أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فكرى عبد المطلب - التحريفات الوهابية لعلوم التوحيد الإلهى والحديث النبوى .. قراءة فى المناهضات الوهابية لمناهج النقل والعقل لدى السلف المسلم















المزيد.....



التحريفات الوهابية لعلوم التوحيد الإلهى والحديث النبوى .. قراءة فى المناهضات الوهابية لمناهج النقل والعقل لدى السلف المسلم


فكرى عبد المطلب

الحوار المتمدن-العدد: 3563 - 2011 / 12 / 1 - 16:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


مداخل :
لعلها ، واحدة ، من أكثر المفارقات العقائدية ، درامية ، فى الزمان الإسلامى ، المعاصر ، حينما تصير معارف أهل النقل ، والتقليد ، التراثيين ، هى المادة المغذية ، وهى – كذلك – المادة المخالفة لعقيدة " الإنشقاق الوهابية " ، فى آن (!) .
ذلك أن ، دعاة العقيدة الوهابية – فى طورها الراهن – يسعون – دوماً – لإظهار حرصهم الشديد ، على أمر هذين التراثين الباذخين – باسم : الإنتماء إلى أهل السلف – ثم يعيدون تفكيك أسسهما المستقرة ، وقواعدهما المتواترة ، باسم : العمل على إصلاحهما (!) .
وها هنا ، يتوهم التقليدون ، من عامة المسلمين ، ودعاتهم ، أن أولئك الوهابيين ، هم الأمناء الفعليون ، على دينهم ، بينما يلتبس أمر هذا الإصلاح ، على العقلانيين ، والمستنيرين ، من هذا العموم ، ومثقفيه (!) .
وبذا ، أضحى هؤلاء الوهابيون ، دعاة تقليد ، ودعاة إصلاح ، عند هؤلاء وأولئك ، وإن تململ ذات الفريقين ، من صخب الخطاب الوهابى ، حيناً ، وأحياناً ، فيرميه هذا الطرف – تارة – بالتطرف ويرميه الآخر – تارة – بالجمود ، على الرغم من أن مثل هذه الأوصاف ، تقف على طرفى نقيض ، من أهل التقليد ، والنقل ، كما تقف على نفس المسافة ، من أهل الإصلاح ، والإستنارة (!) .
لكن ، هكذا ذهبت الألفاظ ، وانزلقت التوصيفات ، تجاه هذا اللون ، من العقائد الزئبقية ، أو كما يبدو – من على بعد – لهؤلاء التقليدون ، وأولئك العقلانيون ، على الرغم مما يؤكده ظاهر العقيدة الوهابية ، وباطنها ، من مفارقة صارخة ، لأصول التوحيد الإسلامية ، على نحو ما ترسخ لدى جل الفرق والجماعات ، والمذاهب ، المعلومة ، لدى الدارسين ، والباحثين(!) . وهو ما أفضى بالعقيدة الوهابية لمناؤة الإيمان السائد ، لدى أبناء تلك المذاهب ، والفرق ، وإخراجهم – جملة – من الإسلام ، بغية استمالتهم – عنوة – إلى إيمان مغاير ، وتوحيد مُفارق ، يقومان على تجسيم الذات الإلهية ، بكل ما يعنيه ذلك من تشبيهات مادية صريحة ، بين الخالق ومخلوقاته (!) .
بيد أن ردود الأفعال الصادرة ، عن أبناء هذه الفرق ، وتلك الفرق ، لم يكن على المستوى المتوقع ، منهم ، وعلى نحو ما سبقه إليهم السلف الكريم ، تجاه هذا اللون من الأفعال الوهابية الشنيعة ، من هؤلاء وأولئك ، مواقف هى أقرب إلى الطوابع الدفاعية منها إلى الهجومية ، وكأنهم فى موضع ، من يلتمس الأعذار ، لتوحيده الأصيل ، فى مواجهة تشكيكات الوهابية ، ومطاعنها ، بهم ، والتى هى – فى الواقع – محض توهمات ، يصطنعها أبناء هذه الفرق وتلك المذاهب ، اصطناعاً ، فينزلقون إلى هذا الضرب المؤلم ، من ضروب الدفاع المتهافتة ، ولا يجدون فى مقابل بغى التشهير الوهابى ، بإيمانهم ، سوى عدداً من الألفاظ الممعوجة ، وذلك من قبيل : التطرف ، والغلو ، كى يدمغوا بها ، هذا اللون من التشهيرات المستقبحة ، بل لعلهم يلجئون – حيناً ، وأحياناً – لشرع أبواب الحوار ، والتفاهم ، مع هؤلاء الوهابيون ، بدعوى هدايتهم ، إلى الطريق القويم (!) .
ومع أن الإخفاق ، هو النتيجة الدائمة ، لهذا اللون من النوايا الحسنة ، إلا أن العديد ، من دعاة ، وشيوخ هذه الفرق ، وتلك المذاهب ، يواصلون إياه ، دونما تململ ، بدافع المسئولية الإسلامية ، لكنهم – فى الواقع – يتجاهلون ، أو يتناسون ، وربما يجهلون – وهو الأرجح – مناقضة عقيدة الطائفة الوهابية لعقيدة الفرق الإسلامية ، جملة وتفصيلاً .
لذا ، تصبح مهمة تسليط الأضواء ، على الفرضيتين القائلتين ، بالطبيعة النقلية ، والطبيعة الإصلاحية ، للعقيدة الوهابية ، ضرورة واجبة ، بغية البرهنة عليهما ، من عدمه ، واللذان يمثلان – بالطبع – عمادا المحوران الأساسيان ، لهذا البحث ، وذلك عبر واحدة من القراءات النقدية ، للمفهومات الوهابية ، من ناحية ، وللمفهومات الإسلامية ، النقلية والإصلاحية ، من ناحية أخرى .
1 – فى الطبيعة النقلية ، للعقيدة الوهابية :
فى معرض تشهيره ، بالدعوة إلى تنقية " كتب الحديث " النبوى ، من (الإسرائيليات) ، الواردة بها ،قى مطالع سبعينات القرن العشرين اعتبر رئيس جمعية أنصار السنة المحمدية فى مصر ، تلك الدعوة ، طعناً فى أحاديث ..... الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، واستهزاءاً بها ، بل ومعارضاً لتحكيم العقل ، فى أمر تلك المرويات ، واصفاً ذلك بأنه محض مؤامرة يهودية ، تتولى تنفيذها فى مصر " عصابة من أخلاط الناس الذين لم يدرسوا شيئاً من الكتاب والسنة (!) " . وهو ما حدا برئيس هذه الجمعية ، لممارسة أكبر عملية تحريض للسلطات الرسمية ، فى مصر ، على مؤلف كتاب : الأضواء القرآنية فى اكتساح الأحاديث الإسرائيلية ، بغية مصادرته ، والتى أدت إلى تقدم عشرين نائباً ، بمجلس الشعب ، بطلبات إحاطة ، لوزير شئون الأزهر ، حول هذا الكتاب، مطالبة بمحاسبة المسئولين الأزهريين الداعمين له ، بل وإدخال المدعى العام الاشتراكى ، طرفاً فى القضية ، حيث وجه إليه هؤلاء النواب ، العديد من البلاغات ، لأجل التحقيق فيما زعموه من تمويل مريب ، لهذا الكتاب ، وهو ما رحبت به مجلة هذه الجمعية ، معربة عن شكرها وتأييدها لهذا اللون من الدعم السياسى ، لحملتها ، والتى وسعت الجمعية نطاقها ، من خلال انخراط العديد من عناصرها ، فيها ، حيث فتحت مجلة الجمعية صفحاتها لهم،بغية إجهاض أية دعوة مشابهة ، لـتطهير كتب الحديث ، مـن الإسرائيليات ، الواردة بها .
وهكذا ، بدا الفرع الوهابى ، العامل فى مصر ، باسم : جمعية أنصار السنة ، هو الحافظ لمأثورات " أهل النقل " ، ومناهجهم ، ولاسيما فى أمر السنن المروية ، عن النبى (صلى الله عليه وسلم) ، فى كتب الحديث ، التى لا يأتيها باطلاً ، ولو حفلت بإسرائيلاتها المستهجنة ، من السلف البعيد ، والخلف القريب ، من علماء الأزهر وشيوخه الكرام (!) .
فهل كان أتباع العقيدة الوهابية أوفياء – حقاً – وإلى اليوم ، لهذا اللون من التراث النقلى ؟! الواقع ، أن الشائع ، فى هذا المضمار ، يقع فى باب التوهم الصريح ، على ضوء ما يسلكه أقطاب الوهابية المعاصرة ، من ممارسات شائنة ، بحسب ما ذهب إليه المعاصرون ، من أتباع مدرسة : أهل النقل ، كمحمود سعيد ممدوح ، فى كتابه : تنبيه المسلم إلى تعدى الألبانى على صحيح مسلم ، وهذا الألبانى ، ليس إلا أن أحد كبار دهاقنة العقيدة الوهابية المعاصرة ، بطبيعة الحال .
وفى هذا ، يأخذ المؤلف ، على ذلك الألبانى ، الخفة ، والتسرع ، فى التقليل من شأن العديد من الأحاديث النبوية ، الواردة فى صحيح مسلم " فتكلم عنها بما يؤكد خطأه ويثبت خروجه على ما قرره العلماء من صحتها وتلقيها بالقبول المفيد للعلم (!) " .
ويضيف : " وكلامه – أى كلام الألبانى – يدعو إلى التشكيك فى صحيح الإمام مسلم ، وفيه من الإغراب والمخالفة والتعقيب على المتقدمين (من سلف علماء الحديث) ما يوهم المغترين به (أى بالألبانى) أنه استدرك (أى صحح) على الأئمة المتقدمين كالبخارى ومسلم فضلاً عن المتأخرين (من علماء الحديث) " .
(ويبرهن مؤلف : تنبيه المسلم ، على ذلك بإبراد العديد من مسالك الألبانى ، كما وردت فى كتابه : " آداب الزفاف " (ص 62 من الطبعة الرابعة) ، حيث ضعَّف حديث الإمام مسلم الذى رواه من حديث عمر بن حمزة العمرى : حدثنا عبد الرحمن بن سعد قال : سمعت أبا سعيد الخدرى يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة ، الرجل يفضى إلى امرأته وتفضى إليه ثم ينشر سرها " ، ثم ذكر حكمه فى فهرس الكتاب بطريقة الإعلان والتشهير فكتب (ص 203) ما نصه : " حديث ضعيف فى صحيح مسلم " . على نحو ما أوضح المؤلف .
ومع ذلك أورد الألبانى نفس الحديث – للأسف – كما يقول المؤلف – فى ضعيف الجامع الصغير (2/192) ، ثم علق عليه فى الحاشية بما نصه : " وهذا الحديث من الأحاديث القليلة التى تكلم عليها العلماء مما فى صحيح مسلم " وهو ما جعل المؤلف يتساءل عن ماهية العلماء الذين عناهم هذا الألبانى ، متحدياً إياه بالقول : " عليه يبين من هم هؤلاء ، إن استطاع ؟! وهيهات ، فإنه لم يسبق بحكمه المذكور ، ومفهوم كلامه أن هناك أحاديث ضعيفة أخرى فى صحيح مسلم !! على نحو ما ذكر المؤلف ، ويضيف : " وجدته يقول على ما رواه مسلم فى صحيحه (3/1555) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تذبحوا إلا مسنة .. " الحديث : " وكان الأحرى به أن يُحشر فى زمرة الأحاديث الضعيفة " انظر سلسلته الضعيفة (1/91) ، وكذا ، وبعد حديث ابن عباس الذى أخرجه مسلم (2/627) : أن النبى صلى الله عليه وسلم صلى فى كسوف ثمانى ركعات فى أربع سجدات " ، حيث قال الألبانى ، فى إرواء الغليل (3/129) ما نصه : " ضعيف وإن أخرجه مسلم ، ومن ذُكر معه وغيرهم " وهو ما دفع المؤلف لوصف مسلك الألبانى ، فى هذا الصدد ، بأنه " لغو وغلط ، وصل به إلى غاية البعد والشطط ، فانظر – رحمنى الله وإياك – هل وجدت رجلاً يتكلم على الصحيح بهذه الطريقة ولا يعبأ بإخراج الحديث فى صحيح مسلم ؟ " .
ثم أوراد فى سلسلته الضعيفة (2/326) حديث مسلم الذى رواه فى صحيحه (3/1601) من طريق عمر بن حمزة : أخبرنى أبو غطفان المرى أنه سمع أبا هريرة يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يشربن أحد منكم قائماً ، فمن نسى فليستقىء " ، وقال عنه " منكر بهذا اللفظ " .
كما أورد فى سلسلته الضعيفة أيضاً (2/406) حديث مسلم الذى رواه فى صحيحه (1/272) من حديث أم كلثوم : عن عائشة زوج النبى صلى الله عليه وسلم قالت : إن رجلاً سأل النبى صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل .. الحديث . ثم حكم عليه الألبانى بالضعف فقال عنه : " ضعيف مرفوعاً " ، بينما أورد فى صحيحته (2/110) الحديث الذى رواه مسلم فى صحيحه (4/2198) من طريق مطر الوراق : حدثنى قتادة ، عن مطرف بن عبد الله بن الشخير ، عن عياض بن حمار أن النبى صلى الله عليه وسلم خطبهم فقال : " إن الله أوحى إلى أن تواضعوا .. " الحديث ، ثم ضعف الألبانى سنده فقال ما نصه : " وهذا إيناد رجاله ثقات ، ولكن له علتان ، عنعنة قتادة وسوء حفظ مطر الوراق " .
وعلى نفس النحو ، أورد الألبانى – كما يقول المؤلف – فى صحيحته (4/254) الحديث الذى رواه مسلم فى صحيحه (4/2023) : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن رجلاً قال: والله لا يغفر الله لفلان .. " الحديث ، فضعف الألبانى سنده بحجة أن فيه سويد بن سعيد وأنه عندما خرج حديث مسلم الذى رواه فى صحيحه (4/2095) : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله ليرضى عن العبد أن يأكل الأكلة فيحمده عليها ، أو يشرب الشربة فيحمده عليها " عقب على ذلك الحديث فى إرواء الغليل (7/47) فقال : " رجاله كلهم ثقات إلا أن زكريا هذا مدلس كما قال أبو داود وغيره ، وقد عنعنه عند الجميع .. إلخ " ، وكذا حديث جابر الذى أخرجه مسلم (2/622) : أن النبى صلى الله عليه وسلم لما كسفت الشمس أصلى ست ركعات بأربع سجدات ، حيث حكم عليه بالشذوذ كما فى إرواء الغليل (3/129) .
كما حكم على كل سند فى صحيح مسلم رواه أبو الزبير المكى عن جابر معنعناً بالضعف بحجة أن أبا الزبير مدلس لم يصرح بالسماع ، فضعف بذلك خمسة وثلاثين سنداً فى صحيح الإمام مسلم ، وهذه والله مصيبة وإنا لله وإنا إليه راجعون . على نحو ما ذهب المؤلف متهكماً ، ومستدعياً بيت الشاعر :
أمور يضحك السفهاء منها ويبكى من عواقبها الليب
ويضيف قائلاً : " لم يكتف (الألبانى) بالتعدى على ما رواه أبو الزبير عن جابر فقط بل يضعف كل ما يرويه أبو الزبير غير مصرح بالسماع ، كما ستجد مثالين لذلك (ص44-46) مع تفنيد دعواه .
ثم أساء إلى نفسه – أى الألبانى – وحاد عن سبيل أهل العلم فقال فى صحيحته (3/394) "والحديث فى صحيح مسلم (6/114) من طريق سفيان بن عيينة عن أبى الزبير عن جابر به دون قوله : " فإن الشيطان يرصد .. " وبهذا تعمدت إخراجه من طريق ابن حيان والبيهقى ، ولما فى رواية الثانى منهما من تصريح أبى الزبير بالتحديث ، فاتصل السند وزالت شبهة العنعنة الواردة فى رواية مسلم ، على أن هذا قد شد من عضدها بأن ساق الحديث من طريق الأعمش عن أبى سفيان عن جابر به نحوه " انتهى كلام الألبانى .
بيد أن المؤلف يشير إلى أن أهل العلم عزو الحديث لمسلم ثم عزو الزيادة لمن أخرجها ، لكنه – أى الألبانى – أساء إلى نفسه وتجنب العزو لمسلم لوجود عنعنة أبى الزبير ، فشنع على الصحيح ، وتابع خصوم السنة بدون أن يدرى (!) .
كما ضعف جماعة من الرواة المخرج لهم فى الصحيح ، ولم يفرق بين حديثهم فى الصحيح أو خارجه ، فعمر بن حمزة ، وبشير بن المهاجر ، وسويد بن سعيد ، ومطر الوراق ، وعياض بن عبد الله الفهرى .. وغيرهم أسانيدهم فى صحيح مسلم ضعيفة !! وهو ما عبر المؤلف عن استهجانه له .
وأوضح ما يعنيه قائلاً : " وإذا جاء راوِ فى سند صحيح مسلم ، وهذا الراوى اتهم بالتدليس " فإن الألبانى يسارع بتضعف " سند الحديث مباشرة ما لم يصرح ذلك الراوى بالسماح ، وتجد أمثلة لذلك مع قتادة بن دعامة (صحيحته 2/110) ، وزكريا بن أبى زائدة (إرواء الغليل 7/47) ، وحبيب بن أبى ثابت (إرواء الغليل 3/129) ، ويرى الناظر أنه الألبانى ، فى هذا ، ساوى " بين صحيح مسلم – الذى يحوى أصح الصحيح – وبين أى كتاب آخر يحوى الصحيح والحسن والضعيف بأنواعه ، كسنن ابن ماجه ومعاجم الطبرانى " .
ويضيف قائلاً : " ومن العجيب المدهش أنه – أى الألبانى – لا يسلك مسلكاً واحداً فى كتبه ، فيخالف نفسه كثيراً ، ويتخبط تخبطاً معيباً ، فينما تراه يسلك الطريق المتقدم ، يقول على إحدى الروايات : " يكفيها توثيقاً رواية مسلم لها " (صحيحته 4/56) .
وأعجب من هذا – وهو الناظر فى أسانيد الصحيحين – يقول على حديث التربة : " ويكفى فى صحة الحديث أن ابن معين رواه ولم يعله بشىء " .
إلا أن المؤلف وجد فى ثنايا هذا التنبيه كثيراً من هذا التناقض ، موضحاً أنه لم يقصد من وراء " هذا التنبيه " التشهير بشخص الألبانى ، ولكن أردت بيان خطأ المنهج الذى يسكنه وأنه مردود ، وهو بهذا المنهج قد خالف الإجماع ، وأتى بمنكر من القول (!) " .
أما مخالفته للإجماع – كما يقول المؤلف " فإن الأمة اتفقت على صحة ما فى مسلم من الأحاديث وأنها تفيد العلم النظرى ، سوى أحرف يسيرة معروفة وهى صحيحة لكنها لا تفيد العلم " ، كما أن تعدى الألبانى يرجع " إلى هذا الأحاديث المتفق على صحتها المفيدة للعلم ومن هنا كان مخالفاً للإجماع " .
" أما كونه أتى بمنكر من القول ، فإنه من المعروف – عند كل لبيب وبليد – أن أحاديث الصحيحين لما كانت صحيحة فالكلام على أسانيدها صحة وضعفاً وأخذاً ورداً عبث لا فائدة فيه ، وعمل لا قيمة له ، وتدخل فيما لا يعنى ، كيف لا وقد انتهى هذا العمل منذ زمن بعيد " فترى الحفاظ رحمهم الله تعالى إذا غزو الحديث لأحد الصحيحين كان هذا كافياً للحكم على الحديث بالصحة ، فلا تراهم يبحثون فى أسانيدها ، ولكن الألبانى – عافانى الله وإياه – يضرب بإجماع الأمة وصنيع حفاظها عرض الحائط ، فيتدخل فى شىء قد انتهى منه واتفق على صحته منذ قرون بعيدة ، وتدخله ينتج عنه أوهام وأخطاء – ولابد – فيحكم على الأحاديث بطريقة غير لائقة ويقول : رواه البخارى وهو صحيح ، ورواه مسلم وهو حسن لأن فيه فلاناً أو فيه فلان وهو مدلس ، لكن له شاهداً يقويه ، وإن لم يجد الشاهد كان ضعيفاً عنده كما سترى إن شاء الله تعالى " .
وهكذا يصحح (الألبانى) ويحسس ويضعف كيفما يشاء ضارباً بما ذكرت عرض الحائط ، وإن هذا لعمل شائن غير مقبول ، منكر لا يتابع عليه ، بل ينبغى أن يرد ، ويرد الحق إلى مكانه ، ويقابل المتعدى بمقامع البراهين والحجج خاصة من العلماء ، فأنى لرجل فى القرن الخامس عشر أن يتطاول على ما صححه أهل القرون الفاضلة ، وقد جفت الصحف ، ورفعت الأقلام عن أحاديث الصحيحين ، وإلا كانت الأمة باتفاقها على صحة الصحيح قد ضلت عن سواء السبيل " .
ويضيف المؤلف قائلاً : " وقد رأيت أن السكوت على هذا التعدى غير مقبول ، ويلحق العارف به الإثم ، لذلك كتبت هذا " التنبيه " أدفع به – بعون الله وتعالى – كل تعديه على "صحيح مسلم" وقد سميته : " تنبيه المسلم إلى تعدى الألبانى على صحيح مسلم " ورتبته على مقدمة وقسمين " .
وتحت عنوان : فى بيان إفادة أحاديث الصحيحين للعلم وخطأ الناظر فى أسانيدهما ومخالفته للإجماع ، يقول المؤلف فى موضع آخر من كتابه : " تقرر عند علماء الحديث وغيرهم أن أحاديث الصحيحين كلها صحيحة وأن الأمة تلقتها بالقبول فأفادت العلم النظرى " ، مستشهد "بما ذكره الحافظ ابن الصلاح فى شرح مسلم (ص85) ونقله الإمام النووى عنه مقراً له ومؤيداً (1/19) : " جميع ما حكم مسلم بصحته فى هذا الكتاب فهو مقطوع بصحته ، والعلم النظرى حاصل بصحته فى نفس الأمر ، وهكذا ما حكم البخارى بصحته فى كتابه ، وذلك لأن الأمة تلقت ذلك بالقبول ، سوى من لا يعتد بخلافه ورفاقه فى الإجماع " .
كما يستشهد المؤلف ، بمقولة أخرى للحافظ ابن صلاح ، حيث يقول فى علوم الحديث (ص41-42) : " أعلاها – أى أعلى أقسام الصحيح – هو الذى يقول فيه أهل الحديث كثيراً، صحيح متفق عليه ، يطلقون ذلك ويعنون به اتفاق البخارى ومسلم لا اتفاق الأمة عليه لكن اتفاق الأمة عليه لازم من ذلك وحاصل معه لاتفاق الأمة على تلقى ما اتفقنا عليه بالقبول ، وهذا القسم مقطوع بصحته ، والعلم اليقينى النظرى واقع به ، خلافاً لقول من نفى ذلك محتجاً بأنه لا يفيد فى أصله إلا الظن وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن ، والظن قد يخطئ .
وقد كنت أميل إلى هذا ، وأحسبه قوياً ، ثم بان لى أن المذهب الذى اخترناه أولاً هو الصحيح لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطىء ، والأمة فى إجماعها معصومة من الخطأ " .
ثم قال الحافظ بعد كلام ما نصه : " وهذه نكتة نفيسة نافعة ، ومن فوائدها القول بأن ما انفرد به البخارى ومسلم مندرج فى قبيل ما يقطع صحته لتلقى الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول ".
كما ينقل المؤلف عن شيخ الإسلام سراج الدين البلقينى فى محاسن الاصطلاح (ص101) : ان هذا مذهب جماعات من الأصوليين والفقهاء ثم قال ما نصه : " وأهل الحديث قاطبة ومذهب السلف عامة أنهم يقطعون بالحديث الذى تلقته الأمة بالقبول " أ هـ ، وهو الإجماع الذى نقله أيضاً – كما يقول المؤلف – الحافظ ابن طاهر المقدسى ، قال الحافظ فى النكت على ابن الصلاح (1/380) : " وسبق ابن طاهر إلى القول بذلك جماعة من المحدثين كأبى بكر الجوزقى ، وأبى عبد الله الحميدى بل نقله ابن تيمية عن أهل الحديث قاطبة " أ هـ . وكذا ما حكاه الحافظ أبو نصر الوائلى السجزى قال : " أجمع أهل العلم الفقهاء وغيرهم على أن رجلاً لو حلف بالطلاق أن جميع ما فى كتاب البخارى مما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم قد صحح عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاله لا شك فيه أنه لا يحنث والمرأة بحالها فى حيالته " أ هـ . علوم الحديث (ص38/39) .
وقال نحوه إمام الحرمين فيما حكاه عنه ابن الصلاح " (مقدمة شرح مسلم للنووى 1/19) . كما قال الحافظ السخاوى فى شرح الألفية (1/50) : " واقضع بصحة لما قد أسندا) أى أن الذى أورده البخارى ومسلم مجتمعين ومنفردين بإسناديهما المتصل ، دون ما سيأتى استثناؤه من المنتقد والتعاليق وشبههما ، مقطوع بصحته ، لتلقى الأمة المعصومة فى إجماعها ، عن الخطأ كما وصفها صلى الله عليه وسلم بقوله : " لا تجتمع أمتى على ضلالة " لذلك بالقبول من حيث الصحة ، وكذا العمل ما لم يمنع منه نسخ أو تخصيص أو نحوهما ، وتلقى الأمة للخبر المنحط عن درجة المتواتر بالقبول يوجب العلم النظرى .
(كذا له) أى لابن الصلاح – كما يقول المؤلف – حيث صرح باختياره له والحرم بأنه هو الصحيح وإلا فقد سبقه إلى القول بذلك فى الخبر المتلقى بالقبول الجمهور من المحدثين والأصوليين ، بل وكذا غير واحد فى الصحيحين ، ولفظ الإسناد أبى إسحاق الإسفرائينى : "أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التى اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بصحة أصولها ومتونها " أ هـ .
كما ينقل المؤلف عن الحافظ العلانى قوله : " الأمة اتفقت على أن كل ما أسنده البخارى ومسلم فى كتابيهما الصحيحين ، فهو صحيح لا ينظر فيه " أ هـ ، انظر كلامه فى النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح (ل 2/2) . وهى تقول – كما يقول المؤلف- كثيرة يطول ذكرها ، ومن رغب المزيد فعليه بكتاب " مكانة الصحيحين " لفضيلة الشيخ خليل ملا خاطر .
ذلك أن مقصود المؤلف هو : " إثبات أن أحاديث الصحيحين مجتمعين أو منفردين تفيد العلم النظرى لأن الأمة تلقتها بالقبول وحصل الإجماع على صحة ما فيهما ، وعليه فالنظر فى أسانيدهما من الخطأ البيّن .
أما " إذا كان قد تقرر عند المحدثين أن الحديث يحكم له بالصحة إذا تلقاه الناس بالقبول وعملوا به وإن لم يكن له إسناد صحيح ، وعند ذلك فلا يبحث عن إسناده ، ويجب العمل به ، وكم من حديث عمل به تحت القاعدة المذكورة ، فما بالك بالأحاديث التى ذُكر – وهو الحق – أنها أصح الصحيح " على حد تعبير المؤلف .
لذا ، يشدد المؤلف – مجدداً – على أن النظر فى أسانيد أحاديث الصحيحين مجتمعين أو منفردين خطأ ، وذلك من وجوه أربعة :
الأول : النظر فى أسانيدهما طعن فى الأمة التى تلقت أحاديثهما بالقبول .
الثانى : وهو مخالف للإجماع الذى نقله جماعة من الحفاظ وغيرهم .
الثالث : النظر فى أسانيدهما فيه تهوين لأمرهما ، لأنه كما هو معلوم أن السند الذى يُنظر فيه هو السند المحتمل للصحة أو الحسن أو الضعف بأنواعه فدل الألبانى بتعديه أنه لا يعتبر أحاديث صحيح مسلم صحيحة كلها ، بل كل سند فيه يقبل الأخذ والرد ويمكن أن يصحح أو يضعف حسبما يُرى ، وهذا بلاشك تهوين عظيم لأمر صحيح مسلم .
ويستند المؤلف فى ذلك إلى قول علامة الهند ولى الله الدهلوى : " أما الصحيحان فقد اتفق المحدثون على ان جميع ما فيهما من المتصل المرفوع صحيح بالقطع ، وأنهما متواتران إلى مصنفيهما ، وأنه كل من يهون من أمرهما فهو مبتدع متبع غير سبيل المؤمنين " أ هـ . (حجة الله البالغة 1/283) .
ومثله فى الحطة (ص55) للسيد صديق حسن خان القنوجى ، وفى مقدمة السراج الوهاج له (ص19) .
الرابع : إن هذا العمل يفتح عينا باباً عظيماً قد يصعب سده فيخرج علينا بعض الناس ويتبع طريقة الألبانى المردودة فى النظر فى أسانيد الصحيحين بدعوى الاجتهاد وترك التقليد واتباع السنة الصحيحة ، والبعض الآخر قد يدخل هذا الباب بدعوى نصرة مذهبه ، والبعض الآخر يدخل بنية أخرى .. وهكذا .
وعند ذلك يكثر منهم ظهور الجهل الفاضح والأوهام والأخطاء وتحدث فوضى عظيمة قد يصعب السيطرة عليها ، فهو بعمله هذا لا يدرى أنه يهاجم السنة بمعول قوى ويفتح باباً لأعداء السنة للهجوم على أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى " ، وهو ما حمل مؤلف كتاب : تنبيه المسلم ، لوصف مسالك الألبانى ، وتقويماته ، لأسانيد صحيح البخارى ومسلم ، بـ "الجهل الفاضح" ، أو كما يقول المؤلف : " والناظر فى أسانيد الصحيحين أبان عن جهل فاضح لأن صاحب الصحيح – أى الألبانى – لم يودع فى كتابه كل ما وقف عليه من طرق الحديث ، بل إنه انتقى من محفوظاته بعض طرق الأحاديث التى أدخلها فى الصحيح .
فيأتى هذا الناظر المتعدى ويقول : هذا الحديث ضعيف لأن فيه مدنساً لم يُصرح بالسماع ، أو فى سنده فلاناً فهو ضعيف ، ويظهر بذلك جهله ، لأن صاحب الصحيح قد يخرج الطريق المتكلم فيه لحاجة عنده ، لكنه صحيح لديه ، أو قد يعرض عن بيان سماع المدلس مكتفياً بسماعه عنده فى طريق آخر " .
وفى هذا يشير المؤلف إلى أن حفاظ الحديث قد اتخذوا مسالك متعددة فى هذا الأمر ، منهم :
1 – الحافظ المتقن أبو بكر الحازمى الذى قال : " قد يكون الحديث عند البخارى ثابتاً وله طرق أخرى بعضها أرفع من بعض ، غير أنه يحيد أحياناً عن الطريق الأصح لنزوله ، أو يسأم تكرار الطرق إلى غير ذلك من الأعذار ، وقد صرح مسلم بنحو ذلك " ا هـ (شروط الأئمة ص60) .
2 – أما تصريح مسلم بذلك فإنه قال : " إنما أدخلت من حديث أسباط بن نصر ، وقطن وأحمد ما قد رواه الثقات عن شيوخهم ، إلا إنه ربما وقع إلى عنهم بارتفاع ، ويكون عندى من رواية (من هو) أوثق منهم بنزول ، فأقتصر على ذلك ، وأصل الحديث معروف من رواية الثقات " اهـ .
3 – وأشار إلى ذلك الحفاظ ابن الصلاح فى مقدمته (ص26) والنووى فى مقدمة شرح مسلم (1/15) ، وابن رجب الحنبلى فى شرح العلل (ص479) .
4 – ولابن حبان كلمة غالية تمثل عمل المحدثين فى ذلك الباب ، وهى قاصمة لكل من يتقول ويتدخل وينظر فى أسانيد الصحيح .
كما قال الإمام الحافظ ابن حبان فى مقدمة صحيحه (1/123) : " فإذا صح عندى خبر من رواية مدلس أنه بين السماع فيه ، لا أبالى ان أذكره من غير بيان السماع فى خبره بعد صحته عندى من طريق آخره ، انتهى كلام ابن حبان جزاء الله خيراً ورحمه .
وفى فصل آخر ، من كتابه ، يقول المؤلف : " اشتهر عن الإمام النووى رحمه الله تعالى أنه خالف ابن الصلاح فى مسألة إفادة أحاديث الصحيحين للعلم ، وخلافه محصور فى إفادة حديث الصحيحين أو أحدهما للعلم فقط ، فهو يرى صحة أحاديثهما ، وأن النظر فى أسانيدهما ممنوع ، وأن الأمة تلقت أحاديثهما بالقبول ، فقال فى شرح مسلم (1/20) : " أحاديث الصحيحين التى ليست بمتواترة إنما تفيد الظن فإنها أحاد ، والأحاد إنما تفيد الظن على ما تقرر ، ولا فرق بين البخارى ومسلم وغيرهما من ذلك ، وتلقى الأمة بالقبول إنما أفادنا وجوب العمل بما فيهما ، وهذا متفق عليه ، ثم قال بعد كلام : " وإنما يفترق الصحيحان وغيرهما من الكتب فى كون ما فيهما صحيحاً لا يحتاج إلى النظر فيه بل يجب العمل به مطلقاً " أهـ ، وقال قبله (1/14) : " اتفق العلماء رحمهم الله على أن أصح الكتب بعد القرآن العزيز الصحيحان البخارى ومسلم وتلقتهما الأمة بالقبول " أهـ ، وقال فى تهذيب الأسماء (1/73) : " أجمعت الأمة على صحة هذين الكتابين " اهـ ، وعليه فالإمام النووى رحمه الله تعالى يرى :
1 – أن الأمة تلقت أحاديث الصحيحين بالقبول . 2 – يجب العمل بما فيهما . 3 – أنهما أصح الكتب بعد القرآن العظيم . 4 – لا يحتاج للنظر فى أسانيدهما . 5 – أنها تفيد الظن ما لم تتواتر . بينما مر عن ابن الصلاح القول : أن ظن المعصوم يفيد العلم النظرى وأنه الصواب ، ونصره الحافظ فى " النكت " (1/374) ، والسيوطى فى التدريب (1/132) ونقلاه عن جماعات من المحققين .
وفى فصل تالى ، يذكر المؤلف أن الحُفاظ استثنوا من إفادة الحديث الصحيحين – مجتمعة أو منفردة – العلم النظرى مواضع معروفة انتقدها الحفاظ خاصة الدارقطنى رحمه الله تعالى فى تتبعاته ، وزاد الحافظ فى شرح النخبة ما وقع التجاذب بين مدلوليه فقال (ص9) : " ما لم يقع التجاذب بين مدلوليه بما وقع فى الكتابين حيث لا ترجيح لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم بصدقهما من غير ترجيح لأحدهما على الآخر ، وهذا الذى ذكره الحفاظ لم يقع للألبانى فى تعديه على صحيح مسلم " كما أوضح المؤلف .
ذلك أن " ما توهمه الألبانى من هذا الباب أجاب عنه السادة العلماء رحمهم الله تعالى وجزاهم خيراً ، وبسطوا الكلام وتوسعوا فيه ، وصنفوا فيه المصنفات النافعة ، بحيث لم يبق لمتقول قول ، ولكن ربما يذهب عدم الاطلاع أو عدم النشاط أحياناً أو التدخل فيما لا يعنى يصاحبه أحياناً إلى ما لا يحمد عقباه ، ونسأل الله تعالى العافية " .
" أما عن تتبعات الحافظ الدارقطنى – كما يقول المؤلف – فقد أجيب عنها ، كالإمام النووى فى شرح مسلم ، حيث يقول " قد استدرك جماعة على البخارى ومسلم أحاديث أخلا فيها بشرطهما ، ونزلت عن درجة ما التزماه وقد ألف الدارقطنى فى ذلك ، ولأبى مسعود الدمشقى أيضاً عليهما استدراك ، ولأبى على الغسانى فى العلل من التقييد استدراك عليهما وقد أجيب عن ذلك أو أكثره " أهـ ، كما قال الحافظ فى مقدمة الفتح (ص346) : " وقوله (أى النووى) فى شرح مسلم وقد أجيب عن ذلك أو أكثره هو الصواب فإن منها ما الجواب عنه غير منتهض " أهـ .
لذا " فالناظر فى انتقادات الدارقطنى لمسلم رحمه الله تعالى يجدها ترجع إلى السند أو المتن ، أما انتقاداته للسند فإن أصاب فى بعضها فهى لا تعل المتن الذى جاء صحيحاً ، ربما فى صحيح مسلم نفيه ، أو فى غيره ، والدارقطنى نفسه لم يقصد إعلال المتن بل تكلم على سند معين فقط ، وإعلال سند واحد لا يمنع من صحة الحديث عنده ، وعذر مسلم فى إخراج هذا السند هو كونه فى المتابعات أو ليلفت النظر إلى علته أو أنه صح عنده خارج الصحيح ثم أورده فى الصحيح بسند آخر طلباً للعلو فيكون من باب الانتقاء الذى عرف به ، أما انتقاداته للمتن فهى فى عشرة أحاديث فقط بعضها غير قادح ، والآحر يدور حول اختلاف الوصل والإرسال ، أو اختلاف الرفع والوقف أو نحو ذلك من زيادة الراوى الثقة ، والقاعدة فى هذا معروفة والصواب مع مسلم " .
" وقد أجاب النووى رحمه الله تعالى وجزاء الله خيراً عن هذه الأحاديث جواباً إجمالياً فى مقدمة شرحه وتفصيلياً فى أثناء شرحه ، ولأحد المدرسين بالجامعة الإسلامية كتاب فى هذا الباب أجاد فيه وإن اغتر أحياناً بكلام الدارقطنى ، وعليه فقول الإمام النووى – ومعناه الحافظ- : " وقد أجيب عن ذلك أو أكثره " متوجه إلى الأسانيد التى لا تعل المتن والله تعالى أعلم ، وعليه فانتقادات الدارقطنى لبعض الأحاديث لا تخرجها عن كونها صحيحة ، وليس الخبر كالمعاينة ، كما أن انتقادات الدارقطنى – أمير المؤمنين فى الحديث – على الصحيح لم تسلم له وقاومه جمع من الحفاظ . قال الحافظ السيوطى فى ألفيته :
وانتقدوا عليهما يسيرا فكم ترى نحوهما نصيرا
فما بالك بمن يأتى فى عصرنا – على كثرة من الأوهام والتناقضات – يريد أن يشتغل بالتصحيح والتضعيف لأسانيد الصحيحين إيجاباً وسلباً ؟ فمثل من يناطح الصحيح يصدق عليه قول الشاعر :
كناطح صخرة يوماً ليوهنها فلم يضرها وأوهى قرنه الوعل
وأضاف المؤلف قائلاً : " وما أحسن ما قاله العلامة أحمد شاكر فى تعليقاته على مختصر علوم الحديث لابن كثير (ص35) : " الحق الذى لا مرية فيه عند أهل العلم بالحديث من المحققين ، وممن اهتدى بهديهم ، وتبعهم على بصيرة من الأمر : أن أحاديث الصحيحين صحيحة كلها ، ليس فى واحد منها مطعن أو ضعف ، وإنما انتقد الدارقطنى وغيره من الحفاظ بعض الأحاديث ، على معنى أن ما انتقدوه لم يبلغ فى الصحة الدرجة العليا التى التزمها كل واحد منهما فى كتابه ، وأما صحة الحديث نفسه ، فلم يخالف أحد فيها ، فلا يهولنك إرجاب المرجفين ، وزعم الزاعمين ، أن فى الصحيحين أحاديث غير صحيحة ، وتتبع الأحاديث التى تكلموا فيها وأنقدها على القواعد الدقيقة التى سار عليها أئمة أهل العلم ، وأحكم عن بينة ، والله الهادى إلى سواء السبيل " .
وها هنا يخلص المؤلف فى فصل تال ، من كتابه ، إلى أن هذا الألبانى قد " خالف الإجماع ، لأن انتقاداته للصحيح وقعت خارج المواصع التى استثناها الحفاظ " من أحاديث الصحيحين والتى تفيد العلم " ذلك أن تعديات الألبانى – كما يقول المؤلف – ترجع إلى أمرين :
الأول : تضعيفه لما رواه مسلم فى صحيحه من طريق ابن الزبير المكى عن جابر بن عبد الله رضى الله عنهما غير مصرح بالسماع ، بدعوى أن أبا الزبير مدلس .
الثانى : تضعيفه لبعض أحاديث وأسانيد وألفاظ حكم عليها بالنكارة أو الشذوذ وقعت فى الصحيح .
أما عن الأول ، فإن الدارقطنى رحمه الله تعالى لم يعل فى التتبعات ما رواه أبو الزبير عن جابر غير مصرح بالسماع ، بل العكس هو الصحيح ، فإنه ألزم مسلماً بإخراج أحاديث لم يخرجها فى صحيحه بهذه الترجمة ، قال الدارقطنى : " وترك أيضاً أحاديث من رواية الثقات عن أبى الزبير عن جابر وأحاديث من رواية ابن جريح والثورى وغيرهما وهذا من رسمه " وأجاب الحافظ أبو مسعود الدمشقى بما نصه : " وأما حديث أبى الزبير عن جابر فلا أعلم ترك له حديثاً واحداً من رواية الأثبات ابن جريح وغيره إلا أخرجه إلا حديثاً مطولاً أو حديثاً أخرجه من طريق أخرى من غير حديث جابر استغنى عنه " أهـ ، من جواب الحافظ أبى مسعود الدمشقى على الداقطنى ، فهذان حافظان جليلان لهما عناية زائدة بالصحيحين يلزمان مسلماً بإخراج ترجمة أبى الزبير عن جابر غاضين الطرف عن تدليس أبى الزبير بل إن الكلام أبى مسعود الدمشقى مشعر بتقوية هذه الترجمة ، نعم ذكر الدارقطنى فى التتبعات (ص420) حديث : " مُهل أهل العراق " موقوفاً وأعل رفعه فى مسلم بأبى الزبير ، لكنه صرح فى مسلم بالسماع ، فيكون إعلال الدارقطنى سببه مخالفة أبى الزبير المكى لبعضهم فى رفعه الحديث فقط ، ومنه يعلم أن ترجمة أبى الزبير المكى عن جابر – صرح بالسماع أو لم يصرح – فى الصحيح مما تلقته الأمة بالقبول الذى يفيد العلم النظرى لأنه خارج عن الأحرف اليسيرة التى انتقدها بعض الحفاظ والله أعلم ، لذلك عندما ترجم الحافظ العلائى لأبى الزبير المكى فى جامع التحصيل (ص126) لم يستطع أن يخالف الإجماع فقال : " وكأن مسلماً رحمه الله أطلع على أنها مما رواه الليث عنه وإن لم يروها من طريقه والله أعلم " ، وذكر مثله تماماً سبط ابن العجمى فى التبيين لأسماء المدلسين ، ويزاد عليهما أو يكون أبو الزبير قد صرح بالسماع أو توسع خارج الصحيح كما سيأتى إن شاء الله تعالى نماذج من ذلك ، هذا إن صحت الدعوى القائلة بتدليس أبى الزبير ، حيث إنها لم تصح كما سيأتى إن شاء الله تعالى . وأما عن الأمر الثانى ، فهو داخل فيها لم ينتقد من أحاديث الصحيحين ، فاحكم – أخى القارىء- بعد ذلك بما تراه والله المستعان " .
ثم يأتى المؤلف ، فى فصل تال ، ليقف على " كلام الألبانى ذكره فى مقدمة شرح الطحاوية (ص14-15) " وهو كلام – كما يقول المؤلف – يحتاج لتوضيح ما فيه من أخطاء وتعد ، وإن مشى فى أوله على الطريقة القويمة ، إذ قال الألبانى : " والصحيحان هم أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى باتفاق علماء المسلمين من المحدثين وغيرهم فقد امتازا على غيرهما من كتب السنة بتفردهما بجمع أصح الأحاديث الصحيحة ، وطرح الأحاديث الضعيفة والمتون المنكرة، على قواعد متينة ، وشروط دقيقة ، وقد وفقوا فى ذلك توفيقاً بالغاً لم يوفق إليه من بعدهم ممن نحا نحوهم فى جمع الصحيح ، كابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم ، وغيرهم حتى صار عرفاً عاماً أن الحديث إذا أخرجه الشيخان أو أحدهما فقد جاوز القنطرة ودخل فى طريق الصحة والسلامة ، ولاريب فى ذلك ، وأنه هو الأصل عندنا " ، ويا ليته وقف عند هذا الحد واتبعه ، وكلامه يطلب منه نبذ تعديه على الصحيح وحكمه بالنكارة أو الشذوذ على بعض الألفاظ ، وقد أبلغ فى الرد على نفسه ، لكنه استدرك أو تناقض فقال : " وليس معنى ذلك أن كل حرف أو لفظة أو كلمة فى الصحيحين هو بمنزلة ما فى القرآن لا يمكن أن يكون فيه وهم أو خطأ فى شىء من ذلك من بعض الرواة ، كلا فلسنا نعتقد العصمة لكتاب بعد كتاب الله تعالى أصلاً ، فقد قال الإمام الشافعى وغيره : " أبى الله أن يتم إلا كتابه ، ولا يمكن أن يدعى ذلك أحد من أهل العلم ممن درسوا الكتابين دراسة تفهم وتدبر مع نبذ التعصب ، وفى حدود القواعد العلمية الحديثة " .
وكلامه احتوى على مخالفتين :
الأولى : من المعروف عند المحدثين وغيرهم أن أحاديث الصحيحين تلقتها الأمة بالقبول ، ولذلك كانت صحيحة ، لأن الأمة معصومة من الخطأ ، وهذا التلقى بالقبول خاص بما لم ينتقده الحفاظ ، وأن هذا الانتقاد لا يخرج هذه الأحاديث المنتقدة عن الصحة غالباً ، هذا ما قرره الأئمة الحفاظ وغيرهم من الفقهاء والأصوليين وقد مر ذكره (ص9) ، لكن الألبانى فى كلامه خطورة كبيرة حيث إنه أطلق الأمر ، وجعل لأى مدع الحق فى الحكم على أحاديث الصحيحين بما يراه فى حدود " القواعد العلمية الحديثة " وهنا تناقض آخر منه لأن القواعد العلمية الحديثة تقرر عكس ما يقوله تماماً فهى مشرقة وهو مغرب وشتان بين مشرق ومغرب، فالقواعد العلمية الحديثة تقرر أن أحاديث الصحيحين صحيحة جداً ولا يجوز النظر فى أسانيدها سوى أحرف يسيرة معروفة تكلم عليها بعض الحفاظ كالدارقطنى، فلابد أن يقيد الألبانى كلامه بهذا القيد الهام جداً الذى إن تعداه – وقد حصل – يكون قد خالف الإجماع وحكم على الأمة بأنها غير معصومة وقد اجتمعت على خطأ ، والله الهادى للصواب . ثم أتى الألبانى بمثال يوضح ما توهمه ويظهر للقارىء خطأ منهجه فقال : " فهذا مثلاً حديثهما الذى أخرجاه بإسنادهما عن ابن عباس : " أن النبى صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم" فإن من المقطوع به أنه صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو غير محرم ، ثبت ذلك عن ميمونة نفسها ، ولذلك قال العلامة المحقق محمد بن عبد الهادى فى تنقيح التحقيق (2/104/1) وقد ذكر حديث ابن عباس : " وقد عُد هذا من الغلطات التى وقعت فى الصحيح وميمونة أخبرت أن هذا ما وقع والإنسان أعرف بحال نفسه " .
وفى هذا يقول المؤلف ، إن " المثال الذى أتى به الألبانى عليه لا له ، فإنه من الأحاديث المشهورة التى وقع التجاذب بين مدلوليها ، ومثلها لا تفيد العلم لاستحالة أن يفيد المتناقضان العلم وقد تكلم العلماء على هذا الحديث واختلفوا فيه منذ القرن الأول وانظر الفتح (9/165) ونصب الراية (3/170 – 174) ونيل الأوطار (5/17 – 19) لترى ذلك ، فالألبانى أطلق فى موضع التقييد وهو خطأ فادح .
على أن الجمع بين ما جاء من أنه صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو محرم وبين نفيها رضى الله عنها ذلك قال به جمع من العلماء ، والجمع أولى من غيره وهو سبيل أهل العناية والورع ، وممن أجاد فى هذا المقام الإمام الحفاظ ابن حبان البستى حيث قال : " وليس فى هذه الأخبار تعارض ، ولا أن ابن عباس وهم ، لأنه أحفظ وأعلم من غيره ، ولكن عندى أن معنى قوله : تزوج وهو محرم ، أى داخل فى الحرم ، كما يقال : أنجد وانهم إذا دخل نجداً وتهامة ، وذلك أن النبى صلى الله عليه وسلم عزم على الخروج إلى مكة فى عمرة القضاء ، فبعث من المدينة أبا رافع ورجلاً من الأنصار إلى مكة ليخطبا ميمونة له ثم خرج وأحرم ، فلما دخل مكة طاف وسمى وحل من عمرته وتزوج بها وأقام بمكة ثلاثاً ، ثم سأله أهل مكة الخروج فخرج حتى بلغ سرف فبنى فيها وهما حلالان ، فحكى ابن عباس نفس العقد وحكت ميمونة عن نفسها القصة على وجهها ، وهكذا أخبر أبو رابع وكان الرسول بينهما فدل ذلك – مه نهيه عليه السلام عن نكاح المحرم وإنكاحه – على صحة ما ادعيناه " . انتهى من نصب الراية (3/173) .
لذا " فكان يجب على الألبانى أن يذهب إلى هذا المذهب القوى دفاعاً عن الصحيحين لا أن يتخذ هذا الحديث قنطرة للكلام على أسانيد الصحيحين حسبنا يراه ، ولا يقتصر على نقل كلام ابن عبد الهادى وإن كان ابن عبد الهادى قد ضعف القول بأن هذا من غلطات الصحيح ، كما يفهم من قوله " عُد " بالبناء للمجهول فتأمل .
الثانية : قول الألبانى : " فلسنا نعتقد العصمة لكتاب بعد كتاب الله أصلاً " :
وهذه والله سقطة شنيعة ، فمن المعلوم أن القرآن كلام الله عز وجل غير مخلوق ، وكلام الله صفة من صفاته ، فكيف يعتقد من يدعى السلفية العصمة لصفة من صفات الله تعالى عما يقولون علواً كبيراً ، وهذا كلام لا يقوله إلا معتزلى يؤمن بخلق القرآن ، ونظيره قوله : " والعصمة لله وحده " انظر صحيحته (4/429) ، ومقدمة الطحاوية (ص27) ، ومقدمة رياض الصالحين صفحة (س) ، فأثبت عصمة وهى تقتضى عاصماً ومعصوماً منه ، وبقوله : " وحده " يكون قد نفى العصمة عن الأنبياء والمرسلين ، بالإضافة إلى إثباته صفة الله عز وجل بدون توقيف وصفات الله توقيفية ، وهى لفظة فى نهاية السقوط والبطلان ، ولو صدرت من مخالف له وتنبه لها لا تهمه بطامات ولعده من أهل البدع والأهواء ، ولكننى لا أحكم على عباد الله عز وجل بهذه الفظائع ، والمقصود أنه غفل غفلة شديدة ، وهو لا يعذر هنا بجهله ، والله أعلم " .
وفى رده على تعدى الألبانى على رواية أبى الزبير عن جابر فى صحيح مسلم ، يقول المؤلف : " ضعف الألبانى ما رواه أبو الزبير المكى غير مصرح بالسماع عن جابر فى صحيح مسلم بدعوى تدليس أبى الزبير ، وينبغى ذكر كل ما ضعفه الألبانى وبيان خطته ، وقبل ذلك بحسن إيراد بعض الفوائد الهامة فى فصول " أى فى جملة من البيانات الإيضاحية ، أو لها أن : " أبو الزبير المكى هو محمد بن مسلم بن تدرس المكى مولى حكيم بن عزام الحافظ المكثر ، الثقة المتقن ، روى عن العبادلة الأربعة وعن عائشة وجابر وأبى الطفيل وجماعة من التابعين ، وروى عنه خطاء والزهرى وابن جريج وحماد بن سلمة ومالك والليث وغيرهم ، وثقة غير واحد منهم ابن معين والعجلى والنسائى ، وقال أحمد : قد احتمله الناس وقال الذهبى فى الميزان : هو من أئمة العلم ، اعتمده مسلم ، وروى له البخارى متابعة (الميزان 4/37) ، ومن تكلم فيه فعلى قسمين :
الأول : من تكلم فيه بكلام مردود كاتهامه بإساءة الصلاة أو التطفيف فى الميزان ونحو ذلك ، وهذا جرح مردود كما بينه ابن حبان فى الثقات (5/351) .
ثانيهاً : " أن هناك عقبات تقف أمام المتجرى ، على أحاديث الصحيحين كافية لردع من تسول له نفسه الدخول فيما لا يعنيه ، منها المستخرجات ، ذلك أن الأمة اهتمت بالصحيح غاية الاهتمام ومن أثار هذا الاهتمام المستخرجات ، والمستخرجات على صحيح مسلم كثيرة زادت على عشرة مستخرجات ، وهذا يدل على العناية العظيمة ، والاهتمام الجسيم بهذا الصحيح ، هذا غير المستخرجات التى على الصحيحين معاً ، ومن تطلبها فعليه بالرسالة المتطرفة (ص26-30) لشيخ مشايخنا السيد محمد بن جعفر الكتانى رحمه الله تعالى ، وهذه المستخرجات لها فوائد هامة :
منها تصريح المدلس بالسماع ، ولم يكن قد صرح فى الصحيح ، قال الحافظ فى النكت (1/322) عند ذكر فوائد المستخرجات : " الثانية : ما يقع فيها من حديث المدلسين بتصريح السماع ، وهى فى الصحيح بالعنعنة ، فقد قدمنا أنا نعلم فى الجملة أن الشيخين اطلعا على أنه مما سمعه المدلس من شيخه ، لكن ليس اليقين كالاحتمال ، فوجود ذلك فى المستخرج ينفى أحد الاحتمالين" ، وعليه فمن أراد أن يخوض هذه الأمواج العالية ، فليعرف أنه ضعيف لا طاقة له بها ، فليقف بعيداً ، وليسلم لأرباب الحفظ والاطلاع ، وليعلم أنه ركب الصعب والذلول ، وأمامه عقبات لا يمكن أن يتسورها ، ففضلاً عن مخالفته لإجماع الأمة وتلقيها لأحاديث الصحيحين بالقبول ، وتوهين أمر صاحب الصحيح بالاستدراك عليه فى أمر ظاهر واضح لا يكاد أن يخفى على طلبة الحديث فضلاً عن الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله تعالى وجزاه عن الإسلام خيراً " .
فإذا كان الأمر كذلك " فعلى الألبانى أن يبين لنا هل اطلع على هذه المستخرجات ؟ وإن كان قد اطلع عليها ، فهل وجد أحاديث أبى الزبير عن جابر التى ضعفها بناء على نظره فى الأسانيد ، مروية فى المستخرجات بدون تصريح أبى الزبير بالسماع ؟ وهذا لا طاقة له به ، إذ كيف يطلع على كل هذه المستخرجات ، فغالب هذه المستخرجات غير موجود بين أيدينا ، ولعلها فقدت ، فمستخرج أبى عوانة على مسلم المطبوع منه غير كامل لنقص أصله المخطوط ، ويوجد بعض قطع من مستخرج أبى نعيم الأصبهانى على مسلم ، قطعة منه بالظاهرية ، وربما توجد بعض المستخرجات الأخرى بين ثنايا المخطوطات والله أعلم ، بل إن الألبانى الذى يضعف أحاديث صحيح مسلم ، لا يطلع أحياناً على مستخرج أبى عوانة المطبوع المتداول ، ودليل ذلك أنه حكم على حديث : " لا تذبحوا إلا مُسنة " بالضعف ، وعلته أن أبا الزبير مدلس ورواه بالعنعنة عن عابر ، فتطاول على هذا الحديث الشريف ، وعلى صحيح مسلم ، وعلى إجماع الأمة وقال عن هذا الحديث فى الضعيفة (1/91) : " وكان الأحرى به أن يحشر فى زمرة الأحاديث الضعيفة " . والحديث المذكور رواه أبو عوانة فى صحيحه (5/227) من حديث محمد بن بكر عن ابن جريج حدثنى أبو الزبير أنه سمع جابراً يقول : وذكر الحديث ، فصرح أبو الزبير بالسماع ، والحمد لله رب العالمين ، وسيأتى مزيد فى الكلام عليه إن شاء الله تعالى ، والمقصود بيان أن الألبانى قصر فى الإطلاع على المطبوع المتداول من المستخرجات فأوقعه ذلك فى خطأ كبير ، فما بالك بالمستخرجات المخطوطة وغالباً أو كلها – عدا مستخرج أبى نعيم – مجهول المكان ، داعياً المسلم من هذه الدعاوى ومنبهاً إياه إلى أن كل من يحاول تضعيف حديث فى الصحيح قد جانبه الصواب ، وكفاك إشباع حفاظ الأمة للصحيحين ثناءاً وإجلالاً ، وقد أمرنا أن ننزل الناس منازلهم
فاعن به ولا تخض بالظن ولا تقلدن غير أهل الفن
وفى فصل آخر ، يقول المؤلف : " عندما يريد الألبانى تضعيف حديث مسلم من رواية أبى الزبير المكى غير مصرح بالسماع ، عن جابر أو غيره ، يستشهد بكلام للحافظ الذهبى ذكره فى ميزان الاعتدال فى ترجمة أبى الزبير المكى (4/39) ، قال الذهبى رحمه الله تعالى ما نصه : " وفى صحيح مسلم عدة أحاديث مما لم يوضح فيها أبو الزبير السماع عن جابر ، وهى من غير طريق الليث عنه ، ففى القلب منها شىء ، من ذلك : حديث لا يحل لأحد حمل السلاح بمكة ، وحديث رأى عليه الصلاة والسلام امرأة فأعجبته فأتى أهله زينب ، وحديث النهى عن تخصيص القبور وغير ذلك " ، وكلام الحافظ الذهبى يحتاج لتوضيح يظهر فى الوجه الآتية :
الأول : قوله : " لم يوضح فيها السماع ففى القلب منها شىء ، لا يلزم من قول الذهبى : " فى القلب منها شىء " تضعيف هذه الأحاديث ، فإن هذه اللفظة يذكرها المحدثون عند التردد أو التوقف فى الحديث ، وهذه طريقة ابن خزيمة يورد الحديث فى صحيحه ثم يقول وفى القلب منه شىء ، فالذى يعتبر أن هذا تضعيف يكون قد أخطأ ، فالذهبى رحمه الله تعالى لم يحكم على الأحاديث المذكورة بالضعف – كما فعل الألبانى – بل تردد فى الحكم عليها بالصحة أو توقف لما يعلم من مكانة الصحيح ، فشتان – إذاً - بين فعل الحافظ الذهبى وبين استدلال أو استشهاد الألبانى ، والحق يقال إن كلام الذهبى دليل على الألبانى لا له ، لأن الذهبى رحمه الله تعالى اتبع طريقة أهل الحديث فى التسليم بصحة أحاديث الصحيحين رغم إن فى قلبه شيئاً من الأحاديث المذكورة ، فلم يتجرأ ويحكم على الحديث ، بل أبان عن غُصة فقط ، وإن كان الأولى عدم الدخول فى هذه المسالك ، بعد اتفاق الأمة على تلقى الكتاب بالقول ، فلو أعمل الألبانى النظر لما استشهد بقول الذهبى ، ولعلم أنه استند إلى بيت من بيوت العنكبوت ، وقريب منه ما ذكره الذهبى فى ترجمة خالد بن مخلد القطوانى (الميزان 1/641) فإنه أورد حديث : " من عادى لى ولياً .. " الحديث المخرج فى صحيح البخارى ثم قال : " فهذا حديث غريب جداً ، لولا هيبة الجامع الصحيح لعدوه من منكرات خالد بن مخلد " ، وهو توقف من الذهبى إن لم يكن موافقة على التصحيح مع غصة ، وعلى كل هو يدل على إكبار الذهبى للصحيح " .
لكن الألبانى – كما يقول المؤلف – لم يهب الجامع الصحيح فقال فى صحيحته (4/184) على الحديث المذكور : " وهذا إسناد ضعيف " فانظر إلى الفارق بين الصنيعين ، وإلى تعدى الألبانى على الصحيحين " .
الثانى : أما عن هذه الأحاديث الثلاثة التى ذكرها الذهبى :
فالحديث الأول : له شواهد كثيرة وانظر (ص77) .
والحديث الثانى : صرح أبو الزبير بالسماع فى المسند وانظر (ص80) ، وسيأتى الكلام عليهما وغيرهما مفصلاً إن شاء الله تعالى .
والحديث الثالث : صرح أبو الزبير بالسماع فى نفس صحيح مسلم (2/667) ، فإن الإمام مسلماً رحمه الله تعالى روى الحديث أولاً عن حفص بن غياث عن ابن جريج عن أبى الزبير عن جابر قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يجصص القبر " الحديث : ثم أردفه بمتابعة له : عن حجاج بن محمد وعبد الرازق عن ابن جريج قال : أخبرنى أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : سمعت النبى صلى الله عليه وسلم بمثله ، وهذا وهم ظاهر من الذهبى رحمه الله تعالى ، ولعله أراد أن يأتى بما يناسب الترجمة ، فإننى رأيت له أحاديث كثيرة فى تلخيص المستدرك من رواية أبى الزبير عن جابر بالعنعنة وصححها ، بل إن الذهبى فى رده على ابن القطان السجلماسى رقم 64 عندما وجده يضعف حديثاً رواه أبو الزبير عن جابر غير مصرح بالسماع أغلظ عليه القول وقال له : " زدت فى النكارة " فهل لازال الألبانى بعد هذه الحجة الدامغة يستشهد بكلام الذهبى .
" لكن والحق يقال ان الذهبى لم يكن موفقاً فى هذه الترجمة وأدل دليل على ذلك أنه يقول فى نفسه شىء على أحاديث صرح أبو الزبير بالسماع فى أحدها فى نفس صحيح مسلم وهى غفلة منه بلاشك " .
وتحت عنوان : " تنبيه " ، يقول المؤلف : " ضعف الألبانى سند حديث البخارى " من عادى لى ولياً .. " الحديث بسبب وجود خالد بن مخلد القطوانى كما فى صحيحته (4/184) ، وعجبى لا ينقضى من هذا الصنيع والتعدى على البخارى وجامعه الصحيح ، وهاك الآتى : خالد القطوانى ثقة مكثر احتج به الجماعة ، ومن تكلم فيه فلتشيعه وهذا لا يضر ، أو لمنكرات رواها ، وخالد كان مكثراً ، وعدوه من الحفاظ (تذكرة الحفاظ 1/406) ، والمكثر يقع منه بعض ما يتفرد به أو ينكر عليه ، ولم يشترطوا العصمة من الخطأ حتى يكون الراوى ثقة . ثم المنكسرات التى وقعت من خالد تتبعها ابن عدى فى " كامله " (3/904 – 907) وجلها من جهة السند فقط ، وهو ما يقع للحافظ المكثر أمثال القطرانى ، وبقى أن تعلم أن خالداً من أشهر شيوخ البخارى ، فإذا كان له بعض ما أنكر عليه فلابد أن البخارى استبعدها من صحيحه ، وهو ما نص عليه الحفاظ فى مقدمة الفتح (ص400) .
فلا أدرى هل الألبانى أعلم وأدرى بالبخارى من شيوخه الذين يخرج لهم فى الجامع الصحيح؟ أم ماذا ؟! " .
ويضيف المؤلف قائلاً : " وليعلم الناظر أن الحديث ليس قواعد صماء ، ولكنه يحتاج للنظر كثيراً ، وأن يتهم الإنسان نفسه عشرات المرات قبل أن يُقدم على مخالفة المتقدمين ، فما بالك بالذى يقدم على تضعيف ما صححته الأمة واحتجت به منذ قرون طويلة ، ولا يستطيع الألبانى رد ما فى الفصول السابقة بل يجب عليه التسليم والتراجع عن منهجه المخالف وإلا اتسع عليه الخرق ، ونسأل الله لنا وله الهداية والتوفيق " .
2 – فى الطبيعة الإصلاحية للعقيدة الوهابية :
إذا كانت الممارسات التحريفية ، لكبار دعاة الوهابية ، فى أمر التراث النقلى – ولاسيما فى كتب الحديث – هى الأصل ، على نحو ما اتضح ، سلفاً ، فعن أية إصلاحيات متوهمة ، هى إذاً ؟
إن المدعو : ناصر الألبانى ، يزعم – مجدداً – فى إحدى كتبه ( ) ، أن العقيدة الوهابية ، تقوم على " إحياء الفكر الإسلامى الحر فى حدود القواعد الإسلامية وإزالة الجمود الفكرى " ، وهو ادعاء ، يخالف الممارسات الفعلية لهذا الألبانى ، ولنظرائه من دهاقنة الوهابية ،وأتباعهم ، حيث المطاعن جاهزة ، يوجهونها لكل من يخالف دعاويهم ، من أهل المذاهب الإسلامية ، وذلك من قبيل : ضال ،مبتدع ، مشرك ، جهيمى ، عدو السنة والتوحيد ، إلى آخر هذا الضرب من الشاتم العقائدية المقنعة ، التى تدخل – بطبيعة الحال – فى زمرة الترهيب ، والترويع الذى هو أحد أشهر وسائل البطش الاستبدادى ، لكل مغتصب سلطة ، باسم الله ، أو باسم الأمة (!) ، وهم – أى الوهابيون – يشرعون هذا الاغتصاب ، لكونهم " الفرقة الناجية " من فرق المسلمين استناداً الى حديث نبوى منتحل (!) ، بما يشيع الذعر ، فى نفوس البسطاء ، من عامة المسلمين ، فيظنون أن عدم تلقى دعاوى الوهابية ، سيجعلهم خارج صفوف تلك الفرقة الناجية ، وهماً .
لذا ، مارس وهابيو اليوم ، نفس مسالك سلفهم ، الاستبدادية ، كالمدعو : البريهاوى ، الذى كفّر ، كل من خالف حرفاً واحداً ، من كتاب له ، أصدره تحت عنوان تدليسى ، هو : شرح السنة ، بعدما شبه محتواه ، بالنص القرآنى (!) ، حيث يقول ، فى ص61 ، من كتابه ، هذا : " فإنه من استحلّ شيئاً ما فى هذا الكتاب فإنه ليس بدين الله بدين ، وقد رده كله ، كما لو أن عبداً آمن بجميع ما قال الله تبارك وتعالى إلا أنه شك فى حرف (من هذا الكتاب) فقد رد جميع ما قال الله تعالى وهو كافر (!) " .
وبهذا اللون ، من الاستبداد العقائدى المتجبر ، فى البعيد ، وفى القريب ، جاء السفور الوهابى، طاغياً ، فى ممارساته المناهضة لمناهج التأويل الروحى والعقلى ، التى استنها السلف المسلم وخلقهم ، كعلوم الفقه وأصوله ، وعلوم الكلام وحقائقه ، وذلك لأجل إضاءة الوعى العام ، بمقاصد النص القرآنى ، وغاياته ، والتى جاءت – أى هذه العلوم – وليدة فضيلة عظمى ، من فضائل السلف المسلم ، ألا وهى : فضيلة الحوار ، الحر ، والجدل العقلانى الرصين ، بينما لايزال وهابيو اليوم ، يتبعون سلفهم السقيم ، كهذا البريهاوى ، الذى يحرص أتباعه على مناهضة هذا اللون من الحوار الثرى ، وذاك الجدل الفنى ، بوصفه أساس الزندقة، والبدعة ، والكفر ، إلى آخر هذا النمط من المطاعن المخيفة ، وذلك لأجل اخضاع جمهرة المسلمين ، لمقتضيات عقيدة الوهابية الفاسقة ، أو كما يقول هذا البريهاوى ، فى موضع آخر ، من نفس كتابه " فعليك بالتسليم والرضى وأهل الآثار (...) والكف والسكوت " (ص92) ، وذلك بالرغم من أن كلام البريهاوى ، هذا ،يقع فى أمر الجدل ،والكلام ، لكن البريهاوى يدرج كلامه ، فى باب اليقين ، الذى لا يأتيه الباطل ، من بين يديه ، ولا من خلفه(!) ، وهو ذات المسلك ، الذى يسلكه الكهنوت اليهودى ، والكنسى ، ممثلاً فى أحبارهم، وحاخاماتهم ، وأساقفهم ، وبهذا يحيل الوهابيون ، أنفسهم ، إلى كهنوت آخر ، متجبر ، على عقول ونفوس المسلمين ، وهم – أى الوهابيون – فى مسلكهم ، هذا ، يرمون أتباع المذاهب والفرق الإسلامية المختلفة ، بهذه النقيصة ، بغية استمالتهم إلى عقيدتهم الإستبدادية ، فيزعمون أنها هى " العقيدة الصحيحة " ( !) ، ومن لا يتبعها فهم المقلدون لأئمة وفقهاء السلف، إلى حد التقديس ، مشبهين إياهم بأتباع الأحبار والكهنة ، اليهود والكنسيين (!) .
والواقع ، فإن حالات التعصب المذهبى ، والجمود الفكرى ،والخفة الروحية ، التى كانت قد صبغت حياة المسلمين ، منذ الأمس القريب ، قد أتاحت فرصاً واسعة ، لأولئك الوهابيون ، للتشنيع بكل علم فقهى ، وكل توجه صوفى ، وإظهار أنفسهم ، فى صورة " الإصلاحيين " ، الغيوريين على أمر الإسلام (!) ، تحت شعار فضفاض ، ومتناقض فى الآن ذاته ، والقائل بـ : العودة إلى الإسلام النقى ، كما كانت فى صورته الأولى ، فى عهد النبوة والصحابة والتابعين وهى العهود التى حاول الوهابيون أن يتخذوا من الحديث عنها ، غطاءاً لترويج دعاويهم ، والتى تناهض – فى الوقت ذاته – أمر عقيدة هؤلاء الأسلاف ، فى تنزيه الذات الإلهية ، وما اقترنت به من اجتهادات عقلية وروحية ، لا متناهية (!) .
لكن ، المدهش – حقاً – أن العديد من أعلام النهضة الفكرية والعقلية ، فى مصر والعالم ، فى مطالع القرن العشرين ، قد انخدعوا بالشعارات الوهابية ، القائلة بإصلاح الرؤية الإسلامية ، فى زمانهم ، فما كان من هؤلاء الأعلام ، غير ترديد تلك الشعارات الوهابية الملتبسة ، على نحو ما ذهب طه حسين وأحمد أمين ، ومحمود محمد شاكر ، على سبيل المثال ، ناهيك عن مؤرخين كبار ،من أمثال : عزت عبد الكريم ، وصلاح العقاد ، وعبد الرحيم عبد الرحمن (!)) وهى مسالك ، تتعارض – كلية – مع أصول المناهج العلمية ، قديمها ، وجديدها (!) . والتى كان يمكن لهؤلاء الأعلام ، أن يعملوا أمرها ، لكشف مكنون العقيدة الوهابية ، دون التوقف عن شعاراتها المتلونة .
لكن ، يبدو أن الاغتراب المعرفى ، الذى أصاب هؤلاء ، وما اقترن به من صعود عهد الكيان السعودى الثالث (الراهن) ، قد لعب أدواراً عدة ، فى وقوع هؤلاء فى شرك الدعاوى الوهابية المخادعة (!) . وهو أمر لم ينزلق إليه علماء آخرين ، من المتابعين لعلوم السلف ، كالعلامة الأزهرى : يوسف الدجوى ، والعلامة : عبد ربه سليمان ، الشهير بالقليوبى ، اللذان فضحا أمر العقيدة الوهابية ، منذ ثلاثينيات القرن العشرين ، وحتى نهاية الخمسينات منه . وهو ما تابعه عالم معاصر ، هو الدكتور : عمر عبد الله كامل ، على نحو ما جاء ، فى كتاب صدر له ، مؤخراً ، تحت عنوان : "كفى تفريقاً للأمة باسم السلف" والذى يدحض فيه أمر العقيدة الوهابية ، كما جاءت فى كتابات أحد أقطابها وذلك عبر ما أسماه : "مناقشة علمية لكتاب الدكتور سفر الحواى " نقد منهج الأشاعرة فى العقيدة " ، بحسب ما تضمنه عنوان فرعى ، على غلاف الكتاب ، والذى جاء بمقدمة رصينة لمفتى تونس السابق ، العلامة : محمد مختار السلامى ، وأخرى للدكتور : أحمد الكبيسى ، ما عزز من أمر الفعل العلمى ، لهذا الكتاب ، والذى سنتوقف عند بعض صفحاته المضيئة ، لمكنون العقيدة الوهابية ، فى مواجهة العقيدة الأصلية ، لأهل السنة ، كما تتمثل فى عقيدة الأشاعرة .
وفى هذا ، جاء مدخل د. كامل ، للإفصاح عن هذا الأمر ، بالقول : لقد نشأ علم الكلام بعد أن دخلت مذاهب غريبة على الديار التى فتحها المسلمين ، وكان فيها من أهل الديانات القديمة كاليهود والنصار والمجوس ، وكانت فى رؤوسهم أفكارهم الدينية التى استولت على مشاعرهم، فأثاروا بين المسلمين ما يثار فى دياناتهم من مشاكل فى الجبر والاختيار وصفات الله والقدر .. وغيرها من المسائل .
وكان بعضهم يطلب الحقيقة واطمئنان القلب ، وكان بعضهم يبطن غير الإسلام ويقصد تشكيك المسلمين فى عقيدتهم .
ولقد ثارت هذه الفتنة فى زمن سيدنا على وما تلاه من أحداث وظهور الفرق التى تأثرت بالأديان والفلسفات السابقة كالمانوية والغنوصية والثنوية .
ومما زاد الطين بلة ترجمة كتب الفلاسفة السابقة وما حملته من خبط فيما كان يسم ما وراء الطبيعة " الغيبيات " .
ولم يقتصر النزاع على هذا الأمر بل امتد فى زمن الفتنة الكبرى إلى مشكلة الخلافة والإمامة ومرتكب الكبيرة هل هو مخلد فى النار أو فى منزلة بين المنزلتين .. وكثير من الشبهات التى ما كان يسع المسلمين إلا أن يعملوا أفكارهم ويردوا عليها .
وفد ظهر المعتزلة وقبلهم كثير من أمثال القاسم الرسى ممن لا يتسع المجال لذكرهم ، وأبلوا بلاء حسناً بالرغم من مجانبتهم الصواب فى كثير من المسائل ( ...) " ،
بحسب ما ذهب د. كامل ، والذى رأى أن الله قد قيض الإمام أبا الحسن الأشعرى لتدعيم العقيدة الإسلامية الصافية الثابتة بالكتاب والسنة بأسلوبهم وبمنطقهم وبقواعدهم فهد الاعتزال انتصاراً لأهل السنة ولم يخالف المنقول " .
ويضيف : " إن علماء الحديث والسنة وقفوا طويلاً أمام علم الكلام نابذين أصحابه مبتعدين عن الخوض فيه ، ثم دخلوا الميدان حينما قويت شوكة المعتزلة فاضطروا اضطراراً إلى مجابهتهم – لاسيما عند محنة القرآن – ولكن بمنهج مخالف ، كما اضطر الإمام أحمد بن حنبل أمام الأحوال الطارئة أن يقف مدافعاً عن العقيدة الصحيحة فقال : " كنا نرى السكوت عن هذا قبل أن يخوض فيه هؤلاء ، فلما أظهروه لم نجد بداً من مخالفتهم والرد عليهم " . فكانت طريقتهم فى الدفاع عن أصول الدين اتباع منهج السلف أى مراعاة المعانى الصحيحة والألفاظ الشرعية والرد على من تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقاً وباطلاً ، ومثال ذلك هو طريقة الإمام أحمد فى المحنة فقد أصر على الامتناع عن التلفظ بألفاظ لم ترد فى الشرع ، فلما حاولوا إلزامه القول بالجسمية امتنع وأجاب : " هو أحمد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد " .
ومنذ قيام الأشعرى بالرد على المعتزلة أصبح هناك تياران يعيشان جنباً إلى جنب كل منهما ينتهج منهجاً متميزاً .
وهذان المنهجان ينتسبان إلى السنة ويعلنان أنهما يتمسكان بها :
أحدهما : منهج علماء الحديث المتصل بسلسلة طويلة من الأئمة بأدلة بعصر الصحابة ، ولكن أصبح الإمام أحمد بن حنبل علماً له واشتهر باسمه بسبب ما لاقاه فى المحنة من عذاب وابتلاء .
الثانى : موقف جديد معارض للمعتزلة أيضاً ولكن استخدام طريقة علماء الكلام مع محاولة التوفيق بين المنقول والمعقول ، وقد بدأه أبو الحسن الأشعرى موافقاً مذهب السنة والحديث فى أصولهم العامة .
وفى مقابل ذلك قام الدكتور سفر الحوالى بإصدار كتاب (نقد منهج الأشاعرة فى العقيدة) أصدره عام 1407هـ ، ويقع فى 89 صفحة من القطع الصغير ، رداً على الشيخ محمد بن على الصابوتى ، وزعم سفر أن الأشاعرة مخالفون للسلف فى معظم القضايا الإيمانية إلا الصحابة ، ثم أصبح الكتاب عمدة كثير من المتأخرين الذين أصبحوا يحكمون على الأشاعرة بالهلاك والضلالة لثقتهم فى الدكتور سفر لكونه من أكبر الدعاة السلفيين هذه الأيام ومن هنا جاءت ضرورة كشفت ما ارتكبه من مغالطات ومذهبية ضيقة ، ولكن أبت بعض الفرق إلا أن تحتكر وصف أهل السنة والجماعة لنفسها وتخرج جمهور المسلمين منه " ، وهى الفرق الوهابية التى لم يسمها د. كامل صراحة إلا أنه تساءل قائلاً : " هل ورد لفظ أهل السنة والجماعة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وهو سؤال اضطر معه للرجوع إلى أصول هذا الاصطلاح ، تحت عنوان : " بيان من هم أهل السنة " ، مشيراً إلى أقوال السلف، فى هذا الشأن كابن السبكى فى شرحه عقيدة ابن الحاجب ، والذى يقول فيه : " اعلم أن أهل السنة والجماعة كلهم قد اتفقوا على معتقد واحد فيما يجب ويجوز ويستحيل وإن اختلفوا فى الطرق والمبادىء الموصلة لذلك .
وبالجملة فهم بالاستقراء ثلاث طوائف :
الأولى : أهل الحديث .
ومعتقد مباديهم الأدلة السمعية – الكتاب والسنة والإجماع .
الثانية : أهل النظر العقلى وهم الأشعرية والحنفية (الماتريدية) .
وشيخ الأشعرية أبو الحسن الأشعرى ، وشيخ الحنفية أبو منصور الماتريدى .
وهم متفقون فى المبادىء العقلية فى كل مطلب يتوقف السمع عليه ، وفى المبادىء السمعية فيما يدرك العقل جوازه فقط والعقلية والسمعية فى غيرها ، واتفقوا فى جميع المطالب الاعتقادية إلا فى مسائل .
الثالثة : أهل الوجدان والكشف وهم الصوفية .
ومباديهم مبادى أهل النظر والحديث فى البداية والكشف والإلهام فى النهاية " .
كما سئل الإمام ابن راشد الجد المالكى رحمه الله تعالى الملقب عند المالكية بشيخ المذهب عن رأى المالكية فى السادة الأشاعرة وحكم من ينتقصهم كما فى فتاويه ومما جاء فى جوابه – وسوف نذكر ذلك بالتفصيل فى الرد على كلام الدكتور سفر عند قوله حكم الأشاعرة عند أئمة المذاهب الأربعة .
" وهؤلاء الذين سميت من العلماء أئمة خير وهدى وممن يجب بهم الاقتداء لأنهم قاموا بنصر الشرعة ، وأبطلوا شبه أهل الزيغ والضلالات ، وأوضحوا المشكلات ، وبينوا ما يجب أن يدان به من المعتقدات ، فهم بمعرفتهم بأصول الديانات العلماء على الحقيقة ، لعلمهم بالله عز وجل وما يجب له وما يجوز عليه وما ينتفى عنه ، إذ لا تعلم الرفوع إلا بعد معرفة الأصول ، فمن الواجب أن يعترف بفضائلهم ويقر لهم بسوابقهم ، فهم الذين عنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله " يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين " فلا يعتقد أنهم على ضلالة وجهالة إلا غبى جاهل ، أو مبتدع زائغ عن الحق مائل ، ولا يسبهم وينسب إليهم خلاف ما هم عليه إلا فاسق ، وقد قال الله عز وجل (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبيناً) ، والله أسأل العصمة والتوفيق برحمته ، قاله محمد بن رشد) ، انتهى كلامه وانظره بتمامه فى الموضع المشار إليه آنفا .
وقال الإمام محمد بن أحمد السفارينى الحنبلى الأثرى :
" أهل السنة والجماعة ثلاث فرق :
الأثرية : وإمامهم أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى .
والأشعرية : وإمامهم أبو الحسن الأشعرى رحمه الله تعالى .
والماتريدية : وإمامهم أبو منصور الماتريدى .
ومن لوائح الأنوار السنية ننقل عنه هذه النصوص :
يقول المصنف السفارينى (1/260) :
" فالصفات الذاتية المتفق عليها عند أهل السنة من الأثرية والأشعرية والماتريدية " .
ويقول فى (2/15) :
" وهذا قول عامة أهل السنة والجماعة من أهل الحديث والفقه ، والكلام من الأثرية والأشعرية والماتريدية وغيرهم " .
ويقول فى (2/138 – 139) :
" فمذهب أهل السنة كافة من السلف الأثرية والخلف الأشعرية والماتريدية " .
لذا ، عمد د. كامل لإبراز اعتراف الدكتور سفر بأن مذهب الأشاعرة هو مذهب جمهور الأمة ، على نحو ما جاء فى سطور كتابه ومنها قوله : " فالمسألة أكبر من ذلك وأخطر ، إنها مسألة مذهب يدعى له وجوده الواقعى الضخم فى الفكر الإسلامى حيث تمتلىء به كثير من كتب التفسير وشروح الحديث وكتب اللغة والبلاغة والأصول ، فضلاً عن كتب العقائد والفكر ، كما أن له جامعاته الكبرى ومعاهده المنتشرة فى أكثر بلاد الإسلام من الفلبين إلى السنغال".
ويعلق د. كامل ، قائلاً : " هذا اعتراف من الدكتور بأن مذهب جمهور المسلمين هو مذهب الأشاعرة والماتريدية .
فجاءت كتب التفسير والحديث والعقائد والأصولى والبلاغة بل الجامعات العريقة (باعترافه) تتبع هذا المذهب .
فهل نطرح كل هؤلاء ونتبع الدكتور سفر وما هو إلا مقلد ؟؟؟
وهل كان لزاماً على الأمة أن تنتظر هذه القرون الطويلة حتى القرن السابع الهجرى حتى يأتى من يصحح عقائدها ؟
والذى ينبغى أن يكون معلوماً أنه ليس هناك خلاف كبير بين الأشاعرة والماتريدية ، وإنما الخلاف فى مجموعة من المسائل تجدها فى إشارات المرام للعلامة البياضى .
وهذه المسائل الخلاف فى معظمها لفظى ، والباقى حقيقى ولكنه ليس خلافاً فى الأصول فلا تضر المخالفة فيه .
لذا ، حرص د. كامل على بيان ما أسماه : " تلبيس الدكتور سفر فى بيانه حكم الأشاعرة عند أئمة المذاهب الأربعة " ، فيورد ما ذكره سفر ، هذا ، من ادعاء الحكم السلبى ، فيورد ما ذكره الأشاعرة ، عند أئمة المذاهب الأربعة من الفقهاء وكذا بأئمة الجرح والتعديل من أصحاب الحديث ، وهو ما حمل د. كامل على إيضاح حقيقة تاريخية ، لا تقبل التدليس ، وهى أن " أئمة المذاهب الأربعة الفقهاء قد توفاهم الله تعالى قبل أن يولد الأشعرى !! لأن الأشعرى ولد سنة (260) هـ ، وآخر الأئمة موتاً هو أحمد بن حنبل توفى سنة (241) هـ . فكيف يحكمون على الأشعرى الذى ولد بعد وفاتهم ؟! أليس هذا من التدليس ؟! وأضاف : " ويا دكتور سفر هل كان أئمة المذاهب فى الفروع مشغولين بالأحكام العملية أم الاعتقادية ؟ فلا تدلس على الناس ! ولكن إن أراد الدكتور سفر بأئمة المذاهب الأربعة علماءهم الكبار من غير الأئمة فسيأتى فى ثنايا الكتاب نقول عن كبار علماء المذاهب الأربعة تظهر آراءهم فى مسائل العقيدة " .
ولهذا ، أورد د. كامل – مجدداً – قول سفر ، هذا قول أحكام المالكية ، بخصوص علماء الكلام ، معتمداً على رواي " حافظ المغرب ابن عبد البر بسنده عن فقيه المالكية بالمشرق ابن خويز ومنداد أنه قال فى كتاب الشهادات شرحاً لقول مالك : لا تجوز شهادة أهل البدع والأهواء ، وقال : " أهل الأهواء عند مالك وسائر أصحابنا هم أهل الكلام ، فكل متكلم فهو من أهل الأهواء والبدع أشعرياً كان أو غير أشعرى ، ولا تقبل له شهادة فى الإسلام أبداً ، ويهجر ويؤدب على بدعته ، فإن تمادى عليها استتيب منها .
وروى ابن عبد البر نفسه فى الانتقاء عن الأئمة الثلاثة " مالك وأبى حنيفة والشافعى " نهيهم عن الكلام وزجر أصحابه وتبديعهم وتعزيزهم ، ومثله ابن القيم فى " اجتماع الجيوش الإسلامية" فماذا يكون الأشاعرة إن لم يكونوا أصحاب كلام ؟ " .
وعلق د. كامل ، على هذه المزاعم ، بإيراد قول "الحافظ ابن حجر العسقلانى فى " لسان الميزان " ما نصه : " عنده (ابن خويز منداد) شواذ عن مالك ، واختيارات وتأويلات لم يعرج عليها حذّاق المذاهب كقوله إن العبيد لا يدخلون فى خطاب الأحرار وأن خبر الواحد مفيد العلم .. وقد تكلم فيه أبو الوليد الباجى ولم يكن بالجيد النظر ولا بالقوى فى الفقه وكان يزعم أن مذهب مالك أنه لا يشهد جنازة متكلم ولا يجوز شهادتهم ولا مناكحتهم ولا أماناتهم ، وطعن ابن عبد البر فيه أيضاً " انتهى كلام الحافظ ابن حجر .
فهذا قول أهل الجرح والتعديل فى ابن خويز منداد ، فهل يكون حجة وأهل مذهبه على خلاف رأيه ؟ قلت : ظاهر مما نقلناه رأى إمامى المالكية الباجى وابن عبد البر فى ابن خويز منداد ومن عجب أنه نقل عنه على ما بينا من حاله ، وترك الأقوال المتكاثرة عند المالكية فى الانتصار للمذهب الأشعرى إذ كل المالكية أشاعرة ، إلا من شذ ولا عبرة به " .
ويضيف : " وها نحن ننقل عن شيخ المذهب الإمام ابن رشد الجد ما يدحض ما ادعاه الدكتور سفر :
سئل الإمام ابن رشد الجد المالكى رحمه الله تعالى الملقب عند المالكية بشيخ المذاهب عن رأى المالكية فى السادة الأشاعرة وحكم من ينتقصهم كما فى فتاويه (2/802) وإليكم نص السؤال والجواب :
[ ما يقول الفقيه القاضى الأجل .. أبو الوليد – وصل الله توفيقه وتسديده ونهج إلى كل صالحة طريقه – فى الشيخ أبى الحسن الأشعرى وأبى إسحاق الإسفرايينى وأبى بكر الباقلانى وأبى بكر بن فورك وأبى المعالى .. ونظرائهم ممن ينتحل علم الكلام ، ويتكلم فى أصول الديانات ، ويصنف للرد على أهل الأهواء ؟
أهم أئمة رشاد وهداية أم هم قادة حيرة وعماية ؟
وما تقول فى قوم يسبونهم وينتقصونهم ، ويسبون كل من ينتمى إلى علم الأشعرية ويكفرونهم ويتبرؤون منهم وينحرفون بالولاية عنهم ، ويعتقدون أنهم على ضلالة ، وخائضون فى جهالة؟ .
فماذا يقال لهم ويصنع بهم ويعتقد فيهم ؟
أيتركون على أهوائهم أم يكف عن غلواتهم .. ؟!
فأجاب :
تصفحت عصمنا الله وإياك سؤالك هذا ووقفت عليه .
وهؤلاء الذين سميت من العلماء أئمة خير وهدى وممن يجب بهم الاقتداء لأنهم قاموا بنصر الشريعة ، وأبطلوا شبه أهل الزيغ والضلالات ، وأوضحوا المشكلات ،وبينوا ما يجب أن يدان به من المعتقدات فهم ، بمعرفتهم بأصول الديانات العلماء على الحقيقة ، لعلمهم بالله عز وجل وما يجب له وما يجوز عليه وما ينتفى عنه ، إذ لا تعلم الفروع إلا بعد معرفة الأصول.
فمن الواجب أن يعترف بفضائلهم ويقر لهم بسوابقهم ، فهم الذين عنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله " يحمل هذا العلم من كل خلف عدو له ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين " ، فلا يعتقد أنهم على ضلالة وجهالة إلا غبى جاهل ، أو مبتدع زائغ عن الحق مائل ، ولا يسبقهم وينسب إليهم خلاف ما هم عليه إلا فاسق ، وقد قال الله عز وجل (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثما مبيناً) ، فيجب أن يبصر الجاهل منهم ، ويؤدب الفاسق ، ويستتاب المبتدع الزائغ عن الحق إذا كان مستسهلاً ببدعة ، فإن تاب وإلا ضرب أبداً حتى يتوب كما فعل عمر بن الخطاب رضى الله عنه بصبيغ المتهم فى اعتقاده من ضربه إياه حتى قال يا أمير المؤمنين إن كنت تريد دوائى فقد بلغت منى موضع الداء و‘ن كنت تريد قتلى فأجهز علىّ فخلى سبيله ، والله أسأل العصمة والتوفيق برحمته ، قاله محمد بن رشد ] ، فهذا رأى العلماء المحققين من المالكية . فما رأيك يا دكتور سفر ؟؟؟
ومضى د. كامل فى تفنيد ادعاءات سفر ، هذا ، ومنها قوله ، أنه عند الشافعية : قال الإمام أبو العباس بن سريج الملقب الثانى ، وقد كان معاصراً للأشعرى : " لا نقول بتأويل المعتزلة والأشعرية والجهمية والملحدة والمجسمة والمشبهة والكرامية والمكيفة بل نقبلها بلا تأويل ونؤمن بها بلا تمثيل " .
وعلق د. كامل قائلاً : " كيف يقول ابن سريج هذا الكلام وقد كان عُمر الأشعرى عند وفاة ابن سريج ما يزيد قليلاً على الأربعين ، ومعلوم بقاء الأشعرى على الاعتزال أربعين سنة فمتى سمعه ابن سريج ولما يتكون مذهب الأشعرى بعد ؟ .
ومن العجب أن الدكتور سفر نقل تواريخ الوفاة وقال : " والظاهر أنه توفى قبل رجوع الأشعرى لمذهب السلف " ثم مع كل هذا اعتمد النص ومتنه صارخ بنكارته ، وأمر آخر أنه نقل هذا الكلام اعتماداً على ابن القيم فى " اجتماع الجيوش " والذى فيه مروى بسند فيه انقطاع بين الزنجابى وابن سريج . أليس هذا من التدليس يا د. سفر ؟؟؟ " .
وفى قول آخر ، يزعم سفر ، أن الإمام أبو الحسن الكرجى وهو من علماء القرن الخامس الشافعية قال ما نصه : " لم يزل الأئمة الشافعية يأنفون ويستنكفون أن ينسبوا إلى الأشعرى ويتبرؤون مما بنى الأشعرى مذهبه عليه وينهون أصحابهم وأحبابهم عن الحوم حواليه على ما سمعت من عدة من المشايخ والأئمة " ، وضرب مثالاً بشيخ الشافعية فى عصره الإمام أبو حامد الإسفرائينى الملقب والشافعى الثالث قائلاً : " ومعلوم شدة الشيخ على أصحاب الكلام حتى ميز أصول فقه الشافعى من أصول الأشعرى ، وعلق عنه أبو بكر الراذقانى وهو عندى، وبه اقتدى الشيخ أبو اسحاق الشيرازى فى كتابه اللمع والتبصرة حتى لو وافق قول الأشعرى وجهاً لأصحابنا ميزه وقال : " هو قول بعض أصحابنا وبه قالت الأشعرية ولم يعدهم من أصحاب الشافعى ، استنكفوا منهم ومن مذهبهم فى أصول الفقه فضلاً عن أصول الدين " . وعلق د. كامل : " نقول لم اكتفيت بالنقل عن الكرجى مع كونه نقلاً غير صحيح – كما سيأتى؟ وهل هذا يكفى فى بيان رأى المذهب ؟ ولماذا لم تنقل عن البيهقى والشيخ أبى اسحاق الشيرازى وأبى محمد الجوينى وإمام الحرمين والغزالى وأبى بكر الشاشى والعز ابن عبد السلام وابن دقيق العيد والإمام النووى وابن عساكر والخطيب البغدادى والعراقى والحافظ ابن حجر وغيرهم كثير ؟ .
بل عن كثير من المتأخرين أيضاً كالشيخ زكريا الأنصارى وابن حجر المكى والرملى إلى يومنا هذا ؟؟ أما ما نقله عن الكرجى فغير صحيح بين ذلك السبكى فى طبقات الشافعية عند ترجمته للكرجى ، ومما جاء فيها :
" وقد حكى الحافظ أبو محمد الدمياطى .. وذكر أن هذا الكرجى من أكابر أصحاب الشيخ أبى اسحاق ..
ثم قال ابن السمعانى وله قصيدة بائية فى السنة شرح فيها اعتقاده واعتقاد السلف تزيد على مائتى بيت قرأتها عليه فى داره بالكرج .
قلت : ثبت لنا بهذا الكلام أن ابن السمعانى قال إن لهذا الرجل قصيدة فى الاعتقاد على مذهب السلف موافقة للسنة وابن السمعانى كان أشعرى العقيدة فلا نعترف بأن القصيدة على السنة واعتقاد السلف إلا إذا وافقت ما نعتقد أنه كذلك وهو رأى الأشعرى .
إذا عرف هذا فاعلم أنا وقفنا على قصيدة تعزى إلى هذا الشيخ وتلقب بعروس القصائد فى شموس العقائد نال فيها من أهل السنة وباح بالتجسيم فلا حيىّ الله معتقدها ولا حيى قائلها كائناً من كان وتكلم فيها الأشعرى أقبح كلام وافترى عليه أى افتراء . وأقول أولاً : إنى ارتبت فى أمر هذه القصيدة وصحة نسبيتها إلى هذا الرجل ، وغلب على ظنى أنها إما مكذوبة عليه كلها أو بعضها ، والذى يرجح أنها مكذوبة عليه كلها أن ابن الصلاح ترجم هذا الرجل وحكى كلام ابن السمعانى إلا فيما يتعلق بهذه القصيدة فلم يذكره ، فيجوز أن يكون ذلك قد دس فى كتاب السمعانى ليصحح به نسبة القصيدة إلى الكرجى وقد جرى كثير مثل ذلك ، ويؤيد هذه أيضاً أن ابن السمعانى ساق كثيراً من شعره ولم يذكر من هذه القصيدة بيتاً واحداً ، ولو كان قد قرأها عليه لكان يوشك أن يذكر ولو بعضها ويحتمل أن يكون له بعضها ، ولكن زيدت الأبيات المقتضية للتجسيم وللكلام فى الأشاعرة ويؤيد ذلك أن أبياتها غير متناسبة فإن بعضها شعر مقبول وبعضها وهو المشتمل على القبائح فى غاية الرداءة لا يرضى به من يحسن الشعر " ، انتهى كلام الإمام السبكى .
ولولا مخافة الإطالة لذكرنا تلك القصيدة التى ذكرها السبكى وانتقدها وذكر أنه الأغلب على الظن أنها ملفقة موضوعة وأورد القرائن على ذلك وهذا مما يضعف ما قيل فى عقيدة الكرجى.
بيد أن سفر ، هذا ، يواصل النقل الزائف ، كقوله : " وينحو قوله بل أشد منه قال شيخ الإسلام الهروى الأنصارى " ، فى هذا الصدد .
ويعلق د. كامل ، مستنكراً : " هلا أفدتنا يا دكتور سفر عن هذا النقل ، وموضعه ، وأين قاله؟ علماً بأن هذا ليس شافعياً بل هو حنبلى . وها أنذا اسوق لك ما قاله الحافظ السبكى .
قال الحافظ السبكى : " كان .. ابن تيمية مع ميله إليه يضع من هذا الكتاب ، أعنى : منازل السائرين : قال شيخنا الذهبى : وكان يرمى أبا إسماعيل بالعظائم بسبب هذا الكتاب ، ويقول : إنه مشتمل على الاتحاد " .
فإذا كان الميزان لديك يا د. سفر هو الشيخ ابن تيمية ، فهل يقبل – بعد قدح ابن تيمية فى الرجل بالاتحاد – قوله فى تخطئة المنزهة من الأشاعرة ؟؟
ومع كل ذلك فإن سفر ، يواصل مزاعمه ، كقوله عن الحنفية انه من الـ" معلوم أن واضع الطحاوية وشارحها كلاهما حنفيان ، وكان الإمام الطحاوى معاصراً للأشعرى وكتيب هذه العقيدة لبيان معتقد الإمام أبى حنيفة وأصحابه ، وهى مشابهة لما فى الفقه الأكبر عنه وقد نقلوا عن الإمام أنه صرح بكفر من قال إن الله ليس على العرش أو توقف فيه ، وتلميذه أبو يوسف كفر بشراً المريسى ، ومعلوم أن الأشاعرة ينفون العلو وينكرون كونه تعالى على العرش ومعلوم أيضاً أن أصولهم مستمدة من بشر المريسى " .
ويعلق د. كامل ، بالقول :
أولاً : متن الطحاوية من المتون المعتمدة عند أهل السنة والجماعة من الأشاعرة والماتريدية وليس فيها ما يؤيد عقيدة المتمسلفة بل على العكس تماماً ، فمن ذلك قول الإمام الطحاوى : "تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات " .
وقوله :" والعرش والكرسى حق ، وهو مستغن عن العرش وما دونه ، محيط بكل شىء وفوقه ، وقد أعجز عن الإحاطة خلقه " .
وقال الطحاوى أيضاً : " له معنى الربوبية ولا مربوب ، ومعنى الخالق ولا مخلوق " ، وهذا مخالف لكلام من يقول بالقدم النوعى للعالم ، وقال الطحاوى أيضاً فى عقيدته " وهو مستغن عن العرش وما دونه محيط بكل شىء وبما فوقه وخاصة فى نسخة الشيخ العلامة الغنيمى الحنفى شارح الطحاوية المتوفى سنة 1298هـ ، وقد قامت بعض دور النشر المغرضة بحذف لفظة " بما " ليثبتوا أن الفوقية عائدة على الله لتوافق العبارة معتقدهم مع أن السياق لا يساعد ذلك ، لأن الكلام هنا واقع عن استغناء الله سبحانه عما دون العرش وما فوقه ، وأنه بكل شىء محيط .
ثانياً : أما عن شارح العقيدة الطحاوية (ابن أبى العز) فننقل شيئاً من كلام الأئمة فيه : قال الشيخ القارى فى شرح الفقه الأكبر ص (172) : " والحاصل أن الشارح يقول بعلو المكان مع نفى التشبيه وتبع فيه طائفة من أهل البدعة " ، وقال أيضاً ص (172) ما نصه : " ومن الغريب أنه استدل على مذهبه الباطل برفع الأيدى فى الدعاء إلى السماء " وقال الحافظ ابن حجر فى " إنباء الغمر " : " وإن العلماء بالديار المصرية خصوصاً أهل مذهبه من الحنفية انكروا ذلك عليه " ، ومن تلك الأمور المستشنعات أن الحافظ قال كما فى " إنباء الغمر " . "قوله : يا خير خلق الله ، الراجح تفضيل الملائكة إلى غير ذلك .. " وذكر الحافظ أيضاً فى "إنباء الغمر " أن ممن أنكر على ابن أبى العز من الحنابلة :
" زين الدين ابن رجب ، وتقى الدين ابن مفلح وأخوه .. " ثم لماذا يعرض الدكتور سفر عن كلام ابن الهمام والزبيدى وملا على القارى وغيرهم ؟ ومن المعلوم أن الحنفية ماتريدية . وتحت عنوان : " ما فى الفقه الأكبر يخالف كلام المتمسلفة ، يشير د. كامل إلى ما ورد ص (56) ما نصه : " ومعنى الشىء إثباته بلا جسم ولا جوهر ولا عرض ولا حد له ولا ضد له ولا ند له ولا مثل له " انتهى . وجاء أيضاً فى " الفقه الأكبر " ص (50) ما نصه : " ويتكلم لا ككلامنا ، ونحن نتكلم بالآلات والحروف ، والله تعالى يتكلم بلا آله ولا حروف ، والحروف مخلوقة وكلام الله تعالى غير مخلوق " .
وقال الشيخ ملا على القارى ص (29) من شرح الفقه الأكبر : " ومبتدعة الحنابلة قالوا : كلامه حروف وأصوات تقوم بذاته وهو قديم ، وبالغ بعضهم جهلاً حتى قال : الجلد والقرطاس قد يمان فضلاً عن الصحف ، وهذا قول باطل بالضرورة ومكابرة للحس ، للإحساس بتقديم الباء على السين فى بسم الله ، ونحوه " .
ويوجه د. كامل كلامه لسفر ، هذا ، بالقول : " لقد نسبت إلى الإمام أبى حنيفة أنه صرح بكفر من قال إن الله ليس على العرش دون أن تذكر المصدر ، وصيغه (نقلوا) فيها تضعيف ، فالذى روى ذلك عن أبى حنيفة اثنان ، الأول : أبو مطيع البلخى وهو وضاع ، قال الذهبى فى الميزان :
" قال الإمام أحمد لا ينبغى أن يروى عنه شىء ، وعن يحيى بن معين : " ليس بشىء " . وأورد أبا مطيع البلخى هذا الحافظ ابن حجر فى " لسان الميزان " وقال : " قال أبو حاتم الرازى : كان مرجئاً كذاباً " ، وذكر الحافظ بأن الذهبى جزم بأن البلخى وضع حديثاً . والثانى هو : نوح الجامع ، قال العلماء : كان جامعاً لكل شىء إلا الصدق ، وهو وضاع مشهور انظر ترجمته فى " تهذيب التهذيب " .
أما عن أمر الحنابلة ، فقد زعم سفر ، هذا ، أن موقفهم من الأشاعرة أشهر من أن يذكر فمنذ بدع الإمام أحمد " ابن كلاب " وأمر بهجره – وهو المؤسس الحقيقى للمذهب الأشعرى – لم يزل الحنابلة معهم فى معركة طويلة ، وحتى فى أيام دولة نظام الملك – التى استطالوا فيها – وبعدها كان الحنابلة يخرجون من بغداد كل واعظ يخلط قصصه بشىء من مذهب الأشاعرة ، ولم يكن ابن القشيرى إلا واحداً ممن تعرض لذلك ، وبسبب انتشار مذهبهم وإجماع علماء الدولة سيما الحنابلة على محاربته أصدر الخليفة القادر منشور " الاعتقاد القادرى " أوضح فيه العقيدة الواجب على الأمة اعتقادها سنة 433هـ ، وكذلك يفعل أتباعهم فى عصرنا هذا بملء خطبهم الحماسية ومواعظهم وقصصهم وما يسمونه بالكتب الفكرية لثقة قرائهم – من الشباب المتحمس – العمياء بهم ولجهل أكثر هؤلاء الشباب بعقيدتهم الصحيحة التى كان عليها سلفهم الصالح من الصحابة ومن تبهم بإحسان " .
ويضيف : " هذا وليس ذم الأشاعرة وتبديعهم خاصة بأئمة المذاهب المعتبرين ، بل هو نقول أيضاً عن أئمة السلوك الذين كانوا أقرب إلى السنة وإتباع السلف ، فقد نقل شيخ الإسلام فى الاستقامة كثيراً من أقوالهم فى ذلك ، وأنهم يعتبرون موافقة عقيدة الأشعرية منافياً لسلوك طريق الولاية والاستقامة حتى أن عبد القادر الجيلانى لما سئل : " هل كان لله ولى على غير اعتقاد أحمد بن حنبل ؟ قال : ما كان ولا يكون " .
وبالمقابل ، يذكر د. كامل ، الوقائع التالية :
1 – أما ابن كلاب فقد قال الذهبى (تلميذ ابن تيمية) فى ترجمته فى " السير " (11/175) : "والرجل أقرب المتكلمين إلى السنة بل هو فى مناظريهم " وانظر إلى التعليق فى أسفل تلك الصحيفة من " سير أعلام النبلاء " .
2 – ما كان يقوله الإمام أحمد فى مسائل التوحيد هو ما يقوله الأشاعرة أيضاً على الغالب وابن تيمية ومقلدوه يخالفونه فى ذلك !! " ومن أمثلة ذلك :
أ – كان الإمام أحمد يؤول بعض النصوص فى الصفات التى يفيد ظاهرها التجسيم والتشبيه . قال ابن كثير فى " البداية والنهاية " :
" روى البيهقى عن الحاكم عن أبى عمرو بن السماك عن حنبل أن أحمد بن حنبل تأول قول الله تعالى : " وجاء ربك " أنه جاء ثوابه .. ثم قال البيهقى : " وهذا إسناد لا غبار عليه " . ثم قال ابن كثير : " وكلامه – أى الإمام أحمد – فى نفى التشبيه وترك الخوض فى الكلام والتمسك بما ورد فى الكتاب والسنة عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه " .
ب : وفى " طبقات الحنابلة " لابن أبى يعلى أن الإمام أحمد كان يقول فى عقيدته : " والله تعالى لم يلحقه تغير ولا تبدل ، ولا يلحقه الحدود قبل خلق العرش ولا بعد خلق العرش " وهو ما حدا بالدكتور كامل لمخاطبة سفر بالقول : " وهذا مخالف لما حاولت إثباته يا د: سفر " . وأوضح أن " فى طبقات الحنابلة أن الإمام أحمد أنكر على من يقول بالجسم ، وقال إنما الأسماء مأخوذة بالشريعة واللغة ، وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على كل ذى طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله فلم يجز أن يسمى جسماً لخروجه عن معنى الجسمية ، ولم يجىء فى الشريعة ذلك فبطل ، وهذا مخالف للذى ذهبت إليه – أى سفر – من إثبات العلو الحسى الموهم للتجسيم فهذا الإمام أحمد ينفى التجسيم صراحة !! " ، مشيراً إلى قول الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى : " أتانا من المشرق وأيان خبيئان جهم معطل ومقاتل مشبه " كما فى " السير " (7/202) .
ومضى د. كامل قائلاً : " لو علم سفر بأن الإمام البخارى رحمه الله تعالى صاحب الصحيح كان على مذهب ابن كلاب أو كان يستمد مباحثه الكلامية منه لما تفوه بهذا القول !! .
قال الحافظ ابن حجر فى الفتح ما نصه :
" مع أن البخارى فى جميع ما يورده من تفسير الغريب إنما ينقله عن أهل ذلك الفن كأبى عبيد والنضر بن شميل والفراء وغيرهم ، وأما مباحثه الفقهية فغالبها مستمدة له من الشافعى وأبى عبيد وأمثالهما ، وأما المسائل الكلامية فأكثرها من الكرابيسى وابن كلاب ونحوهما " انتهى . قلت : والكرابيسى وابن كلاب رحمهما الله تعالى كانا يقولان بأن لفظنا بالقرآن مخلوق ، قال الحافظ الذهبى فى ترجمة الكرابيسى فى " سير أعلام النبلاء " .
" ولا ريب أن ما ابتدعه الكرابيسى وحرره فى مسألة اللفظ وأنه مخلوق هو حق " انتهى . وعلى ذلك الحق كان البخارى ومسلم خلافاً للإمام أحمد الذى كان يقول بأن من قال لفظى بالقرآن مخلوق (فهو جهمى) وفى روايات أخرى (فهو كافر) .
قال الحافظ الذهبى فى ترجمة الإمام مسلم ما نصه :
" كان مسلم بن الحجاج يظهر القول باللفظ ولا يكتمه فلما استوطن البخارى نيسابور أكثر مسلم الاختلاف إليه ، فلما وقع بين البخارى والذهلى ما وقع فى مسألة اللفظ ونادى عليه ومنع الناس من الاختلاف إليه حتى هجر – البخارى – وسافر من نيسابور ، قال : فقطه أكثر الناس غير مسلم فبلغ محمد بن يحيى فقال يوماً : ألا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا ، فأخذ مسلم رداءه فوق عمامته وقام على رؤوس الناس ثم بعث إليه ، بما كتب عنه على ظهر حمال ، قال : وكان مسلم يظهر القول باللفظ ولا يكتمه ، انتهى . بتصرف يسير . والذى تجدر الإشارة إليه هو أنه لا مخالفة على التحقيق بين الإمام أحمد ومن ذكرنا ، لأن الإمام أحمد قد أراد بالمنع أن يسد باب الفتنة ولاشك أنه يعلم بداهة أن ألفاظنا بالقرآن مخلوقة، على حين رأى غيره ضرورة البيان لئلا يفضى إلى اعتقاد حلول القديم فى الحادث كما حصل مع طائفة وهذا اختلاف منهم فى تقدير المصلحة " .
وتحت عنوان " ابن الجوزى موافق للأشاعرة فى المعتقد والنووى أشعرى أما الحافظ فكل الدنيا تعلم أشعريته وإمامته فى علم الكلام لكن الدكتور يراه متذبذباً " يورد د. كامل ما يدعيه سفر ، من أن " من الحنابلة من ذهب إلى أبعد من هذا كابن الجوزى وابن عقيل وابن الزاغونى ، ومع ذلك فهؤلاء كانوا أعداء ألداء للأشاعرة ، ولا يجوز بحال أن يعتبروا أشاعرة فما بالك بأولئك " ، مدعياً أن الأشاعرة " توسلوا إلى أهل السنة أن يكفوا عن هجرهم وتبديعهم وتضليلهم وقالوا : نحن معكم ندافع عن الدين وننازل الملحدين " .
ويعلق د. كامل ، بالقول : " إن الأشاعرة هم الأغلبية . ولم يتوسلوا إلى أحد !! بل هم أهل السنة ، وقولك هذا من المخادعة والمخاتلة : فلم لم توضح لنا متى عادى هؤلاء العلماء الأشاعرة ؟ وأين مصدرك فى هذا الإدعاء ؟ أما ابن الجوزى فقد كان إماماً على عقيدة أهل السنة والجماعة ولا يهم عادى الأشاعرة أو وآلاهم ، المهم هو موافقته فى المعتقد وهو موافق لهم كما فى " دفع شبهة التشبيه " و" زاد المسير " .
وتحت عنوان : " بيان من هم الأشاعرة " ، ينقل د. كامل عن الإمام الحافظ التاج السبكى قوله " فى كتابه معيد النعم ومبيد النقم " من (62) مبيناً من هم الأشاعرة :
" هؤلاء الحنفية والشافعية والمالكية وفضلاء الحنابلة ولله الحمد فى العقائد يد واحدة كلهم على رأى أهل السنة والجماعة يدينون الله تعالى بطريق شيخ السنة أبى الحسن الأشعرى رحمه الله ، لا يحيد عنها إلا رعاع من الحنفية والشافعية لحقوا بأهل الاعتزال ، ورعاع من الحنابلة لحقوا بأهل التجسيم " .
وقال الشيخ أبو اسحاق الشيرازى إمام الشافعية فى وقته وصاحب كتاب " المهذب " الذى عليه وعلى شرحه للإمام النووى رحمه الله تعويل الشافعية ما نصه :
" فمن اعتقد غير ما أشرنا إليه من اعتقاد أهل الحق المنتسبين إلى الإمام أبى الحسن الأشعرى رضى الله عنه فهو كافر ، ومن نسب إليهم غير ذلك فقد كفرهم فيكون كافراً بتكفيره لهم لما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : " وما كفّر رجل رجلاً إلا باء به أحدهما " . وأنا لا أوافق الشيخ على جلالة قدره فى تكفير أحد من أهل لا إله إلا الله محمد رسول الله سائلاً المولى أن يغفر لى وله ولسائر المسلمين " على حد تعبير د. كامل .
وتحت عنوان : " إثبات أشعرية النووى " ، يورد د. كامل ، ما ذكره مسلم ، فى صحيحه ، ومن ذلك قوله : " اعلم أن لأهل العلم فى أحاديث الصفات وآيات الصفات قولين ، أحدهما وهو مذهب معظم السلف أو كلهم أنه لا يتكلم فى معناها ، بل يقولون يجب علينا أن نؤمن بها ونعتقد لها معنى يليق بجلال الله تعالى وعظمته اعتقادنا الجازم أن الله تعالى ليس كمثله شىء وأنه منزه عن التجسيم والانتقال والتحيز فى جهة وعن سائر صفات المخلوق ، وهذا القول مذهب جماعة من المتكلمين واختاره جماعة من محققيهم وهو أسلم ، والقول الثانى : وهو مذهب معظم المتكلمين أنها تتأول على ما يليق بها على حسب مواقعها ، وإنما يسوغ تأويلها لمن كان من أهله بأن يكون عارفاً بلسان العرب وقواعد الأصول والفروع ذا رياضة فى العلم" . " والله تعالى منزه عن الجسم والحد " .
كما ينقل عن الإمام الحافظ السبكى فى كتابه " طبقات الشافعية الكبرى " ما نصه :
" وقد وصل حال بعض المجسمة فى زماننا إلى أن كتب شرح صحيح مسلم للشيخ محيى الدين النووى وحذف من كلام النووى ما تكلم به على أحاديث الصفات ، فإن النووى أشعرى العقيدة ، لم تحمل قوى هذا الكاتب أن يكتب الكتاب على الوضع الذى صنفه مصنفه ، وهذا عندى من كبائر الذنوب ، فإنه تحريف للشريعة ، وفتح باب لا يؤمن معه يكتب الناس وما فى أيديهم من الصفات ، ففتح الله فاعله وأخزاه " .
وأيضاً فالإمام النووى رحمه الله تعالى يقول فى عدة مواضع فى كتبه " أصحابنا المتكلمون " ومن ذلك قوله فى " شرح المهذب " : " قال أصحابنا المتكلمون : " التوفيق : خلق قدرة الطاعة ، والخذلان : خلق قدرة المعصية ، والموفق فى شىء لا يعصى فى ذلك الشىء إذ لا قدرة له على المعصية ، قال إمام الحرمين : والعصمة هى التوفيق.. " .
أما الحافظ ابن حجر فيكفى أن الدنيا تعلم أشعريته وإمامته فى علم الكلام ، أما الدكتور سفر فيكفى أن تعلم ما قاله : ولو قيل إن الحافظ – رحمه الله – كان متذبذباً فى عقيدته لكان ذلك أقرب إلى الصواب كما يدل عليه شرحه لكتاب التوحيد والله أعلم ، والكلام لا يحتاج إلى تعليق ، كما يقول د. كامل .
وأضاف ساخراً : " ومن المناسب أن نبين هنا أن الدكتور سفر يعمل بطريقة رمتنى بدائها وانسلت " .
وتحت عنوان : " بيان المقصود بالتشبيه والتجسيم " ، سعى د. كامل لفضح طبيعة العقيدة الوهابية ، القائمة على هذين المرتكزين .
فحول : التشبيه لغة واصطلاحاً ، يقول :
التشبيه فى اللغة :
الشبه والشبه والشبيه : المثل ، والجمع أشباه ، وأشبه الشىء الشىء : ماثله ، وفى المثل : من أشبه أباه فما ظلم ، وأشبهت فلاناً وشابهته واشتبه على وتشابه الشيئان واشتبها : أشبه كل واحد صاحبه ، وفى التنزيل : " مشتبها وغير متشابه " (الأنعام : 99) ، وشبهه إياه وشبهه به مثله ، والمشتبهات من الأمور : المشكلات ، والمتشابهات : المتماثلات ، وتشبه فلان بكذا ، والتشبيه : التمثيل ، وعلى هذا فالتشبيه : " هو إثبات المماثلة بين الله تعالى وبين شىء من خلقه بوجه من الوجوه " ، وقولنا : بوجه من الوجوه قيد للاحتراز عن انحصار التشبيه فى المماثلة من كل وجه ، بل يكفى لوقوعه وقوع التمثيل ولو فى صفة واحدة ، فالقول به خطر شديد .
قال ابن البنا البغدادى الحنبلى : وأما الشبهة والمجسمة فهم الذين يجعلون صفات الله عز وجل مثل صفات المخلوقين ، ولشناعة أمر التشبيه تبرأ السلف الصالح من التشبيه وأهله ونزهوا عقائدهم ، وأقوالهم فى صفات الله سبحانه عن هذه الجريمة النكراء .
وقد ساق الإمام البيهقى فى سننه ما يفيد هذا المعنى مثل : " أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ ثنا أبو بكر محمد أحمد بن بالويه ثنا محمد بن بشر بن مطر ثنا الهيثم بن خارجه ثنا الوليد بن مسلم قال : سئل الأوزاعى ومالك وسفيان الثورى والليث بن سعد عن هذه الأحاديث التى جاءت فى التشبيه فقالوا : أمروها كما جاءت بلا كيفية " .
وقال البيهقى : " أخبرنا أبو عبد الله الحافظ قال سمعت أبا محمد أحمد بن عبد الله المزنى يقول حديث النزول قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجوه صحيحة وورد فى التنزيل ما يصدقه وهو قوله تعالى وجاء ربك والملك صفا صفا والنزول والمجىء صفتان منفيتان عند الله تعالى من طريق الحركة والانتقال من حال إلى حال بل هما صفتان من صفات الله تعالى بلا تشبيه جل الله تعالى عما تقول المعطلة لصفاته والمشبهة بها علواً كبيراً.
قلت : وكان أبو سليمان الخطابى رحمه الله يقول إنما ينكر هذا وما أشبهه من الحديث من يقيس الأمور فى ذلك بما يشاهده من النزول الذى هو تدل من أعلى إلى أسفل وانتقال من فوق إلى تحت وهذه صفة الأجسام والأشباح فأما نزول من لا تستولى عليه صفات الأجسام فإن هذه المعانى غير متوهمة فيه وإنما هو خبر عن قدرته ورأفته بعباده وعطفه عليهم واستجابته دعاءهم ومغفرته لهم يفعل ما يشاء لا يتوجه على صفاته كيفية ولا على أفعاله كمية سبحانه ليس كمثله شىء وهو السميع البصير " .
وها هنا يتوقف د. كامل عند ما جاء فى بعضاً من هذا النص ، كقوله : " التى جاءت فى التشبيه) ، والذى يفيد صحة ما ذكره علماء أهل السنة من الأشاعرة والماتريدية ، من أن هذه النصوص موهمة للتشبيه إذا حملت على ظاهرها " ، حيث " قال الإمام اللقانى فى جوهرة التوحيد :
وكل نص أوهم التشبيها أوله أو فوض ورم تنزيها
فقوله أوهم التشبيها ، مساو لقوله : هذه الأحاديث التى جاءت فى التشبيه .
ثانياً : قولهم (أمروها كما جاءت ......) ، مشيراً إلى أهمية فهم " هذه العبارة على وجهها الصحيح إذا عرفنا ما هو المقصود بإمرارها أو المرور عليها كما جاءت ، فالإمرار فى لغة العرب يعنى المجاوزة وعدم التعمق أو التأمل فى الشىء الذى نمر عليه ، يؤيده ما ذكره علماء اللغة فى تفسير هذه المادة (مرر) ، فقد ورد فى معاجم اللغة :
مرّ عليه وبه يمر مراً أى اجتاز . ومر يمر مراً ومروراً : ذهب واستمر مثله .
قال ابن سيده : مر يمر مرا ومرورا جاء وذهب ومر به ، ومره : جاز عليه وهذا قد يجوز أن يكون مما يتعدى بحرف وغير حرف ويجوز أن يكون مما حذف فيه الحرف فأوصل الفعل وعلى هذين الوجهين يحمل بيت جرير :
تمرون الديار ولم تعوجوا كلامكم علىّ إذاً حرام
وقوله عز وجل : (فلما تغشاها حملت حملاً خفيفاً فمرت به) ، فمرت به أى استمرت به يعنى المنى قيل : قعدت وقامت فلم يثقلها ، ومعنى هذا أن إمرارها يقتضى مجاوزتها وعدم الوقوف عليها وترك علم معناها لله تعالى ، وهذا هو التقويض الذى عليه السلف ، وقال الذهبى : والمحفوظ عن مالك رحمه الله رواية الوليد بن مسلم أنه سأله عن أحاديث الصفات فقال : أمرها كما جاءت بلا تفسير ، وقال الحافظ ابن حجر فى الفتح :
وأسند البيهقى بسند صحيح عن أحمد بن أبى الحوارى عن سفيان بن عيينة قال كل ما وصف الله به نفسه فى كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عنه .
ومن طريق أبى بكر الضبعى قال مذهب أهل السنة فى قوله : (الرحمن على العرش استوى) قال بلا كيف والآثار فيه عن السلف كثيرة وهذه طريقة الشافعى وأحمد بن حنبل " .
ويضيف : " إذا علم هذا تبين غلط من قال : إن التفويض الذى عليه السلف هو علم المعنى وتفويض الكيف ، لأن الذى علم المعنى لا يقال له فوض ، وكيف يفوض شيئاً علم معناه ؟ فهذا تناقض ، يضاف إليه مخالفة السلف فى إثبات الكيف لله تعالى " .
ومضى د. كامل ، قائلاً :
فبينما نرى تضافر نصوص السلف صريحة فى نفى الكيف عن ذات الله وصفاته ، نرى المشبههة يثبتون لله تعالى كيفاً يفوضون معرفته لله !! وهذا يتبين من ثالثاً ، وهذا لا ينفى الفهم الإجمالى ، فنعم للفهم الإجمالى ولا للفهم التكييفى .
ثالثاً : قولهم (بلا كيفية) ، يفيد نفى الكيف عن الله تعالى وعن صفاته العلى ، فالله سبحانه وتعالى لا كيف لذاته العلية ، ولا كيف لصفاته العُلى ، كما دل عليه خبر البيهقى السالف ويضاف إليه ما ذكره الذهبى فى سير أعلام النبلاء عن ربيعة بن عبد الرحمن شيخ الإمام مالك : " وقال أحمد بن عبد الله العجلى فى تاريخه : حدثنى أبى قال : قال ربيعة : وسئل كيف استوى ؟ فقال : الكيف غير معقول ، وعلى الرسول البلاغ ، وعلينا التصديق .
وذكره الحافظ فى الفتح من رواية اللالكائى عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها ، فقال : "وأخرج أبو القاسم اللالكائى فى كتاب السنة من طريق الحسن البصرى عن أمه عن أم سلمه أنها قالت : الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والإقرار به إيمان والجحود به كفر ". ما رواه البيهقى قال :
" وأخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن الحارث الفقيه أنبأ أبو محمد بن حيان ثنا إسحاق بن أحمد الفارسى ثنا حفص بن عمر المهرقانى ثنا أبو داود وهو الطيالسى قال كان سفيان الثورى وشعبة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وشريك وأبو عوانة لا حدون ولا يشبهون ولا يمثلون يروون الحديث ولا يقولون كيف وإذا سئلوا أجابوا بالأثر ، وقال الإمام الترمذى في سننه " .
وقال قال غير واحد من أهل العلم في هذا الحديث ، حديث الصدقة ، وما يشبه هذا من الروايات من الصفات ونزول الرب تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا قالوا قد ثبتت الروايات في هذا ويؤمن بها ولا يتوهم ولا يقال كيف هكذا روى عن مالك وسفيان بن ععينة وعبد الله بن المبارك أنهم قالوا في هذه الأحاديث أمروها بلا كيف وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة " .
فتأمل قوله : ولا يقال كيف ، وقال ابن السمعانى في الأنساب :
" قال البصرى : سمعت أبا الحسين أحمد بن الحسين الخفاف يقول : سمعت الشيخ الجليل أبا محمد المزنى يقول : حديث النزول قد صح ، والإيمان به واجب ، ولكن ينبغي أن يعرف أنه كما لا كيف لذاته لا كيف لصفاته ، ذكره الحاكم أبو عبد الله الحافظ في تاريخ نيسابور فقال : أبو محمد المزني ، كان إمام أهل العلم والوجه وأولياء السلطان بخراسان في عصره بلا مدافعه " ، فهذه نصوص السلف الصالح التى تنفى الكيف عن ذات الله تعالى وصفاته .
وأصرحها قول أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها :الطيف غير معقول وغير المعقول هو المستحيل في ذاته .
ولا شك أن هذه الأمور الإعتقادية ما لا مجال لإجتهاد الصحابة فيها فيكون مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم .
فمن قال أن السلف علموا معاني هذه الصفات وفوضوا كيفها لله تعالى فقد غلط على السلف الصالح وحكى مذهبهم حكاية تخالف نصوص التفويض التام والإمرار والسكوت على عدم الخوض أو التفسير هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فقد خالف السلف والخلف في مسألة الكيف التي نفاها السلف نفياً قاطعاً لا يحتمل التأويل .
وأضاف د.كامل قائلاً : " إذا علمت هذا فاعلم أن التجسيم فرع عن التشبيه ونوع من أنواعه .
فالتجسيم :هو نسبته تعالى إلى الجسمية والتحيز والحد . .ألخ .
فالجسم في اللغة :جماعة من البدن أو الأعضاء من الناس والإبل والدواب وغيرهم من الأنواع العظيمة الخلق.
وقد صرح السلف الصالح بالتبرؤ من نسبة الجسمية لله تعالى كما بالتبرؤ من التشبه بل كل ما ورد من تشنيعهم على المشبهه صالح لإيراده على المجسمة ضرورة أن نفي الأعم يستلزم نفي الأخص والتشبيه أعم كما سيأتي.
ويدخل في التجسيم إثبات الحد لله تعالى وإثبات ظواهر آيات الصفات أو الإضافات وحملها على المعنى اللغوي المقول على المخلوق المماثلة والجسمية ونحو ذلك ما يتعالى الله ويتقدس.
ورد في طبقات الحنابلة في ذكر عقيدة الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه:
"كان الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – يقول لله تعالى يدان وهما صفة له 0 ليستا بجارحتين وليستا بمركبتين ولا جسم ، ولا من جنس المحدود والتركيب والأبعاض والجوارح ولا يقاس على ذلك ، ولا له مرفق ولا عضلة ،ولا فيما يقتضى ذلك من إطلاق قولهم يد إلا ما نطق به القرآن الكريم"
وأنظر إلى قول الإمام احمد رحمه الله تعالى:((ولا فيما يقتضى ذلك من إطلاق قولهم يد.. الخ))
فمفهوم كلامه أن هذا اللفظ على ظاهره وإطلاقه له مفهوم وظاهر متبادر إلى الذهن من الوضع اللغوي والاستعمال البشرى هذا المفهوم له لوازم ذهنية مثل التبعيض:المرفق-العضلة...الخ لا تليق بذات الله تعالى.
فأهل السنة والجماعة ينفون-ولا يتوقفون أبدا-هذه اللوازم الباطلة عن صفاته تعالى.
فأين هذا ممن يدعى أن مذهب السلف هو فهم هذه الآيات على ظواهرها المتبادرة إلى الذهن من الوضع اللغوي،وكأنه فهم أن مراد السلف من الإجراء على الظاهر هو الحمل على المعنى اللغوي العام.
وهذا ينفيه الإمام أحمد صراحة بقوله السالف : " ولا فيما يقتضي..ألخ"
وينبغي أن يفهم إجراء الآيات على ظواهرها في ضوء قولهم "أمروها كما جاءت وقراءتها تفسيرها ،وأيضاً قول الإمام أحمد إلا ما نطق به القرآن "
وقال أبو الفضل التيمي رئيس الحنابلة ببغداد :
" وأنكر أحمد على من قال بالجسم وقال : إن الأسماء مأخوذة منة الشريعة واللغة وأهل اللغة وضعوا هذا الإسم – يعني الجسم – على ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف ،و الله سبحانه وتعالى خارج عن ذلك ، ولم يجيء في الشريعة ذلك .نقله الحافظ البيهقي في مناقب الإمام أحمد وفي طبقات الحنابلة لأبي يعلى أن الأمام أحمد كان يقول :والله تعالى لم يلحقه تغير ولا تبدل ولا يلحقه الحدود قبل خلق العرش ولا بعد خلق العرش" .
وقال الإمام بن الجوزي في مجالسه في المتشابهات : " وليس الخلاف في اليد وإنما الخلاف في الجارحة وليس الخلاف في الوجه ولكن الخلاف في الصورة الجسمية وليس الخلاف في العين ولكن الخلاف في الحدقة" . .
وقال ابن الجوزي في المصدر السابق يروى أن أحمد ابن حنبل رضي الله عنه سأله ولده عبد الله عن قول الرسول صلى الله عليه وسلم "خمرت طينة آدم بيدي أربعين صباحاً" فقال له :"يا بني إذا سألت عن اليد في جهة الخالق فينبغي أن تقطع يدك أو تخبئها في كمك...إلخ"
فأين يذهب من يدعي أن السلف الصالح توقفوا في إثبات أو نفي الجسمية لله تعالى ، لأن النصوص لم ترد بذلك بنفي ولا إثبات هاهي نصوص السلف ناطقة بكذب دعواه وبطلانها"
حيث صرحوا بذم الأعم وهو التشبيه وذم الأخص وهو التجسيم ونسبوا قائله إلى التبديع بل إلى التكفير والخروج من ملة المسلمين .
وأعود إلى ما نقلته عن إمام الصوفية (الجيلاني) فأقول :نعم فهذا هو صحيح إعتقاد الإمام أحمد بن حنبل ولا يكون وليا بلا هذا الإعتقاد" .
وفي هذا عرض د.كامل مجموعة من النقول من كبار الصحابة والتابعين وأئمة المذاهب الأربعة وغيرهم التي تدل على تنزيه الله تعالى عن المكان والجهة " .
ومنها قول الصحابي الجليل والخليفة الراشد سيدنا رضي الله عنه مانصه :"كان – الله- ولامكان وهو الآن على ما – عليه – كان" أي بلا مكان
وقال أيضاً : "إن الله تعالى خلق العرش إظهاراً لقدرته لا مكاناً لذاته .
وقال أيضاً : " من زعم أن إلهنا محدود فقد جهل الخالق المعبود " والمحدود : ماله حجم صغيراً كان أوكبيراً".
وقال التابعي الجليل الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي وقال الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد المعروف بابن حجر الهيثمي الأشعري ما نصه : " عقيدة إمام السنة أحمد بن حنبل رضي الله عنه موافقة لعقيدة أهل السنة والجماعة من المبالغة التامة في تنزيه الله تعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علواً كبيراً من الجهة والجسمية وغيرهما من سائر سمات النقص بل وعن كل وصف ليس فيه كمال مطلق وما اشتهر بين جهلة المنسوبين إلى هذا الإمام الأعظم المجتهد من أنه قائل بشيء من الجهة أو نحوها فكذب وبهتان وإفتراء عليه" .
وقال الشيخ العلامة أبو البركات أحمد بن محمد الدردير المالكي المصري عن الله تعالى ما نصه : " منزه عن الحلول والجهة والاتصال والإنفصال والسفه" .
وقال الحافظ اللغوي الفقيه السيد محمد مرتضى الزبيدي الحنفي ما نصه "إنه سبحانه لا مكان له ولا جهة " .
وذكر الشيخ محمد الخضر الشنقيطي مفتي المدينة المنورة في كتابه " إستحالة المعية بالذات"
تنزيه الله عن المكان والجهة وما ورد فيه : " أن الله تعالى ليس بجسم فلا يحتاج إلى مكان يستقر فيه فقد كان ولا مكان .. والباري... سبحانه لا تحويه جهة إذا كان موجوداً ولا جهة ".
وجاء في مجلة دعوة الحق تصدرها وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمملكة المغربية ما نصه : " يتفق الجميع من علماء أهل السلف من أهل السنة وخلفهم – وكذا العقلانيون من المتكلمين – على أن ظاهر الإستواء على العرش بمعنى الجلوس على كرسي والتمكن عليه ولتحيز فيه مستحيل لأن الأدلة القطعية تنزه الله تعالى عن أن يشبه خلقه أو أن يحتاج إلى شيء مخلوق سواء أكان مكاناً يحل فيه أو غيره وكذلك لأنه سبحانه نفى عن نفسه المماثلة لخلقه في أي شيء فأثبت لذاته الغنى المطلق فقال تعالى : [ ليس كمثله شيء ]
وجاء في مجلة الأزهر وهي مجلة علمية تاريخية تصدرها مشيخة الأزهر الشريف بمصر لهؤلاء فنشر أكثر من مقال لإبطال مزاعمهم تحت عنوان "تنزيه الله عن المكان والجهة " ومما جاء فيها "والأعلى" صفة الرب والمراد بالعلو العلو بالقهر والإقتدار لا بالمكان والجهة لتنزهه عن ذلك "
وهذا المقال صدر عن مشيخة الأزهر منذ أكثر من ستين سنة ما يدل على حرصه على التصدي والرد عهلى الشبهات.
بيان أصل نشوء التشبيه عند أهل الإسلام
ينقل د.كامل نص ما قاله أبو محمد بن حزم في الفصل :
" في أول ورقة من توراة اليهود التي عند ربانييهم وعانانيهم وعيسويه حيث كانوا في مشارق الأرض ومغاربها لا يختلفون فيها على صفة واحدة ، لو رام أن يزيد فيها لفظة أو ينقص أخرى لأفتضح عند جميعهم مبلغة ذلك إلى أحبارهم الذين كانوا أيام ملك الهارونية لهم قبل الخراب الثاني بدهر يذكرون أنها مبلغة ذلك من أولئك إلى عذراء الوراق الهاروني في صدرها :"قال الله تعالى أصنع بناء آدم كصورتنا كشبهنا" ، قال محمد بن حزم : ولو لم يقل إلا كصورتنا لكان له وجه حسن ومعنى صحيح وهو أن نضيف الصورة إلى الله تعالى إضافة الملك والخلق كما تقول هذا عمل الله ، وتقول للقرد والقبيح والحسن :هذه صورة الله أي تصوير الله والصفة التي إنفردت بملكها وخلقها لكن قوله كشبهنا منع التأويلات وسد المخارج وقطع السبل وأوجب شبه آدم لله عزوجل ولابد من ضرورة وهذا يعلم بطلانه ببديهة العقل إذ الشبه والمثل واحد وحاشى لله أن يكون له مثل أو شبه ".
وقال الإمام العلامة -ابو المظفر الإسفراييني صاحب كتاب التبصير في الدين بخصوص المشبهه منهم :
" هم الأصل في التشبيه ول من قال قولاً في دولة الإسلام بشيء من التشبيه فقد نسج على منوالهم ".
أما عن الأصول المنهجية لعقائد المشبهة والمجسمة فنقل د.كامل قول الإمام أبو الحسن الأشعري الذي تبين طرائق المجسمة والمشبهة :
" هذا شرح إختلاف الناس في التجسيم قد أخبرنا عن المنكرين للتجسيم أنهم يقوقون إن البارئ جل ثناؤه ليس بجسم ولا محدود ولا ذي نهاية ونحن الآن نخبر أقاويل المجسمة وإختلافهم في التجسيم أختلف المجسمة فيما يبنهم في التجسيم وهل للبارئ تعالى قدر من الأقدار وفي مقداره على ست عشرة مقالة .
فقال هشام بن الحكم : إن الله تعالى جسم محدود عريض عميق طويل طوله مثل عرضه وعرضه مثل عمقه نور ساطع له قدر من الأقدار بمعنى أن له مقداراً في طوله وعرضه وعمقه لا يتجاوزه في مكان دون المكان وحكي عنه أنه قال هو جسم لا كالأجسام ومعنى ذلك أنه شيء موجود وقد ذكر عن بعض المجسمة أنه كان يثبت البارئ ملوناًويأبى أن يكون ذا طعم ورائحة ومجسة وأن يكون طويلاً وعريضاً وعميقاً وزعم أنه في مكان دون المكان متحرك من وقت خلق الخلق.
وقال قائلون :إن البارئ جسم وأنكروا أن يكون موصوفاً بلون أو طعم أو رائحة أو مجسة أو شئ ما وصف به هشام غير أنه على لعرش ماس له دون سواه.
واختلفوا في مقدار البارئ بعد أن جعلوه جسماً فقال قائلون هو جسم وهو في كل مكان وفاضل عن جميع الأماكن وهو مع ذلك متناه غير أن مساحته أكثر من مساحة العالم لأنه أكبر من كل شيء وقال بعضهم مساحته على مقدار العالم وقال بعضهم إن البارئ جسم له مقدار في المساحة ولا ندري كم ذلك القدر ، وقال بعضهم هو في أحسن الأقدار وأحسن الأقدار أن يكون ليس بالعظيم الجافي ولا القليل القميء وحكي عن هشام بن الحكم أن أحسن الأقدار أن يكون سبعة أشبار بشبر نفسه يتجاوزه في مكان دون مكان كالسبيكة الصافية يتلألأ كاللؤلؤة المستديرة من جميع جوانبها ذو لون وطعم ورائحة ومجسة لونه هو طعمه وهو رائحته وهو مجسته وهو لوننفسه ولم يثبت لونا غيره وأنه يتحرك ويسكن ويقوم ويقعد وحكي عنه أبو الهذيل أنه أجابه إلى أن جبل أبي قبيس أعظم من معبوده.
وقال داود الجواريي ومقاتل بن سليمان : إن الله جسم وأنه جثة على صورة الإنسان لحم ودم وشعر وعظم له جوارح وأعضاء من يد ورجل ولسان ورأس وعينين وهو مع ذلك لا يشبهه غيره وحكي عن الجواريي أنه كان يقول :أجوف من فيه إلى صدره ومصمت ما سوى ذلك وكثير من الناس يقولون هو مصمت ويتأولون قول"الله الصمد" : المصمت الذي ليس بأجوف وقال هشام بن سالم الجواليقي إن الله تعالى على صورة الإنسان وأنكر أن يكون لحما ودما وأنه نور على نور ساطع يتلألأ بياضاً وأنه ذو حواس خمس كحواس الإنسان سمعه غير بصره وكذلك سائر حواسه يد ورج وأذن وعين وأنف وفم وأن له وفرة سوداء وممن قال بالصورة من ينكر أن يكون البارئ جسماً ومن قال بالتجسيم من ينكر أن يكون البارئ صورة.
وحول مسألة قدم العالم بالنوع التي يتذرع بها الوهابيون يقول د.كامل :
العالم هو ما سوى الله تعالى وقد ذهبت الطوائف والفرق في خلق هذا العالم عدة مذاهب يتبين من ذكرها على الإجمال معنى القدم النوعي .
فقد ذهبت الفلاسفة إلى أن العالم له مادة خلق منها – أو فاضت عن الله – وله صورة مشاهدة هي السبب في إختلاف أفراد العالم وتنوعه وقد ذهب الفلاسفة إلى قدم المادة وحدوث الصورة فالعالم عندهم من حيث المادة قديم لا أول له .
وذهب أهل السنة وعامة الطوائف والفرق الإسلامية إلى أن العالم حادث وجد بعد العدم و-ان الله تعالى كام ولا شيء معه وقد نقل بن حزم اإجماع على هذا الإعتقاد حيث قال في كتابه مراتب الإجماع :
" باب من الإجماع في الإعتقادات يكفر من خالفه بالإجماع إتفقوا أن الله تعالى وحده لا شريك له خالق كل شيء غيره وأنه تعالى لم يزل وحده ولا شيء غيره معه ثم خلق الأشياء كلها كما شاء وأن النفس مخلوقة والعرش مخلوق والعالم كله مخلوق .
وقال الأستاذ أبو منصور البغدادي في الفرق بين الفرق أيضاً :" وقد زعم البصؤيون من القدرية أن الجواهر والأعراض كانت قبل حدوثها جواهراً وأعراضاً وقول هؤلاء يؤدي إلى القول بقدم العالم والقول الذي يؤدي إلى الكفر كفر في نفسه ".
وقد ركب بعضهم –كابن تيمية من هذه الأقوال قولاً لم يسبق إليه ، مفاده أن الله تعالى لم يزل خلقه معه لا إلى أول فالعالم قديم والنوع والحدوث والتجدد أنما يكون في الإفراد لا في جنس العالم .
وقال في هذه المسألة ابن دقيق العيد أيضاً كما في فتح الباري ما نصه :" وقع هنا ممن يدعي الحذق في المعقولات ويميل إلى الفلسفة ويميل إلى الفلسفة فظن أن المخالف في حدوث العالم لا يكفر لأنه من قبيل مخالفة الإجماع وتمسك بقولنا إن منكر الإجماع لا يكفر على الإطلاق حتى يثبت النقل بذلك متواتراً عن صاحب الشرع ،وقال :وهو تمسك ساقط إما عن عمى في البصيرة أو تعام لأن حدوث العالم من قبيل ما إجتمع فيه الإجماع والتواتر بالنقل" إنتهى
وقد أنكر بن تيمية في نقد مراتب الإجماع أن يكون هناك إجماع على " أن الله لميزل وحده ولا شيء معه غيره".
ولشناعة هذا القول وإقترابه إن لم يكن تطابقه مع مذهب الفلاسفة تبرأ منه الألباني ورده على بن تيمية وتمنى أن لم يكن صدر منه هذا القول : قال الألباني في الأحاديث الصحيحة عن حديث : "إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم " ما نصه :
" وفيه رد أيضاً على من يقول بحوادث لا أول لها وأنه ما من مخلوق إلا ومسبوق بمخلوق قبله وهكذا إلى مالا بداية له بحيث لا يمكن أن يقال: هذا أول مخلوق فالحديث يبطل هذا القول ويعين أن القلم هو أول مخلوق ، فليس قبله قطعاً أي مخلوق ، ولقد أطال بن تيمية الكلام في رده على الفلاسفة إثبات الحوادث لا أول لها وجاء في أثناء ذلك بما تحار فيه العقول ولا تقبله أكثر القلوب" .
ثم قال الألباني بعد ثلاثة أسطر :" فذلك القول منه غير مقبول بل هو مرفوض بهذا الحديث وكم كنا نود ألا يلج بن تيمية هذا المولج لأن الكلام فيه شبيه بالفلسفة وعلم الكلام ".
وقال الألباني في شرحه "المختصر" للعقيدة الطحاوية ص 35 ما نصه :
"فإني أقول الآن سواء كان الراجح هذا أم ذلك فالإختلاف المذكور يدل بمفهومه على أن العلماء إتفقوا على أن هناك أول مخلوق والقائلون بالحوادث لا أول لها مخالفون لهذا الإتفاق لأنهم يصرحون بأن ما من مخلوق إلا وقبله مخلوق وهكذا إلى ما لا
أول له، كما صرح بذلك بن تيمية في بعض كتبه فإن قالوا العرش أول مخلوق كما هو ظاهر كلام الشارح نقضوا قولهم بحوادث لا أول لها وإن لم يقولوا بذلك خالفوا الإتفاق فتأمل هذا فإنه مهم ، والله الموفق" انتهى
وحول تفسير المقام المحمود ينقل د.كامل ما ذكره بن تيمية في مجمع الفتاوى (4/373) :
" إذاً يتبين هذا فقد حدث للعلماء المرضيون وأولياءه المقبولون : أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم يجبسه ربه على العرش معه روى ذلك محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في تفسير " عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً" وذكر ذلك مو وجوه أخرى مرفوعة قال بن جرير : وهذا ليس مناقضاً لما إستفاضت به الأحاديث من أن المقام المحمود هو الشفاعة باتفاق الأئمة من جميع من ينتحل الإسلام ويدعيه لا يقول إن إجلاسه على العرش منكر وإنما أنكره بعض الجهمية ".
وهنا أيضاً يقع ابن تيمية كما يقول د.كامل في خطأ على ابن جرير لأنالإمام الطبري بحكي الأقوال الواردة ثم عو يختار القول الصحيح في المقام المحمود أنه الشفاعة فيقول في الجزء (15ص98): ( وأولى القولين في ذلك الصواب ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وذلك ما حدثنا به أبو كريب قال ثنا ... عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً سئل عنها قال هي الشفاعة" .
ثم ابن جرير يبين أن القول بإجلاس النبي على العرش ليس مدفوعاً كمن جهة الخبر أو النظر وهذا بخلاف قولبن تيمية في قوله "يجلسه ربه على العرش معه " فأين من هذا كلام بن جرير وجلوس النبي صلى الله عليه وسلم على العرش محذور فيه أما المنوع فهو نسبة الجلوس إلى الله تعالى . فابن جرير يقول : ما قاله مجاهد من أن الله تعالى يقعد محمداً صلى الله عليه وسلم على عرشه قول غير مدفوع صحته لا من جهة الخبر ولا نظر فابن جرير لا يقول بجلوس الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً وإنما يقول بجواز جلوس النبي على العرش جوازاً عقلياً ، وابن جرير إمام منزه يمنع القول بالجهة كما هو معلوم.
وقال الحافظ أبو حيان في تفسيره النهر الماد ما نصه :
" وقرأت في كتاب لأحمد بن تيمية هذا الذي عاصرنا وهو بخطه سماه كتاب العرش : أن الله تعالى يجلس على الكرسي وقد أخلى منه مكاناً يقعد فيه معه رسول الله صلى الله عليه وسلم تحيل عليه التاج محمد بن علي بن عبد الحق البارنباري وكان أظهر أنه داعية له حتى أخذه منه وقرأنا ذلك فيه ".
وقد أثبت هذه العقيدة ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد حيث قال :" فائدة قال القاضي صنف المروري كتاباً في فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر فيه إقعاده على العرش..."
ثم قال ابن القيم بعده قلت وهو قول ابن جرير الطبري وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير وهو قول ابن الحسن الدارقطني ومن شعره فيه :
حديث الشفاعة عن أحمد إلى أحمد المصطفى مسنده
وجاء حديث بإقعاده على العرش أيضاً فلا نجحده
أمروا الحديث على وجهه ولا تدخلوا فيه ما يفسده
ولا تنكروا أنه قاعد ولا تنكروا أنه يقعد
إنتهى كلام ابن القيم من كتابه (بداع الفوائد)
وحول إنكار الألباني لذلك ورده عليه يقول د.كامل :
لقد رد الألباني هذه العقيدة في مقدمة (مختصر العلو) ص20 حيث قال:
"قلت : وقد عرفت أن ذلك لم يثبت عن مجاهد بل صح عنه ما يخالفه كما تقدم وما عزاه للدار قطني لا يصح إسناده كما بيناه في الأحاديث الضعيفة (8/870) وأشرت إلى ذلك تحت ترجمة الدار قطني الآتية وجعل ذلك قولاً لابن جري فيه نظر"
ثم قال الألباني في آخر تلك الصفحة :
" وخلاصة القول إن قول مجاهد هذا- وإن صح عنه لا يجوز أن يتخذ دينا وعقيدة مادام أنه ليس له شاهد من الكتاب والسنة فيا ليت المصنف إذ ذكره عنه جزم وعدم صلاحيته للاحتجاج به ، ولم يتردد فيه".
إنتهى كلام الألباني فتأمل!
أما صحته عن مجاهد ففيها نظر كبير فقد قال الذهبي في ميزان الإعتدال "ومن أنكر ما جاء عن مجاهد قوله في تفسير [ عسى أن يبعثك ريبك مقاماً محموداً] قال : يجلس معه على عرشه".
وقال في رواية مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس " وفيها زيادة حتى تمس ركبته ركبته تعالى -الله عما يقولون – فهذا لعله وضعه أحد أصحاب هؤلاء أصحاب مقاتل أو القادسي".



#فكرى_عبد_المطلب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعد أن صار العالم الحداثى افتراضيا وما بعده حقيقيا .. العقل ...
- مستقبل الحركات الاسلاموية فى مجتمع العولمة..- الاخوان - مثال ...


المزيد.....




- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى
- “ثبتها الآن” تردد قناة طيور الجنة 2024 Toyor Aljanah لمشاهدة ...
- بعد اقتحامات الأقصى بسببه.. ماذا نعرف عن عيد الفصح اليهودي ا ...
- ما جدية واشنطن في معاقبة كتيبة -نيتسح يهودا- الإسرائيلية؟
- بالفيديو.. مستوطنون يقتحمون الأقصى بثاني أيام الفصح اليهودي ...
- مصر.. شائعة تتسبب في معركة دامية وحرق منازل للأقباط والأمن ي ...
- مسئول فلسطيني: القوات الإسرائيلية تغلق الحرم الإبراهيمي بحجة ...
- بينهم طلاب يهود.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين تهز جامعات أمري ...
- أسعدي ودلعي طفلك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي عل ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فكرى عبد المطلب - التحريفات الوهابية لعلوم التوحيد الإلهى والحديث النبوى .. قراءة فى المناهضات الوهابية لمناهج النقل والعقل لدى السلف المسلم