تاريخ مصر الحضارى يرقصه فنانى بالية اوبرا القاهرة

إيرينى سمير حكيم
كاتبة وفنانة ومخرجة
(Ereiny Samir Hakim)

الحوار المتمدن-العدد: 3490 - 2011 / 9 / 18 - 23:36
المحور: الادب والفن
    

لقد اثبت فن البالية على مر تاريخه وفى ظل ثقافات مختلفة انه معبر جيد عن مشاعر وقصص انسانية الواقعى منها والخيالى، شاهدا على قدرته التواصليه بين الفنانين والجمهور للوصول لبعد اعمق فى استيعاب الرسالة وعمقها كل ما تمت مشاهدته للحصول على تلامس اقوى واحساس اعلى بالفكرة، وحيث ان فن البالية هو إحدى أنواع فن التعبير الصامت وبتحديه لتغيرات الفكر وتطور الثقافات وعرضه لانواع مختلفة من القيم والقصص، فكان من الجدير بالتقدير عمل مثل بالية الاهرامات الذى عرض لقطات من تاريخ مصر الحضارى والثقافى والذى قد الم بفترات شكلت تاريخ مصر واثرت فى مسامع العالم، والذى قد عرض باسلوب فنى عكس ابداعات مجموعة من الفنانين، مُقدما هذا العام على مسرح بالية اوبرا القاهرة بعد التعديلات العصرية المناسبة بعد عرضه للمرة الاولى منذ عشرة اعوام، وهذا ما سوف نناقشة فى هذا التحقيق.

بالية الاهرامات فى ثوب جديد

قد ذُكر أن الناقدة الموسيقية الدكتورة رشا طموم ذكرت ذلك أن مصمم الرقصات الفرنسى موريس بيجار استلهم بالية الأهرامات معبرا عن فترات مختلفة من تاريخ مصر من عهد بناة الأهرام وحتى العصر الحديث، هذا التاريخ الذى يزخر بالعديد من الحضارات والثقافات التى تتابعت عليه فقد كانت مصر مهدا للحضارة الفرعونية وحاضنة للحضارة الإغريقية والرومانية ومنارة للحضارة القبطية وحامية للحضارة الإسلامية.

وأوضحت أن هذا البالية قد قدم لأول مرة فى دار الأوبرا المصرية عام 1990م، حيث اختار بيجار مقتطفات موسيقية شرقية متنوعة للتعبير عن الثقافات المختلفة التى تتابعت على مصر، وقد شارك فى العرض بنفسه فى أداء شخصية محورية ذو النون المصرى والتى تظهر خلال المشاهد المختلفة وتربط بينها، وبعد أكثر من عشر سنوات يقدم هذا البالية بعد ان أجريت عليه بعض التعديلات باسم بالية الأهرامات والثورة.

وتذكر الفنانة أرمينيا كامل المدير الفنى لفرقة بالية أوبرا القاهرة أنها قامت بإضافة بعض التعديلات ليكون العرض معاصر فى تصميم الحركات والملابس، بالإضافة إلى إنها قامت بإضافة ثلاث مشاهد لمواكبة الأحداث الجارية فى مصر، وبتصميم مستوحى من أسلوب بيجار المميز قد نفذ المشهد الأول يعبر عن العصر المسيحى فى مصر، أما الثانى هو جزء ثنائى الرقص الذى يمثل أم كلثوم وراقص معها، والثالث هو الجزء الأخير من العرض ويعبر عن ثورة 25 يناير.

حضارات تعكسها التصميمات الحركية

يذكر الفنان حازم زكريا راقص بالية بالعرض، بان دوره هو تمثيل للإله ديونيسوس اله الخمر عند اليونان، وقد كانت الحركات التى يؤديها معبرة عن تحريضه على الرقص والصخب، مما يعكس جانب من روح الثقافة اليونانية.

ويضيف الفنان احمد نبيل راقص البالية أن دوره كان أداء شخصية تُمثل التوبة من وجهة النظر الإسلامية وليس تقديم شخصية تاريخية بعينها.

وتقول الفنانة راقصة البالية سحر حلمى أن دورها هو أداء شخصية السيدة أم كلثوم فى رقص ثنائى، وبالنسبة لأدائها التعبيرى فتقول أن الأستاذ عبد المنعم كامل قد أضاف بعض الملاحظات على الأداء التعبيرى لتقديم أم كلثوم فى صورة اقرب إلى الحقيقة، وأكدت أنها قد خدمت الشخصية لتعبر عنها بصورة أفضل وأكثر واقعية، وكان من أهم إضافاته أن يكون دخولها بعظمة مع الحرص على عدم اتخاذ خطوات سريعة، مع استخدام النضارة والايشارب الذى أضاف لواقعية الأداء.

وتوضح أن بيجار قد اختار السيدة أم كلثوم ليعبر بها عن الثقافة فى العصر الحديث نظرا لأنها رائدة فى الفن والثقافة، حيث أن أشعار أغانيها العاطفية أو الوطنية أو الدينية، جميعها تحمل فكرا، لذا فلا نستطيع فصل فن السيدة أم كلثوم عن الفكر والثقافة.

وذكرت أن العرض عكس الروح الثقافية لكل عصر فمثلا فى رقصة الفتاة التى اُديت فى المرحلة الإسلامية، فهى تدخل بعباءة سوداء وحول منها حراس لها مما يعنى القيود التى تحد من حريتها، فعندما أعطوها ظهورهم حينئذ تشعر بحريتها وتتخلص من عباءتها وترقص بحرية، وبعد أن تنتهى يلتفون حولها مرة أخرى ويضعوا عليها العباءة ويقوموا بتحريك الفتاة مما يشير به بيجار إلى الكبت التى تعانى منه المرأة العربية تحت مسمى الدين.

وأضافت أيضا انه فى آخر مشهد بالعرض الذى عبر عن ثورة 25 يناير، فقد تم حمل علم مصر والذى شارك جميع الأبطال فى حمله والشعب ممن يمثلونة فى الادوار الثانوية، كانوا واقفين يؤدون حركات وكأنهم يشربون منه على انه نهر النيل، حيث قاموا بحمل العلم بشكل نهر، والشخصيات التى حملته هى جميع الشخصيات التى عبرت بمصر على مر عصورها، للتعبير عن مشاركتها بروحها الوطنية من خلال الشعب كله منذ العصر الفرعونى حتى ثورة 25 يناير.

وترى سحر أن هذا العمل يعمق الشعور بالوطنية وترابط ووحدة طوائف المجتمع كله، حيث يرى كل منهم تاريخه وأصوله التى تجمعها ارض هذا البلد.

تطوير باقى عناصر العمل لدعم التغيير

يذكر الموسيقى طارق شرارة بأنه قد تم تكليفه بالاستماع إلى موسيقى العرض الذى قدمه بيجار ليقوم بإحيائها وإعدادها مرة أخرى بتسجيلات نقية الصوت، ولسوء التسجيل فقد توصل إلى حوالى 85 % من موسيقى العرض، أما الموسيقى التى لم يتم التوصل لمعرفة أصلها من اى مقطوعة موسيقية، حيث أن بيجار لم يوضح أسماء المقطوعات التى قد قام باختيارها، قد تم وضع مقطوعات من نفس نوع الموسيقى التى كانت موجودة، فمثلا موسيقى الناى قد استخدم مقطوعة ناى أيضا، مع اختيارها على نفس إيقاع الاولى، وهنا كانت الصعوبة فكان لابد أن يتم اختيار موسيقى تتماشى عليها نفس خطوات الرقص، وكانت الموسيقى المستبدلة اقرب ما يكون للأصل الذى اختاره بيجار.

ويستكمل ان ذلك بالإضافة إلى الأجزاء المضافة على عمل بيجار وهى جزئية الثورة والفترة المسيحية، والتى بخصوصها اقترح مقطوعات موسيقية ليختاروا منها، وتم اختيار مقطوعة موتسارت للقداس الجنائزى، أما جزئية الثورة فقد تم اختيار ميكس موسيقى.

أما باقى موسيقى العرض فتتضمن موسيقى من بعض اختيارات بيجار الأصلية مثل اغنيتى بصوت أم كلثوم الأولى هى تائب جرت دموعى ندما" من تلحين رياض السنباطى و"سيرة الحب" من تلحين بليغ حمدى، مدخل صوت التينور فى الحركة الأخيرة من السيمفونية الكورالية لبيتهوفن، وكذلك مختارات من اغانى وعزف من المطرب النوبى حمزة الدين أما المختارات المضافة فهى مقتطفات من موسيقى إيرانية وتركية ويونانية إلى جانب موسيقى، وأجزاء من السيمفونية السابعة لشوستاكوفيتس.

ويذكر محمد الغرباوى مصمم الديكور أنه استكمالا لاستخدام الأسلوب العصرى بالرقصات والملابس والأداء، جاء تصميم الديكور بشكل حديث معتمد على الشكل الهرمى فى الخلفية وليس تجسيم الهرم التقليدى، ليكون خلفية ثابتة مراحل الحضارة المصرية من بناة الأهرام حتى الآن مرورا بكل الحضارات التى شهدتها ارض مصر، تعبيرا عن بقاء مصر وزوال كل معتدى على أرضها فهى الباقية للآخر.

ويستكمل الغرباوى أنه قد استخدم مع الديكور إضافة تقنيات الإضاءة المناسبة المتنوعة والمعبرة عن كل عصر، التى كانت تنعكس على الخلفية البيضاء الهرمية الشكل.

وأشارت رشا إلى أن هذا البالية يعكس انجاز بيجار المميز فى جمع الثقافات الغربية والشرقية بشكل جمالى يعطى دلالات فلسفية تنعكس بشكل واضح على اختياراته المتنوعة للموسيقى والتى جمعت فى اغلب أعماله بين أنماط مختلفة من الموسيقى الكلاسيكية والشائعة وكذلك الموسيقى الشرقية كما يتضح فيه أيضا أسلوبه المعروف فى مزج تكنيك البالية الكلاسيكى مع عناصر الرقص المعاصر والى نلمسه فى تصميماته الحركية وكذلك فى عناصر العمل الأخرى، مثل الديكور والإضاءة والملابس وفى اهتمامه بالأجزاء المنفردة التى تتطلب مهارات فائقة من الراقصين سواء الحركية أو التعبيرية وكلها عناصر تبرز فلسفته فى التصميم الحركى التى عبر عنها فى مقولته "البالية هو جزء من المسرح، فانا ارغب أن يتحول الراقصون إلى شخوص حقيقية تبعث بأحاسيس متدفقة تصل إلى الجمهور".

#إيرينى_سمير_حكيم (هاشتاغ)       Ereiny_Samir_Hakim#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل