أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - الطبقة الوسطى والانتفاضات














المزيد.....

الطبقة الوسطى والانتفاضات


طيب تيزيني

الحوار المتمدن-العدد: 3499 - 2011 / 9 / 27 - 08:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


انفجر الوضع في تونس، حين كان "بوعزيزي" الخريج الجامعي يسعى للحصول على ما قد يخفف من حطامه المأساوي. لقد أخفق في تحسين وضعه المادي المتردي أو المتصدع، بل هو في ذلك عاش لحظة الإخفاق المذكور، وعاش كذلك لحظة أخرى هي الشعور بالذل واستباحة الكرامة. فوصلت إليه رسالة النظام الاقتصادي والسياسي والقيمي واضحة هائلة في أصدائها ودلالاتها: أنت لست إلا صفراً! وإذا استعرنا عنوان رواية للروائي الروسي الكلاسيكي "دستويفيسكي وهي "مُذلون مُهانون"، اتضحت الصورة التي جسدها "بوعزيزي" وأمثاله. فهو وهؤلاء كانوا يتأرجحون باضطراب بين الوسط والقاع في مجتمعاتهم. ففي حضورهم الوسطي جسَّدوا أولئك الشباب الناحين نحو إعادة بناء أوضاعهم الاقتصادية والمادية والاجتماعية المتحركة.

وفي هذا وذاك، كانوا يقاربون الفئات الاجتماعية الوسطى، في توجهاتها الخفيّة والمُفصح عنها، وذات البعد الإنساني الوسطي المستنير والطامح إلى امتلاك ثقافة منفتحة، إضافة إلى ممارسة حد من النشاط السياسي الوطني الدنيوي (العلماني).

ولكن الأحداث التي تتالت بعد عقود من الاستقلال الوطني، راحت تُهشم أولئك "الوسطويين" تحت سطوة الخراب الاقتصادي، الذي أخذ يخترقهم، يداً بيد مع تعاظم "مرحلة النفط السياسي" في أوائل السبعينيات من القرن المنصرم، وكذلك بتعاظم وتائر الفقر والإفقار في أوساط القاع الاجتماعي العربي (ومن ضمنه السوري والتونسي وغيرهما). ها هنا، أخذت عملية استقطاب واسعة من الفقر والإفقار تفرض نفسها في معظم تجليات ذلك الواقع اقتصاداً وسياسة وثقافة وقيماً. وأخيراً، في سياق تبلور نمط من الاستبداد الرباعي (استئثار بالسلطة والثروة والمرجعية والإعلام)، راحت تُضبط احتمالات متسعة من تجفيف معظم المجتمعات العربية، وتُستكمل اتجاهات التقاطب الحاد بين ثمانين بالمائة من سكان غالبية تلك المجتمعات يعيشون في أحوال من الفقر والإفقار وكذلك من مظاهر الإذلال والاستباحة وبين عشرين بالمائة من السكان المعنيين يحوزون ويملكون ثمانين بالمائة من ثروة العالم العربي. كانت الفئات الوسطى تجد نفسها أمام تيار متصاعد من كل احتمالات التهميش وإعادة البناء الطاحنة، وهذا أنتج خطوات واسعة في عملية التطابق بين هذه الفئات الوسطى والقاع الاجتماعي.

ونلاحظ أن حالة تجفيف المجتمعات العربية، بقدر ليس ضئيلاً، لم تأخذ مظهراً واحداً تجلى في نشأة "الدولة الأمنية" الساعية إلى تحقيق حالة التجفيف تلك. بل أخذ الأمر مظهراً آخر (وربما مظاهر أخرى) تجلى في تغييب الفئات الوسطى عبر اختراقها وتناثرها في معظم القاع المذكور. وقد حمل هذا معه نتيجة خطيرة أفصحت عن نفسها في عقم هذه الفئات في إنتاجها السياسي والثقافي والقيمي المتوازن، كما في ممارستها ونشاطها في هذا الحقل. فالفئات الوسطى إياها، التي قامت - في مراحل سابقة بعد الاستقلالات العربية - على تحفيز الحركات السياسية والثقافية في المجتمعات العربية كما في غيرها، راحت تتراجع عن إنجاز ذلك، وتُفسح في المجال أمام نشوء فئات وجيوب بشرية فقيرة ومفقرة ومذلة ومعصية عن مصادر التنوير الثقافي والاعتدال السياسي الايديولوجي.

أمام ذلك كله، كانت أصوات تتصاعد لتعلن ضرورة التمسك بنمط من العُقد الاجتماعي المتوازن، وبأنماط من منظومات الفكر والثقافة والقيم في المجتمعات العربية، من دون الإنصات إليها. لكن ذلك لم يثمر لأسباب عديدة، قد يكون الإثنان التاليان منها مهمين جداً.

أما الأول فهو إن الفئات الوسطى غابت بنسبة كبرى من الفعل، باتجاه التغيير والإصلاح والممارسة السياسية المتوازنة، لكن السبب الثاني يتمثل في أن الأصولية الإسلامية خصوصاً، التي كانت احتمالاً لطرح قضية الاصلاح العربي والإسلامي، تحولت إلى موقع المنادي بتدمير المجتمعات العربية (المنحرفة والكافرة والخارجية)، مُعقدة بذلك تيار الإصلاح الوطني الديمقراطي، بيد أن الربيع الشبابي العربي لعله يعيد النظر في ذلك، من موقع التحولات العميقة المحتملة في الفئات الوسطى العربية أولاً، ومن موقع إعادة بنية عقلانية وديمقراطية للخطاب الأصولي على نحو مفتوح.



#طيب_تيزيني (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأيديولوجيا : المواقف والمعارف
- الحروب والمنظومات الأخلاقية
- الدولة المدنية والإسلاميون
- المسار التاريخي العربي
- الإصلاح والسلاح
- الاستبداد والوعي التاريخي
- كلمات في عمل جدير بالقراءة


المزيد.....




- هيفاء وهبي وبوسي تغنيّان لـ-أحمد وأحمد-.. وهذا موعد عرض الفي ...
- أول تعليق من روسيا على الضربات الأمريكية في إيران
- الأردن: -إدارة الأزمات- يؤكد محدودية تأثير مفاعل ديمونا حتى ...
- -ضربة قاضية حلم بها رؤساء عدة-.. وزير دفاع أمريكا عن الهجمات ...
- إعلام إيراني: قصف إسرائيلي على مدينة بوشهر الساحلية ووسط الب ...
- صور أقمار صناعية ومعلومات استخباراتية.. إيران نقلت اليورانيو ...
- طلب رد دائرة الإرهاب: المحامي أحمد أبو بركة يطالب بمحاكمته أ ...
- أبرز ردود الفعل الخليجية على قصف إيران.. دعوات للتهدئة وتحذي ...
- مضيق هرمز تحت المجهر.. هل يتحول الرد الإيراني إلى بوابة الحر ...
- أي مستقبل للحرب بعد الضربات الأمريكية على إيران؟


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - طيب تيزيني - الطبقة الوسطى والانتفاضات