|
تقرير سرى جدا من بلاد قمعستان للشاعر الراحل - نزار قبانى -.
كريم عامر
الحوار المتمدن-العدد: 1035 - 2004 / 12 / 2 - 07:33
المحور:
الادب والفن
من أروع ماكتب الشاعر السورى الراحل نزار قبانى قصيدتة النارية التى حمل فيها على الانظمة القمعية التى تسيطر على الشعوب العربية وتمنعها من ممارسة أقل حقوقها المشروعة وتقف فى طريق تقدمها ورفعتها وعلو شأنها رائعتة " تقرير سرى جدا من بلاد قمعستان " . لقد عبر الشاعر فى هذة القصيدة بواقعية وصدق عن حال البلاد العربية فى ظل الانظمة القمعية التى تسيطر عليها وصور فى أسلوب دقيق وبالغ التأثير حال المواطن العربى الذى لا يزال يقبع تحت نير الانظمة الفاشية التى تسيطر علية وتمنعة من ممارسة أقل مايستحقة من حقوقة المشروعة . فاليكم هذة القصيدة التى رغم أنها كتبت منذ عقود طويلة الا أنها لاتزال تعبر عن الواقع المر الذى نعيشة فى ظل الأنظمة المتخلفة التى تحكم بلادنا :
لم يبق فيهم لا أبو بكر ... ولا عثمان
جميعهم هياكل عظيمة فى متحف الزمان
تساقط الفرسان عن سروجهم
وأعلنت دويلة الخصيان
واعتقل المؤذنون فى بيوتهم
وألغى الأذان ........
جميعهم ... تضخمت أثداؤهم
وأصبحوا نسوان
جميعم يأتون بالحيض ، مشغولون بالحمل
وبالرضاعة ....
جميعهم قد ذبحوا خيولهم
وارتهنوا سيوفهم
وقدموا نسائهم هدية لقائد الرومان
ما كان يدعى ببلاد الشام يوما
صار فى الجغرافيا ....
يدعى ( يهودستان )
اللة ... يازمان ...
******
لم يبق فى دفاتر التاريخ ..
لاسيف ولا حصان
جميعهم قد تركوا نعالهم
وهربوا أموالهم
وخلفوا وراءهم أطفالهم
وانسحبوا الى مقاهى الموت والنسيان
جميعهم تخنثوا ...
تكحلوا ...
تعطروا ...
تمايلوا أغصان خيزران
حتى تظن خالدا ... سوزان
ومريما ... مروان
اللة ... يا زمان ...
******
جميعهم موتى .. ولم يبق سوى لبنان
يلبس فى كل صباح كفنا
ويشعل الجنوب إصرارا وعنفوان
جميعهم قد دخلوا جحورهم
واستمتعوا بالمسك ، والنساء ، والريحان
جميعهم مدجن ، مروض ، منافق ، مذدوج جبان
ووحدة لبنان
يصفع أمريكا بلا هوادة
ويشعل المياة والشطآن
فى حين الف حاكم مؤمرك
يأخذها بالصدر والأحضان
هل ممكن أن يعقد الإنسان صلحا دائما مع الهوان ؟
اللة ... يا زمان ...
******
هل تعرفون من أنا ؟
مواطن يسكن فى دولة ( قمعستان )
وهذة الدولة ليست نكتة مصرية
أو صورة منقولة عن كتب البديع والبيان
فأرض ( قمعستان ) جاء ذكرها ...
فى معجم البلدان ...
وأن من أهم صادراتها...
حقائبا جلدية
مصنوعة من جسد الإنسان
اللة ... يازمان...
******
هل تطلبون نبذة صغيرة عن أرض ( قمعستان )؟
تلك التى تمتد من شمال إفريقيا...
الى بلاد ( نفطستان )
تلك التى تمتد من شواطىء القهر ، الى شواطىء القتل ،
الى شواطىء السحل ، الى شواطىء الأحزان...
وسيفها يمتد بين مدخل الشريان والشريان
ملوكها يقرفصون فوق رقبة الشعوب بالوراثة
ويفقأون أعين الأطفال بالوراثة
ويكرهون الورق الأبيض ، والمداد والأقلام بالوراثة
وأول البنود فى دستورها :
يقضى بأن تلغى غريزة الكلام فى الإنسان
اللة ... يازمان ...
******
هل تعرفون من أنا ؟
مواطن يسكن فى دولة ( قمعستان )
مواطن ...
يحلم فى يوم من الأيام أن يصبح فى مرتبة الحيوان
مواطن يخاف أن يجلس فى المقهى ... لكى
لاتطلع الدولة من غياهب الفنجان
مواطن يخاف أن يقرب من زوجتة
قبيل أن تراقب المباحث المكان
مواطن أنا من شعب ( قمعستان )
أخاف أن أدخل اى مسجد
كى لايقال إنى رجل يمارس الإيمان
كى لايقول المخبر السرى :
إنى كنت أتلو سورة الرحمن
اللة ... يازمان ...
******
هل تعرفون الآن مادولة ( قمعستان )؟
تلك التى ألفها ... لحنها ...
أخرجها الشيطان
هل تعرفون هذة الدويلة العجيبة
حيث دخول المرء للمرحاض يحتاج الى قرار
والشمس كى تطلع تحتاج الى قرار
ورغبة الزوجين فى الإنجاب
تحتاج الى قرار
وشعر من أحبها
يمنعة الشرطى أن يطير فى الريح
بلا قرار...
ما أردأ الأحوال فى دولة ( قمعستان )
حيث الذكور نسخة عن النساء
حيث النساء نسخة عن الذكور
حيث التراب يكرة البذور
وحيث كل طائر يخاف من بقية الطيور
وصاحب القرار يحتاج الى قرار
تلك هى الأحوال فى دولة ( قمعستان )
اللة ... يازمان...
******
يا أصدقائى :
إننى مواطن يسكن فى مدينة ليس بها سكان
ليس لها شوارع
ليس لها أرصفة
ليس لها نوافذ
ليس لها جدران
ليس بها جرائد
غير التى تطبعها مطابع السلطان
عنوانها ؟
اخاف أن أبوح بالعنوان
كل الذى أعرفة
أن الذى يقودة الحظ الى مدينتى
يرحمة الرحمن ....
******
يا أصدقائى :
ماهو الشعر إذا لم يعلن العصيان؟
وماهو الشعر إذا لم يسقط الطغاة ... والطغيان ؟
وماهو الشعر إذا لم يحدث الزلزال
فى الزمان والمكان
وماهو الشعر إذا لم يخلع التاج الذى يلبسة
كسرى أنو شروان ؟
من أجل هذا أعلن العصيان
باسم الملايين التى تجهل حتى الآن ماهو النهار
وماهو الفارق بين الغصن والعصفور
وماهو الفارق بين الورد والمنثور
وما هو الفارق بين النهد والرمانة
وماهو الفارق بين البحر والزنزانة
وماهو الفارق بين القمر الأخضر والقرنفلة
وبين حد كلمة شجاعة ،
وبين حد المقصلة ....
من أجل هذا أعلن العصيان
باسم الملايين التى تساق نحو الذبح كالقطعان
باسم الملايين التى انتزعت اجفانهم
واختلعت اسنانهم
وذوبوا فى حامض الكبريت كالديدان
باسم الذين مالهم صوت...
ولا رأى ...
ولا لسان ...
سأعلن العصيان
******
من أجل هذا أعلن العصيان
باسم الجماهير التى تجلس كالأبقار
تحت الشاشة الصغيرة
باسم الجماهير التىيسقونها الولاء
بالملاعق الكبيرة
باسم الجماهير التى تركب كالبعير
من مشرق الشمس الى مغربها
تركب كالبعير ....
ومالها من الحقوق غيرحق الماء والشعير
ومالها من الطموح غير أن تأخذ للحلاق زوجة الأمير
أو إبنة الأمير...
أو كلبة الأمير...
باسم الجماهير التى تضرع للة لكى يديم القائد العظيم
وحزمة البرسيم...
******
يا أصدقاء الشعر:
إنى شجر النار ، وإنى كاهن الأشواق
والناطق الرسمى عن خمسين مليونا من العشاق
على يدى ينام أهل الحب والحنين
فمرة أجعلهم حمائما
ومرة أجعلهم أشجار ياسمين
يا أصدقائى
اننى الجرح الذى يرفض دوما
سلطة السكين .....
******
يا أصدقائى الرائعين :
أنا الشفاة للذين مالهم شفاة
أنا العيون للذين مالهم عيون
أنا كتاب البحر للذين ليس يقرأون
أنا الكتابات التى يحفرها الدمع على عنابر السجون
أنا كهذا العصر ، ياحبيبتى
أواجة الجنون بالجنون
وأكسر الأشياء فى طفولة
وفى دمى رائحة الثورة والليمون
أنا كما عرفتمونى دائما
هوايتى أن أكسر القانون
أنا كما عرفتمونى دائما
أكون بالشعر ... وإلا لا أريد ان أكون...
******
يا أصدقائى:
أنتم الشعر الحقيقى
ولا يهم أن يضحك ... أو يعبس ..
أو أن يغضب السلطان ...
أنتم سلاطينى ....
ومنكم أستمد المجد ، والقوة والسلطان ...
قصائدى ممنوعة
فى المدن التى تنام فوق الملح والحجارة
قصائدى ممنوعة
لأنها تحمل للإنسان عطر الحب ، والحضارة
قصائدى مرفوضة ....
لأنها لكل بيت تحمل البشارة
******
يا أصدقائى :
اننى مازلت بانتظاركم
لنوقد الشرارة
#كريم_عامر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الموديل الثائرة - شعر
-
جامعة الأزهر .... وسياسة الفصل العنصرى بين الطلبة والطالبات
...
-
الزواج على الطريقة الاسلامية
-
جماعات التطرف .... وبناء الدولة الإسلامية فى الشارع.
-
حب بلا حدود
-
يا جارتى الحسناء .... أنتظر اللقاء
-
همجية الإسلام الشيشانى
-
صدقت ياسيدتى ...بلدنا مش سايبة - نجاة مستشفى الشاطبى من الهد
...
-
حب على انغام المطر
-
حياتى ... حب وألم
-
الى سيدة العالم .... الفجر قادم
-
من اجلك يا حواء
-
المكتبة والمستشفى وسفن - مارك انطونيو -..... هل يعيد التاريخ
...
-
الخيانة الزوجية ....والاكتشافات العلمية
-
المرأة وشبح الأمية
-
الانسان والهروب من الحقيقة
-
الاسلاميون والمرأة
-
وداعا أعوامى العشرينا
-
البكارة ...وجرائم الشرف
-
تعليم الفتاة بين الرفض والقبول
المزيد.....
-
رحيل محمد إبراهيم أبو سنة.. آخر شعراء الواقعية الرومانسية في
...
-
كـ-رمز للسينما المصرية-.. مهرجان البحر الأحمر السينمائي يكرم
...
-
مهرجان الجونة السينمائي: دورة جديدة تحت عنوان التشابك والإبد
...
-
مسلسل تل الرياح الحلقة 151 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
تحفة بولغاكوف -المعلم ومارغريتا- على خشبة -غوركي- في موسكو
-
الماء في المتن الحكائي المغربي.. حين تشكل الأمثال والحكم وعي
...
-
مسرح البولشوي يحتفل بميلاد أسطورة الأغنية السوفيتية ألكسندرا
...
-
موعد مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 32 مترجمة video Dailymo
...
-
تدهور الحالة الصحية لنقيب الموسيقيين في مصر (صورة)
-
حرب الأتراك ضد البيزنطيين.. مسلسل قيامة عثمان 170 والموعد عل
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|