أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - محمد الهجابي - قريباً من الواقع الجديد، بعيداً عن لغة الخشب!















المزيد.....

قريباً من الواقع الجديد، بعيداً عن لغة الخشب!


محمد الهجابي

الحوار المتمدن-العدد: 3567 - 2011 / 12 / 5 - 18:46
المحور: ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011
    


من نافل القول إنّ مقدمات الحراك الشعبي الذي عمّ البلاد العربية لم تكن وليدة اليوم. لا بدّ من الإقرار بأنّ النضالات الشعبية والديموقراطية التي عرفتها العقود الفائتة من أجل الحرية والديموقراطية والخبز، في ظل شروط سياسية محلية صعبة، قد مهّدت لهذه الانطلاقة الجديدة للكفاح الشعبي. وثمّة عوامل أخرى، في راهن الحال، ساعدت على تسريع وتيرة هذا النهوض الشعبي الكاسح. ومن ذلك، الأزمة الاقتصادية المتعاظمة التي أدت إلى تفاقم البطالة بين الشباب المتعلّم، واستفحال الفساد والاستبداد داخل الأنظمة السياسية العربية القائمة، ثمّ انسداد آفاق العمل بأوروبا، والشعور بالغبن الذي مسّ المواطن العربي...
وعليه، فإنّ الطابع العفوي الذي وسم هذا الحراك الشعبي لا شكّ هو امتداد للحراك الشعبي المتقطع والمحدود أحياناً، والواسع أحياناً أخرى، الذي شهدته العقود السابقة. الجديد في هذا الحراك الشعبي يمكن اختزاله في ثلاثة عناصر أساسية: 1) الانخراط الكبير للشباب في تصدر حركات الاحتجاج؛ وهو الانخراط الذي ساهمت فيه وسائل دعاية جديدة (المواقع الاجتماعية الإلكترونية بخاصة). 2) التزام هذه الحركات الاجتماعية بالطابع الجماهيري السلمي لتحقيق مطالبها؛ وهي مطالب لم تقف عند سقف المطالب الاجتماعية الاقتصادية التي عادة ما يطلق عليها ب"المطالب الاقتصادية" أو ب"المطالب الخبزية"، وإنّما تعدّتها بإلحاح إلى مطالب سياسية تدرّجت، ضمن التجربة النضالية اليومية، إلى المطالبة بإسقاط الأنظمة. 3) توسّع رقعة الحركات الاجتماعية لتشمل جلّ البلدان العربية، إذ تصادت بين المغرب والمشرق كأنّما كانت تنتظر فقط إشارة الانطلاقة. وهذه خاصية لربّما هي استثنائية بالمقارنة مع سابق احتجاجات الحركات الاجتماعية. فلم تكن قضية قومية، هذه المرّة، من قبيل القضية الفلسطينية، كما كان مألوفاً، هي التي مثّلت خلفية الاحتجاج، بل قضية الديموقراطية والأوضاع الاجتماعية القطرية، والمتشابهة عربياً.
فكيف كان وضع القوى السياسية الديموقراطية في هذا الحراك الشعبي؟
لن نجانب الصواب إذا قلنا إن وضع قوى اليسار بخاصة، خلال بدايات الحراك الشعبي، لم يكن بالوضع المريح، لعوامل نجملها في الآتي:
أ _ لم تكن قوى اليسار مهيّأة لهذا الحراك، حتّى وإن كانت ساهمت في تهيئ شروطه في أوقات سالفة. لم تكن محضّرة له سياسياً وتنظيمياً. لذا صعب عليها دخوله منذ بداياته، وتأطيره والانتقال به، بالتالي، من لحظة العفوية إلى لحظة التوجيه بما يخدم مهمات سياسية مرحلية ومحددة.
ب _ من الواضح أنّ إقصاء اليسار من طرف الأنظمة من تدبير الشأن السياسي الوطني والمحلي لسنوات، أو ابتعاده عنه من قبل هذه القوى لأسباب ذاتية، أفضى إلى وجود خصاص لدى اليسار في متابعة ما يجري داخل الجسم الشعبي، فضلاً عن غياب الخبرة في التسيير الإداري لشؤون المواطنين.
ج _ وبالنتيجة، ظلّ اليسار يشتغل كقوى للمعارضة، وليس كقوى للسلطة. غياب أفق السلطة برنامجياً وتنظيمياً وتحضيراً ذاتياً وشعبياً زجّ بقوى اليسار في خانة "المعارضة الدائمة"، وإن فكّرت في السلطة فهي لا تشتغل باعتبارها قوى لتدبير الحكم ضمن نظام ديموقراطي تعددي، وإنّما بوصفها قوى مشاركة أو مكمّلة فحسب لقوى سياسية أخرى نافذة في إطار القائم من وضع. وحتّى في هذه الحالة لم تتمكّن من التوفيق بين المشاركة في السلطة وبين الإبقاء على علائقها مع فئات الشعب الواسعة (حالة المغرب نموذجاً).
د _ غياب زعامات سياسية للقيادة، ونخب من الأطر الحزبية، أو من محيطها، للعمل الحكومي. والحال، أنّه من المفترض أن تتوفر قوى اليسار على زعامة وازنة، وليس بالضرورة تاريخية. مثلما من المفروض أن تشتغل قوى اليسار ضمن قيادات وظيفية في تدبير الشأن السياسي الوطني (على غرار ما يطلق عليه بحكومة الظلّ أو بالسلطة المضادّة)، وتدبير الشأن المجتمعي المحلي عبر الهيئات المحلية المنتخبة. ولعلّ في تسيير هذه الهيئات الأخيرة وتدبير شؤونها ما يفيد في ترسيخ قواعد التسيير لدى أطرها ومناضليها، وتركيز عملها القاعدي في أفق التهيئ للتدبير العام على صعيد السلط المركزية بما في ذلك السلطة التنفيذية. الشعب في حاجة لمن يحكمه، أي لمن يجد مخارج لمشاكله اليومية ولمعضلات البلد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في حدود القابل للتنفيد. إنّ التنظيم الحزبي الذي يقود البلد، القيادة السياسية المسؤولة، هو التنظيم المؤهل لضمان السند الشعبي.
ه _ تقودنا هذه المعطيات إلى الإشارة إلى أنّ قوى اليسار (الشيوعية بخاصة) احتفظت برؤى في الفكر والسياسة والتنظيم تكرّس تقاليد اللينينية والستالينية؛ تقاليد لم تؤد إلى نظام ديموقراطي تعددي ومدني وعقلاني وعلماني وحداثي، كما هو معرف، وشهدت به وقائع "ربيع أوروبا الشرقية" نهايات ثمانينات القرن العشرين. ومن تمظهرات هذا النهج في التحليل والعمل:
.فكرياً: اعتماد تحاليل طبقوية ميكانيكية ذات قاع إيديولوجي غير عقلاني. لقد أظهرت تجربة ما كان يسمى ب"المعسكر الاشتراكي" أن الأنظمة التي كانت تحكمه لم تكن فقط أنظمة بيروقراطية فقط، وإنّما هي أنظمة توتاليتارية (كليانية وشمولية) في المقام الأول، لأنّها بالضبط غيّبت القانون والديموقراطية وحقوق الإنسان من منظوماتها الفكرية.
وللأسف، لم تستفد قوى اليسار ممّا جرى ب"البلدان الاشتراكية". ذلك أنّ الذي سقط (أو انهار بالأحرى) في هذه البلدان ليس هو أحزاب شيوعية حاكمة أو نافذة، وإنّما أنظمة توتاليتارية حكمت الحزب والدولة والمجتمع في الآن نفسه. وما لم تتخلّص أحزاب اليسار من الثقافة السياسية الشمولية، وهي مسألة فكرية وثقافية بالأساس، فلن تفعل سوى على الإبقاء على روح الاستبداد في مختلف بناها، وهو ما يخالف روح العصر.
.سياسياً: التركيز على الدعاية والتحريض لشعارات سياسية، أحيانا لا تخلو من مزاودة (ذات فهم انقلابي للثورة، وذات فهم مفوّت للإصلاح، لا يأخذ في الحساب مفهوم التراكم التدريجي) عوض صياغة برامج للحكم من شأنها حشد أوسع القوى الشعبية والسياسية ضمن نظام سياسي مدني وتعددي قوامه القانون المتفق عليه، والذي يحكم الجميع.
.تنظيمياً: اعتماد عمل حزبي عصبوي وعسكري في روحه، وليس مدنياً (الخلية، أنظمة داخلية وأساسية مركزية)، يقوم على الديموقراطية، والتعدد في الرأي والاختلاف فيه..)، إنه عمل حزبي أقرب إلى التنظيمات المحاربة منه إلى عمل مدني. وليس بغريب أن تجد قوى اليسار صعوبات في تمثّل مفاهيم "الاندماج الحزبي" بين تيارات (أو أحزاب) فكرية وسياسية، أو الوحدة الحزبية بين أطراف سياسية مختلفة. إن الثقافة العصبوية عنصر مناهضة لأيّ وحدة بين تيارات عدة في أفق حزب كبير. والظاهر، أنّه لم يعد الواقع الجديد يستسيغ وجود التنظيمات الصغيرة، فلا مستقبل حقيقي لهذه الأخيرة.

و _ لم يعد قابلاً، اليوم، التعامل مع "قطاعات" النساء والشباب والإعلام، وقطاعات "المجتمع المدني" أو النقابي، باعتبارها "قطاعات حزبية موازية". إنّه فهم فضلاَ عن أنّه ضيق، فهو لا يستجيب لخوصيات الأوضاع المجتمعية والسياسية الراهنة. توفّر هذه "القطاعات" على هامش من واسع من الاستقلالية، بات أمراً قائماً.
فهم للوحدة بين القوى السياسية ما يزال محكوماً بخلفية طبقوية؛ فهو لم يرق إلى التأسيس لأوسع نطاق من التجميع والتكتل على قاعدة البرنامج السياسي.
ز _ هناك عنصر أساس، في الحاصل من أحوال اليسار، ويرتبط بدور الأنظمة السياسية القائمة في تقزيم المساحة السياسية (المجال السياسي العام) للتحرّك، وضرب الحصار على الممارسة السياسية المدنية والسلمية التي من شأنها أن تؤسِّس لتقاليد العمل السياسي السلمي والمتحضّر الذي يعتمد الديموقراطية الحديثة والإنسانية فلسفة سياسية في التباري على السلطة وتدبيرها.
ن _ يجرّنا هذا إلى القول إنّ قوى اليسار (الشيوعي، بخاصة) بقيت في جوهر تفكيرها، كما في سياستها، بمثابة قوى برّانية على مجتمعاتها، كوسمبوليتية _أممية بالأحكم، أي قوى عابرة من فوق التربة المحلية. إنّ الفكر السياسي العابر، والمهاجر، هو فكر برّاني لا يكمن أن يكون فكراً متصالحاً مع معطيات الواقع المحلي. ومن هنا، سيظل فكراً سياسياً يعاني الاغتراب القاتل. وليس ثمّة من مخرج لقوى اليسار غير إحداث ثورة ثقافية سياسية تمسّ الفكر (الإيديولوجيا) والسياسة والتنظيم، وهو أمر يحتاج إلى شجاعة وجرأة وإرادة. وما عدا ذلك، لا أرى من مآل لمستقبل اليسار سوى القهقرى والاضمحلال والهامشية والانعزالية.
إنّ الحراك الشعبي الحالي يدعو قوى التقدم إلى إعادة النظر في منهجيات التفكير والممارسة الحزبية الحاصلة إلى حد الساعة. إنّه فرصتها لكي تتصالح مع معطيات الواقع كما هو، لا كما هو متخيّل، وتتصالح مع المدنية والتحضّر والديموقراطية بمعناها الحداثي والحديث الواسع. و إذا ما جاز لي أن أعدّد بؤر هذه المراجعة المطلوبة، فإنّني أختزلها في ثلاث بؤر:
_ من أجل تنظيمات سياسية ديموقراطية، وليست تنظيمات إيديولوجية؛ أي من أجل تنظيمات للحكم بالأساس.
_ من أجل تنظيمات مدنية واسعة؛ وهو ما يستوجب إعادة النظر في مفهوم النضالية والحزبية.
_ من أجل تنظيمات تعتمد تدبير شؤون الناس عبر المؤسسات المنتخبة المحلية والوطنية؛ وهو ما يفرض تأهيل العمل الحزبي لممارسة الشأن المحلي والعام.
_ من أجل الإطاحة بكلّ الأصنام والمسكوكات التي تعيق تطور الفكر العقلاني والعلماني والديموقراطي داخل الجسم الحزبي اليساري (عبودية أفراد، عبودية أسماء وشعارات، عبودية رموز وشارات، الكراهية للثقافة الواسعة والعلمية الإنسانية المتعددة والمختلفة..إلخ)، والتأسيس لثقافة سياسية جديدة تبجّل المساواة، وتحرّض على الحرية والتطوع، والإقناع بالحجة والعلم، والتداول في المسؤولية.. وهلمجراً.
______________
أصدقائي الأعزاء في "مؤسسة الحوار المتمدن"،
ليس من باب الإطراء القول إنّ منبركم "مؤسسة الحوار المتمدن" لعب دوراً مهماً في تسهيل عملية تبادل النظر في قضايا الفكر والسياسة والثقافة السياسة لدى قوى اليسار والديموقراطية، بمختلف تلاوينها. وهذا يحسب، بفخر، لهذا المنبر المتألق. وليس من المنتظر أن تحصل القناعة بهذا الرأي أو ذاك، بيد أنّ المهمّ، في الموضوع، هو أن تتفتّح الخواطر لكلّ الآراء، وأن "تتمدّن" في حواراتها، مع التحلّي بالجرأة الضرورية في الطرح واحترام الآخر.
وتهمّني الإشارة هنا، بالمناسبة، إلى أنّ اليسار أهمل، لوقت طويل، المسألة القانونية في فهم الدولة والسلطة. ولقد حان الوقت لجعل هذه المسألة تتصدّر تفكيره. قناعتي بأنّ غياب المسألة القانونية في ثقافة اليسار أدت إلى أحوال درامية في معالجة القضايا الخلافية سواء أثناء وجود اليسار في السلطة أو وجوده في المعارضة.

هنيئاً ل"مؤسسة الحوار المتمدن" بالذكرى العاشرة لانطلاقته الموفقة.
دام لكم البذل والعطاء
محبتي
*محمد الهجابي (كاتب وروائي من المغرب)



#محمد_الهجابي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دروسٌ منَ الانتخاباتِ التونُسيةِ
- في -النموذج السياسي التركي-
- في كيف يجري ابتذال مفهوم -البرنامج السياسي-
- أي معنى للتحالفات الحزبية الجارية بالمغرب في أفق الانتخابات ...
- في مناهضة الفساد والاستبداد بالمغرب
- النشر في المواقع الإخبارية الإلكترونية/ بين الإمكان والمانع
- سياسيونا والكتابة
- في عملية -تفريخ الأحزاب- بمغرب اليوم


المزيد.....




- نرجس محمدي: لماذا تتنازل طهران؟
- الكمين الثالث -انتصارا لدماء السنوار-.. -القسام- تعرض مشاهد ...
- طهران.. انتقادات للدور التركي في سوريا
- مواصي خان يونس.. مجزرة جديدة
- لافروف يحذر من إرسال قوات إلى أوكرانيا
- بعد حلب وحماة.. هل تتجه سوريا للتقسيم؟
- مع اقتراب عيد رأس السنة.. بوتين يتعهد بتحقيق أمنيات ثلاثة أط ...
- -كتائب القسام- تعلن استهداف قوة إسرائيلية راجلة جنوب غزة
- ماكرون: سأقوم بواجباتي كرئيس حتى نهاية ولايتي في 2027
- حميميم: الجيش السوري مدعوما بالقوات الجوية الروسية يصفي نحو ...


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ملف - حول دور القوى اليسارية والتقدمية ومكانتها في ثورات الربيع العربي وما بعدها - بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحوار المتمدن 2011 - محمد الهجابي - قريباً من الواقع الجديد، بعيداً عن لغة الخشب!