أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فايز صلاح أبو شمالة - أدق المواقف ما كان متوازناً















المزيد.....

أدق المواقف ما كان متوازناً


فايز صلاح أبو شمالة

الحوار المتمدن-العدد: 1050 - 2004 / 12 / 17 - 10:06
المحور: الادب والفن
    


لا يتنكر عاقل للمشاعر التي اختلجت في قلب اليهودي فيكتور نحمياس وهو يعود زائراً إلى مسقط رأسه وبيته الذي تركه طائعاً في مصر العربية وهاجر منه إلى إسرائيل، ولا أتشكك فيما جاء من وصف لوجدان فيكتور نحيماس على لسان الكاتب أنيس منصور من على صفحات جريدة الأهرام في 24-10-2004، ولا يمكن الطعن باعتراف نحمياس نفسه في كتابه ( الرجل الذي ولد مرتين) وعنوان الكتاب يشي على اليهودي الذي يخال نفسه ميتاً بعيداً عن إسرائيل، وأن حياته قبل إسرائيل في مصر ما هي إلا غثاء؛ والدليل أنه ولد ثانية في إسرائيل بالمفهوم الروحي للميلاد، وما كان ميلاده في مصر إلا بيولوجياً، ومع ذلك لا أتشكك بمشاعره لحظة التوحد مع الذاكرة، والتقاء فتات خيال الصبا مع تراب الواقع في مصر.
إن ما يثير الغرابة ويستوجب الرد على الكاتب أنيس منصور هو؛ وصفه لليهودي فكتور نحمياس بأنه من دعاة السلام وطلابه، دون الالتفات إلى أن فكتور نحمياس، وأمثاله من يهود ليبيا وغيرهم من اليهود لم يهجروا من بيوتهم، ولم يطردوا منها ليقدم لهم التعويض كما اقترح القذافي ونجله، ومن ترك من اليهود بيته وموطنه الأصلي تركه طائعاً راضياَ، بل باع الكثير منهم أملاكه وأرضه وجمع مصاغة وذهب إلى أرض الميعاد في فلسطين، هذا حدث منذ أكثر من مئة سنة، وهذا حدث قبل عشر سنوات حين غادر يهود روسيا وطنهم بعد أن صفّوا أملاكهم وجمعوا مصاغهم وأموالهم وجاءوا إلى إسرائيل دون أن يكرههم أحد على ذلك، أو يعاني أيّهم مشكلة لجوء وتهجير وضياع ومعاناة، وطرد وقتل.
كان الأجدر بالكاتب أنيس منصور أن ينتبه إلى معاناة حقيقة تحت أرنبة أنفه حيث أجبر مئات آلاف العرب الفلسطينيين على ترك ممتلكاتهم، وأرضهم وزرعهم، واقتلعوا من بيوتهم، وما زالوا حتى يومنا هذا بلا وطن، وما زالوا حتى كتابة مقال الكاتب أنيس منصور يسكنون مخيمات اللاجئين في قطاع غزة والأردن ولبنان وغيرها بعد صار عددهم ملايين، وما زالوا حتى اليوم يتعرضون لقصف الطائرات الإسرائيلية الحديثة الصنع في أمريكا، يشهد على ذلك ما تعرض له قبل فترة من الزمن مخيم جباليا في قطاع غزة، وما آل إليه من التدمير والتهجير لبعض سكانه للمرة الثانية، أمام مرأى العالم وسمعه.
لقد استوطن فكتور نحمياس وأمثاله من اليهود أرض اللاجئين العرب الفلسطينيين بالقوة، وطردوهم حفاة عراة إلى الدول العربية منذ سنة 1948 حتى يومنا هذا، وإن كنت أصدق بكاء فكتور نحمياس وغزارة دموعه لدى زيارته لمصر، اعترافاً لكل قلب بصدق تدفقه، وبحياد مشاعر الإنسان عن الصراع، فكيف أثق كما يقول الكاتب أنيس منصور بدعوة هذا اليهودي للسلام، وهو يرى ويسمع كل يوم أنين اللاجئين وتوجعهم، ويتلمس كل يوم على شباك بيته خيالات العرب الفلسطينيين الذين استوطن بدلاً منهم، ويتعثر بعرق آبائهم الذي يروي حديقة منزله، ويخرجون له من تحت الوسادة الخالية إلا من الدموع على الماضي.
لقد وجد اليهودي فيكتور نحمياس من يستقبله في مصر ويشاركه وجدانه، ويداعب معه وجنتي الذاكرة التي لم تتيبس بعد عشرات السنين، ولكن اللاجئ العربي الفلسطيني عندما عاد لينظر إلى مسقط رأسه، وبيته بعد حرب 1967، وجد من يشهر عليه السلاح ويقول له مخرب، (إرهابي) عاد العربي الفلسطيني ليتذكر ما يراد له نسيانه، إن العربي الفلسطيني له مشاعر ووجدان على خلاف ما وصفه اليهود، وما زال ينبض بوطنه ومسقط رأسه، عربي فلسطيني، هو إرهابي لأنه ما زال يدعي أن بيته ما زال بيته وأن أرضه ما زالت أرضه.
حدث ذلك للشاعر الفلسطيني محمود درويش عندما سمح له سنة 1995 بعد اتفاقية أوسلو بزيارة أمه وأهله، وبيت أبيه وجده وأرضه في فلسطين التي صار اسمها إسرائيل، لقد وجد على طول الطريق من نهر الأردن إلى شاطئ البحر المتوسط مئات آلاف فيكتور نحمياس ويهود ليبيا يسكنون بيوت العرب الفلسطينيين، ويمتلكون أرضهم، فقال لهم:
سلم عل بيتنا يا غريب
فناجين
قهوتنا ما تزال على حالها
هل تشمُّ أصابعنا فوقها
بعد خمسين سنة من قيام دولة إسرائيل، لا يعترف الشاعر أن فيكتور نحمياس وأمثاله من اليهود أصبح لهم وطن، وأنهم طلاب سلام، فاليهودي ما زال غريباً يسكن مكاناً غريباً عليه، وما زال أهل الشاعر العربي رغم غيابهم عن بيوتهم عشرات السنين يتركون بصماتهم على كل شئ في المكان، وله رائحة تزكم أنف الغريب. لقد حدث نفس الشيء للشاعر الفلسطيني أحمد دحبور عندما عاد إلى حيفا بلد أبيه وجده، سمح له بالزيارة فقط ليوم واحد، رأى مرج صباه الذي يرتع فيه اليهود، ويقطفون ورده، فقال بعد خمسين عاماً من التهجير:
وكأنني حيفا
أنام على يديها ساعتين
وأستفيق
مدينة ذهبية ليست هنا
وكأنني حيفا أنا
تلك حالة توحد مع المكان رغم انفصال الزمان، فيها صدق الرؤية والانتماء، وفيها فضح مشاعر كما لدى الشاعرة اليهودية من أصل مصري د. عاده أهروني، صديقة فيكتور نحمياس، وداعية السلام على طريقته، تكتب للجندي الإسرائيلي الذي سقط في حروب إسرائيل باللغة العبرية، أترجمها:
لحمك الشائط
توهج مع كرة النار
مع اللهب المتطاير،
قريباً من الحب، والنبالة، والشجاعة
وما تناثر منك، ثانية يتأجج
على جمر الوجع في قلوبنا
أترك للكاتب أنيس منصور التعليق على الشاعرة اليهودية مصرية الأصل، ليحكم على مضامين السلام التي تفوح من أشعارها،
وأسترجع من صحيفة الأهرام، ومن نفس العدد الذي ورد فيه مقال الكاتب أنيس منصور، 24-10-2004 أسترجع حرفياً ما جاء على لسان الدكتور حسن راتب رئيس جمعية مستثمري سيناء، وشاهد عيان أثناء انسحاب إسرائيل من قرية يميت، وهو يقول " لقد شاهدت الإسرائيليين وهم يبكون بكاءً شديداً عند الانسحاب منها، ورفضوا الخروج من المنازل التي شيدت لهم حتى حضر قائد في الجيش الإسرائيلي وقتها، وكان "شارون"، وهو يبكي حزناً على ضياع " يميت" وأبى الإسرائيليون أن يتركوها، ويعيدوها إلى المصريين كما هي، فقاموا بنسفها على آخرها، وإبادة كل ما أقاموه وشيدوه تحت وفوق الأرض".
وإن كنت أرى بعض فرق في الموقف بين دموع شارون والمستوطنين ودموع فيكتور نحمياس، فإنني أكرر مع الكاتب أنيس منصور؛ بأن السلام سوف يتحقق يوماً ما، لاشك عندنا في ذلك، فالحياة أقوى من الأحياء، ولا حياة بلا سلام عادل وشامل يحترم ويحفظ حقوق الإنسان في الحياة في وطنه وبيته وعلى أرض آبائه وأجداده، لهذا نقول: نعم للسلام.



#فايز_صلاح_أبو_شمالة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المتجردة رحاب ضاهر توقد النار وتمسك باللهب
- مشكلة إسرائيل ليست الأنفاق، وإنما الانغلاق
- إن الله يعز بالسلطان ما لا يعز بالقرآن
- تتوضأ الشاعرة العراقية فاتن نور بالشعر كي تتسلق تضاريس الجسد
- البيعة والنكوص لدى مروان البرغوثي
- اين الخطيئة في قيادة وطنية موحدة
- نريد رئيساً من صراط مستقيم ولا نريد دولة من عصف رجيم
- ينام الشوق على وسادة الشعر لدى الشاعرة مرح البقاعي


المزيد.....




- إيران تحظر بث أشهر مسلسل رمضاني مصري
- -قناع بلون السماء-.. سؤال الهويّات والوجود في رواية الأسير ا ...
- وفاة الفنانة السورية القديرة خديجة العبد ونجلها الفنان قيس ا ...
- مطالبات متزايدة بانقاذ مغني الراب الإيراني توماج صالحي من ال ...
- -قناع بلون السماء- للأسير الفلسطيني باسم خندقجي تفوز بالجائز ...
- اشتُهر بدوره في -أبو الطيب المتنبي-.. رحيل الفنان العراقي عا ...
- عبد الرحمن بن معمر يرحل عن تاريخ غني بالصحافة والثقافة
- -كذب أبيض- المغربي يفوز بجائزة مالمو للسينما العربية
- الوثائقي المغربي -كذب أبيض- يتوج بجائزة مهرجان مالمو للسينما ...
- لا تشمل الآثار العربية.. المتاحف الفرنسية تبحث إعادة قطع أثر ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فايز صلاح أبو شمالة - أدق المواقف ما كان متوازناً