الذي يبديه البعض من الأحداث هنا و هناك, و لقد روجت بعض الصحف الجزائرية المعّربة و المفرّنسة لحملة يقودها بعض الشباب على الاءنترنت تحت شعار أخطونا يا عرب أي أغربوا عنا, و هي حملة حققت و تحقق أرقاما قياسية في عدد المشتركين و الزوار الذين لا يبدون أيّة عنصرية مقيتة ءازاء ءاخوانهم العرب بل مجرد رغبة كانت دوما كامنة في المجتمع الجزائري في التخلص من المسخ المقنع الذي فرض عليه الاءنتساب ءالى هذا الفضاء العربي الغريب عنه.
و فيما اشتعلت نار الاءنتفاضات في بعض الدول العربية في بداية هذا العام بما يسمى بالربيع العربي, ينبغي التذكير أنه قبل ثلاثين عاما تامة شهدت الجزائر حتى قبل أغلب دول شرق أوروبا الربيع الأمازيغي الذي كسر طابو المسألة الأمازيغية و أخرجها من سراديب السرية ءالى فسحة النضال المكشوف, بما يكشف أن أزمة الهوية كانت و هي اليوم الوحيدة القادرة على تحريك الشارع الجزائري و هو ما ينبغي أن ينتبه ءاليه حكام البلاد باءستجابة الكاملة ءالى التطلعات المشروعة للشعب الجزائري في تحقيق مصالحة صادقة مع هويته المغيّبة و دون ما تأخير, و هي في كل الأحوال لا تمت بصلة لطبيعة الأحداث التي تزلزل بعض دول المنطقة, فاللعرب ربيعهم اليوم كما كان للأمازيغ ربيع بالأمس و في ءاختلاف الربيعين ءاخلاف الدوافع و ءاختلاف جوهر المدفوع.
#بلعمري_اسماعيل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟