|
قصتى فى الحياة
مى حسن عبد السلام
الحوار المتمدن-العدد: 1041 - 2004 / 12 / 8 - 13:00
المحور:
الادب والفن
وأنا أجلس فى مكتبى فى الجريدة اقرأ الخطابات التى جاءتنى لنشرها فى باب "قصتى فى الحياة " وقع فى يدى خطاب يحمل مأساة جديدة من مأسى الحياة بعثته (م . ح ) وتقول فيه " أنا فتاة كانوا يقولون انى فى مقتبل العمر حيث أن عمرى تسعة عشر عاما ، وبعد عيد ميلادى التاسع عشر بشهرين اقتربت من أرذل العمر . أحببت لا أعلم كيف ولا أين ولكنه أنقذنى من الضياع أعطانى كل شئ تمنيته فى الحياة وقد اعترف لى أنه أيضا يحبنى ، وعلى الرغم من حبنا إلا أنه لم يجرؤ على طلب الزواج منى إلا منذ ثلاثة أشهر فقط واندهشت لهذا الطلب لأنى أعرف لماذا أحبه فهو أعطانى الحنان والأمان ولا أعرف لماذا أحبنى فأنا لم أعطيه أى شئ على الاطلاق سوى مشكلاتى ليساعدنى فى حلها . وتم الاتفاق على الميعاد وجاء ليقابل أبى وفتحت الخادمة الباب وأوصلته الى الصالون ودخل أبى ليرحب به فهو عريس ذو مواصفات ممتازة مهندس متدين محترم يحب ابنته وغنى وعلى استعداد أن يفعل كل ما تحلم به ابنته كما أن ابنته تحبه ، ماذا يريد أكثر من ذلك ؟ وبعد ربع ساعة توجه العريس الى باب الشقة وسمعت أبى وهو يقول " أعذرنى يا أخى نحن لم ننجبها ونربيها لنبيعها لك " فخرج وأغلق الباب خلفه ولم يطرقه مرة أخرى واختفى . وجريت الى غرفتى وأنا أبكى بعد أن انتابنى سعال شديد للمرة السادسة منذ الصباح ، ودخلت أمى غرفتنى وسألتنى كيف أحب رجلا أرملا يكبرنى بخمسة وعشرين عاما وعنده أطفال ؟ وهل فكرت فى حالى بعد خمسة عشر عاما إذا تزوجته وأنا فى منتصف الثلاثينات وهو أكبر من الستين عاما ؟ وهل سأتحمل أن أكون زوجة أب لأطفال وأنا لم أتجاوز العشرين من عمرى ؟ هل وهل وهل . . . . . . . . أسئلة كثيرة وجهتها الى وأنا لم أجبها بكلمة واحدة لأنى سألتها لنفسى مرات عديدة قبل أن أوافق ووافقت لأنى وجدت الإجابات كلها تنحصر فى جملة وهى أن المستقبل مجهول لأ أحد يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى فقد أموت قبل خمسة عشر عامًا ، أو قد تقوم الساعة أو يعم الدمار العالم ، فالعلماء يتوقعون انتهاء الطاقة الغير متجددة وانتشار الجفاف والمجاعات نتيجة لمحدودية المياة ، كما أن هناك حالة من الذعر بين علماء الفضاء لأنهم اكتشفوا نيازك ضخم يقترب من كوكب الأرض وسيصطدم بها فى خلال عشرون عامًا إذن لماذا لاأعيش لحظاتى الآتية فى سعادة مع من أحب بدلا من أن أفكر فى السنين القادمة . وبعد أسبوعين من رفض أبى لزواجى ممن أحب أصر على أن يأخذنى للطبيب بسبب السعال الشديد الذى أعانى منه منذ أكثر من شهرين وبدأ يشتد أكثر فى الأيام الأخيرة ، وبعد الكشف واجراء الفحوصات كانت النتيجة هى أنى مصابة بسرطان فى الرئة وكانت الصدمة شديدة على فدخلت على أترها المستشفى لمدة أسبوع تم علاجى فيه من الانهيار العصبى . ورجعت البيت بعدها لابدأ مشوار علاجى الكيميائى والاشعاعى وأنا أعلم جيدًا أن العلاج لن يفيد إلا بإطالة لحظات العذاب لعل ربنا يغفر لى بهذا الابتلاء العظيم . وفى الصباح أتصفح الجرائد يوميا لعلى أرى خبرا عن قرب انتهاء العالم حتى لا أمكث فى القبر كثيرًا ، فإنها الحياة الدنيا لماذا نغفل عن حقيقة الموت والفناء ؟ فكل شئ فقط متعلق بالوقت الذى لا يتوقف ولو للحظة واحدة . واستيقظت اليوم مبكرًا لأحتفل بأنى مازلت على قيد الحياة ، وأنا أمشط شعرى وجدته يتساقط كله شعرة بعد شعرة ولم يتبقى سوى شعيرات قليلة توحى بأنى مازلت أنثى وأعلم جيدًا أنهن سلحقت بأخواتهن بعد جلسة الاشعاع القادمة . فنظرت لأمى وضحكت والدموع تتلألأ فى عينى وأنا اسألها كيف سيكون حالى بعد خمسة عشر عاما إذا كنت تزوجته ؟ وهل كنت سأتحمل أن أكون زوجة أب لأطفال وأنا لم أتجاوز العشرين من عمرى ؟ هل وهل وهل . . . . . . . . . أسئلة كثيرة سألتها لها ولكنها لم تجب فقررت أن اسألها لك وللقراء لعلكم تمتلكون الإجابة " ونزلت دموعى على الخطاب فطويته واحتفظت به بعد أن تم نشره مع نصيحتى لها بالصبر والدعوة لها بالرحمة والمغفرة من الله سبحانه وتعالى . وبعد عدة أشهر جاءنى خطاب آخر يحمل مآساة أب حرم ابنته من الزواج ممن تحب لأنه يكبرها بربع قرن وخاف عليها أن تترمل مبكرا أو أن تعيش حياتها تخدم أب آخر وليس زوج وقد ظن أن الموت قد يأخذ كل الناس إلا ابنته فوافتها المنية بعد أربعة أشهر من إصابتها بسرطان الرئة ، وهو الآن يلوم نفسه لأنه يظن أنه قتلها مرتين المرة الأولى حين رفض طلبها بأن ينتقلوا الى بيت آخر بعيدا عن مصنع الكيماويات الذى تم بناءه منذ عامين بجانب الحى الذى يعيشون فيه فتسببت الغازات الناتجة عن مخلفات المصنع باصابتها بمرض السرطان ، والمرة الثانية حين رفض زواجها ممن تحب وحرمها من أن تعيش آخر ستة أشهر فى حياتها معه فحرمها من السعادة فى آخر أيامها . وطويت خطابه ووضعته بجانب خطاب ابنته بعد أن نشرت قصته فى باب "قصتى فى الحياة " .
#مى_حسن_عبد_السلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رقصة الحرام
-
رحلة عشتها فى زمن لم يكن موجود
-
تخاريف سياسية
المزيد.....
-
شموع وصلوات وموسيقى في إسرائيل لإحياء ذكرى هجوم 7 أكتوبر
-
-يلا غزة-.. فيلم يروي صمود وأحلام الفلسطينيين رغم الحصار وا
...
-
القاص سعيد عبد الموجود فى رحاب نادى أدب قصر ثقافة كفر الزيات
...
-
مهاتير: طوفان الأقصى نسف الرواية الإسرائيلية وجدد وعي الأمة
...
-
باللغة العربية.. تعليق -هزلي- من جيرونا على تصدي حارسه لثلاث
...
-
ميكروفون في وجه مأساة.. فيلم يوثق التحول الصوتي في غزة
-
عبد اللطيف الواصل: تجربة الزائر أساس نجاح معرض الرياض للكتاب
...
-
أرقام قياسية في أول معرض دولي للكتاب في الموصل
-
” أفلام كارتون لا مثيل لها” استقبل تردد قناة MBC 3 على الناي
...
-
جواهر بنت عبدالله القاسمي: -الشارقة السينمائي- مساحة تعليمية
...
المزيد.....
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال
...
/ مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
-
المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر
...
/ أحمد محمد الشريف
-
مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية
/ أكد الجبوري
-
هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ
/ آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
-
توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ
/ وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
-
مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي
...
/ د. ياسر جابر الجمال
-
الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال
...
/ إيـــمـــان جــبــــــارى
-
ظروف استثنائية
/ عبد الباقي يوسف
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل
...
/ رانيا سحنون - بسمة زريق
المزيد.....
|